دنيا الوطن تنشر فصول شهادة "أحمد عبد الرحمن" مع أبو عمّار : عشت في زمن عرفات .. الحلقة الرابعة عشر: الوصول إلى بر مصر

دنيا الوطن تنشر فصول شهادة "أحمد عبد الرحمن" مع أبو عمّار : عشت في زمن عرفات .. الحلقة الرابعة عشر: الوصول إلى بر مصر
رام الله - دنيا الوطن
تواصل دنيا الوطن نشر كتاب أحمد عبد الرحمن أمين عام مجلس الوزراء في عهد الشهيد ياسر عرفات الذي أصدره بعنوان :"عشت في زمن عرفات" ..

الفصل الرابع عشر:

الوصول إلى بر مصر 


في 30 آب 1982 كان رحيل أبو عمار عن بيروت وفي 20 كانون أول 1983 كان رحيل أبو عمار عن طرابلس. وهنا تكمن مأساة فلسطين. في هذه المعادلة المستحيلة لإخراج فتح من الجغرافية المحيطة بفلسطين، لأنها بالمطلق حركة مقاومة وطنية ومستقلة لاستعادة  فلسطين، بعد أن سقطت الأوهام والآمال المعلقة على الآخرين. وفتح تعني فلسطين ومعناها الوحيد بعث الحياة في فلسطين ورفض موتها. وهذا لن يكون بغير العمل من أجلها في مطلق الأحوال والظروف وتفجير المستنقع الآسن المحيط بفلسطين. ولهذا كانت الحروب وستظل دائما ضد فتح التي لا تقيم وزنا لغير فلسطين. وقبل أن يصعد إلى السفينة في رحيله  العربي بعد رحيله الإسرائيلي يقول أبو عمار: أنا ذاهب إلى فلسطين. والمعنى البعيد إن فتح ستبقى مكرسة من أجل  فلسطين ولن تتغير أبدا. وفي السفينة التي تحركت في مياه البحر الأبيض المتوسط، كانت غرفتي بجانب غرفة أبو عمار، وبين الغرفتين غرفة طعام مشتركة. وقلت لأبو عمار بعد أن أخذت السفينة طريقها إلى مصر الآن أهنئك على سلامتك، فقد كان التخلص منك هو الهدف الأكبر لحافظ الأسد. ويرد علي أبو عمار بقوله: الأعمار بيد الله. وأحاول طمأنته بالقول عودتك إلى طرابلس وصمودنا بقيادتك طوال هذه المدة قضت على المؤامرة التي دبرها حافظ الأسد. ويتنهد أبو عمار ويرد علي بقوله: المؤامرات على الثورة لن تتوقف ما دمنا خارج وطننا وفتح يتآمرون عليها لأنها النقيض للواقع الإسرائيلي وللواقع العربي على حد سواء، وأقصد الواقع العربي الرسمي. ويتصل حكم بلعاوي من تونس ويقول: الشعب المصري أعد لك يا أبو عمار استقبالا في بور سعيد وأما الاستقبال الرسمي فسوف يكون في مدينة الاسماعيلية. ولم أقل لأبو عمار ما قاله لي أبو جهاد: اتفقنا على الاسماعيلية. وقال لي حكم بلعاوي إن لطفي الخولي قد أبلغه إن عشرة ألاف يرحبون بأبي عمار في بور سعيد. ويعود أبو عمار بذاكرته إلى عام 1956 يوم وقع العدوان الثلاثي على مصر ويقول إنه كان من أوائل المقاتلين الذين دخلوا بور سعيد بعد انسحاب قوات العدوان الثلاثي. وهو لديه وثيقة أنه مواطن شرف في بور سعيد تقديرا من أهالي بور سعيد لدوره في مقاومة المعتدين الإنكليز والفرنسيين. وبعد منتصف الليل كانت السفينة تدخل المياه المصرية بحراسة الطرادين من البحرية المصرية بعد أن غادرتنا السفن الحربية الفرنسية لحظة دخولنا المياه المصرية. وكم أسعدني هذا الترحيب بأبي عمار على الطريقة المصرية، مئات السفن وآلاف البحارة أطلقوا صفارات سفنهم ترحيبا بوصول أبو عمار. وخرج أبو عمار من غرفته وكعادته بكامل ملابسه العسكرية وبدا لي أنه لم ينم أبدا، وأخذ يلوح بيده للبحارة المصريين الذين يلوحون بالأعلام تحية له وكانت الساعة الثانية صباحا حيث وقفت السفينة ونزل أبو عمار وأنا معه للسلام على المسئولين المصريين الذين سهروا طوال الليل لاستقباله والسلام عليه. وكان أول من كان بانتظار أبو عمار أخته أم ناصر واحتضنها وقبلها وأمسك بيدها إلى حيث المسئولين المصريين في بور سعيد، وقال محافظ بور سعيد مرحبا بأبي عمار: أهلا بك في مدينتك بور سعيد، فأنت المواطن الأول فيها وهذا شرف كبير لكل أهالي بور سعيد أن تكون بينهم اليوم. وبور سعيد ترحب بك وكل مصر ترحب بك ومصر بلدك وبلد كل فلسطيني شريف. شكره أبو عمار على هذا الترحيب الحار وقال: شعب مصر لن يتخلى عن فلسطين هذه حتمية تاريخيه وعبر التاريخ كانت جبال فلسطين هي الحدود الطبيعية لأمن مصر.

 ومرة أخرى صافح أبو عمار مستقبليه وودع شقيقته أم ناصر وعدنا إلى السفينة التي واصلت سيرها باتجاه قناة السويس متجهة إلى الاسماعيلية حيث الاستقبال الرسمي لأبو عمار. وكان الفجر يقترب وأبو عمار لم ينم طوال الليل وكنت أدخل غرفتي ثم أعود إلى الغرفة المشتركة أو أقف قرب النافذة أنظر إلى مصر العظيمة وأستعيد تاريخها الطويل مع فلسطين، فمصر عبر التاريخ تخوض كل معاركها في فلسطين، وحين تنكفئ مصر على نفسها تضعف وتفقد مجالها الحيوي وازدهارها، وتطمع فيها القبائل وتهاجمها من الغرب ومن الصحراء ويطمع فيها الهكسوس والمغول والتتار والأتراك، وسيناء احتلها الصهاينة مرتين خلال عشر سنوات 1956 /1967. لكن الإنسان المصري أسطورة بطولة عز نظيرها هذا ما تقوله قناة السويس. المواطن المصري المدرب جيدا يقطع قناة السويس ويقاتل ويعود بالأسير الإسرائيلي وهو يجره وراءه ويسبح وصولا إلى الضفة الغربية لقناة السويس. هذه هي معجزة الإنسان المصري، المتجذر في هذه الأرض والذي، في أول الزمان أو في آخره، في هذا القرن أو في غيره، في زمن ما سيتحرك حركته التاريخية المعتادة في اتجاه الشرق. هذه تهويمات تعوضني عن فراغ الحاضر المر، ونحن في سفينة مطرودة من الشرق إلى أقاصي الجزيرة العربية. وكنت أسبح في هذا التاريخ وهذه الآمال كما السفينة في مياه قناة السويس، واعتبر الخديوي إسماعيل رجلا عظيما  والمهندس "دي ليسيبس" عبقريا، حين سمعت أبو عمار ينادي أحد مرافقيه ويطلب منه أن يسأل ربان السفينة عن موعد وصولنا بالضبط إلى الاسماعيلية. والربان الذي يقود السفينة ومركز قيادته تحت الغرفتين الهامتين لأبو عمار ولي ويمكن الوصول إليه عبر درجات لا يزيد عددها على أربعة أو خمسة. وعاد الشاب المرافق وقال خلال ساعة من الآن نصل الاسماعيلية. وفجأة قال لي أبو عمار: الرئيس مبارك بارك الله فيه قرر أن يأتي إلى الاسماعيلية هذه مصر العظيمة تؤكد بهذا الاستقبال من بور سعيد وعلى طول قناة السويس وحتى الاسماعيلية بأنها لن تتخلى عن الشعب الفلسطيني.

 يقف أبو عمار أمام المرآة ويرتب الحطة والعقال والأوسمة التي على صدره. وكان قد ارتدى بدلته العسكرية الشهيرة وهي عنده منذ سبع سنوات. بدا الزامور والصفارات تنذر بدخولنا ميناء الاسماعيلية حيث نقلتنا القوارب إلى حيث الاستقبال الرسمي لهذا الرجل الذي أنقذته اليقظة وإرادة الله من قذائف وصواريخ حافظ الأسد وشارون في طرابلس. إنني أسير وراء أبو عمار مباشرة. وهذا رئيس الوزراء "فؤاد محيي الدين" وهؤلاء كبار الضباط وهذا محافظ الاسماعيلية وهناك لمحت الدكتور أسامة الباز، وإلى جانبه يقف نبيل شعث وبجواره زهدي القدرة. لم ينزل أحد من السفينة غير الحاج إسماعيل ومازن عز الدين وأنا والمرافقين الأربعة. ولا أدري هل هو دوار البحر الذي يتحدثون عنه أم قلة النوم لأكثر من 48 ساعة جعلتني أفتقر إلى التركيز في هذه اللحظة. ولا أدري هل مرت عشرة دقائق أم أقل أم أكثر حيث شدني أبو عمار من يدي وقال: لا بد أن نذهب للسلام على الرئيس مبارك وشكره، والمروحية جاهزة. وفي تلك اللحظة تذكرت ما قاله أبو جهاد ونسيته وأبو عمار يمسك بيدي إلى المروحية التي انطلقت بمجرد صعودنا. رئيس الوزراء  المصري فؤاد محيي الدين وأسامة الباز ونبيل شعث وأنا إلى جانب أبو عمار ومروحية أخرى نقلت المرافقين وبقية المستقبلين ولم تستغرق الرحلة إلى القاهرة طويلا ربما أربعون دقيقة.

 إننا الآن في قصر القبة الشهير. فالمروحية هبطت وهناك استقبال وتحية عسكرية لأبو عمار وكان الرئيس مبارك وإلى جانبه بطرس غالي في الصالة الرئيسة في قصر ألقبة.عناق بين أبو عمار والرئيس مبارك، وجلسة بين الرئيسين لم يشارك فيها أحد من المسئولين. ولكن بعد نصف ساعة دخلنا غرفة الاجتماع فقال لي أبو عمار: اجلس مع أخيك د. بطرس غالي لصياغة بيان عن الزيارة ولا بد أن تركز على شكر مصر والرئيس مبارك والمرافقة الأمنية للبواخر من طرابلس حتى قناة السويس وسحب مصر للسفير من إسرائيل أثناء حرب 1982 وزيارة الوفد الشعبي المصري لنا. وكنت أحرص في الحقيقة على أن يتضمن البيان جملة واحدة والجملة هدف الزيارة هي التالية: إن الرئيس مبارك يجدد دعمه لمنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة أبو عمار باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ويدين الرئيس مبارك المحاولات الرامية لضرب منظمة التحرير الفلسطينية ويؤكد الرئيس مبارك دعمه للكفاح العادل للشعب الفلسطيني من أجل تأمين حقوقه الوطنية وعلى رأسها حق تقرير المصير وحق العودة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

وأضفت جملا أخرى في إدانة صريحة لنظام حافظ الأسد والمنشقين والعقيد القذافي وإسرائيل وأمريكا، وجلست مع د. بطرس غالي وقلت له: تفضل واكتب فأنت المشهور بالحنكة السياسية من قبل الجميع. ضحك بطرس غالي وقال لي أشكرك ولكن دعنا نكتب صيغة سياسية تفيدكم ولا تضرنا وقلت له: ولكن كما تعلم هذه الزيارة خروج على قرارات القمة العربية وحتى في المنظمة وفتح كثيرون ضدها، ونريد موقفا مصريا يدعم المنظمة ورئيس المنظمة والحقوق الوطنية والأهداف الوطنية في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وقال بطرس غالي: هناك اتفاق كامب ديفيد ومعاهدة السلام بيننا وبين إسرائيل والمادة السادسة في المعاهدة تنص على عدم إقامة علاقات مع أي طرف يعادي الطرف الآخر في المعاهدة. وأخيرا بعد صياغته للبيان حول زيارة أبو عمار ولقائه الرئيس حسني مبارك في القاهرة توقفنا عند النقطة الجوهرية وهي دعم مصر والرئيس مبارك لمنظمة التحرير برئاسة ياسر عرفات في الواقع لم يرفضها د. بطرس غالي، ولكنه قال الأفضل أن نعرضها على الرئيس مبارك لأنه هو صاحب القرار الأخير. ولكن أطمئنك ما دام قد استقبل أبو عمار فلن يكون لديه اعتراض على هذا البيان بالنص الذي اتفقنا عليه وانتهت لجنة الصياغة المشكلة من بطرس غالي ومني من صياغة البيان في شكله النهائي  وهو لا يتعدى عشرة أسطر وحان موعد الغداء. وعرض د. بطرس غالي النص على الرئيس مبارك الذي قال: "موافق اللي بيطلبو أبو عمار إحنا موافقين عليه. "

 تناولنا الغداء وصدر البيان الذي يحمل تأييد الرئيس مبارك ومصر للمنظمة برئاسة أبو عمار وبالطبع كنت قد أطلعت أبو عمار على النص الأخير الذي اتفقنا عليه والذي  تضمن  شكر أبو عمار والشعب الفلسطيني لمصر والرئيس مبارك وعبر أبو عمار عن رضاه على البيان بقوله "هذا سيقلب الطاولة." لم تستغرق الزيارة أكثر من ساعتين، وحملتنا المروحيات إلى الاسماعيلية لنواصل رحيلنا الثاني إلى ميناء الحديدة في الجمهورية العربية اليمنية. ولدى صعودنا إلى السفينة، أبو عمار وأنا، أمسك أبو عمار بيدي. وأدركت على الفور أنه قلق ومرتبك بعد هذه الزيارة التي قلبت الطاولة كما قال. إلا أنه يحسب حساب كل صغيرة وكبيرة في هذا الزمن الرديء، واعتقدت للحظة أن لديه خشية أن يكون الضباط والمقاتلون على سفينتنا ضد الزيارة ولهذا فور دخولنا السفينة كنت أمسك بيده وكأنني أشد أزره وهو في قمة اضطرابه العصبي وكأنه يرتجف حتى وصلنا للغرفتين. وحين دخل لغرفته كان الحاج إسماعيل قد وصل وهو أعلى رتبة عسكرية على السفينة وقلت له المطلوب رفع معنويات الرئيس. والحاج إسماعيل فدائي قديم ولماح وقال لي أولا: كيف الزيارة؟ قلت له: البيان تضمن المطلوب وهو تأييد المنظمة برئاسة أبو عمار وقد قال لي أبو عمار عن البيان أنه سيقلب الطاولة وقلت للحاج إسماعيل نتحدث في السياسية فيما بعد ولكن الآن أريد حركة من الشباب  في الباخرة تعبر عن تأييدها لأبو عمار أريد أن يسمع أبو عمار هتافات، أناشيد، أريد حركة تأييد قوية لأبو عمار، أشعر أنه مضطرب وقفز الحاج إسماعيل وقبل أن يغادر أبو عمار غرفته تحولت الباخرة إلى مظاهرة صاخبة تؤيد أبو عمار. وبسبب هذه الأصوات وحتى دقات الطبول، خرج أبو عمار من غرفته مزهوا وقد استعاد تماسكه. وسألني ما هذا؟ وكان بالطبع يميز بين هتافات التأييد وبين  نقيضها فقلت له الشباب سعداء بنجاح زيارتك للقاهرة وسعداء بتأييد مصر والرئيس مبارك للمنظمة برئاستك. وفي الواقع الشباب كانوا لا يعلمون شيئا عن البيان ولكنهم مع أبو عمار أخطأ أو أصاب ولساعات طويلة جاء الشباب على شكل مجموعات صغيرة للسلام على أبو عمار ولا أعرف من أين توفرت هذه الكمية من الحلويات والشوكولاتة التي يجري توزيعها في كل أنحاء الباخرة.

 ولأن الثورة، أي ثورة، تحمل في طياتها غير المتوقع دائما فقد قفز شابان من السفينة الثانية المتوجهة إلى عدن إلى قناة السويس والسبب أن أسرهم في  مصر وهذه أول مشكلة. أما المشكلة الثانية فقد اعترض أحد الضباط على الزيارة بصوت مسموع في تلك السفينة وتولى الطيب عبد الرحيم وزياد الأطرش السيطرة على الموقف ولكن بدأت الأصوات ترتفع من باخرة أبو جهاد وأبو الهول تعلن اعتراضها وعدم موافقتها على الزيارة، هذا بيان منهما وصل الآن،  ومن اللجنة المركزية ومن أبو إياد وأبو اللطف تصريحات ضد الزيارة والجنون كل الجنون يأتي عادة من دمشق ومن فيها من الفصائل، والفصائل عليها أن تعلن أقصى درجات تطرفها وتفقد عقلانيتها حتى يرتاح حافظ الأسد. أما أن يظهر بصيص من العقلانية لديها، فهذا معناه حرمانها في سوريا وحتى طردها. وغلاة المتطرفين من الفصائل كما هي تقاليد الساحة هي الجبهة الشعبية وبلسان جورج حبش الذي وصل في تهجمه على أبو عمار وعلى الزيارة إلى حد اتهام أبو عمار بالخيانة العظمى. وكادت ردود الفعل على الزيارة أن تكون نسخة طبق الأصل عن ردود الفعل حول زيارة السادات مع فارق بسيط إن الحملة على زيارة أبو عمار تتركز في سوريا وليبيا. أما العراق فهو غارق حتى إذنيه في الحرب مع إيران ولكن لا بد من بصيص أمل يرفع المعنويات. ونحن على ظهر الباخرة المتوجهة إلى ميناء الحديدة وقد جاءت البشرى الأولى من نبيل عمرو مدير إذاعات الثورة الفلسطينية فأصدر بيانا أعلن فيه إن إذاعات الثورة الفلسطينية في العراق واليمن والجزائر تؤيد الزيارة وتؤيد أبو عمار، والبشرى الثانية كانت من حكم بلعاوي الذي أرسل لنا برقية يقول فيها إن الاتحاد السوفيتي يؤيد الزيارة. وأخذت برقيات التأييد تنهال علينا من التجمعات الفلسطينية المنتشرة حول العالم.

وفي المساء وأمام ما أعلنه جورج حبش عن اتهام أبو عمار بالخيانة العظمى أو بأنه سادات فلسطين أعلن أبو إياد في حديث لإذاعة مونت كارلو رفضه لهذا الموقف وظهر من حديث أبو إياد أنه كعادته يقوم باحتواء الموقف وأنه في الجوهر ليس ضد الزيارة إنما هذه حال الساحة الفلسطينية يتحرك صانعو الأحداث السياسية فيها ليس فقط من الحرص على المصلحة الوطنية كما يقولون. فهنالك أولا الصراع على الزعامة في الساحة وهناك حيث يقيمون وما تتطلبه الإقامة في سوريا أو ليبيا من ولاء لحكام دمشق ونفاق زائف للعقيد القذافي. أما نايف حواتمة فلديه من البراعة السياسية ما يجعله بعيدا عن الشعارات الجوفاء ولا يقطع في المقابل شعرة معاوية مع الشرعية ولا يعطي الأسد ذريعة للتضييق على الجبهة الديمقراطية. أما الجبهة الشعبية فقد بلغت حملتها ذروتها بوضع صورة أبو عمار على غلاف مجلة "الهدف" وتحتها كلمة واحدة "المنبوذ" مرفقة بتصريح لجورج حبش بأن أبو عمار هو السادات الفلسطيني وهذه الحملة جعلتني أكتب فيما بعد ردا في افتتاحية "فلسطين الثورة" كادت تجبر أبو علي مصطفى على قطع محادثات عدن للحوار الوطني، التي شاركت فيها إلى جانب أبو جهاد وأبو الهول. أبو عمار استعاد ثقته بنفسه بالهتافات المؤيدة له والتي تقول: أبو عمار سير سير واحنا معاك للتحرير. " وأخذ أبو عمار  يغير موضوع الحديث معي من قلب الطاولة على رؤوس المتآمرين إلىحرصه على تقديم الشكر لمصر على المرافقة الأمنية للباخرة من طرابلس وحتى مصر. وتجاهل كل البعد السياسي للزيارة، وهو الهدف الحقيقي، حيث أراد أن يضمن تأييد مصر لقيادته والمنظمة سواء كانت مصر في كامب ديفيد، أما أن كامب ديفيد ليست أكثر من شقة في القاهرة. وفي طرابلس مع وفد التضامن المصري كان يوافقهم أنه من الظلم للشعب الفلسطيني أن يخسر تأييد مصر. ولا أحتاج إلى وقت طويل لمعرفة بوصلة أبو عمار وإلى أين تتجه؟ إنه بقوله أنه جاء يشكر مصر إنما يحاول إسقاط كل الاتهامات الفلسطينية والسورية بأنه خرق القرار العربي بمقاطعة مصر بسبب كامب ديفيد. وبأنه بالتالي لم يفعل شيئا غير تقديم الشكر لمصر. وحول ما قاله لي أبو جهاد في وقت سابق بأن اتفاقنا على اللقاء سيتم في مدينة الاسماعيلية لم يكن ليحدث لأنه من غير اللائق أن نضع شرطا على الرئيس المصري في تحديد مكان اللقاء، فالقاهرة عاصمة مصر ومن الطبيعي أن نشكر الرئيس مبارك في عاصمته وأمام كل المصريين. وفي الحقيقة بدأنا خارج هذا الموقف الذي يصر عليه _ نبحث ردود الفعل في اللجنة المركزية بعد بيان أبو جهاد الغاضب وتصريحات أبو إياد الغاضبة والاحتوائية على السواء. واتفقنا أنه لن يكون هناك انشقاق آخر في فتح وهم غاضبون في تونس لبعض الوقت ولا يريدون أن يقع انقسام آخر في الساحة وهم غاضبون كذلك لان تحذيراتهم بعدم اللقاء لم يأخذ بها أبو عمار. وقلت لأبو عمار بعد نقاش طويل إن ميزان الساحة العربية لن يكون لصالح سوريا بعد هذه الزيارة، وبالتالي لن تستطيع سوريا تشكيل منظمة تحرير جديدة تدور في فلكها ولا بد من تهدئة الخواطر في اللجنة المركزية حتى  تستقيم الأمور تدريجيا في الساحة العربية حيث تشكل حالة فتح الداخلية الأساس للحالة الفلسطينية العامة. فإذا اهتزت وحدة فتح سرعان ما تتشظى الساحة الفلسطينية، وأكبر مثال تجربة الانشقاق وكيف أخذت تؤثر على الفصائل كلها سواء بانشقاقاتها وخاصة الموالية لسوريا والأخرى باضطراب سياستها لتحفظ بقائها في سوريا بعد خسارة لبنان وإغلاق الساحة اللبنانية سوريا وإسرائيليا.

ومع أن أبو عمار قلب الطاولة بزيارة القاهرة، إلا أننا واجهنا في البحر الأحمر خطر الموت غرقا في هذه الأمواج العاتية التي لم نشاهد مثلها في البحر الأبيض المتوسط. فالباخرة  التي تنقلنا إلى ميناء الحديدة أخذت تواجه أمواجا عالية والموج يرتفع حتى يصل إلى كابينة القبطان تحتنا مباشرة والسفينة تهتز على نحو خطير للغاية وكأنها على وشك الغرق. ومرت ساعات على هذا المنوال وبدأ أبو عمار يقلق ويحاول التدخل في خط سير السفينة ويقول لي بالانكليزية انه "navigator " ومعناها انه ملاح بارع ويعرف الاتجاهات تماما ولكنه في الحقيقة أصيب "بدوار البحر " ودوار البحر هذا يؤدي إلى اضطراب الحركة، وعلى المرء أن يجلس بهدوء، وهناك بعض الحبوب الخاصة التي تصلح لتهدئة المصاب بدوار البحر ولم يتناول أبو عمار حبة الدواء هذه إلا باعتبارها مجاملة لي لأني بدوري أخذت هذه الحبة، وبعدها شراب لونه أصفر لا أعرف ما هو، إلا أن الأمواج العالية واضطراب السفينة وتمايلها يمينا ويسارا جعل حالتنا تزداد سوءا. ولم يكن أمامنا غير الجلوس على الكراسي البلاستيكية في غرفة الطعام بين غرفتينا وأبو عمار يستغرب هذه الأمواج العاتية تارة، وتارة أخرى يقول هذا يحدث في البحر الأحمر. واكتشفنا عند الفجر أن ثماني ساعات قد مضت والسفينة تسير في الاتجاه الخاطئ إنها تقترب من بورسودان بدل الخط البحري المعروف بخط جدة في السعودية. وأدرك ربان السفينة أنه كان على خطأ وبدأ يقطع عرض البحر الأحمر ليعود إلى  الخط البحري التقليدي بين جدة وميناء الحديدة. وأيضا واجهت السفينة أمواجا عاتية مرة أخرى وقضينا أربع ساعات حتى استقام سير السفينة باتجاه الحديدة التي وصلناها عند الظهر بفارق تأخير عشر ساعات على الأقل. وكانت المفاجأة السارة في ميناء الحديدة مبادرة شجاعة من حكم بلعاوي وعديد من القيادات والكوادر وعلى رأسهم اللواء أبو المعتصم والشاعر معين بسيسو الذي سبقته ملحمته الشعرية والتي أولها "كم من ضلوعك والحصار يضيق قد وقفت معك،" فقد استأجر حكم طائرة خاصة من تونس إلى الحديدة وحملت كل كوادر وقيادات فتح في المؤسسات والأجهزة والنقابات وكان معهم ابني "يزن" وكان طفلا صغيرا وأسعدني حضوره بعد أن مرت لحظات صعبة في طرابلس كنا فيها قريبين من موت محقق وكانت الطائرة الرئاسية اليمنية بانتظار أبو عمار فأخذت "يزن" ابني معنا في الطائرة من الحديدة إلى صنعاء. وأبلغنا الوزير اليمني الذي استقبل أبو عمار: إن الرئيس علي عبد الله صالح يدعو أبو عمار ورفاقه لتناول الغداء في قصر الرئاسة وتوجهنا مباشرة حيث استقبلنا الرئيس علي عبد الله صالح بالعناق الحار والترحيب والإشارة بشجاعة أبو عمار وخاصة في زيارة مصر والاجتماع مع الرئيس مبارك. وبعدها عدنا إلى بيت الضيافة الذي خصصه الرئيس علي عبد الله صالح لإقامة أبو عمار وبدل أن أذهب إلى الفندق أصر أبو عمار أن أنزل في غرفة ملاصقة لغرفته في بيت الضيافة ومعي ابني "يزن" وهو طفل صغير وكان أبو عمار يعرفه من بيروت ويضع صورته في إطار خاص في مكتبه.

الفصل الثالث عشر



الفصل الثاني عشر

الفصل الحادي عشر


الفصل العاشر


الفصل التاسع


الفصل الثامن :

الفصل السابع:


الفصل السادس :


الفصل الخامس 


الفصل الرابع



التعليقات