أحمد عبد الرحمن في كتابه "عرفات - حياته كما أرادها " .. تأثيرات الإنتفاضة على المستوى الدولي

أحمد عبد الرحمن في كتابه "عرفات - حياته كما أرادها " ..  تأثيرات الإنتفاضة على المستوى الدولي
دنيا الوطن – ميسون كحيل 

في الفصل السادس عشرعرج الكاتب إلى تأثيرات الإنتفاضة على المستوى الدولي وأشار إلى قرارات مجلس الأمن وقد جاء في قرار رقم 605 الذي طالب دولة الإحتلال التقيد بالمواثيق الدولية مذكرا أن فلسطين أرض محتلة . 

وهنا لم تستخدم الولايات المتحدة حق النقد الفيتو كما كانت تفعل دائما , كما أتاحت الإنتفاضة مساحة للقيادة الفلسطينية للتحرك دوليا وحيث القى الرئيس الخالد ياسر عرفات خطابا هاما وصعد منصة البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ وذلك بتاريخ 13 أيلول 1988 . 

وبفعل الإنتفاضة كان واضحا تغيير في الموقف الأوروبي العام وتشديد الضغط على دولة الإحتلال للٌرار بحق الشعب الفلسطيني وتمكنت الإنتفاضة بتضحيات الجماهير وأسلوبها في التعامل مع هذه القضية من كسب التعاطف مع الشعب الفلسطيني على كافة المستويات وخاصة المستوى الأوروبي والرأي العام بشكل خاص أكثر الذي اصبح واضحا لديه الصورة الحقيقية للإسرائيليين فتصدرت الصحف مقالات عدة ربطت فيها ما بين ما يجري في جنوب أفريقيا على يد النظام العنصري وبين ما يجري في فلسطين على يد النظام الصهيوني .

 وقد اندمجت المواقف هنا مع الموقف السوفياتي الذي طالب بمواقف دولية وامريكية أكثر شفافية مع القضية الفلسطينية فبدأت الولايات المتحدة سياسة علنية مختلفة لإظهار حرصها وايمانها المزيف بحق الشعوب بعد إن فشل الإحتلال في إخماد الإنتفاضة فاعلنوا صراحة في اتصالاتهم مع السوفيات بضرورة عدم تجاهل منظمة التحرير الفلسطينية وبدأ الموقف الأمريكي يقترب من الموقف الأوروبي بخبث سياسي لا أكثر ولا أقل . 

أما حقيقة الموقف الأمريكي فلم يكن واضحا ولم ينضج رغم استمرار الإنتفاضة لكنها كانت تحاول كسب الوقت من خلال تصريح هنا أو إعلان هناك دون أن تعطي الحق لأهل الحق فاسرائيل متمسكة بموقفها وسياستها المتعلقة بأراضي عام 67 على حالها وعبر الكاتب وعاد للتاريخ قليلا منوها للتواطؤ الدولي عام 48 والحقت اراضي فلسطين التي احتلت عام 67 للأردن  كما الحق قطاع غزة تحت الإدارة المصرية إلى أن تمكنت اسرائيل من احتلال الضفة وغزة واراضي عربية اخرى عام 67 لتدخل فلسطين مرحلة جديدة من الآلام بسبب مجتمع دولي أقرب إلى الإمبريالية في حينها وعالم عربي يفتقد للبعد السياسي والرؤية الواقعية .

---------------------------------------

الفصل السادس عشر – الجزء الثاني

وإذا انتقلنا إلى تأثيرات الانتفاضة وانجازاتها على الصعيد العالمي، فلا بد أن نتوقف عند قرارات مجلس الأمن التي طالبت العدو الصهيوني بالتقيد بالمواثيق الدولية كقوة محتلة، وجاء في قرار (605) بالنص» الأرض الفلسطينية المحتلة» ودون أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار كما كانت تفعل سابقا.

ولعل المحطة الأبرز من بين انجازات الانتفاضة هو صعود الأخ أبو عمار منصة البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ يوم 13 أيلول 1988 وإلقائه لخطابه التاريخي أمام المجموعة الاشتراكية، فقد كانت هذه الدعوة للأخ أبو عمار، إيذانا بانتهاء عصر التأييد الأوروبي المطلق « لإسرائيل» والربط علنا كما فعل وزير خارجية فرنسا رولان دوما بين حق « إسرائيل» في الوجود وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والدولة المستقلة، إن الموقف الفرنسي الذي يمكن اعتماده كمؤشر على موقف أوروبي موحد، إنما تحقق بفعل الانتفاضة التي تضغط بقوة الأيدي المرفوعة والصدور العارية والحجارة بيد أطفال المدارس على الرأي العام الأوروبي الذي يضغط بدوره على الحكومات الأوروبية لتتحرك من أجل وقف القمع الوحشي الصهيوني ضد شعب يسكن أرضه ويواجه قوة محتلة غاشمة، تملك أحدث وسائل القتل والدمار، لقد تمكنت بطولات الانتفاضة من إسقاط الصورة الزاهية للكيان الصهيوني لدى الأوروبيين، ووضعت في مكانها صورته الحقيقية ككيان عدواني وكقوة محتلة، وكنظام سياسي يقوم على التمييز العنصري،  إن المقالات الرئيسية في الصحافة الأوروبية صارت تربط دون مواربة بين ما يجري في جنوب إفريقيا على يد النظام العنصري وبين ما يجري في فلسطين المحتلة على يد النظام الصهيوني العنصري.

إن هذا التغيير الحاصل في الموقف الأوروبي بفضل الانتفاضة  يتقاطع مع موقف سوفياتي أعلنه الزعيم السوفياتي غورباتشوف والقائم على مبدأ توازن المصالح بين الأطراف المتصارعة  في مرحلة الوفاق الدولي الجديد، والذي أخذ يعكس ثقله على القضايا الإقليمية بعد أن توصلت القوتان الأعظم إلى اتفاقات أساسية حول الصواريخ البعيدة المدى وتوضيع الصواريخ في أوروبا، وعلى الرغم من التباعد الحاصل بين الموقفين السوفياتي والأمريكي تجاه قضايا الصراع في الشرق الأوسط، بسبب وقوف الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب العدو الصهيوني طوال الفترة الماضية، فإن الانتفاضة حركت السكون، وفتحت الباب أمام اتصالات سوفياتية- أمريكية متصلة لتقريب مواقفها المتباعدة، وتحت ضربات الانتفاضة يتم الآن إنضاج الموقف الأمريكي ليميل أكثر فأكثر تجاه اتفاق سوفياتي-أمريكي تجاه القضية الفلسطينية، إن الموقف الأمريكي بدأ يهتز ويضطرب بعد أن احتلت الانتفاضة ساحة الفعل والحسم في الضفة والقطاع، وبعد أن فشلت كافة الحلول العسكرية التي أقرتها حكومة (شامير-بيرز) وينفذها وزير الدفاع رابين كوسيلة ناجعة للقضاء على الانتفاضة، وأقنعت الإدارة الأمريكية بقدرتها على الحسم العسكري.

إن مشروع شولتز كان مبنيا على فرضية سطحية تقول بأن الانتفاضة عامل تحريك للأزمة وللحلول المقترحة لها، وهي في الأساس  حلول أمريكية-إسرائيلية تدور في فلك كامب ديفيد،  ولهذا زار شولتز منطقة الشرق الأوسط ثلاث مرات دون أن يقدم جديدا يذكر على صعيد الموقف الأمريكي المعروف، من حقوق الشعب الفلسطيني الأساسية وخاصة حق تقرير المصير والدولة المستقلة، ومع تثبيت الانتفاضة لأقدامها على ساحة الأرض المحتلة بدأنا نلمس صياغات جديدة لذات الموقف الأمريكي.

إن الأمريكيين في الاتصالات مع السوفيات أصبحوا أكثر استعدادا للإقرار بأن منظمة التحرير الفلسطينية لا يمكن تجاوزها في أي بحث جدي عن التسوية في الشرق الأوسط، وهكذا يقترب الموقف الأمريكي من الموقف الأوروبي خطوة خطوة خاصة إذ توصلت الإدارة الأمريكية ودوائرها المختصة بالشرق الأوسط إلى استحالة القضاء على الانتفاضة بالوسائل العسكرية التي يعتمدها العدو الصهيوني، وأنه بدون تلبية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني فالانتفاضة مستمرة والكفاح مستمر.

 إن الإدارات الأميركية المتعاقبة التي تجاهلت على الدوام وجود الشعب الفلسطيني وحقوقه، تجد نفسها الآن أمام ضرورة إعادة النظر في مواقفها قبل فوات الأوان، وقبل أن تصبح السيطرة على الوضع في الشرق الأوسط شبه مستحيلة، ومن هذا المنطلق بدأت الولايات المتحدة تبحث عن حلول جديدة غير حلولها القديمة، وهي تقبل الآن فكرة المؤتمر الدولي، وتجد أن الاتحاد السوفياتي يمكن أن يلعب دورا بنّاءً  في عملية السلام في الشرق الأوسط، وقد حدد جورج شولتز في خطابه الوداعي يوم 16/9/88 الخطوط العريضة للسياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية وتجاه الكيان الفلسطيني والكيان الصهيوني، وتحدث عن الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني وربط المطالب الوطنية الفلسطينية بعملية المفاوضات، وفي نظر المراقبين، فإن مؤشرات خطاب شولتز تقترب أكثر من خطوة واحدة باتجاه مشروع اتفاق سوفياتي-أمريكي حول الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، وهذا سيجد حتما آذانا صاغية في أوروبا الغربية، حيث تعمل الحكومة الفرنسية على صياغة مبادرة جديدة حول الشرق الأوسط تربط بين حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحقه في الدولة المستقلة وبين حق « إسرائيل» في الوجود والأمن (دوما).

 إن حركة هذه التفاعلات الدولية للانتفاضة استمرت على الرغم  من كون هذا العام هو عام الانتخابات الأمريكية  الذي تشتد فيه المزاودات بين المرشحين لكسب ود المنظمات الصهيونية لصالح هذا المرشح أو ذاك والمسألة بالنسبة لنا ليست انتظارا فلسطينيا نضيفه إلى الانتظار العربي لقرار أمريكي قد لا يصدر أبدا، إن الانتفاضة قلبت المفاهيم العربية المغلوطة تجاه الصديقة أمريكا، وها نحن نرى الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بتطوير بطيء في موقفها على نار الانتفاضة، لقد فعل الحجر فعله في واشنطن في الوقت الذي نشهد فيه غياب أي دور للجامعة العربية في هذا الاتجاه، ونعرف عن يقين أن القادة العرب لا يملكون ما يضغطون به على واشنطن، أما الانتفاضة فقد امتلكت حجر فلسطين المقدس، وبه وحده، أخذت تحرك المواقف والأوضاع الدولية الساكنة، التي نفضت يدها من عروبة فلسطين بعد كامب ديفيد وسقوط الخيار العسكري العربي.

 إن استمرار الانتفاضة وحده ودون غيره كفيل بمراجعة للموقف الأمريكي المعادي للشعب الفلسطيني، وعلى الرغم من كل ما حققته الانتفاضة دوليا حتى الآن، إلا أن الظروف لم تنضج بعد لتسلم الولايات المتحدة تسليما كاملا ودون قيد أو شرط بالدولة الفلسطينية المستقلة كحقيقة حتمية لا مناص منها، كما هي الانتفاضة حقيقة قائمة ومؤكدة.

إن الاحتلال الصهيوني للضفة والقطاع في عام 1967، هو استمرار  للعدوان الصهيوني الاستعماري ضد فلسطين أرضا وشعبا وتاريخا ومستقبلا في عام 48، إن « إسرائيل» التي قامت نتيجة تواطؤ دولي مفضوح في عام 48، قامت في عام 67 باحتلال الضفة الغربية التي ألحقت بالأردن عام 48 بعد وعد الملك عبد الله بإعادة الدرة إلى أصحابها بعد تحرير فلسطين، وبذلك أزيل الكيان الفلسطيني وأصبح اسم شرقي فلسطين الضفة الشرقية وكان هذا الضم القسري خطوة قاتلة ضد الشعب الفلسطيني وحكومة عموم فلسطين، كما دخل  النظام الملكي الفاسد في مصر قطاع غزة ليقضي على حكومة عموم فلسطين التي شكلها المفتي برئاسة أحمد حلمي باشا، ومكافأة للملك فاروق على خيانته لجيش مصر في معركة فلسطين في عام 48، حيث تراجع الجيش المصري أمام العصابات الصهيونية بسبب فساد قيادته وفساد أسلحته وذخائره.

في كتابه "عرفات -حياته كما أرادها ... محاولات بعض الوجهاء وروابط القرى للتهدئة



"عرفات - حياته كما أرادها" للكاتب أحمد عبدالرحمن : وبدأت الانتفاضة ..