دنيا الوطن تنشر فصول شهادة "أحمد عبد الرحمن" مع أبو عمّار : عشت في زمن عرفات .. الحلقة السادسة : اشتم الكفر لا الكفار

دنيا الوطن تنشر فصول شهادة "أحمد عبد الرحمن" مع أبو عمّار : عشت في زمن عرفات .. الحلقة السادسة : اشتم الكفر لا الكفار
رام الله -خاص دنيا الوطن
تواصل دنيا الوطن نشر كتاب أحمد عبد الرحمن أمين عام مجلس الوزراء في عهد الشهيد ياسر عرفات الذي أصدره بعنوان :"عشت في زمن عرفات" ..

الفصل السادس:

اشتم الكفر لا الكفار 


في أوائل أيلول 1973 وقعت حادثة ذات دلالة سياسية بالنسبة لحركة فتح. فقد اصطحب الرئيس حافظ الأسد معه إلى القاهرة للاجتماع مع الرئيس أنور السادات قائد الصاعقة  زهير محسن. وقد ظهر زهير محسن في الاجتماع وهو يرتدي الكوفية والعقال على غير عادته، والكوفية والعقال قد أصبحت ومنذ سنوات هي العلامة المميزة لأبوعمار. وبالطبع كانت العلاقات مع نظام الأسد متردية تماما، بسبب التضييق على العمليات الفدائية من الجولان وحتى على النشاط الفدائي في سوريا عامة، وكذلك علاقات الأسد مع الملك حسين وتحدي مصباح البديري قائد جيش التحرير الموالي للأسد لسلطة أبو عمار علنا في مجلته ( صوت فلسطين). ولم نكن ندرك وقتها حساسية الساحة اللبنانية لأي نظام في سوريا، سواء كان حافظ الأسد أو شكري القوتلي أو أديب الشيشكلي أو هاشم الأتاسي. فهناك إصرار في سوريا أن لبنان قد اقتطع من سوريا ولهذا لا توجد سفارات بين البلدين. وجاءت فتح بطروحاتها الاستقلالية لتدعم الاستقلالية اللبنانية. ومن الناحية العسكرية كان الأسد يعتبر لبنان خاصرته الضعيفة، ويعتبر العمليات الفدائية غير الخاضعة لأية سيطرة توريطا لسوريا في حرب لم تعد لها. ولهذا رفع شعاره المعروف "سوريا تحدد مكان وزمان المعركة حين تحقق توازن القوى مع إسرائيل".

وهذا الاجتماع في القاهرة الذي حضره زهير محسن بالكوفية والعقال، فهم منه أبو عمار أنه مؤامرة وانقلاب على الشرعية الفلسطينية، وبالطبع النظام في سوريا لاعب أساسي في الشأن الفلسطيني بعد خسارة الجبهة الأردنية. وقد أغلق الحدود مع لبنان في أحداث أيار 1973 بين الثورة والجيش اللبناني ضمن حساباته الخاصة. وفي مقر القيادة ( 23) استمعت بل شاركت في تحليل أسباب هذا الاجتماع الغريب في القناطر الخيرية في القاهرة، زهير محسن رئيس الصاعقة المرتبطة بسوريا وحزب البعث لا يمثل الشرعية الفلسطينية. ولماذا يقبل الرئيس أنور السادات حضوره لهذا الاجتماع على مستوى الرؤساء؟ وفي الليلة نفسها أجريت اتصالات عدة من دمشق مع الإذاعة في درعا لفضح المؤامرة وقلت لهم الجملة القديمة التي حفظتها من كمال عدوان وهي "اشتم الكفر لا الكفار" ولكني لم اكتف بما قلته على الهاتف، بل كنت في الصباح الباكر من يوم الخامس من أيلول 1973 في الإذاعة افضح المؤامرة والمتآمرين على فلسطين، وأقول بالحرف الواحد ما هذا الاجتماع في القناطر الخيرية؟ وما الذي يدبرونه ضد الثورة وضد فتح وضد الشرعية الفلسطينية؟ واعدت إذاعة التعليق أكثر من مرة ليسمعه القاصي والداني. وفي مساء اليوم التالي استدعيت إلى مقر (23) وكان هناك أبو جهاد وخالد الحسن وأبو المعتصم وأبو عمار سعد، المعتمد في سوريا، الذي تلا على الحاضرين إنذاراً من الرئيس الأسد نقله إليه كبير حراسه خالد حسين ويطالب الإنذار بتسليمي للضابطة الفدائية في دمشق على الفور وإلا فإن كل مكاتب فتح ستغلق في سوريا. وكان أبو عمار يومها قد سافر إلى  الجزائر لحضور اجتماع دول عدم الانحياز.

وساد الصمت الثقيل أجواء الجلسة بعد هذا الإنذار الخطير الذي يشكل تهديدا لوجود فتح وبالتالي للثورة. وكسر أبو جهاد الصمت الثقيل وقال لي: عليك أن تقرر، فأنت المطلوب لهم ولا يوجد لدي ثقة ما الذي يدبرونه ضدك بعد غضبهم الشديد عليك بسبب هذا التعليق وإذا كنت تفضل المغادرة إلى لبنان فهناك استعداد لتهريبك، لأنهم بالتأكيد وضعوا اسمك على الحدود للقبض عليك.

وقلت لأبو جهاد: فتح أهم مني والثورة أهم مني، ولا يمكنني أن أهرب إلى لبنان، ولهذا أنا مستعد لتسليم نفسي للضابطة الفدائية وليكن ما يكون.

في الواقع، هذا الموقف كان ما يطلبه أبو جهاد وأبو السعيد وأبو المعتصم وأبو عمار سعد، وكنت أدرك ذلك. ولكنهم يريدون أن اخذ هذا القرار دون أن يكون هناك إكراه لي، أي أن القيادة سلمتني للضابطة الفدائية وأمام هذا الموقف الذي أشاد به الحاضرون جميعا والكوادر والعناصر المحيطة بنا، قرر خالد الحسن ( أبو السعيد) واللواء احمد عفانة ( أبو المعتصم) أن يرافقاني إلى الضابطة الفدائية. ولمحاولة إنهاء الموضوع وتقديم الاعتذار وإظهار أن قيادة فتح متعاونة وليست ضد الرئيس الأسد، ودعت أبو جهاد الذي كان في غاية الحرج وقال لي: اطمئن لن يحدث شيء، وقلت له العبارات الثورية التي كنت وكان الجميع يرددها: المهم بقاء فتح والمهم بقاء الثورة.

وغادرت مقر (23) برفقة أبو السعيد وأبو المعتصم ولحقنا أبو عمار سعد إلى مقر الضابطة الفدائية في حي الشعلان. دخلنا  المبنى المحاط بالحراسات أبو السعيد وأبو المعتصم وانأ. وكان رئيس الضابطة المتجهم بانتظارنا، وقال لأبو السعيد وأبو المعتصم لم يكن هناك ضرورة لحضوركم، وبدون احترام لهما دخل ضابط وأدى التحية لرئيس الضابطة ثم وجه كلامه إلي وقال تفضل:

وقفت دون كلام وتبعته وسمعت أبو السعيد يقول لرئيس الضابطة: ما هذا العمل؟ أليس هناك احترام لوجودنا هنا في الضابطة، نحن لم نأت لتسليمه للضابطة بل لنعبر عن اعتذارنا. هذه إهانة لنا، سيقولون عندنا أننا وراء اعتقاله. ورد رئيس الضابطة قائلا: هذه هي التعليمات. أخذني الضابط الذي طلب مني مرافقته إلى قبو الضابطة الفدائية وهناك اخذ مني الساعة والحزام ورباط الحذاء والمحفظة، وربط عصابة على عيني وجرني من يدي وكان جيب عسكري بانتظاري حيث أجلسوني في المقاعد الخلفية بين جنديين، وطوال الطريق لم انطق بكلمة وكذلك من يجلس بجانبي ووصلنا المكان المقصود حوالي منتصف الليل، وما زلت معصوب العينين وبعد دقائق أمسك جندي بيدي وكان يرشدني كيف انزل الدرج وأخيراً وقف ووقفت كما أمرني، وسمعت صرير المفتاح في أحد الأبواب المغلقة وأدخلني إلى المكان وقبل أن يغلق الباب فك العصابة المشدودة على عيني وأخذها معه، ولمحت جنديا آخر كان يقف قرب الباب. ولكن ما هذا المكان؟ انه سرداب تحت الأرض بطول مترين والعرض لا يزيد على متر واحد وفيه مغسلة والحنفية مقلوبة إلى الأعلى وينزل منها الماء قطرة قطرة وبجانب المغسلة مرحاض رائحته قاتلة وفوق الباب لمبة تصدر ضوءا خافتا لا ترى منه يدك، والنوم على الأرض والحرام والمخدة والتي تسمى في لغة السجناء ( البرش) تصيب المرء بالغثيان بمجرد ملامستها. الآن اختلط الأمر أين هذا المكان بالضبط؟ وأخذت أمعن النظر في الجدران التي تحيطني من كل جانب، إنها مليئة بالكلمات المخيفة بل المرعبة. وأخذت اقرأ ويكاد وجهي يلتصق بالجدار. انه سجن المزة الشهير في التاريخ السوري في كل العهود. وقد يكون بناه الفرنسيون لسجن المعتقلين السياسيين أيام الانتداب. قد يكون سجن هنا سلطان باشا الأطرش، وربما سجن هنا خالد العظم وشكري القوتلي وأكرم الحوراني وهاشم الأتاسي. في الواقع لم أجد أسماء هؤلاء الذين قرأت تاريخ كفاحهم من أجل الاستقلال. كانت الأسماء غير معروفة. والبعض يكتب انه محكوم بالإعدام وان الحكم سينفذ في يوم كذا، وانه بريء، وعبارات كثيرة تمزق القلب. وفي الحقيقة أصابني الرعب والخوف من المصير الذي ينتظرني. فمن يدخل هذه الزنزانة مصيره معروف فهو الإعدام أو السجن المؤبد. المعتقل في هذا المكان لا تصله الشمس، ولا يرى إلا الجدران الأربعة، لان الباب كذلك جدار أصم. وبدأت أعرف الأوقات من مواعيد وجبات الطعام الذي يقدم للمعتقل من تحت باب الزنزانة. ففي الصباح وجدت كأسا من الفخار فيه شاي هربت منه الحرارة وقطعة جبن من النوع المعروف ( البقرة الضاحكة) وقطعة خبز سميكة وداكنة. أما الماء فعلى المعتقل أن يشرب بكفة يده من الحنفية وان يصبر زمنا طويلا حتى تتجمع قطرات الماء ليروي ظمأه.

بعد عدة أيام، وبعد الوجبة الثالثة التي تقدم في المساء، جاء عسكري وفتح الباب وأخرجني من الزنزانة. وكان عسكري آخر بانتظاره، وسرت بينهما وهما يمسكان بي حتى لا أهرب. إلا أنهم تعودوا على هذا السلوك. وبالطبع لم انطق كلمة واحدة معهما، ورأيت المكان الآن قبل أن اصعد الدرج الذي لا يزيد على أربع درجات. إن المكان الذي أنا فيه هو فعلا تحت الأرض. وأدخلوني إلى غرفة مضاءة وفيها مسؤول يجلس وراء طاولة وبجانبه مساعده يعبث بأوراق كثيرة بين يديه، وكأي سجين يشعر بالضعف والخوف أمام سجانه، مددت يدي للسلام على المسؤول فلم يمد يده، تراجعت إلى الوراء وحاولت الجلوس على كرسي، فانتهرني بشدة وقال: قف أنت سجين ولست زائرا وكنت حافي القدمين.

وقفت وتسمرت في مكاني، إلا انه بعد قليل سمح لي بالجلوس بعيدا في زاوية الغرفة وطلب من مساعده أن يسلمني رزمة من الأوراق وطلب مني أن اقرأها. الأوراق كانت عبارة عن " رُلّ "  كالذي تستخدمه وكالات الأنباء، والكلام فيه مطبوع وليس بخط اليد، ومن السهل قراءته، وبدأت اقرأ وأقلب الأوراق، إن ما اقرأه هو مكالماتي من مقر القيادة في ال (23) وحتى المكالمات من منزلي في دمشق للشباب في الإذاعة، وكلها محددة باليوم والساعة ورقم الهاتف الذي تحدثت منه مع الإذاعة، وبعد أقل من نصف ساعة أعدت الأوراق لمساعده الذي كان يقف فوق رأسي تماما مما كان يشعرني بالضيق الشديد من وجوده. تحدث الضابط الكبير بغضب وحدة وهو  يقول "اشتم الكفر لا الكفار"هذه هي ألاعيب ياسر عرفات، انتم عصابة من الخونة والعملاء وتدعون أنكم تحررون فلسطين؟ وحاولت الرد عليه في محاولة لامتصاص غضبته المضرية وقلت: أنتم وطنيون ونحن كذلك وطنيون، وهناك خلافات في وجهات النظر، وهذا يحدث في العائلة الواحدة ونحن نحرص على علاقتنا بسوريا.

قاطعني الرجل بحدة شديدة وهو يقول: نعم نحن وطنيون أما أنتم فعملاء، وقلت بصوت منخفض: لا... لا... لسنا عملاء.

وتراجعت حدة صوت الضابط وهو يقول: للأسف، أنتم خرجتم في غفلة من التاريخ وهذا ياسر عرفات (.........) مغموس بعسل الشعب الفلسطيني، وقد تلفظ بكلمة بذيئة ضد أبو عمار أترفع عن كتابتها، لكنها واضحة في سياق الكلام.

وسألني سؤالا مباشرا  هذه المرة.

هل هذا كلامك أم أوامر ياسر عرفات؟

- إنه كلامي وأنا المسؤول عنه، وياسر عرفات يحضر مؤتمر عدم الانحياز.

- إذن أبو جهاد من لقنك هذا السباب والشتائم على سوريا ومصر؟

- لم يلقني احد هذا الكلام، وأنا مسؤول عنه سواء كان خطأ أو صوابا.

وصاح في الجنود الواقفين بجانبي وقرب الباب _ خذوه من وجهي.

وأعادني الجنود إلى الزنزانة تحت الأرض وقد أكون حسب وجبات الطعام قد أمضيت في هذه الزنزانة خمسة أيام أخرى إلى أن فتح العسكري الباب في اليوم السادس، وظهر رجل يضع نظارات وسماعات مدلاه على صدره، إنه الطبيب الذي يزور المذلين المهانين تحت الأرض هنا في سجن المزة بدمشق، وهناك عدة زنازين بجواري لا أسمع منها صوتا أو حركة وقرأ الطبيب اسمي في الكشف الذي بين يديه وقال لي: أنت فلان، مدير إذاعة الفلسطينيين؟ قلت له نعم.

وطمأنني حين قال بقاؤك هنا خطر على حياتك.

وبعد ساعات جاء الجنود وأخذوني من هذا القبر الذي يدفن فيه البشر وهم أحياء إلى مكان آخر، ولأول مرة رأيت السماء ورأيت الشمس ورأيت الفضاء، والآن وضعوني في زنزانة على سطح الأرض مضيئة وأمامي ساحة الفسحة للسجناء الذين يقضون عقوبتهم في سجن المزة ولكن في القاووش فوق الأرض وليس في زنزانة تحت الأرض.

وفي الساحة لمحت الشباب العاملين معي في الإذاعة وهم سجناء، وكانوا يسيرون معا، وتعرفت عليهم من شقوق باب الزنزانة ذات الخمسة نجوم فهذا محمد  سليمان، وهذا سامي سرحان وهذا خالد مسمار، وهذا يحيى العمري وهذا هشام السعدي، وهذا عيسى الشعيبي وهذا عطا خيري وهذا عارف سليم والمذيع عطية شعث. وهذا الاعتقال للعاملين في الإذاعة معناه أن المخابرات السورية قد أغلقت الإذاعة وسجنت جميع العاملين فيها بعد اعتقالي بيوم واحد وربما في نفس الليلة، وعرفت حين خرجت من سجن المزة، أنهم فككوا الإذاعة ودمروا المبنى واعتقلوا جميع العاملين واستولوا على المحطة الاحتياط وهي هدية من الصين الشعبية.

بعد أسبوع آخر في الزنزانة الجديدة جاء من أخرجني إلى غرفة مدير سجن المزة، وكان هناك أبو عمار سعد الذي تسلمني رسميا، وأعادوا لي أغراضي الشخصية، وفيما بعد قال لي أبو جهاد ما قاله له حكمت الشهابي عني هذا الشاب عنيد وصلب، عليكم المحافظة عليه ولم أرو لأبو عمار الكلمات البذيئة التي قالها الضابط الكبير ضده حرصا على عدم توسيع شقة الخلاف مع النظام في سوريا، وقد عرفت أن أبو عمار غضب غضبا شديدا من اعتقالي ومن إغلاق الإذاعة ومصادرة الجهازين الأول الذي اشتراه محمود رباني من شركة فيليبس والجهاز الآخر وكان هدية من الصين الشعبية، وأثار أبو عمار قضية اعتقالي على مستوى الرأي العام الفلسطيني واللبناني والعربي، وفي الصفحة الأولى من جريدة النهار، نشرت الصحيفة يوم 13/9/1973 صورتي وخبر اعتقالي وتدمير  مبنى الإذاعة، كما كان أبو عمار وراء الاجتماع الجماهيري في قاعة جمال عبد الناصر في الجامعة العربية احتجاجا على اعتقالي وتدمير الإذاعة.وقد توسط كمال جنبلاط لإطلاق سراحي وزار دمشق واجتمع مع الرئيس الأسد الذي استجاب لوساطة جنبلاط وأمر بإطلاق سراحي في نفس اليوم الذي اجتمع فيه مع جنبلاط.

وحين وصلت مقر القيادة في (23) وجدت مهند العراقي وأبو زهير الدويك بانتظاري ولديهم تعليمات من أبو عمار بتسفيري إلى بيروت عن طريق دير العشاير- ينطا، الذي لا يخضع للرقابة العسكرية السورية.

استقبلني أبو عمار بالعناق  في الفاكهاني مقر قيادة ال (17) وكذلك أبو إياد وأبو اللطف وأبو صالح واختصرت الحديث معهم تماما وقلت: كانوا يريدون أن يعرفوا إذا كان ما أذعته ضد لقاء القناطر الخيرية بأمر من أبو عمار أم لا؟

وقلت لهم: إنه موقفي وكلامي ولا أحد غيري مسؤول عنه، وقد حاول الضابط الكبير لعدة أيام أن ينتزع اعترافا مني بأن القيادة مسؤولة عن هذا الكلام ضد الاجتماع الذي حضره زهير محسن بالكوفية والعقال، ولكني أصريت على موقفي بأنه كلامي وأنا مسؤول عنه.

ونفيت أن أكون قد تعرضت للضرب أبداً، وبسطت فترة الاعتقال إلى أقصى حد، وما عانيته فيها وقلت كلها أسبوعين في المزة، وهي مدة لا تذكر، فأبو عمار وأبو جهاد اعتقلا لأكثر من شهرين من قبل السلطات السورية.

وفيما بعد علمت أنه في الوقت الذي كنت فيه معتقلا في سجن المزة اعتقل أحد المسؤولين في الإذاعة السورية، أما سبب سجنه فيتعلق بأبي عمار، حيث كانت إذاعة دمشق تحاول نقل خطاب الأسد من قمة عدم الانحياز في الجزائر فإذا المتحدث أبو عمار، وألقى خطابه كاملا من إذاعة دمشق ولم يتمكن القسم الفني في الإذاعة من قطع الاتصال عن أبو عمار، وبعده تحدث الرئيس الأسد. وهذه الجريمة الفنية أدت إلى اعتقاله.

ومن الأمور المثيرة للسخرية فيما بعد أن صاحب المنزل، وهو شقة /دور أرضي، الذي كنت أسكن فيه قد أجبر على رفع دعوى أمام المحكمة لطردي من المنزل بتهمة أنني بعثي عراقي، وربما لفقوا شهود زور أمام المحكمة التي أصدرت الحكم بمصادرة الشقة وإعادتها إلى مالكها الأصلي.

بعد خروجي من السجن ووصولي إلى بيروت استدعاني أبو إياد لمكتبه، وجلسنا سويا لأكثر من ساعة، واستفسر إن كنت قلت للسوريين أي كلمة تسيء للقيادة، فأكدت له بشكل قاطع أن هذا لم يحدث، وقد أسَرَّ أبو إياد لي بأن الرئيس السادات أبلغه بأن اللقاء الذي جمعه مع الرئيس الأسد كان للتحضير للحرب، وأنهما متفقان على ساعة الصفر، أما حضور زهير محسن فالأسد يريد أن يرفع من شأنه ليحل محل ياسر عرفات بعد الحرب، فالأسد لا يثق بأبي عمار أبداً. إلا أن الرئيس السادات أبلغ أبو عمار باعتزامه محاربه إسرائيل وطلب منه إرسال قوات من الفدائيين إلى قناة السويس. أما أبو عمار فلم يحدثني بهذا الموضوع أبداً، إلا أنه استبقاني قريبا منه، كان يأخذني في سيارته إلى الجنوب وإلى البقاع وإلى الفدائيين في مواقعهم، وكان يدعوهم للاستعداد الدائم، "لأن أمامنا أياماُ صعبة"هذه الجملة كان يرددها أينما ذهب.

وكانت علاقتي قد توثقت أكثر فأكثر مع أبي عمار حين اصطحبني معه لحضور مهرجان الشباب العالمي في برلين في تموز 1973 وقد قمت في برلين بعمل كان بالنسبة لأبو عمار عملا خارقا، وكان ممثل فتح والمنظمة في برلين في ذلك الوقت نبيل قليلات وهو شاب مثقف هادئ ومتزن. وأعد لمشاركة أبو عمار برنامجًا حافلاً حيث يحضر أبو عمار كل المناسبات التي تضم الآلاف من الشباب المجتمعين من أنحاء العالم. وبحكم أن الحرب في فيتنام ضد الأمريكيين كانت حربا بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي في حقبة الحرب الباردة، فإن فيتنام هي العنوان العريض لكل تجمع في الدول الاشتراكية. وفي أحد المهرجانات، والتي كان يحضرها عشرات الآلاف جلسنا على المنصة، وأمامنا منصة عريضة تصعد إليها الفرق الفنية والمتحدثون، وفجأة ظهر شاب فيتنامي وبيده علم الثورة العالمية يرفعه بيده، وفي تلك اللحظة قفزت إلى حيث الشاب الفيتنامي وبقوة خارقة أخذت منه العلم  وناديت أبو عمار الذي قفز بدوره وسلمته العلم وهو بارع في التقاط اللحظة والحركة المناسبة. فأخذ يلوح به لأكثر من خمس دقائق، وهتف الجمهور "بلستينا.. بلستينا... بلستينا"من آلاف الحناجر وظل أبو عمار يردد زمنا طويلا أنه تسلم راية الثورة العالمية في برلين، دون أن يشير إلى ما قمت به من قريب أو بعيد.

وحين عدنا إلى بيروت اقترحت على أبو عمار أن تُصدر مجلة "فلسطين الثورة" ولم أكن قد تسلمت رئاسة تحريرها بعد، عدداً خاصا حول زيارته إلى برلين ومشاركته في مهرجان الشباب العالمي، وقد رحب بالفكرة، وهو المعلم الكبير في الإعلام والعلاقات العامة، وكنت قد أحضرت معي من برلين صور مشاركة أبو عمار في المهرجان ولقاءه مع هونيكر وزياراته لمختلف الأماكن ولقاءاته مع رؤساء الوفود من مختلف أنحاء العالم. وأشهد أن المصورين الألمان بارعون في التقاط الصورة الأفضل وبالألوان. وقمت بكتابة المادة المطلوبة لتغطية وقائع الزيارة يوماً بيوم، موثقة بالصور الملونة. هذا العمل أدهش أبو عمار فعلا، وطلب توزيعه على القوات وفي المخيمات وفي الخارج، ولكل ممثلي فتح والمنظمة أينما وجدوا وفروع اتحاد الطلاب ودائما. وأبداً كان أبو عمار يحرص على إقامة أوثق العلاقات مع اتحاد الطلبة قبل أي قطاع آخر ويبرر ذلك بأنه كان أول رئيس لاتحاد الطلبة الفلسطينيين في القاهرة وكان يسمى"رابطة طلاب فلسطين".

وكانت هذه العلاقة التي توطدت مع أبو عمار في برلين سببا قويا لغضبه الشديد لاعتقالي وإغلاق الإذاعة وكذلك طلبه من كمال جنبلاط التوسط لإطلاق سراحي.

ولا بد أن أذكر هنا أن أول لقاء بين أبو عمار وحزب "راكاح" الشيوعي الإسرائيلي الذي يضم عرباًً ويهوداً قد تم في برلين على هامش مهرجان الشباب العالمي، حيث رتب الألمان هذا اللقاء خارج برلين وبسرية تامة. كان توفيق طوبي رئيسا لوفد راكاح ومعه صليبا خميس والثالث كان شيوعياً إسرائيلياً يعمل في جريدة الحزب. وكنت الوحيد الذي حضر هذا اللقاء من بين الأعضاء في القيادة الموجودين في الوفد الفلسطيني إلى المهرجان. وبقي اللقاء سرياً، لأن إسرائيل تعتبر المنظمة منظمة إرهابية وتعاقب بالسجن من يجتمع بأي عضو يعمل في المنظمة. ودعاة الرفض والقوميون لا يميزون بين راكاح والليكود. وإسرائيل عندهم كتلة صماء حتى لو كان الحزب الذي نجتمع مع  قادته هو حزب راكاح وهو حزب الفلسطينيين في إسرائيل، حزب توفيق طوبي وتوفيق  زياد وإميل حبيبي صاحب رواية "المتشائل"، وتوفيق زياد "على صدوركم باقون كالجدار" ومحمود درويش "آخر الليل نهار". وبالطبع قدمني أبو عمار لهم واعتبرني عضوا في القيادة.  وفي الحقيقة لم أكن عضواً في أي إطار قيادي. وقد كان هذا اللقاء بداية علاقات مستمرة مع حزب راكاح بلغت ذروتها واستمرت مع اعتماد المجلس الوطني الفلسطيني لبرنامج النقاط العشر، وفي العمل المشترك في يوم الأرض 30 آذار 1976. وأما اللقاء الثاني فكان مع محمود درويش الذي كان ضيف الشرف على المهرجان ويقيم في أهم فندق في برلين وهو فندق "شتادت برلين "الذي يبدو وكأنه ناطحة سحاب. وساعدني نبيل قليلات لترتيب اللقاء مع محمود درويش. وكنا قد التقينا لفترة وجيزة في القاهرة وفي مقهى تابع لفندق سميراميس واسمه "ملح وفلفل." ورحب محمود درويش بلقاء أبو عمار المقيم في فيلات اللجنة المركزية. وبالفعل كان أبو عمار في قمة السعادة وهو يصافح محمود درويش ويرحب به وأصر على دعوته إلى بيروت في أي وقت يختاره، وفيما بعد كنت أداعب محمود درويش وأقول له: شعبنا محظوظ، فلدينا القائد العام والشاعر العام ".

وحين غادر محمود درويش مع نبيل قليلات لمتابعة برنامجه مع الألمان، وكانوا يحيطونه برعاية كاملة، قال لي أبو عمار "لا يجوز أن يبقى محمود درويش بعيدا عن الثورة، يجب أن يأتي إلى بيروت ويعيش معنا، وماذا يفعل في جريدة الأهرام في القاهرة؟ نحن بحاجة إليه، وجوده بيننا في بيروت أفضل له ولنا، ولم يمض سوى عام واحد حتى كان محمود درويش في بيروت وفي مركز الأبحاث مشرفاً على مجلة شؤون فلسطينية، وفي نوفمبر 1974يسافر مع أبو عمار إلى الأمم المتحدة، وتلك العبارات التاريخية في خطاب أبو عمار من يكون  مبدعها غير  محمود درويش؟

في السادس من أكتوبر اندلعت الحرب العربية الأولى ودمر الجيش المصري خط بارليف واخترقت القوات السورية جبهة الجولان في عدة مواقع. ودخل أبو عمار الحرب بفتح النار على المستعمرات الإسرائيلية في شمال فلسطين، وأطلق عليها تسمية الجبهة الرابعة. أما الجبهة الثالثة فكانت داخل فلسطين وكان أبو عمار قد أعدَّ مقراً لقيادته في البقاع ومنها كان يتحرك ويصدر التعليمات والبيانات العسكرية. وفي داخل فلسطين نفذت المقاومة عدة عمليات ضد قوات الاحتلال ومراكزه ومستوطناته. واقتصر دوري في هذه الحرب على كتابة التعليقات السياسية، وإبراز العمليات العسكرية التي تضرب المستوطنات. وكانت المجلة (فلسطين الثورة) تصدر يومياً على شكل جريدة طوال مدة الحرب وبعدها حتى نهاية شهر أكتوبر، لان أبو عمار رفض قرار وقف إطلاق النار وظل في حالة حرب إلى أن طلب لبنان رسميا منه الالتزام باتفاق القاهرة، وبعد أن  اعترف المشير أحمد إسماعيل بالمشاركة الفلسطينية في الحرب إلى جانب مصر وسوريا، أي أن مصر وسوريا وفلسطين هي القوى التي خاضت الحرب ضد إسرائيل.

وكان التفاؤل يطغى على الجميع وكانت مصر وسوريا على وفاق كامل، سياسي وعسكري، رغم الخلاف على توقيت الموافقة المصرية على قرار وقف إطلاق النار. وأما الأردن فلم يدخل الحرب وأغلق حدوده في وجه الفدائيين. وهذا الموقف جعل  موافقة الأنظمة على قرار التمثيل في قمة الجزائر في نوفمبر 1973 لصالح المنظمة أمراً مفروغاً منه رغم اعتراض الأردن. وصدر القرارعلى النحو التالي: "منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، " وأما في القمة العربية في الرباط أكتوبر 1974 فقد أصر أبو عمار على القرار التالي حول التمثيل "منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. " وهكذا انتهى عربيا الدور الأردني في التمثيل  الفلسطيني، ورضخ الملك حسين للقرار العربي على مضض. وفي أجواء التفاؤل هذه بقرب الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة عام 1967 جن جنون الساحة الفلسطينية، وبدأت المعارك السياسية والفكرية بين الفصائل وداخل كل فصيل ولم تنج فتح من هذه المعركة، وكانت مجموعة الإعلام الموحد الذي يتولى مسؤوليته محمد ميزر وحنا مقبل (أبو ثائر) وأبو نضال غطاس ومي صايغ ومعين بسيسو وزياد عبد الفتاح مسؤول وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، لا تخفي مناهضتها  "للحلول الاستسلامية والدولة الفلسطينية الهزيلة "وكان يدعم فريق الإعلام  ناجي علوش وهو قومي الاتجاه ومنير شفيق الأقرب إلى الخط الصيني بدل الخط السوفياتي. وكان واضحاً أن توجه اللجنة المركزية بقيادة أبو عمار أخذ يقترب من الرؤية العربية بأن المهمة الراهنة هي تحرير الأراضي المحتلة عام 1967 وليس التحرير الكامل لفلسطين كما ينادي تيار الرفض المدعوم من القيادة العراقية والليبية.  وفي هذا الجو اجتمعت اللجنة المركزية وقررت تغيير طاقم الإعلام، وعينت ماجد أبو شرار مسؤولا للإعلام الموحد، وأحمد عبد الرحمن المسؤول التنفيذي للإعلام الموحد، ورئيسا لتحرير مجلة فلسطين الثورة، وكان علي أن أذهب إلى بغداد لاستعادة فريق إذاعة صوت العاصفة في درعا الذي أرسلته القيادة إلى بغداد أثناء الحرب وبعد الخروج من سجن المزة لتشغيل صوت فلسطين من بغداد. وفي الأسبوع الأول من العام 1974وصلت في بغداد قادماً بالطائرة من بيروت، وكان أبو نضال ( صبري البنا) هو ممثلنا في بغداد، وقد خدم في السودان بعد مغادرتي فلم تسنح الفرصة للقاء بيننا، وفي المؤتمر الثالث الذي حضرناه سوياً كان رجلا غامضاً وشكاكاً ومرتبكاً وكأنه يخفي أمراً، والحق أنه كان معارضاً لما قلته في المؤتمر الثالث.

وطلبت من أبو نضال تجهيز شباب إذاعة درعا للمغادرة إلى بيروت للعمل معي ومع ماجد في الإعلام الموحد. وقد رفض في البداية، إلا أنني جمعت الشباب فأصروا على مغادرة بغداد.  وقد كانت علاقتي وطيدة مع جميع الشباب سواء خلال عملنا في إذاعة درعا أو في سجن المزة الذي جعل منا فريقا موحدا في وجه كل الظروف. وأسقط في يد أبو نضال أمام إصرار الشباب على مغادرة بغداد للعمل في الإعلام الموحد. وكان الرجل حاداً ومتعصباً لرأيه إلى حد اعتبار من يخالفه في الرأي خائناً واستسلامياً وحتى عميلا للعدو. وفي نقاش عنيف بيننا قلت له ذات يوم: إن الاتحاد السوفياتي يدعم الخطة المرحلية الفلسطينية أي بمفهوم ذلك الزمان تحرير فلسطين على مراحل، فإذا به يرد علي بكل عنف وعصبية ويقول: الاتحاد السوفياتي لا يؤيد هذه الخطة الأمريكية الصهيونية ولا يدعم المرحلية.

قلت له: وهل تعتقد أن الاتحاد السوفياتي مع القضاء على دولة إسرائيل وهو الدولة الثانية التي اعترفت بإسرائيل لحظة قيامها في 15 أيار 1948 وبعد الولايات المتحدة مباشرة؟.

ورد أبو نضال بأن السوفيبت قطعوا العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ردا على عدوان الخامس من حزيران.

 قلت له: هذا شيء مختلف عن القضاء على دولة إسرائيل.

وإذا به يصر على رأيه ويقول هذه الليلة سأدعو  السفير السوفياتي في بغداد للعشاء معي ومعه في منزله.

 وقلت له: إذا كان السفير السوفياتي مع رأيي وموقفي هل تغير رأيك وموقفك؟

قال: مستحيل أن يكون السوفيات مع إسرائيل والأمريكان.

تناولنا العشاء مع السفير السوفياتي الذي لم يكن يعرف الرهان على موقفه، وبدأنا حديثا عاما حول قرار 338 وسابقه القرار 242 والحديث عن الدعوة لمؤتمر جنيف، وكيف استنفر بريجنيف القواعد الذرية لوقف التوغل الإسرائيلي في مدن قناة السويس، وكيف هرع كيسنجر إلى موسكو لترتيب وقف الحرب وإصدار القرار 338، والأسلحة التي قدمها الاتحاد السوفياتي لمصر وسوريا أثناء وبعد الحرب، وأخيراً سأل أبو نضال السفير السوفياتي: هل الاتحاد السوفياتي مع إزالة آثار عدوان 1967؟

وكان هذا السؤال مفاجئا للسفير السوفياتي الذي رد بإسهاب وقال الموقف الذي يحفظه غيبا: طبعا نحن مع إزالة آثار العدوان ومع الانسحاب الإسرائيلي الكامل من جميع الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة عام 1967، ويعمل الاتحاد السوفياتي على المستوى الدولي لهذا الغرض. وتوقف السفير عند هذه النقطة وكأنه لم يدرك ما يرمي إليه سؤال أبو نضال مما اضطر أبو نضال لإعادة السؤال ولكن على نحو مختلف حيث قال:

الأخ أحمد يقول أنكم مع قيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع ومع تحرير فلسطين على مراحل.  فرد السفير قائلا بالطبع نؤيد حق الفلسطينيين في إقامة دولة لهم في هذه الأراضي الفلسطينية المحتلة. وجن جنون أبو نضال الذي قال للسفير بعصبية ولكن موسكو قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل وتعتبر الصهيونية حركة عنصرية وعميلة للامبريالية الأمريكية.

وقال السفير وقد أدرك إلى أين يريد أبو نضال أن يصل، أن إسرائيل دولة موجودة وتعترف بها الأمم المتحدة، ولا مجال على المستوى الدولي لأي حديث عن إزالتها من  الوجود.

وأسقط في يد أبو نضال ولم يجد ما يقوله لا لي ولا للسفير، بل أجزم إنه كان يغلي في داخله ولا يدري ما يقول وبصعوبة ودعنا أبو نضال عند الباب وعلمت من العاملين معه أنه لم يلتق السفير السوفياتي بعد ذلك أبدا. وراح يهاجم الاتحاد السوفياتي. وفي السنوات العشر الأخيرة قبل انتحاره في بغداد بعد اكتشاف علاقته المخابراتية والمالية مع دولة الكويت، أرسل لي طردا ملغوما لمنزلي في تونس واكتشف أمر الطرد الملغوم قبل أن يصل إلي وبعدها أمر أبو عمار بشراء سيارة مصفحة أتنقل بها داخل تونس ووضع حراسة على منزلي ومكتبي. وسبب إرسال الطرد إلي تحديدا أنني كنت في ذلك الوقت مسؤولا للإعلام الموحد والناطق الرسمي باسم المنظمة وردا على اغتيال الناطق الرسمي لجماعة أبو نضال في بيروت في نفس الفترة نهاية الثمانينات. دبر أبو نضال إرسال الطرد الملغوم لي من خلال جماعته الموجودة في ليبيا في ذلك الوقت. وقد ألقى الأمن التونسي القبض على الشابين اللذين سلما الطرد الملغوم للمنزل وأعادهما بعد التحقيق معهما إلى ليبيا. وكنت في تلك الفترة قد كتبت "رسالة إلى العقيد القذافي "تناولت فيها بعض تصريحاته ومواقفه والتي لم أكن أراها تخدم توحيد الجهد العربي ضد إسرائيل.

الفصل الخامس 


الفصل الرابع




التعليقات