عدلي صادق يكتب تقديماً لكتاب "عشت في زمن عرفات"

عدلي صادق يكتب تقديماً لكتاب "عشت في زمن عرفات"
رام الله - دنيا الوطن
السفير الفلسطيني في الهند وعضو المجلس الثوري لحركة فتح يكتب تقديماً لكتاب أحمد عبد الرحمن ,"عشت في زمن عرفات" الذي نشرته دنيا الوطن حصرياً على مدار 28 حلقة ..

الى التقديم ..

ما كتبه العزيز أحمد عبد الرحمن، في هذه الشهادة على وقائع الأيام التي عاشها "في زمن عرفات"يستحق تقديراً عالياً، بسبب استثنائيتة وصدقيته غير المسبوقة، لا سيما وأن "أبا يَزَن" ينشره في هذه البرهة التي نقف فيها على خط الزلازل. فالرجل، فيما يروي، يُذكّر كل من تبقوا أحياءً من الذين عايشوا "الختيار" عن قرب، ومعهم سائر الذين عاشوا في زمنه؛ بتجربة ياسر عرفات، وبالكثير من أسرارها ومفارقاتها وخلفيات أحداثها، على النحو الذي يفيد الناشئة. كأن أحمد عبد الرحمن، فيما كتب، يزجر معايشي التجربة عن قرب، ويقول لهم إن الوقائع التي يعرفونها، لا ينبغي دفنها في مقبرة الذكريات، مثلما دُفنت حكايات كثيرة مع أصحابها الذين رحلوا. فقد رَسَمَ "أبو يَزَن" في هذا الكتاب، بريشة إعلامي وسياسي بارع، وبلغة متخطية للمحاذير، صورة الزعيم الوطني الفلسطيني الذي كان، وصورة الزعيم الذي ينبغي أن يكون. يخبرنا على امتداد الصفحات، أن في قلبه بقايا أمنيات، وأن موجة من الحنين قذفت به وحطت معه في قلب الأمس، لتتبدى خواطر الراوي مطروحة بكل التواضع والجرأة، في توصيف الأحداث وفي توصيف مواقف الأطراف التي شاركت في صنعها، لتصبح الشهادة جزءاً مهماً من وقائع التجربة الفلسطينية، ودرساً في التاريخ وفي السياسة، لا بد من وضعه في حوزة الأجيال!

في صفحات الكتاب، تسقط الكثير من علامات السؤال، وترتفع الأجوبة على النحو الذي يعطي ياسر عرفات حقه كاملاً. فقد تفضل هذا الوفي، بإعطائنا صورة عن الكثير مما دار في الخلفيات، وعن حقيقة مواقف الزعيم الشهيد، التي ظُلم في بعضها وتحمل بسببها الظنون. فـ "أبو عمار" عاش ومات عازفاً عن التنظير وعن الشرح الصريح لكل موقف بوضع النقاط على الحروف، وبتسمية الأشياء بأسمائها، مدركاً لحساسيات التعاطي مع عشرين نظاماً عربياً لا يتجانسون، وهي الحساسيات والمحاذير، التي جعلته يمشى على حبل مشدود، ويعتمد خطاباً تعبوياً، تكررت عباراته، حتى حفظها السامعون عن ظهر قلب، بل حتى ظن بعض السطحيين، الذين كانوا يتقصدونه بالنقد الجزافي لظاهر كل موقف؛ أن "الختيار" كان يخطو في السياسة بالسليقة وبلا حسابات أو خلفيات!

في توطئة الرواية، يقدم "أبو يَزَن" نفسه بلغة فاتنة، لعل أروع ما فيها بساطتها وتنبهها الذكي، لذميمة مديح الذات التي جعلت بعض الذين كتبوا، يوحون بأن أدوارهم بدأت كبيرة وحاسمة. وصف "أبو يَزَن" الشاب الذي كانه، بشيء من البوح الجميل، وعرض خلجات قلبه، منذ أن بدأ رحلة حياته في زمن عرفات، متدرجاً الى عمق تجربته، وصولاً الى معايشته، لأداء صاحب ذلك الزمن ومكابداته. لقد أكبرتُ في أحمد عبد الرحمن جملته التي لم تفقد حرارتها، وهو يصف أحداثاً وأنظمة حكم وقادة، على النحو الذي يمكن أن يثير امتعاض  وارثين لعروشهم في الحكم. ففي جملته تلك، إينما وقعت، ظل الكاتب، على الرغم من تبدل الأحوال في حياتنا وفي مرورنا وعبورنا وسفرنا، ملتزماً ــ في الإطار الزمني للرواية ــ بقائده ياسر عرفات. يصف الأشياء مثلما رآها الراحل. أي إن الماكث، قدّم الراحل بأمانة وبروح حانية. شرح الأول ما لا يستطيع الثاني شرحه، بعد أن أصبح في دار الحق، ولم يروِ روايته!

أخونا بسام أبو شريف، أهداني كتابه عن ياسر عرفات. لكنني عندما قرأت، شعرت أن الزعيم الفلسطيني حلّ ضيف شرف على رواية بسام عن نفسه. وصديقنا نبيل عمرو، اعطاني مخطوطة كتابه قبل النشر، وهي عن هاجس الجغرافيا في طباع وفي روح ياسر عرفات. وللحق، أعطى "نبيل" للزعيم الشهيد ياسر عرفات الكثير من حقه، بلغة أدبية جميلة، وإن كان ثمة بعض الهنّات، التي أحسست أن فيها شيئاً من التزيّد في التأويل والتعليل، أو في المداعبة على طريقته. غير أن "أبا يَزَن" أدخلنا الى مطبخ السياسة الفلسطينية في زمن عرفات، وقدم الزعيم الذي لا يختلف اثنان على براعته وصبره وحنكته، بصورته الحقيقية، في انفعالاته وتمنياته. ثم إن بعض اللقطات، كرّست حقائق مغايرة لما جرى الترويج له عن مواقف "الختيار"، من بينها ــ مثلاً ــ موقفه من الاحتلال العراقي للكويت. وكنت سمعت من ياسر عرفات شخصياً، حقيقة موقفه وحديثاً مستفيضاً منه، عن مسعاه الذي كان، للتوصل الى حل عربي، تنسحب بموجبه القوات العراقية من الكويت، انصافاً لإخوتنا الكويتيين وانقاذاً للعراق. وأحمد عبد الرحمن يشرح هذا الموقف ويؤكد عليه ويوضح ملابساته، على النقيض مما روّجه الإعلام، وردده رسميون عرب تقصدوا فلسطين، وتسببوا في الأذى لأبناء شعبنا في الكويت، بل وفي كل أرجاء الإقليم!

في رحلة عمره النضالي، كان وعي أحمد عبد الرحمن سابقاً على وعي كثيرين من شريحة النخبة الفلسطينية، وسبّاقاً الى الإفصاح عن قناعاته. بل إنه في بعض المواقف بدا وهو في صدد بعض الذين يحاولون تصدر المشهد الفلسطيني أو لعب أدوار مركزية؛ بمثابة معلّم صبور يترفق بأصحاب الرأي الآخر، ويصعد بهم الى سويّة المنطق أو يتركهم يهذرون. هو في سياق سيرته، يعرض لأحداث ووقائع مرت، في سياق التجاذبات التي عاشتها الحركة الوطنية الفلسطينية، ويقدم مواقف الآخرين مثلما سمعها، ويذكّر بمحطات وحوادث يتناساها بعض الذين عايشوها ويجهلها الأبناء من الناشئة. وهذا مهم وضروري مثلما هي مهمة وضرورية معرفة التاريخ التي تساعد على صناعة المستقبل. ففي الصراع الدائر في سوريا على سبيل المثال، لا يكترث الكثيرون بالأسباب والوقائع التي دفعت الشعب السوري للحراك الثوري ولكسر حواجز الخوف والذعر من عواقب الاعتراض. شعب شقيق مظلوم على مر عشرات السنين، يسومه نظام مستبد سوء العذاب؛ ينفجر يأساً من احتمالات الظفر بأي إصلاح ديموقراطي، وتتداعى الأمور لتمتطي الحراك السلمي مجموعات أصولية، هي في جوهر ثقافتها لا تقل استبداداً وفساداً عن سلوك النظام؛ فينصرف الاهتمام عن الطموحات المشروعة للجماهير في سوريا، ويصبح التركيز على شوائب المعارضة على النحو الذي يلامس التأييد للنظام!

أحمد عبد الرحمن في كتابه، يبلغ القاريء من الناشئة، ويُذكّر المعايشين لممارسات النظام السوري ضد الثورة الفلسطينية، بأن تعليقاً سياسياً إذاعياً له، جعل هذا النظام لا يكتفي بتدمير الإذاعة أو مصادرة معداتها، وإنما الى اعتقال العاملين فيها، ثم يُفرج عنهم بوساطة وسيط هو كمال جنبلاط الذي قتله النظام فيما بعد.

السجالات والأحداث الداخلية في الثورة الفلسطينية، استحوذت على جزء من هذا الكتاب المهم، وُعرضت التوجهات والاجتهادات والمواقف، مثلما رآها أحمد عبد الرحمن. لذا فإن شهادته تكتسي أهمية خاصة، على صعيدي الدقة في سرد كل حكاية والمغزى السياسي لها،  وهي بالتالي شهادة يعتمدها محفظة للحقائق، كل من لم يوالِ نظاماً عربياً واقتصر ولاؤه على ثورته وزعيمها ياسر عرفات. ومن النقاط اللافتة بالغة الأهمية، عرض "أبو يزن" للتناقض بين سلوك المعارضين وحقيقة مواقفهم على المستوى العملي من جهة، ومنطوق خطابهم الهجائي والتخويني المخادع من جهة أخرى.

على امتداد الكتاب، يفسر أحمد عبد الرحمن، الكثير مما التبس على جمهرة من المتابعين والدارسين. واقعة الانشقاق في "فتح" بتدبير المخابرات السورية، وانتقال ياسر عرفات غير الاعتيادي والجسور الى شمالي لبنان لكي يخوض معركة وجود الثورة مع جنوده، والعودة الى مصر التي لم تتجاهل القيادة الفلسطينية في أي يوم، أهميتها مهما كان حالها، وكان الكاتب حريصاً على تعيين الفارق بين الاختلاف مع القيادة المصرية في الرؤى والمواقف، والأهمية الجيو سياسية لمصر. ويشرح بصيغة سياسية رصينة، مزايا الانتقال الى تونس وللتحديات التي واجهتها قيادة الثورة أثناء وجود مقرها هناك، بدءاً من لحظة لم الأشتات والتقاط الأنفاس، وصولاً الى الانتفاضة الطويلة الثانية، التي فكت الطوق عن الثورة الفلسطنية وفتحت آفاق الجغرافيا لـ "طائر الفينيق". ويخصص "أبو يزن" الجزء الأخير من الكتاب، برؤية فلسطينية وطنية، لمكابدات عملية التسوية وللتطورات الإسرائيلية، ثم للانقلاب على هذه العملية، في سياق جرائم وهجمات وحصارات. ولأن كثيرين، يميلون الى وصف القضية الفلسطينية باعتبارها قضية الفرص الشائعة؛ فإن أحمد عبد الرحمن يجيب في الختام عن السؤال: هل أضاع "أبو عمار" فرصة السلام؟".

لهذه الأسباب فإن هذا الكتاب يستحق أن يُدرج في برامج التثقيف السياسي للوطنيين. سلمت يمين أحمد عبد الرحمن، وسَلِم قلبه وعوفيت صحته.

عدلي صادق

الكاتب الفلسطيني

عضو المجلس الثوري لحركة "فتح"

حلقات عشت في زمن عرفات كاملة :

الفصل الثامن والعشرون


الفصل السابع والعشرون


الفصل السادس والعشرون

الفصل الخامس والعشرون

الفصل الرابع والعشرون


الفصل الثالث والعشرون


الفصل الثاني والعشرون


الفصل العشرون


الفصل التاسع عشر


الفصل الثامن عشر


  الفصل السابع عشر
أحمد عبد الرحمن يروي شهادته : الانتفاضة الأولى تكسر الطوق وتعلن الاستقلال


الفصل السادس عشر

الفصل الخامس عشر




الفصل الرابع عشر


الفصل الثالث عشر



الفصل الثاني عشر

الفصل الحادي عشر


الفصل العاشر


الفصل التاسع


الفصل الثامن :

الفصل السابع:


الفصل السادس :


الفصل الخامس 


الفصل الرابع



التعليقات