دنيا الوطن تنشر فصول شهادة "أحمد عبد الرحمن" مع أبو عمّار : عشت في زمن عرفات .. الحلقة الحادية عشر: تفاصيل اغتيال القائد سعد صايل

دنيا الوطن تنشر فصول شهادة "أحمد عبد الرحمن" مع أبو عمّار : عشت في زمن عرفات .. الحلقة الحادية عشر: تفاصيل اغتيال القائد سعد صايل
رام الله - دنيا الوطن
تواصل دنيا الوطن نشر كتاب أحمد عبد الرحمن أمين عام مجلس الوزراء في عهد الشهيد ياسر عرفات الذي أصدره بعنوان :"عشت في زمن عرفات" ..

الفصل الحادي عشر:

اغتيال القائد سعد صايل


يوم أسود لا أنساه، إنه يوم 27 أيلول 1982، إنه يوم اغتيال العميد سعد صايل "أبو الوليد" في البقاع اللبناني. ظهرت صورة أبو الوليد على شاشة التلفزة، وكنت في ميلانو الإيطالية بدعوة من صحيفة "اليونيتا،" صحيفة الحزب الشيوعي الإيطالي. وقال لي أحد الشباب الفلسطينيين: إن الخبر غير مؤكد، بل يقول المذيع نقلا عن وكالات الأنباء انه تعرض لمحاولة اغتيال حيث أطلقت النار على سيارته في البقاع. وبدأت على الفور أبحث عن أي شخص في دمشق أو تونس لمعرفة ما الذي حدث؟ وهل أبو الوليد على قيد الحياة؟ وهل هو في المستشفى؟ ومن أطلق النار على سيارته؟ وقلت للشاب في دمشق:  أنا فلان، أريد أن أسأل ما الذي جرى مع أبو الوليد؟ فرد بصوت يملأه الحزن وقال "يسلم راسك"، ومعنى هذه الجملة أن أبو الوليد قد اغتالته يد آثمة في البقاع. ورغم التوتر العصبي الذي أصابني أعدت الاتصال ثانية وطلبت أن أتحدث مع أبو عمار مباشرة، وخلال ثوان معدودة كان صوت أبو عمار بلهجته المصرية يقول لي "يسلم راسك" خسرنا قائدا شجاعا، اغتالته الفئة الباغية، خسرنا الحبيب أبو الوليد، هذا شهيد الثورة، شهيد فلسطين، شهيد الأمة، ولن يفلت المجرمون من العقاب وستطالهم يد الثورة. وفي الواقع لم يكن ممكننا أن أسأل أبو عمار عن هذه الجريمة التي هزت كياني بل قلت لأبوعمار: سوف أحضر إلى دمشق لأودع الشهيد أبو الوليد ولا يمكنني أن لا أحضر جنازته. وقال أبو عمار: يا أحمد إخوانك كلهم يقومون بالواجب ولا حاجة لحضورك وأنت تعرف الأسباب. إلا إنني أكدت له تصميمي على حضور جنازة أبو الوليد، ولا يمكنني تحت أي اعتبار مهما كان أن أتغيب عن جنازة صديق عزيز علي وعلينا جميعا. وأمام إلحاحي، أدرك أبو عمار أنني مصمم على السفر إلى دمشق للمشاركة في وداع أبو الوليد. إنه الوداع الأخير لصديق أنقذني من موت محقق حين شدني من يدي قبل دقائق من القصف الإسرائيلي على غرفة العمليات التابعة للقطاع الغربي. وكان يمكنه أن يمضي ويتركني. وبينه وبين نفسه كان أبو الوليد يعتبر أن حياة جديدة قد كتبت له يوم "القنبلة الفراغية" التي أزالت بناية الصنايع من الوجود. وكان إصراري عليه لتناول الغداء معا في البناية القريبة من فندق "الكومودور"كان هذا الإصرار سببا في نجاته من موت محقق. والحقيقة أن العلاقة الشخصية والصداقة الوطيدة كانت قوية إلى درجة جعلتنا نفكر ونعمل بطريقة أن كل خطوة نخطوها في الحصار والحرب تفرض التفكير في الآخر. ولهذا اعتبرنا نحن، الاثنين، علاقتنا اليومية الدائمة سببا في نجاتنا من موت محقق. وبالطبع هذا الجنرال الفلسطيني، خريج الكليات العسكرية في بريطانيا وأمريكا، كان صارما إلى درجة القسوة مع الضباط والجنود الذين يقودهم، وليس لديه هامش لرفع الكلفة مع أي ضابط أو جندي ما دام يرتدي الزي العسكري. وكان يقول لي دائما: "الانضباط أساس الحياة العسكرية. " وأول من يجب أن يفرض عليه الانضباط هم الضباط في الجيوش. أسأل عن الضابط قبل الجندي. أخذت أستعيد علاقتنا وصداقتنا طوال اثني عشر عاما من أيلول 1970 وحتى أيلول 1982. وكنت أنتظر أن يتصل رئيس حرس الرئيس فتحي "سلبد" معي لتأمين وصولي إلى دمشق في اليوم التالي. اتصل فتحي وأخذ اسمي حيث كنت أحمل الجواز الجزائري، وأجرى الحجز المطلوب للسفر. وقمت على الفور بالتوجه إلى مطار ميلانو ومنها إلى فيينا، حيث قضيت تلك الليلة، وفي الحقيقة لم أنم طوال الليل، وقبل الفجر غادرت إلى المطار حيث تقلع الطائرة من مطار فيينا في السادسة والنصف صباحا إلى دمشق. وفي آخر اتصال بيني وبين فتحي قال لي: إن أحد الأصدقاء سيأخذك من باب الطائرة إلى مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك.

حطت الطائرة على أرض مطار دمشق بعد العاشرة بقليل، وفتح باب الطائرة، وظهر شخص قبل أن ينزل الركاب وقرأ اسم التاجر الجزائري، فنهضت وسرت وراءه وهبطنا سلم الطائرة. كان جيب عسكري على مقربة من الطائرة، وركبت في المقعد الخلفي وانطلق الجيب العسكري إلى مخيم اليرموك ولم يسألني هذا الرجل أي سؤال طوال الطريق، ولم يتكلم مع السائق. وحين دخلنا مخيم اليرموك كانت الجنازة في طريقها إلى مقبرة الشهداء، وكان عشرات الآلاف يودعون هذا القائد الذي اغتالته يد آثمة. وقريبا من المقبرة قال لي الرجل: المقبرة قريبة، وقلت له ألف شكر. وقفزت من الجيب واندفعت بين الكتل البشرية باتجاه المقبرة. وقد وصلت في لحظة الدفن والناس كلهم يتدافعون لوداع أبو الوليد وأفسحوا لي المجال لإلقاء النظرة الأخيرة على النعش والناس يهللون ويكبرون وأنا يعتصرني الحزن والغضب.

كيف حدث هذا معك يا أبو الوليد؟ وحين ظهرت أمام القبر مباشرة لمحني أبو عمار بعيون الصقر التي وهبها الله له، وكان يقرا الفاتحة بصوت عال. ودون أن أنتبه كان حارسان من حرس الرئيس يمسكان بيدي ويشقان الطريق إلى حيث أبو عمار وأعضاء القيادة الكثيرين. وقال أبو عمار: وصلت أخيرا، إبقى بجانبي. " وأبو عمار بذاكرته الجبارة لا ينسى أن المخابرات السورية اعتقلتني بعد جنازة عز الدين القلق الذي اغتالته جماعة أبو نضال في آب 1978. وكانت العلاقات مع نظام الأسد في أسوأ حالاتها بعد حصار بيروت ومغادرة أبو عمار إلى أثينا وتونس بدل دمشق. بعد الجنازة مباشرة توجه أبو عمار إلى نادي مخيم اليرموك القريب لتقبل التعازي من عشرات الآلاف الذين يتدفقون على المخيم لتقديم التعازي. ومن المعروف أن التعازي تستمر ثلاثة أيام إلا أن الذي حدث في ذلك اليوم جعل أبو عمار يوقف التعازي ويقرر المغادرة إلى تونس. وفي الطائرة، أخبرني أبو عمار أن عبد الرحمن خليفاوي رئيس الوزراء السابق الذي جاء لتقديم العزاء على رأس وفد كبير من وجهاء دمشق نصح أبو عمار بالاكتفاء بيوم واحد للعزاء ومغادرة دمشق ما دام الرئيس الأسد لم يستقبله ولم يرسل مندوبا عنه لتقديم التعازي. وقال عبد الرحمن خليفاوي لأبو عمار: لا بد من العمل على إعادة الثقة إلى العلاقات بينكم وبين الرئيس الأسد. وصلنا تونس مساء ذلك اليوم الأسود. فالثورة خسرت أبو الوليد والأسد لا يريد أن يرى أبو عمار في دمشق. والأزلام فيها أصبحوا اليوم جهابذة في البيانات الثورية، فهم ضد مغادرة بيروت، وهم ضد مبادرة ريغان. وبالطبع المتهم أبو عمار والمتهمة فتح.

 إنه الصراع المرير مع نظام حافظ الأسد الذي يصر على الاحتواء بنفس درجة إصرارنا على استقلالية القرار الوطني الفلسطيني. ويستمر هذا الصراع ولبنان تحت الاحتلال ودماء صبرا وشاتيلا لم تجف بعد، وهناك أكثر من أربعة آلاف شاب فلسطيني أسرى لدى العدو في معتقل بلدة الخيام وفي معتقل أنصار. ومن السذاجة بمكان أن يعتقد أحد في هذا العالم أن أبو عمار البعيد الآن آلاف الأميال عن فلسطين قد يهدأ له بال آو يقبل بالمصير الذي آل إليه. وفي أوتيل سلوى حول مكتبه المتواضع إلى مكتب القائد العام وأخذ يشكل اللجان العسكرية، هذه لجنة لبنان وهذه لجنة الأرض المحتلة وهذه لجنة القوات المنتشرة في أكثر من بلد عربي. ويرتب مكتب الرئيس ويجمع الكوادر في كل مجال. واذكر انه بعد عودتنا المحزنة من دمشق، وكنت إلى جانبه وهو يتمشى في اوتيل سلوى فإذا به يقول لي: ماذا تفعل أنت هنا؟ وقلت له: أوامرك. فأمر أحد المرافقين بإحضار طاولة وكرسي وقلم وورقة وقال لي إجلس، وأملى علي عدة أخبار عن المقاومة الفلسطينية اللبنانية لقوات الاحتلال الإسرائيلي في لبنان. وقال لي عليك إبراز أن عمليات المقاومة في الجنوب، هي عمليات القوات المشتركة الفلسطينية اللبنانية. وكان أبو عمار ومكتبه وطاقمه المصدر الوحيد للمعلومات والأخبار. وخلية النحل هذه تعمل ليل نهار في استقبال الاتصالات وفي رصد الإذاعات. وقمت ليوم أو يومين بإعادة صياغة هذه الأخبار. وهكذا عادت للصدور وكالة "وفا" للأنباء من تونس. وتولى زياد عبد الفتاح وفريقه  إصدارها  يوميا كما لو أنهم في بيروت.

وذات يوم، قلت لأبو عمار: مركز بيروت الإعلامي الذي خسرناه يجب تعويضه. وقدمت له المشروع الذي وافق عليه واستمر العمل فيه حتى قيام السلطة وانتقال أبو عمار ومركز القرار للداخل. فبالإضافة لصدور "فلسطين الثورة" من قبرص، فتحنا مركزا آخر في قبرص لتلقي الأخبار من لبنان ومن الداخل، وكذلك مركزا آخر في روما، ومركزا ثالثا في واشنطن. وكان الاقتراح الثاني أن نصدر مجلة أسبوعية في باريس ومجلة أو جريدة في لندن. وبالفعل قمت بالاتصال مع عبد الباري عطوان وبكر عويضة وهما يعملان  في صحيفة "الشرق الأوسط" وحضرا إلى تونس لهذا الغرض. وتبلور الاتفاق على إصدار "القدس العربي والدولي" اليومية من لندن بالاتفاق مع صاحبها محمود أبو الزلف والذي كلف ابنه وليد بهذا العمل. أما إصدار المجلة فقد اتصلت مع بلال الحسن الذي حضر إلى تونس وقدم مشروعه لإصدار مجلة في باريس باسم "اليوم السابع". وقد وافق أبو عمار على المشروعين لتعويض خسارتنا لمركز بيروت الإعلامي وهو المركز الأهم في الشرق الأوسط. وكان الاقتراح الآخر الذي قدمته لأبو عمار ووافق عليه، يتعلق بالشاعرين  العظيمين محمود درويش ومعين بسيسو، حيث قلت لأبو عمار أن محمود ومعين منارات مضيئة أينما ذهبوا وأرى أن يكون لمحمود درويش عنوان وإقامة في باريس، ولمعين بسيسو عنوان وإقامة في لندن. ويكفي أن يعرف الناس بوجودهم ويكفي أن يصافحوا الناس ويتكلموا معهم. ورحب أبو عمار بالفكرة وأصدر أمره لحكم بلعاوي ونحن في صالة الشرف في مطار تونس لتنفيذ المطلوب.

تولى حكم بلعاوي الإشراف بنفسه وطوال ثلاثة أشهر على إقامة البنية التحتية لحركة فتح والمنظمة في تونس فانتشرت المكاتب والمؤسسات من مركز القيادة ومقر القائد  العام في حمام الشط وحتى في قلب تونس في المنزه السابع وإلى المرسى وسيدي بو سعيد وقرطاج وصولا إلى وادي الزرقا حيث القوات العسكرية البعيدة عن العاصمة تونس أكثر من 100كم. بدأت الماكينة السياسية والإعلامية الفلسطينية بالعمل في كل الجهات، وبدأت الأضواء العالمية تتسلط على تونس. ففيها مقر الجامعة العربية التي يتولى الشاذلي القليبي أمانتها العامة منذ عام 1979 بعد توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وانتقال مقر الجامعة إلى تونس. والى تونس انتقلت منظمة التحرير الفلسطينية التي أخذت تحتل حيزا هاما في السياسة الدولية. وجاءت مجزرة صبرا وشاتيلا لتحرك على نحو غير مسبوق الرأي العام الدولي. وحتى في إسرائيل تظاهر أكثر من 400 ألف إسرائيلي احتجاجا على هذه المجزرة التي تبقى شهادة إدانة لإسرائيل على مدى التاريخ. فإسرائيل التي تحتل الأرض الفلسطينية وتنكر وجود هذا الشعب وتعمل على إبادته وتشريده تجد من يقدم لها الحماية في الولايات المتحدة الأمريكية وفي دول أوروبا الغربية.

وفي إطار فضح مجزرة صبرا وشاتيلا وفضح المسؤولية الكاملة لشارون وإيتان عنها، قمت بشراء مئات الصور من وكالة "سيجما" الفرنسية التي استطاع مصوروها أن يلتقطوا صور المجزرة لحظة وقوعها وأصدر "توماس فريدمان" تقريره الشهير عن مجزرة صبرا وشاتيلا والذي حصل على جائزة بوليتزر لأفضل تقرير صحفي لعام 1982. وأصدر الصحفي الإسرائيلي "أمنون كابليوك" تقريره التفصيلي بالساعة واليوم عن مجزرة صبرا وشاتيلا. وقد قمنا في الإعلام بترجمته ونشره، وكذلك تقرير فريدمان وتقرير جمعية الصداقة اليابانية مع الشعب الفلسطيني، والتقرير الصادر في إيرلندا عن المجزرة وأشرف عليه حامل جائزة نوبل "سين ماكبرايد." وبدأت المطابع ودور النشر التونسية تعمل معنا بكل حرية ودون رقابة وكانت تتقبل منا كل ما نود نشره أو طباعته وحتى أخذت تتولى توزيعه عالميا. وفي الذكرى السابعة عشر لانطلاقة فتح أشرفت على تنفيذ حملة إعلامية كبيرة لتعويض خسارتنا لموقع بيروت. واستعنت بالفنانيين التشكيليين من تونس ومصر وفلسطين وحتى البولنديين المشهورين في مجال الملصقات السياسية. وقد تعرفت على العديد من الفنانين حيث كنا قد  أقمنا في بيروت عام 1980 معرض الفن العالمي الذي أشرفت عليه الرسامة والنحاتة منى السعودي. وللأسف فان الغارة الإسرائيلية الأولى يوم الخامس من حزيران عام 1982 دمرت وأحرقت مركز الفن العالمي في بنايات الصادق القريبة من كلية الهندسة.

 ومن مقر أبو عمار في الفاكهاني، وفي إطار هذه الحملة أخذت موافقة أبو عمار على شراء أي كتاب يصدر عن فلسطين على مستوى العالم. وبدأنا بإرسال هذه الكتب إلى القيادات السياسية ومراكز الأبحاث والجامعات، وحتى مكتبة الكونغرس الأمريكي وكذلك الجامعات الفلسطينية والأعضاء العرب في الكنيست الإسرائيلي. وقرر أبو عمار إحياء الذكرى السابعة عشرة لانطلاقة فتح في مدينة عدن1/1/1983 ورحب رئيس اليمن الديمقراطي علي ناصر محمد بأبي عمار وبفتح في عدن، وهو شخصية وطنية تختلف بشكل ظاهر عن شخصية عبد الفتاح إسماعيل الذي كان يعتبر نفسه "سوسلوف" الماركسية اللينينية في اليمن الديمقراطي. وأراد علي ناصر محمد أن يدعم أبو عمار وفتح ردا على ما يمكن تسميته التحالف بين عبد الفتاح إسماعيل ونايف حواتمة وجورج حبش اليساريين.

وانتقلنا من صنعاء إلى عدن من خلال طائرة روسية الصنع ذات محركات. وكان أبو إياد وآخرون على متن الطائرة التي أخذت تتمايل وتهتز وتصعد وتهبط فوق سلسلة الجبال اليمنية. وقد وصلنا عدن بعد معاناة طويلة. وفي ساحة كبيرة في مدينة عدن جرى الاستعراض العسكري الكبير لقوات فتح والثورة وجيش التحرير. وأراد أبو عمار أن يوصل رسالة بالطبع لإسرائيل قبل غيرها أن القوة العسكرية الفلسطينية سليمة ومعافاة وقادرة على العمل. وأثناء الاستعراض العسكري الذي حضرته جماهير غفيرة يمنية وفلسطينية وقف أبو عمار إلى جانب رئيس اليمن علي ناصر محمد لأكثر من ساعتين حتى مرت كل التشكيلات العسكرية التي أحضرها أبو عمار من السودان وتونس والعراق لهذا الغرض. واللقطة الأخيرة في هذا الاستعراض أنه ركب سيارة مكشوفة مع علي ناصر محمد وطاف في مكان الاستعراض لتحية الجماهير المحتشدة.

وقد حضر العقيد أبو موسى من دمشق كما حضر أعضاء المجلس الثوري وأعضاء المجلس العسكري العام الذين توجهوا إلى دمشق بعد مغادرة بيروت. وكالعادة، استمع المجلس الثوري الذي انعقد في عدن للتقرير السياسي الذي يقدمه أبو عمار في العادة. والخلاصة أنه كان يستنهض الهمم ويحارب اليأس والإحباط دون أن يترك عليه ممسكا سياسيا كالذي تتحدث عنه سوريا وفصائل المعارضة. وكانت مفاجأة هذه الدورة للمجلس الثوري في عدن هي خطاب العقيد أبو موسى، وبالأصح مذكرة العقيد أبو موسى، التي وزعت على أعضاء المجلس مكتوبة ومطبوعة وجاهزة للتوزيع. وكان واضحا أن هذه المذكرة قد جرى إعدادها في دمشق قبل السفر إلى عدن. فأنا أعرف أبو موسى جيدا منذ عام 1970، بأنه شاب وطني، ولغته ومصطلحاته في العموم وطنية وليست فكرية وايديولوجية كتلك التي يحرص أبو خالد العملة أن يحفظها عن ظهر قلب ليبدو متميزا عن غيره. وكنا أنا وماجد أبو شرار نتغاضى عن هذه الفذلكة اللغوية ونقول هذه مدرسة أبو فارس وإلياس شوفاني. وحتى حين نزور أبو صالح في منزله نتندر معا حول عبارات أبو خالد الثورية ونقول: "رايح عالحج والناس راجعة" ولكن ما الذي جرى للعقيد أبو موسى حتى يكتب، أو يكتبون له، مذكرة موجهة للمجلس الثوري وهو أبعد ما يكون عن لغة ومواقف هذه المذكرة.

وقد كان أبو عمار قد رفض تعيينه رئيسا لغرفة العمليات المركزية بعد اغتيال العميد سعد صايل (أبو الوليد).

 وطوال فترة طويلة كانت رئاسة أركان جيش التحرير الفلسطيني وغرفة العمليات المركزية نقطة صراع بين كبار الضباط في جيش التحرير وفي حركة فتح. وكان أبو عمار، ومعه كل الحق في ذلك، يحرص على أن تكون هذه المواقع تحت إمرته المباشرة بسبب التدخلات العربية الرسمية في الشتات الفلسطيني. وحده العميد أبو الوليد كان موضع ثقة أبو عمار وأعضاء مركزية فتح لأنه رجل عاقل ومتوازن في قراراته وأحكامه. وضابط محترف وفلسطيني لا تلعب الأهواء والطموحات برأسه. ولديه تجربة طويلة وغنية في الحياة العسكرية والعامة. ولكل هذه الصفات كان موضع ثقة أبو عمار وموضع ثقة القيادة. أما بعد استشهاده فقد احتفظ أبو عمار فعليا بصلاحيات غرفة العمليات المركزية فهو القائد العام. فالصراع مع نظام حافظ الأسد والملك حسين جعل أبو عمار يخترع، في جيش التحرير، وظيفة مسير لشؤون جيش التحرير لإبعاد رئيس الأركان الموالي لنظام الأسد عن قيادة الجيش، وأسوأ هذه الصراعات بدأت منذ عام 1967 مع عثمان حداد وصبحي الجابي، ومصباح البديري، وكان آخرهم طارق الخضرا الذي اختتم دوره في خدمة نظام الأسد بأن أصدر البلاغ العسكري رقم واحد للانقلاب على أبو عمار أثناء مواجهة الانشقاق في طرابلس، وبالطبع هذا البلاغ العسكري جعل طارق الخضرا موضع سخرية القاصي والداني، وخاصة عندما شاهده الناس على شاشة التلفزيون السوري وبلباسه العسكري الكامل ويقرأ بلاغه العسكري رقم واحد لإطاحة ياسر عرفات  تماما كما كان يفعل ضباط الجيش السوري من عام 1949 وحتى عام 1971، حين أطاح حافظ الأسد بنور الدين الأتاسي وصلاح جديد وأقام حكما وراثيا تتقاطع  مصالحه مع مصالح القوى الإقليمية. وأذكر أن مصباح البديري قد جاء إلى بيروت في حزيران 1976 للسيطرة على الفاكهاني وطرد الثورة وأبو عمار. إلا أن هذا الصراع في جيش التحرير بين الاستقلالية الفلسطينية والاحتواء السوري، قد فضح مؤامرة مصباح البديري ومعه زهير محسن وأحمد جبريل وعاصم قانصو، وجاء إلى مقر فلسطين الثورة الضباط من جيش التحرير الذين يرفضون الوصاية وطلبوا مني أن أكتب لهم البيان المعروف ضد مصباح البديري حيث تم طرده وترحيله إلى دمشق. بعد اجتماع المجلس الثوري في عدن قال لي أبو عمار "خذ بالك المؤامرة كبيرة" وأضاف قائلا: أبو صالح وأبو موسى والعملة كانوا مع أحمد جبريل في ليبيا وقبضوا خمسة ملايين دولار. وكانت مبادرة ريغان فرصة لا تعوض لأبو عمار لايجا د موطئ قدم له وللمنظمة في الأردن. والملك حسين السياسي المجرب والمحنك كان قد أرسل أحمد اللوزي رئيس الديوان الملكي ومروان القاسم وزير الخارجية إلى أثينا لاستقبال أبو عمار وتهنئته على سلامته. وأن الملك حسين يرحب به في عمان. وقد استقبل الأردن بعد بيروت آلاف الأفراد والجنود والضباط والسياسيين من كل الفصائل ومن فتح. ولا يضير الملك حسين أن يعود هؤلاء إلى الأردن ما داموا أفرادا وليسوا مؤسسات تذكر الملك بالدولة داخل الدولة التي كانت قائمة في الأردن حتى أيلول الأسود 1970.

قبل أبو عمار دعوة الملك حسين فقام بهذه الزيارة في أكتوبر 1982، وكان يهدف من ورائها إلى ترطيب الأجواء مع الملك حسين ولم يقل يومها إنه يرفض أو يقبل مبادرة ريغان بل قال إنها تحت الدراسة ونحتاج إلى مزيد من التوضيح لبعض بنودها الغامضة. إنه ترك الباب مفتوحا مع الملك حسين ولا يريد أكثر من ذلك. وللتاريخ أقول هنا إن أبو عمار لم يطرح يوما قضية إسقاط النظام الملكي في الأردن ولم يكن يؤمن بهذه الشعارات الطنانة والفارغة التي ملأت رؤوس الكثيرين في فتح والفصائل حول قيام نظام حكم ديمقراطي في الأردن بعد أيلول 1970. وحين وافقني بعد معركة الأحراش في تموز 1971 على ما أعلنته في إذاعة درعا من إلغاء اتفاق أريحا وحل وحدة الضفتين قال لي: نحن نريد فلسطين وطننا والأردن هو الأردن وفلسطين هي فلسطين. وهذه الأوضاع العربية التي تشكلت بعد سايكس _ بيكو ليس من السهل إلغاؤها بالقول إن العرب أمة واحدة. هم نعم أمة واحدة. ولكن هناك أقطارا موجودة ولها خصوصياتها شئنا أم أبينا. وبسبب هذا الفهم العميق للواقع العربي كان أبو عمار ضد تجاوز الخطوط الحمر في لبنان. وترك أبو عمار في لقائه مع الملك حسين الباب مفتوحا على الحديث السياسي وعلى المستقبل أما الذي طلبه واستجاب له الملك حسين فهو أن يتردد أبو جهاد على الأردن تحت غطاء اللجنة المشتركة الأردنية الفلسطينية والموجودة من عام 1979. وهدفها صرف مبلغ مئة مليون دولار قررتها قمة بغداد لتعزيز صمود أهلنا في الداخل.

 ومن عمان توجه أبو عمار إلى بغداد. وكانت الحرب العراقية الإيرانية في ذروتها، والكفة راجحة لصالح الإيرانيين وقد أغلق الإيرانيون شط العرب واحتلوا ميناء "الفاو" وقد حاول أبو عمار في البداية التوسط لوقف الحرب ولكنه فشل تماما. وحين تقدم الإيرانيون في الأراضي العراقية وقف علنا إلى جانب العراق. وظل يطالب  بوقف الحرب، ولكن لا أحد يسمعه وهو الغارق حتى أذنيه في معضلة البقاء بعد خسارة بيروت.

وفي زيارته لبغداد كان محمد أبو ميزر"أبو حاتم" ضمن الوفد الذي سيجتمع مع صدام حسين. وكانت هذه أول مرة أزور فيها بغداد منذ أكثر من ثماني سنوات. وكان العراق قد وافق على استقبال الآلاف من قواتنا التي غادرت بيروت. وأصدر صدام قرارا بمعاملتهم كما يعامل أفراد الجيش العراقي. وكان واضحا أن هذا اللقاء بين أبو عمار وصدام حسين يخدم الطرفين. فصدام يريد فلسطين إلى جانبه وأبو عمار يريد ملاذا له ولثورته في العراق. وكان اللقاء الثاني مع طارق عزيز حميما للغاية حيث هيأ طارق عزيز بتعليمات من صدام حسين مقرا دائما لأبو عمار وأهداه صدام طائرة خاصة لتنقلاته. وأراحه من العبء المالي الكبير للقوات التي وصلت العراق. وقد طلب مني أبو عمار أن اقنع محمد أبو ميزر "أبو حاتم"وهو على معرفة جيدة بصدام حسين أن يقبل تعيينه ممثلا لفتح والمنظمة في العراق. إلا أن أبو حاتم اعتذر. وكان أبو أكرم قد انتهت مدة انتدابه في العراق. وبقي عزام الأحمد الذي عينه أبو عمار بعد فترة وجيزة ممثلا لفتح والمنظمة في بغداد. كان عزام طالبا في العراق ومسئولا عن تنظيم فتح، وسجنه أبو نضال "صبري البنا" ولكنه ظل فتحاويا صلبا في بلد فيه حزب قومي عقائدي. وجماعة أبو نضال الإرهابية، ولم تكن لي أية علاقة مع العراق، بل كانت علاقة عدائية. فقد اغتالت المخابرات العراقية في بيروت مدير تحرير مجلة فلسطين الثورة "خالد العراقي"، وكنت بقرار من أبو عمار المسؤول عن العلاقة مع الشيوعيين العراقيين والمصريين على حد سواء. كما أن أبو نضال "صبري البنا" ومن مركزه في بغداد، اغتال سعيد حمامي وعز الدين القلق وهما من أعز أصدقائي من أيام الجامعة. واغتال نعيم خضر في حزيران 1981. وحين انتقل من بغداد إلى دمشق وأصبح يعمل مع المخابرات السورية اغتال في لشبونة في البرتغال د. عصام سرطاوي في نيسان 1983. وارتكب جريمته الكبرى باغتيال القادة التاريخيين أبو إياد وأبو الهول ومعهم ضابط الأمن أبو محمد العمري في تونس في 15 كانون الثاني 1991.

 تجنب المسئولون العراقيون أي حديث عن وجود أبو نضال في بغداد، وتجنبنا من جانبنا أي إشارة له بل حرصنا على فتح صفحة جديدة مع حزب البعث في العراق.

وكانت ستة أشهر قد مضت بين قمة فاس وبين الدورة السادسة عشرة للمجلس الوطني في الجزائر والتي تقرر عقدها في 14-22 شباط 1983. ولم ينس أبو عمار أن قادة الفصائل، ومعهم أبو صالح، قد غادروا بعد القمة مدينة فاس المغربية في طائرة حافظ الأسد عائدين إلى دمشق. وطلب مني أبو عمار أن أسافر إلى الجزائر لترتيب الأمور بالنسبة للصحافة العالمية. وقدم الجزائريون لنا كل التسهيلات، والموافقة على أي صحافي أو شبكة تلفزيون نطلب السماح لها بدخول الجزائر لتغطية دورة المجلس الوطني الأولى بعد زلزال بيروت 1982. ولم أكن أعلم أن اللجنة المركزية لفتح قد جمدت عضوي اللجنة المركزية أبو صالح وسميح ابوكويك (قدري). وحين سألني مسؤول الأمن الجزائري عن الموقف من أبو صالح الذي يصل ليلا إلى عنابة برفقة نايف حواتمة ومنها إلى الجزائر، قلت له، وكنت صادقا، لا علم لدي. وكانت لديه معلومات أفضل مني. فقال إنه ليس عضوا بالمجلس الوطني وليس مدعوا لحضور المجلس. وبدا أن مسؤول الأمن الجزائري يعرف أمورنا أكثر مني. ولهذا لم أفتح فمي بكلمة ولم أجتهد بشيء. بل قلت له: لست مسؤولا عن هذه الأمور، مسؤوليتي تنحصر بترتيب أمور المراسلين والصحافيين. وتركته وذهبت إلى الفيلات التي يقيم فيها أبو عمار وباقي أعضاء القيادة واختليت بأبي عمار لمدة دقيقة ولم أكد أنطق اسم أبو صالح حتى قال لي: يجب أن يعود من حيث أتى، إنه ليس عضوا في المجلس، وكان في قمة العصبية والغضب. وتركني وعاد إلى الصالون حيث القيادات وأعضاء من المجلس يناقشون افتتاح دورة المجلس يوم غد 20/2/1983. وبناء على طلب أبو عمار، أعيد أبو صالح من حيث أتى وبقي في مطار عنابة حتى موعد إقلاع الطائرة العائدة إلى دمشق. ولم تسمح له السلطات الجزائرية بالوصول إلى مدينة الجزائر العاصمة.

بدأت المؤسسات والإدارات المختلفة تعمل كالمعتاد في تونس منذ أكتوبر 1982 إلا أنها تشكو من "كعب أخيل" فلا توجد مخيمات ولا توجد معسكرات تدريب، ولا أشبال أو زهرات. علمت أن أبو عمار بدأ العمل وأنشأ بيت أطفال الصمود لأبناء الشهداء ومدرسة القدس لأبناء المقاتلين والعاملين في المؤسسات والإدارات. ومطار تونس يستقبل يوميا الشباب والعائلات الذين تقطعت بهم السبل بعد رحيل الثورة من بيروت عام 1982، وقيادات المنظمات الشعبية وهي بنص أبو عمار قاعدة من قواعد الثورة وقاعدة من قواعد المنظمة.

أتت هذه القيادات كلها إلى تونس وأصبح لها مقرات، وترسل الوفود إلى الخارج وتستقبل الوفود الأجنبية بكل حرية وتصدر البيانات وتوقع الاتفاقات المشتركة. وقد أوجد أبو عمار الأطر التنظيمية التي يستطيع من خلالها ربط هذه المنظمات بالمستوى السياسي. إلا أن الخروج من ممر الماراثون، وهي الحدود والمناطق المتاخمة  لفلسطين إلى تونس وإلى السودان وإلى الصحراء الليبية على حدود تشاد والصحراء الجزائرية وإلى اليمن بشطريه الشمالي والجنوبي، لا يمكن تعويضه بحيوية أبو عمار لإبقاء الأطر والكادر في حالة استنفار وخوفا من الترهل الذي يتسلل إلى البشر في غياب المهام اليومية. ولهذا وجدت أن علي أن أكتب ردا على الأصوات التي خرجت من دمشق وقالت "ماذا يفعل ياسر عرفات في تونس؟ إنه يقضي وقته على شواطئ تونس،، وكتبت هذا الرد في جريدة الصباح التونسية وهي الجريدة الأولى في تونس. وأذكر أنني قلت في الرد: ليس المهم البعد أو القرب الجغرافي من فلسطين، إنما المهم هو استقلالية الإرادة والقرار من أجل تحرير فلسطين. فهل المتشدقون في دمشق يجرؤون على إطلاق طلقة واحدة أو قذيفة واحدة من الجولان ضد إسرائيل؟ وقرأ أبو عمار التعليق المنشور في جريدة الصباح التونسية وأمر بتوزيعه على القوات والمكاتب عله يجيب على الأسئلة التي جعلت بعض الشباب يغادر المعسكرات ويطلب اللجوء السياسي في أوروبا. وفي الحقيقة فإن خط الاستقلالية الوطنية في الوجود والقرار والفعل كان يلقى صدى إيجابيا وتقبلا من أغلبية الكوادر القيادية. ولهذا ظل الإطار القيادي قويا ومتماسكا رغم هذا التشتت لقواتنا وكوادرنا في الدول العربية. والذي أنقذ وضعنا في هذا التشتت ليس حملتنا الإعلامية والتعبئة السياسية وحدهما بل إصرار أبو عمار على العمل في أقسى الظروف ومن حيث يظن العدو أن وسائله قد انتهت وما عليه سوى أن يقبل بالمصير الذي آل إليه، وهو في أحسن الأحوال اللجوء السياسي.

خرج أبو عمار من دورة المجلس الوطني السادسة عشرة منتصرا. وهذا عزز مكانته العربية والدولية، وفتح صفحة جديدة مع الملك حسين ومع صدام حسين. وكان قد عينني ناطقا رسميا باسم المجلس الوطني الفلسطيني وكانت المهمة سهلة مع الصحافيين والمراسلين الأجانب. إلا أن مشكلة صغيرة قد واجهتني وكانت تتعلق بإصرار د. عصام السرطاوي على الحديث في المجلس الوطني أو عقد مؤتمر صحافي. وهذه كانت مسؤوليتي. وقد أخبرت أبو عمار بما طلبه د. السرطاوي. فقال لي: ليس هذا وقت حديث السرطاوي في المجلس، ولا تدعو له الصحافيين حتى لا يبدو وكأن ما يقوله هو موقف رسمي لفتح أو المنظمة. وقد حاولت إقناع الدكتور السرطاوي ولكن عبثا. وغادر الجزائر غاضبا وفوجئت في الأسبوع التالي أن مجلة "الحوادث" اللبنانية قد أجرت معه حديثا مطولا. ولم يترك تهمة إلا والصقها بي، وليس أقلها أنني يساري وأنني مرتبط مع المخابرات السوفيتية. ولسوء الحظ فلم يتسن الوقت للقائه أثناء حضوره إلى تونس وهو يواصل عمله في الاشتراكية الدولية. ففي نيسان 1983 وكان يحضر في لشبونة مؤتمر الاشتراكية الدولية أطلق عليه النار أحد القتلة من جماعة أبو نضال فأرداه قتيلا. وقد ألقي القبض على القاتل وسلمته البرتغال لمنظمة التحرير الفلسطينية حيث جرت محاكمته واعترف بجريمته ونال العقاب الذي يستحق. ويبدو أن أبو نضال "صبري البنا" قد بدا في تلك الفترة بنقل جماعته من بغداد إلى سوريا ولبنان وأن اغتيال د. عصام السرطاوي كان وراءه قرار سوري.

وفي آذار 1983 سافر أبو عمار إلى دمشق. وقام بجولة في منطقة البقاع، وأحس بما يحاك في الخفاء ضد وحدة فتح. فأصدر القرارات الشهيرة بالتنقلات العسكرية، ومنها  إلحاق أبو موسى وأبو خالد بمقر القيادة. وأما زياد الصغير فعينه ملحقا عسكريا في باكستان وعبد المنعم ملحقا في ألمانيا الديمقراطية.

كانت هذه الضربة الإستباقية من أبو عمار كافية لكشف مؤامرة الانشقاق. فرفض أبو موسى وأبو خالد هذه القرارات حتى ولو كان من أصدرها هو القائد العام. ورفضها أبو صالح وقدري. ورغم تراجع أبو عمار عن الكثير من هذه التنقلات بين الضباط، إلا أن أبو صالح وقدري ومعهم أبو موسى وأبو خالد، طالبوا بعقد مؤتمر عام للحركة خلال شهر وطالبوا بتسمية نصف أعضاء المؤتمر، وبموقع نائب القائد العام، وبمواقف سياسية تجعل من حركة فتح والمنظمة مجرد بوق للسياسة السورية. ولم يمض غير أسبوعين حتى كان أبو موسى يذهب إلى البقاع ويسيطر على مقر كتيبتين من كتائب قوات اليرموك ويعلن أنه يقود حركة تصحيحية للقضاء على الخيانة والانحراف. كان هذا الإعلان يوم 9/5/1983. واستطعت في ساعة متأخرة من الليل أن أتحدث مع أبو عمار وكان في دمشق، ولم يكن بحاجة إلى تشجيعي الذي سمعه مني في دقائق معدودة. وقاطعني كعادته وقال أنت جاهز؟ قلت له: أوامرك سيدي القائد العام. فقال لي: لاقيني في طرابلس بأسرع وقت ممكن. فقلت له غدا سأتوجه إلى قبرص ومنها إلى طرابلس. وسمعته يقول بارك الله فيك وهو يغلق الخط الهاتفي.

الفصل العاشر


الفصل التاسع


الفصل الثامن :

الفصل السابع:


الفصل السادس :


الفصل الخامس 


الفصل الرابع