عرفات-حياته كما أرادها : وبدأ الهجوم على بيروت..هكذا سحب حافظ الأسد قواته -وهذا رد فعل قائد ثورة بساط الريح

عرفات-حياته كما أرادها : وبدأ الهجوم على بيروت..هكذا سحب حافظ الأسد قواته -وهذا رد فعل قائد ثورة بساط الريح
بشير جميل في لقاء مع ضابط اسرائيلي - الصورة عن الميادين التي كشفت في فيلم وثائقي ان حافظ الاسد وافق على وصول بشير جميل ل
دنيا الوطن – ميسون كحيل 

عاد الكاتب احمد عبدالرحمن ليذكرنا بما قاله ابو عمار سابقا حول عملية الأوركورديون والتعاون المخطط له ما بين الاسرائيليين والكتائب واجزاء من الجيش اللبناني هدفه الإطباق على التواجد الفلسطيني والعملية ستتخطى حدود الجنوب بكثير وستمتد إلى ان تصل بيروت ومن هنا ولقناعة في الرأي كان لا بد من التحضير للمعركة الكبرى التي باتت على الأبواب فطيران العدو يعربد في اجواء بيروت وتغير الطائرات على مواقعنا في بيروت والدامور وخلدة وفي كل مكان يكون مشكوك فيه تواجد المقاتلون الفلسطينيون واللبنانيون الوطنيون . ويعترف أحمد عبد الرحمن عن حالة اصابته من عدم الراحة أثناء تجواله في الشوارع الرئيسية لبيروت الغربية وسط الظلام وصوت سيارات الأسعاف وأعداد قليلة متمركزة من المقاتلين لتعود به الذاكرة إلى عام 1973 عندما هاجمت الدبابات اللبنانية حي الفاكهاني التي سرعان ما انسحبت مع فزع الناس والشجاعة التي تحلى بها المقاتلون في رد الهجوم ودور ابو عمار في ذلك.

ومع هذه الحالة التي مر بها الكاتب في شرح لواقع كان أحد شخوصه عاد إلى مقر القيادة وقد يكون القائد الفذ سعد صايل أبو الوليد قرأ في وجه الكاتب ما قرأ فقال له نحن لم نبن خط ماجينو ولا خط بارليف وكل عسكري يعرف جيدا الحدود الممكنة للصمود أمام هذا العدد الهائل للقوات والدبابات والغطاء الجوي والبحري ما أجبر الكاتب أن ينهي فصله هذا من كتابه بإعلان نوع خاص من السخط على هذا الزمن وهذه الأنظمة الدكتاتورية لكنه لم يتنازل عن قناع تفاؤله في ثورة وجدت لتبقى ولتنتصر وسننتصر بإذن الله. 

الفصل الثامن – الجزء الثاني


        وعند الساعة الثالثة بعد الظهر كان الهجوم الإسرائيلي الشامل في ذروة اندفاعه في جنوب لبنان، وراح أبو عمار يردد: إنها عملية « الأوكورديون» التي حدثتكم عنها طويلا، وخلاصة هذه العملية كما سمعنا منه هو الإطباق على وجودنا في بيروت والجنوب من قبل إسرائيل والكتائب والجيش اللبناني، في وقت واحد، وكانت لدينا معلومات مؤكدة عن التنسيق العسكري بين بشير الجميل وشارون وعن اجتماعات عقدت بينهما في الآونة الأخيرة في جونية ونهاريا.

        وقد ذكر أبو عمار، إن سركيس وبشير الجميل وفؤاد بطرس أعطوا الضوء الأخضر لإسرائيل بالهجوم وبالتالي فالعملية الإسرائيلية عملية كبيرة وشاملة، « ولا أعتقد أنها ستقف عند حدود الزهراني أو الليطاني، بل ستمتد حتى تصل إلى بيروت.

        ومن الواضح أن غلبة هذا الرأي تعني على نحو قاطع أن علينا أن نعد أنفسنا لخوض المعركة أيضا في بيروت، وفي اجتماع طارئ لقيادات الحركة الوطنية اللبنانية، طلب أبو عمار أن تتولى القوات الوطنية الدفاع عن بيروت في وجه الكتائب والجيش اللبناني  وأمر بتوزيع السلاح والذخائر على محاور القوات الوطنية.

        وطوال فترة المساء كان طيران العدو يعربد في أجواء الجنوب وبيروت، وعلى فترات منتظمة كانت الطائرات تغير على مواقعنا في بيروت والدامور وخلدة، والجبل، والإذاعة الإسرائيلية أعلنت عن بث برامجها باللغة العربية طوال 24 ساعة، وراحت توجه نداءات للفدائيين ولسكان الجنوب، داعية الجميع إلى الاستسلام، وإلقاء السلاح، وقمت بجولة قصيرة في الشوارع الرئيسية لبيروت الغربية، ولم أفاجأ بالوحشة التي تلف المدينة، وسط الظلام وصفارات سيارات الإسعاف، وفي الشوارع التي تجولت فيها لم يكن هناك غير أعداد قليلة من المقاتلين، وقلت في نفسي ربما تكون إذاعة العدو قد نجحت في حربها النفسية، وأبعدت بسرعة هذا الخاطر الذي لا يتفق مع ما كتبته صباحا وظهرا، بل وطول حياتي السياسية عن دور الجماهير المسلحة في حسم المعركة لصالح الثورة.

        وتذكرت أنه في عام 73 عندما هاجمت الدبابات اللبنانية حي الفاكهاني والطريق الجديدة، فزع الناس وتراجع المقاتلون للاحتماء بالبنايات الضخمة، والذي حدث بعد ذلك أن أبو عمار خرج من مكتبه في الفاكهاني وكان يحمل في يده قاذف الآر بي جي، وعندما رآه المقاتلون، دبت الشجاعة والإقدام في نفوسهم، واندفع أحد المقاتلين ويدعى «جيفارا»، وأطلق قذيفة آر بي جي على دبابة لبنانية فاحترقت على الفور، ولا أنسى مئات المقاتلين الذين اندفعوا بعد ذلك من الفاكهاني وصبرا وشاتيلا باتجاه دوار الكولا، حيث أجبروا دبابات الجيش اللبناني على التقهقر إلى الخلف إلى ما وراء كورنيش المزرعة ومنطقة اليونسكو.

        هذه الواقعة جعلتني أعود مسرعا إلى مقر القيادة، حيث وجدتها تعج بالضباط الذين لبسوا الزي العسكري وعلى وجوههم رحت أقرأ الأخبار الأخيرة من الجنوب ، فالعدو يقوم باجتياح الجنوب من جميع المحاور، والآن تتقدم الدبابات الإسرائيلية باتجاه صور والرشيدية والبرج الشمالي وبرج رحال والنبطية وحاصبيا وعندما دخلت إلى الغرفة الخاصة بالقيادة سلمت على الجميع دون مصافحة، وقبل أن أسأل عن الوضع العسكري في الجنوب، بادرني العميد أبو الوليد قائلا: نحن لم نبنِ خط ماجينو أو خط برليف في الجنوب، وكل عسكري عاقل يعرف جيدا أن هذا العدد الهائل من الدبابات المحمي بهذا الغطاء الجوي والبحري يستطيع أن يخترق أي خط دفاعي يبنيه جيش حديث، فما بالك بمجموعات عسكرية هي فرق أنصار أكثر منها جيشا محترفا؟

        وأضاف العميد أبو الوليد، ولكن على أية حال، فخطتنا تقوم على أن نوقع بالعدو أفدح الخسائر أثناء تقدمه، أما في العقد البشرية فقد أعطينا التعليمات أن تتحول المخيمات إلى قلاع دفاعية. وأعتقد أن خطة العدو تقوم على التقدم والاختراق عبر الطرق البعيدة عن التجمعات السكانية الرئيسية، ليعزل المدن والقرى والمخيمات، كمرحلة أولى، بحيث يجد السكان والمقاتلون أنفسهم وقد أصبحوا داخل خطوط العدو، مما يشتت قواهم ويضعف معنوياتهم وقدرتهم على الصمود، ويتجنب العدو بالتالي وقوع خسائر كبيرة في صفوفه، قد تعيق تنفيذ خطته العسكرية.

        عرفت بوضوح الآن، أن العدو قد عزل نقاط قوتنا في الجنوب ولم يصطدم بها، واستخدم نقاط تفوقه لاكتساح الجنوب بالدبابات، ورحت أفكر بيني وبين نفسي، لأرى الخط الذي ستقف عنده اندفاعة العدو الضخمة، لقد أعلن العدو صراحة أنه ينوي تطهير الجنوب بعمق 45 كم من الفدائيين، ومعنى ذلك أنه سيتعدى منطقة صيدا ذات الكثافة السكانية، والتي يجاورها مخيم عين الحلوة الذي يعتبر قلعة فلسطينية في جنوب لبنان.

        لقد استعدت في لحظة أسطورة الخطوط الحمراء التي كانت قائمة بين سوريا وإسرائيل في لبنان، ووجدت أن سوريا قد سحبت قواتها من منطقة صيدا والدامور والمشرف في شهر شباط الماضي وقدمت الأركان السورية تفسيرا يقول بأنها لا تريد للجيش السوري أن يقوم بدور الشرطة، وإنها تعمل على تجميعه تحسبا لعدوان إسرائيلي محتمل. وفي الواقع سحبت سوريا قاعدة صواريخ كانت قريبة من مدينة صيدا.

        وهكذا يتقدم العدو وليس أمامه خطوط عربية حمراء بل صمت مطبق من الجهات الأربع، وقلت في نفسي، لقد جئنا إلى الدنيا في غير زماننا، ولا يقبل العقل مطلقا، أن يتقرر مصيرنا ومصير لبنان على يد شارون، وبدون اكتراث عربي على أي صعيد.

        وقد كرهت فعلا هذه الفكرة السوداوية، وعدت إلى مقولتنا التاريخية، نحن رأس الرمح المتوهج، وعلينا أن نطعم لحمنا لجنازير الدبابات الإسرائيلية حتى تستفيق الأمة العربية، وهكذا يدخل الفدائي التاريخ من باب الإرادة الانتحارية، وأبو عمار يجد متعة وهو يشبه الثورة الفلسطينية بطائر الفينيق، وفي غرفة العمليات هذه تحت الأرض، لا يسمع المرء شيئا عما يجري في الخارج، وبالتالي يصبح العالم ثقيلا والتقديرات مخيفة، لقد فضلت العودة إلى الشوارع الخالية على البقاء هنا وسط المعلومات والبرقيات التي تتوارد تباعا إلى غرفة العمليات، ولكن لا شيء منها يتفق والمزاج الفلسطيني.

        ودون هدف محدد في رأسي، عدت ودخلت الغرفة الضيقة التي يعمل فيها أبو عمار، وعلى الفور لبست قناعا من التفاؤل الفدائي، وهذا القناع التفاؤلي يجعلنا دائما نلغي حسابات الآخرين حول مصيرنا، ونعتمد حساباتنا التي تبدو بالمقاييس العامة، مضحكة، وغير مقنعة، ولكن أثبتت حساباتنا جدواها، فمن لاجئين محاصرين في مخيمات مطوقة وفي ظل أنظمة عربية دكتاتورية وقمعية، إلى ثورة تمسك بالقرار العربي في خدمة فلسطين، كل هذا وليد حساباتنا الذاتية ولم يكن هبة أو منة من أحد، بل دفعنا ثمنه دما، ومن حق أبو عمار بعد ذلك أن يقول عن نفسه، بأنه قائد الثورة المستحيلة أو ثورة بساط الريح أو ممر الماراثون المتحرك



"عرفات - حياته كما أرادها".. الفصل السابع - ح2 : قصة "بيان" وتعليق خليل الوزير .. استمرار مؤامرة "الأسد الأب"







"عرفات - حياته كما أرادها".. الفصل الخامس-ح2:مجزرة تل الزعتر ودور نظام "الأسد"-من الذي تواطأ في اجتياح لبنان 82 ؟



"عرفات - حياته كما أرادها".. الفصل الثالث-ح2: قصة سفينة السلاح من "هونيكر" لياسر عرفات وكيف رد له الجميل أبو عمار

التعليقات