"عرفات -حياته كما أرادها" الفصل الثامن ح1 : تفاصيل خطف الطيار الإسرائيلي أحيعاز .. ماذا قال أبو عمّار ؟

"عرفات -حياته كما أرادها" الفصل الثامن ح1 : تفاصيل خطف الطيار الإسرائيلي أحيعاز  .. ماذا قال أبو عمّار ؟
دنيا الوطن – ميسون كحيل  

في الفصل الثامن من الكتاب يتعمق الكاتب اكثر في تقديم الوضع العسكري حيث تم آسر طيار اسرائيلي بعد إسقاط طائرته في اليوم السابع من حزيران 1982 بعد ان وصلت برقية من قيادة القوات في الجنوب تشرح فيها اسقاط طاترتين مروحيتين واخرى سكاي هوك وتمكنت القوات من آسر الطيار وفورا أعطى ابوعمار أوامره بارساله فورا إلى مقر القيادة في بيروت والذي وصل اليها الطيار الإسرائيلي مع قوة من قوات الثورة . واسترسل الكاتب في احداث هذا اليوم فبعد ساعات وصلت برقية أخرى تفيد بأن هناك تقدما كثيفا بالدبابات على جميع المحاور ما يدل على أن المعركة ستأخذ ابعاد أخرى والنية العسكرية الإسرائيلية باتت واضحة الهدف في التقدم نحو مشارف بيروت العاصمة ما استدعى أن يغادر المقر كل من ابو جهاد متوجها نحو الجبل كما غادر سعد صايل ابو الوليد للإشراف على غرف العمليات السرية والبديلة في انحاء بيروت الغربية .      

وبشكل سريع عرج الكاتب على الأحداث المتسارعة فمع تعاظم تطورات المعركة أختار مجلس النواب اللبناني رجل اسرائيل الأول في لبنان بشير الجميل رئيسا للبنان والذي كان على علم مسبق بهذا الهجوم وبتنسيق كامل مع العدو الاسرائيلي لكن يد الحق كانت أسرع بعد ان تم اغتياله وذلك قبل ان يتسلم مهامه رسميا لرئاسة الدولة اللبنانية.      

لقد كان لا بد للكاتب ورفيق عرفات في الحصار أحمد عبد الرحمن أن يذكر احدى البطولات المميزة التي تمت في اليوم الحادي عشر حيث تمكن الفدائيون من قتل يوكوتئيل آدم في هجوم على قوة اسرائيلية في الدامور ومع هذا الزخم البطولي والصمود الكبير بدأت صورة الأحداث تتكشف أكثر مع زحف القوات الإسرائيلية وبأعداد هائلة على محاور الجنوب لتتضح معالم هذا الزحف الذي يستهدف أكبر بكثير من عملية خاطفة ومحدودة.

واشار أحمد عبد الرحمن من واقع المعلومات والتحليلات آنذاك ان العملية وحسب المعلومات الاسرائيلية كانت تستهدف تأمين الجنوب وحتى شمال الزهراني مرورا بصيد وصور والنبطية وقلعة الشقيف وحاصبيا وسفوح جبال الشيخ وسرعان ما تأكدت القيادة الفلسطينية أن هذه المعلومات الاسرائيلية ما هي إلا للتأثير على المجتمع الاسرائيلي للموافقة على خطة الهجوم . ومع هذا الحجم من الهجوم الاسرائيلي  اصدرت القيادة الفلسطينية تعليماتها للقوات الموجودة في الجنوب بإتباع اسلوب حرب العصابات .
 

الفصل الثامن:
اليوم السابع من حزيران 1982.

أسقطنا «سكاي هوك» وأسرنا الطيار «أحيعاز».
اليوم الحادي عشر من حزيران 1982.

الفدائييون قتلوا «يكوتيئل آدام» نائب رئيس الأركان في الدامور.

اليوم الرابع والعشرون من تموز 1982.

أسرنا الجندي «رون هاروش» في بيروت.
 

        ومرت الساعات بسرعة، وعند السابعة والنصف صباحا تناولنا طعام الإفطار، وفي الثامنة والنصف وصلت برقية من الجنوب، تقول إن طيران العدو يواصل قصف مواقعنا وقواعدنا في جميع المناطق، وقد أعطى أبو عمار أمرا باليقظة والحذر، وأمرا آخر بالرد على قصف العدو بقصف معاكس، يستهدف التجمعات العسكرية والمستوطنات، وفي التاسعة والنصف صباحا وصلت برقية من الجنوب، كان لها وقع خاص، تقول البرقية: إن مقاومتنا الأرضية تمكنت من إسقاط طائرتين مروحيتين للعدو، وطائرة قاذفة من نوع سكاي هوك/ وإن قواتنا تمكنت من أسر الطيار. وفور قراءته للبرقية، رد أبو عمار برقية «أرسلوا الطيار إلينا سالما، وعليكم الانتباه والحذر».

        لقد غيرت هذه البرقية على نحو مذهل الجو الذي كان مسيطرا علينا، وجمدت الحسابات التي كنا لا نجد لها نهاية، فغمرتنا البهجة والفرح، وأمر أبو عمار قوات ال 17 أن تقوم بنشر 200 مقاتل في سيارات مسلحة على طول الطريق بين بيروت وصيدا، خوفا من وجود كمائن مسلحة على الطريق، قد تحاول اختطاف الأسير الإسرائيلي، من قوات فتح.

        لقد استبشر الجميع خيرا، بأسر الطيار الإسرائيلي وأخذ أبو عمار يردد آية من القران الكريم: « وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى»  وهو يتحرك في الغرفة جيئة وذهابا، كما يفعل عادة بحثا عن فكرة ضاعت، أو ينسج حلا للفسيفساء الفلسطينية ، وكان يراقب الزمن على ساعته، ويتطلع من النافذة، بانتظار وصول الطيار الإسرائيلي الأسير.

        وفي العاشرة والنصف وصلت عشر سيارات مدنية، إلى مقر القيادة المؤقت، ولمح أبو عمار الموكب، فترك النافذة وعاد برزانة وهدوء إلى مقعده، وقد سارعت في ذات اللحظة إلى النافذة وقلت بصوت مرتفع، لقد وصل الأسير، واستأذنت من أبو عمار ، وهبطت إلى الدور السفلي في ثوان، لأرى الأسير، وفعلا رأيت رجلا طويلا معصوب العينين وموثوق اليدين وظهره مقوس قليلا، ربما من الإعياء، وقد سألت أحد الفدائيين الذين أحضروه إن كان مصابا، فأجاب بالنفي، وعندها قلت للضابط الفلسطيني، عليكم أن تطعموه على الفور، فهو أسير حرب وقد يكون سمعني وقد يكون يعرف العربية لا أدري ولم أجد لدي أي سبب للحديث مع الأسير، حيث لاحظت أنه خائف من الأصوات العربية، ومنها صوتي. واستخدمت المصعد وعدت إلى حيث أبو عمار وبقية أركان القيادة، وعلى الفور قلت: لا بد من معاملته معاملة حسنة، وتقديم الطعام له وعرضه على الطبيب، وأجابني العميد أبو الوليد لا تخف عليه، لقد بدأنا باتخاذ كافة الإجراءات التي تنص عليها المعاهدات الدولية بشأن الأسرى، وكان أبو عمار يهز رأسه موافقا على كلام أبو الوليد، ويضيف: « ليت الإسرائيليون يعاملون أسرانا كما نعامل أسراهم».

        وعرفت فيما بعد أن الطيار الأسير واسمه «أحيعاز» عومل معاملة ممتازة حتى في أقسى ساعات حصار بيروت، وقد أشار هو نفسه بعد إطلاق سراحه إلى احترام حراسه له، ومحاولتهم توفير الخدمات المطلوبة له.

        كانت الساعة تقترب من الحادية عشرة والنصف صباحا عندما وصلت من قيادة قواتنا في الجنوب، برقية تقول، بأن مجموعات الاستطلاع قد أفادت بأن هناك تقدما كثيفا بالدبابات على جميع المحاور، وعلى الفور وجه أبو عمار برقية إلى الجميع بقصف طلائع قوات العدو المتقدمة، بكل الأسلحة المتوفرة لديهم، وهكذا انقلب الموقف في غرفة العمليات من جو الفرح الذي غمرنا بوصول الأسير إلى أيدينا سالما، إلى جو من التوتر والقلق والترقب، وغادرنا أبو جهاد وأبو الوليد وعلمت بعد ذلك أن أبو جهاد اتجه إلى الجبل، أما « أبو الوليد» فقد أشرف بنفسه على ترتيب غرف العمليات السرية الموزعة في أنحاء بيروت الغربية ، وعقد اجتماعات طارئة لمسئولي التسليح والتموين وقادة المحاور داخل بيروت والمنطقة الممتدة من الدامور وحتى الجبل باعتبارها امتدادا لمنطقة بيروت العسكرية، ومن هذه الترتيبات والاجتماعات أدركت أن العميد أبو الوليد قد تأكد من واقع تقدم القوات الإسرائيلية بهذه القوة الضخمة أن هدفها هو احتلال بيروت الغربية بكاملها أو تطويقها بالتواطؤ مع بشير الجميل الذي في غمضة عين اختاره مجلس النواب اللبناني رئيسا للبنان بعد انتهاء رئاسة الياس سركيس، ولن أنسى أبداً الضابط الفلسطيني الشجاع العقيد عبد الله صيام الذي قاتل حتى ارتقى شهيداً في محور «خلدة» قرب مطار بيروت الدولي، إلا أن التاريخ يسجل له ولقواته أن معركة الدامور في حزيران 2891 قد أدت إلى قتل نائب رئيس الأركان الإسرائيلي واسمه «يكوتيئل آدام»، وروى الجنرال «أفرايم أبيدان» الذي أصيب بجروح خطيرة في الدامور لصحيفة معاريف «6 آب 2891» قصة مصرع الجنرال آدام حيث قال: «كان المهاجمون خمسة فلسطينيين يحملون أسلحة خفيفة ومتوسطة، اثنان منهم كانا يحملان مدافع آر بي جي  وكانوا جميعاً يرتدون ملابس جلد النمر وكبيرهم كان له شوارب غليظة ويرتدي بدلة الخاكي العسكرية الذي يشبه لباس جنودنا، استمر الفدائيون ينظرون إلينا ويشيرون أسلحتهم نحونا لمدة استغرقت ثوان معدودة وحينما مدّ الجنرال آدام يده يتحسس مسدسه أطلق الفلسطينيون النار علينا، لقد أطلقوا نيراناً كثيفة جداً وسقطنا جميعاً نسبح في دمائنا. (من يوميات مقاتل، بقلم: واصف عريقات)

        وبدأنا جميعا نفكر في الهجوم الإسرائيلي الزاحف على الجنوب ومنها إلى المناطق المحيطة ببيروت. ترى ما هو هدف الإسرائيليين هذه المرة؟ هل يريدون تكرار عملية الليطاني الفاشلة مرة ثانية؟ إن جنون شارون وسطحية ثقافته التاريخية والسياسية يدفع الأسئلة حول الهجوم الإسرائيلي من دائرة حصر هذا العدوان في إطار الانتقام أو العمليات التأديبية إلى دائرة الهدف المستحيل وهو إحداث تغيير في خريطة القوى في الشرق الأوسط، خاصة وإن وجود الجنرال هيغ على رأس وزارة الخارجية الأمريكية، هو في نظرنا، عامل مشجع لطموحات شارون وكثيرا ما تردد في الصحف والمعلومات العامة في الآونة الأخيرة، أن الجنرال هيغ يؤيد الأفكار والخطط العدوانية التي يقدمها له الجنرال شارون خاصة بعد زيارة شارون لواشنطن وصدور البيان المشترك ضد الإرهاب مع الكسندر هيغ.

        ومن هنا، اتسعت دائرة التساؤلات والاحتمالات لدينا في غرفة العمليات مع بداية زحف القوات الإسرائيلية بأعداد هائلة على محاور الجنوب من صور وحتى سفوح جبل الشيخ، وقد أوضح قادتنا العسكريون في الجنوب أن الزحف الإسرائيلي هو حرب شاملة وليس عملية عسكرية أمنية محدودة بهدف الانتقام أو التأديب، أو حتى مجرد السيطرة على منطقة ما لتنظيفها من الفدائيين.

        وبمراجعة سريعة لملف المعلومات الإسرائيلي الموجود لدينا في مقر القيادة، كانت خطة العدو تقوم على احتلال الجنوب وحتى شمال منطقة الزهراني قرب صيدا ثم النبطية وقلعة الشقيف وحاصبيا وسفوح جبل الشيخ المطلة على الجليل، وهذه المعلومات مذيلة بتحليلات إسرائيلية على لسان كبار الضباط الحاليين أو المتقاعدين وتعليقات في الصحف، تؤكد كلها على خطورة السماح لمنظمة التحرير ببناء جيش في الجنوب، وقد ورد على لسان أحد الضباط قوله: إن على «إسرائيل» ألا تسمح بتكرار ما حدث للمستعمرات في عام 81، حيث قام الفدائيون بقصف 27 مستعمرة في وقت واحد، وهناك في الملف الإسرائيلي، معلومات مضخمة وغير دقيقة عن الوجود العسكري الفلسطيني في الجنوب، واتضح أن نشر هذه المعلومات في «إسرائيل» كان بهدف التأثير على الرأي العام الإسرائيلي، ليوافق على خطة الهجوم على الجنوب، والتي أصبحت جاهزة منذ أشهر كما هو مثبت في الملف المذكور.

        ولفترة وجيزة كان الرأي الراجح في غرفة العمليات يقول بأن الهجوم الإسرائيلي يستهدف احتلال الجنوب حتى الزهراني، وإخراج الفدائيين من الجنوب، وترتب على هذا الرأي إصدار تعليمات للقوات في الجنوب، باتباع تكتيك حرب العصابات لضرب القوات المهاجمة، حيث يستحيل على قواتنا القليلة العدد والضعيفة التسليح أن تدافع عن خطوط دفاعية ثابتة، وقد أوضح الأمر الصادر عن القائد العام أن الشكل الرئيسي للقتال هو حرب العصابات والتمسك بعقد المواصلات والممرات الإجبارية للدبابات، أما المدن والمخيمات فقد جاء في الأمر العسكري، ضرورة تحويلها إلى قلاع دفاعية وأن تكون مقبرة لقوات العدو.


"عرفات - حياته كما أرادها".. الفصل السابع - ح2 : قصة "بيان" وتعليق خليل الوزير .. استمرار مؤامرة "الأسد الأب"







"عرفات - حياته كما أرادها".. الفصل الخامس-ح2:مجزرة تل الزعتر ودور نظام "الأسد"-من الذي تواطأ في اجتياح لبنان 82 ؟



"عرفات - حياته كما أرادها".. الفصل الثالث-ح2: قصة سفينة السلاح من "هونيكر" لياسر عرفات وكيف رد له الجميل أبو عمار

التعليقات