في كتابه "عرفات -حياته كما أرادها ... الانتفاضة ردّ على بيروت

خاص دنيا الوطن - ميسون كحيل
في الفصل الخامس عشر يواصل الكاتب طريقه ويشق حواجز التاريخ في رد الإنتفاضة على بيروت ويعبر نحو ذكر الدور الفاعل للجماهير الفلسطينية في انتفاضتها و الكم الكبير لأعداد الشهداء والجرحى والمعتقلين ما يوحي حسب ما أشار الكاتب إلى أن الجماهير الفلسطينية باتت لا تهاب ولا تخاف وقررت التحدي وان كل الأساليب الفاشية العنصرية وأعمال التنكيل والقمع والقتل وتكسير العظم الممارسة من قبل جنود الإحتلال عكست المسار من هدف إسرائيل من وقف وقمع الإنتفاضة إلى زيادة جرعات الجماهير من الإصرار ومواصلة الإنتفاضة فزادتها الإنتهاكات الإسرائيلية لهيبا وإرادة والذهاب إلى أبعد نقطة يمكن أن تؤدي إلى دحر الإحتلال . فلم تعد الجماهير على إستعداد للتوقف أو التراجع عن أهدافها رغم حالة الإرباك التي أصابت العدو وقيامه بهدم العديد من المنازل وتشريد أصحابها وأصبحت الجماهير بشكل مذهل ضمن دائرة التكيف مع الأحداث اليومية واجراءات الإحتلال فأعادت تنظيم شروط الحياة الإجتماعية والإقتصادية من أجل إستمرار الإنتفاضة وإعلان أهدافها الوطنية وكجزء لا يتجزء من أهداف منظمة التحرير الفلسطينية والإلتزام بدورها وتعليماتها وأوامرها من خلال اللجن التي تم تشكيلها وبقيادة وطنية موحدة نظمت العملية النضالية الوطنية في الأراضي الفلسطينية ومعلنة عن مواصلة العمل الوطني حتى يتم طرد الإحتلال وتحقيق أهداف ومتطلبات الشعب الفلسطيني من الحرية والإستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس وبإعلان صريح أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني وفي توافق تام ما بين برنامج الثورة وبين برنامج الإنتفاضة وقد كان لهذا الوضوح السياسي في طروحات الإنتفاضة تأكيد على دور المنظمة الفاعل في التلاحم مع الجماهير بالأسلوب والهدف والأمال والأحلام ما شكل ضربة قاسية لأعداء الثورة وأعداء المنظمة وأعداء الإنتفاضة.
.............................................
الفصل الخامس عشر: - الجزء الاول
الانتفاضة ردّ على بيروت
في هذا الشهر العاشر من عمر الانتفاضة المديد يكون الشعب الفلسطيني قد قدم على مذبح الحرية والاستقلال أكثر من (468) شهيدا حتى يوم 8/10/88، ورغم صعوبة الحصول على أرقام دقيقة لعدد الجرحى والمعتقلين، وقد وصلت إلى (15) ألف إصابة في صفوف جماهير الانتفاضة، أما عدد المعتقلين فيصل إلى أكثر من (18) ألف معتقل بينهم أكثر من خمسة آلاف دون محاكمة، وقد اعترف رابين مداورة بأن قواته قد اعتقلت (18) ألف فلسطيني في الأشهر التسعة الماضية، وقد فتح العدو المزيد من السجون والمعتقلات الجماعية والتي أشهرها على الإطلاق معتقل كتسيعوت - أنصار»3» في صحراء النقب ، والذي أثار حملة احتجاج عالمية، ودفعت عددا من مراسلي الصحف والقضاة إلى تشبيهه بمعتقلات النازية وإلى اعتبار دولة الاحتلال الصهيوني نسخة مكررة لنظام جنوب إفريقيا العنصري.
إن سقوط هذا العدد الكبير من الشهداء برصاص قوات الاحتلال إنما يؤشر على أن الجماهير الفلسطينية المنتفضة، قد وضعت جانبا كل أساليب العدو لإرهابها وترهيبها، وقررت أن تتحداه بصدورها، ولم ينفع القمع والتنكيل الصهيوني لردع الجماهير بل زادها إصرارا على مواصلة المعركة حتى دحر الاحتلال، وتطبق الانتفاضة في أرضنا المحتلة قانون الثورات العظيمة، بأن التضحيات هي وقود النصر، فالشهداء الذين يتقدمون الصفوف ويسقطون على أرض المعركة، إنما يشعلون نيران الغضب والحقد الجماهيري ضد الاحتلال، والقمع الذي أراده العدو وسيلة للقضاء على الانتفاضة إنما يزيد أوارها اشتعالا ولهيبا، ووفق هذا القانون، فالقمع لا ينهي الانتفاضة بل يعمقها ويزيد من تصميم جماهيرها على مواصلة الطريق نحو النصر، وعلينا أن نقف إجلالا لشهدائنا الأبرار أولئك الأبطال الخالدين في تاريخنا الوطني، الذين شقوا الطريق أمام الجماهير وعبّدوها بأجسادهم وبدمائهم الطاهرة، وإذا كان العدو المحتل قد بدأ رحلة العد التنازلي، أمام بطولة الانتفاضة وجماهيرها ولجانها الشعبية والضاربة، فقد كان لأولئك الأبطال الشهداء والجرحى والمعتقلين والمبعدين من أرضهم دورا مركزيا حاسما في رفع درجة السخط والغضب الجماهيري إلى مرحلة الثورة والانتفاضة الشاملة ضد الاحتلال.
والجماهير الفلسطينية عندما تقدم في عشرة أشهر هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى والمعتقلين وينسف العدو أكثر من 90 بيتا، ويبعد (25) مناضلا من قيادات الانتفاضة وأبطالها، والجماهير التي تقدم كل هذه التضحيات إنما تفعل ذلك لأنها نسفت الجسور مع واقعها الذي تثور ضده، ولم تعد الجماهير على استعداد للتراجع عن مطالبها وأهدافها الوطنية التي تعني حريتها بينما استمرار الاحتلال يعني عبوديتها وقهرها، ومن هنا تحولت الانتفاضة إلى واقع يومي معاش وإلى حال دائمة فرضتها الجماهير في مواجهة الاحتلال وتكيفت معها بسرعة، وأعادت صياغة شروط الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الفلسطينية في ضوء متطلبات استمرار الانتفاضة حتى تحقيق أهداف الجماهير في الحرية وفي الاستقلال الوطني .
لقد حددت الانتفاضة الوطنية الفلسطينية الكبرى منذ اندلاعها العنيف في الثامن من ديسمبر كانون أول 87 أهدافها الوطنية على أساس أنها أهداف منظمة التحرير الفلسطينية المقرة في البرامج الوطنية الصادرة عن المجالس الوطنية المتعاقبة، وردا على الحملة الصهيونية والرجعية للفصل بين الثورة والانتفاضة صدرت بيانات القيادة الوطنية الموحدة تحمل توقيع منظمة التحرير الفلسطينية وتحته توقيع القيادة الوطنية الموحدة، وفي بيانات الانتفاضة المتعاقبة والتي وصل عددها إلى 27 بيانا صادرا عن القيادة الوطنية الموحدة داخل أرضنا المحتلة حددت قيادة الانتفاضة بوضوح هدف جماهير الانتفاضة على أنه مواصلة النضال والكفاح الجماهيري حتى يتم طرد الاحتلال الصهيوني وحتى يحقق الشعب الفلسطيني هدفه في الحرية والاستقلال الوطني ويمارس حقه المشروع في تقرير مصيره وإقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس فوق ترابنا الوطني، وتحت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
وهدف طرد الاحتلال الصهيوني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة يشكل القاسم المشترك بين برنامج الثورة وبين برنامج الانتفاضة، وقد كان لهذا الوضوح السياسي في برنامج الانتفاضة وفي طروحاتها السياسية التي تتمحور حول هدف دحر الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة أثر حاسم في تبديد الادعاءات الباطلة التي أرادت الفصل بين المنظمة وبين الانتفاضة، ولعل هذه الوحدة بين المنظمة والانتفاضة تنظيميا وسياسيا كانت من بين أسباب كثيرة وراء قرار الملك حسين بفك الارتباط القانوني والإداري بين الضفتين الغربية والشرقية. فقد اكتشف الملك كما اكتشف الصهاينة متأخرين كذلك، إن الانتفاضة هي التجلي الراهن للثورة الفلسطينية التي اعتقدوا أنها ضعفت بعد الضربات الإسرائيلية والعربية الرسمية التي تعرضت لها في السنوات العشر الماضية.