الإعلام: اعادة نشر سلسلة المؤرخ الراحل مُخلص السعيد بوح جنين الحيّ

رام الله - دنيا الوطن
أعادت سلسلة (جنينيات) لوزارة الإعلام نشر سيرة المؤرخ مخلص محجوب الحاج حسن السعيد، الذي اختزن حكاية جنين، وحفظ الكثير عنها، ووثق تفاصيل احتلالها في حزيران 1967،  حتى صار موسوعة أسرارها، قبل أن يُغيّبه الأجل المحتوم في شباط 2019.

وقص السعيد لوزارة الإعلام، قبل رحيله: جنين مدينة أسسها الكنعانيون كقرية تحمل اسم 'عين جانيم'، في موقع المدينة الحالي. وترك هذا المكان بصمات واضحة على مدار التاريخ، إذ كان عرضه للقوات الغازية المتجهة جنوبًا أو شمالًا وكثيراً ما يطاله التدمير والخراب أثناء الغزو. وعُرفت في الحقبة الرومانية باسم 'جينا'، ولما ورث البيزنطيون حكم البلاد أقاموا فيها كنيسة حملت الاسم نفسه. وقد عثر المنقبون الأثريون على بقاياها بالقرب من المسجد الكبير، ويعود تاريخ تأسيسها إلى القرن السادس الميلادي.

جنائن وغزو

وقال: خلال القرن السابع الميلادي نجح العرب المسلمون في طرد البيزنطيين منها واستوطنتها بعض القبائل العربية، وعُرفت البلاد لديهم باسم 'حينين' الذي حُرّف فيما بعد إلى جنين، وقد أطلق العرب عليها هذا الاسم بسبب كثرة الجنائن التي تحيط بها. ورد اسم جنين في آثار المصريين القدماء والبابليين والآشوريين. ووفقًا لعلماء الآثار، فالمدينة أسسها الكنعانيون في حدود 2450 قبل الميلاد.

واسترد الراحل: جنين مدينه قديمة ورد أسمها بالمخطوطات البابلية والآشورية والمصرية القديمة، وفي التوراة والإنجيل. وورد ذكرها بأسماء مختلفة منها: جانيم وعين جانيم وجيرين وجنين، وعرفت جنين عبر تاريخها بكثرة الجنائن والبساتين. وهي واحدة من المدن العتيقة، ولا يضاهيها بالقدم إلا أريحا ونابلس والقدس ودمشق وصيدا في لبنان. وتأسست عام 4250 قبل الميلاد وبها عدد من المكتشفات الأثرية، وتعرضت المدينة لسلسلة من الغزوات التي دمرتها.

وأبصر مخلص النور عام 1940، وبدأ مهمة حفظ تاريخ مدينته بعد حصوله على شهادة 'المترك الثانوي'، وحاز على المرتبة الأولى في التربية الإسلامية على الضفتين (الغربية والشرقية)، وكان مؤهلًا لبعثة خارجية لم تكتمل، ودرس في دار المعلمين بالعروب، وكان الأول في الاجتماعيات والسابع بين 43 طالبًا، والتحق في سلك التعليم منذ عام 1960 متنقلا بين نابلس وجنين وريفها. وكان طفلاً حين وقعت معركة جنين الأولى، وهرب مع أسرته إلى الجبال المحيطة، وشاهد جيش الإنقاذ والجيش العراقي والمناضلين المتطوعين، ومن وقتها دخل حب التاريخ قلبه، وصار يمضي وقتًا طويلًا في البحث عن كل ما يتصل بمدينته، حتى رحيله عنها شتاء 2019.

وباح: دمر 'تحتمس الثالث' جنين أثناء توجهه إلى مجدو حين اشتبك هناك مع حكام سوريا القدماء الذين يسمون 'الهكسوس' وهذا عام 1479 ق.م. وهاجمها 'رعمسيس الثاني' صاحب معبد أبو سمبل، أثناء توجهه لمحاربه الحثيين في قادش. في عام 1189 ق.م عقب دخول العبرانيين إلى أرض كنعان بقياده يوشع بن نون، كان من أبرز الأحداث التي شهدتها المدينة التحالف والالتحام بين الكنعانيين والعماليق والفلسطينيين ضد أول ملوك العبرانيين، وهو 'شاؤول بن قيس' الذي هُزم على مقربه من جلبون (شمال شرق جنين) في عام 1030 ق.م. وتعرضت للتخريب على يد 'سنحاريب بن سرجون' الثاني الآشوري عام 701 ق.م، ووقعت تحت الاحتلال الفارسي على يد 'كوريش' والد قمبيز، بأواسط القرن السادس ق.م، وعاشت 99 سنة احتلال صليبي، إذ احتلت عام 1103 بزعامة 'تنكريد دوق نورمانديا' و'ريموند دوق تولوز'، استعادت المدينة حريتها في معركة حطين عام 1187م، وأثناء عودته إلى دمشق، مر من جنين وبات فيها يوم واحداً، يوم الأحد الثاني من تشرين أول 1192، لكنها خضعت للاحتلال الصليبي مره ثانية، بعد تنازل الملك الكامل الأيوبي عنها وعن باقي المدن الفلسطينية في الحملة الصليبية السادسة،. وظلت جنين تحت حكم الصليبيين إلى أن حررها الملك الصالح نجم الدين أيوب عام 1244.

تاريخ ناطق

وقال المؤرخ مخلص الذي ألف كتابًا حمل عنوان' جنين: ماض وحاضر'، ونشر الكثير عن حكايتها: استردت المدينة حريتها، في العهدين الأيوبي والمملوكي وانتعشت اقتصاديًا وعمرانيًا وتأسست فيها محطة للحمام الزاجل لتربط مصر بالشام، وكانت تابعه لنيابة صفد، وصارت ممراً لمحطات القوافل والبريد من مصر إلى الناقورة وصولاً إلى دمشق. وشهدت جنين تطورا ملحوظا في عهد المنصور قلاوون الهكاري 1281. وشيّد طاجار الداوادار الخان التجاري المشهور الذي وصفه المقريزي في كتبه، وأصابها العام 1347 زلزال كبير دمّر جنين عن بكرة أبيها.

وفق مؤرخ المدينة، فقد حلت السيادة العثمانية عليها عام 1561، وظلت جنين تابعة للأتراك العثمانيين حتى عهد السلطان محمد وحيد الدين السادس. وساعد القائد الفرنسي 'فال' نائب كليبر، نابليون بمحاصره المدينة، وبعد أن فشل باحتلالها وعمل على إحراقها حيث قصفت جنين بالمدفعية، في نيسان 1799م وتم تدميرها. وكانت حملة إبراهيم باشا على فلسطين (1831-1840)، بمثابة طفرة عمرانية، إذ اصطحب في جيشه طواقم مختصين ورغم الزلزال الذي كان قد ضربها وهدّم أبنيتها عام 1837، فأسس فيها سوقاً قديمة وبلّط شوارعها وأزقتها القديمة.

 وأفاد: احتل الإنجليز جنين في عهد السلطان العثماني محمد وحيد الدين السادس في 20 أيلول 1918، وعيّن الميجر ماك كرين حاكمًا عسكريًا للمدينة، واختيرت جنين مقرًا لمحطة الشرق الأدنى التي أنشأها الإنجليز عام 1941. وخلال الحرب العالمية الأولى اتخذها الألمان مقرا لسلاحهم الجوي حيث أقاموا فيها مطاراً عسكرياً ضخمًا، ما زال السكان يطلقون عليه إلى اليوم الاسم نفسه، في أراضي مرج ابن عامر.

معركة ونكبة

وزاد: وقعت معركة جنين الأولى في حزيران عام 1948م، إذ بدأت المعركة الفاصلة بين الأهالي وفئة من جيش الإنقاذ، تدعمه قوة من الجيش العراقي بقيادة عمر علي وصالح زكي، مقابل قوة يهودية مؤلفة من أربعة آلاف جندي يهودي. وتم تحرير المدينة بشكل كامل في 4 حزيران 1948، بعد يوم وليلة من القتال، وقد كانت في 27 رجب 1367 هجرية.

ووالى: لكن بدأت معركة جنين الثانية بعد أن قام اليهود بالمباغتة في أواخر الهدنة (9 تموز 1948)، فاحتلوا 11 قرية وجابههم الأهالي بدعم من الجيش العراقي، وعملوا على تحرير قراها. وعقدت اتفاقية الهدنة الثانية في 18 تموز 1948، وبتعديل خط الهدنة خسرت جنين ما يقارب 19000 دونم، بالإضافة لفقدانها 14 قرية.

وأضاف: وصفها حاييم هرتصوغ، الذي تولى رئاسة إسرائيل، المعركة بأنها أخرت احتلال الضفة الغربية 19 سنة، وفيها سقط 96 شهيدًا من المناضلين و67 شهيدًا من الجيش العراقي و1241 قتيلاً من الجيش الإسرائيلي. 

ملامح وأعلام

وقال: شهدت جنين الكثير من الأحداث كـ'الثلجة الكبرى' في السادس من شباط 1950، ووقتها شلت مرافق الحياة، ووصل الزائر الأبيض لنصف متر، كما خسرت الكثير من آثارها كبركة البساتين، التي أسسها محمود بيك عبد الهادي، كما فقدت طواحينها المائية الأربع: أم القناطر (آثارها باقية قرب دوار يحيى عياش)، والبلد (كانت خلف المسجد الصغير)، والصباحية (قرب وزارة الحكم المحلي اليوم)، و(المجيدية). كما فقدت الحمام التركي الذي دمره الزلزال، (بجوار المسجد الصغير) ونهر البلد، والتل الذي كان مقرًا للبريد الطائر (الحمام الزاجل)، وسوقًا للدواب، ومقبرة، ومكانًا لإقامة البرامكة والنَوَر، إلذى تحول إلى موقف للمركبات عام 1965. كما بدأ الزحف على سهل مرج ابن عامر في سبعينيات القرن الماضي، وانتعش تدميره في الثمانينيات، وتفاقم منذ التسعينيات وحتى اليوم.

واسترد أسماء لشخصيات تركت بصمة واضحة في تاريخ مدينة جنين، كحال حسين الجرباوي (مهتم بالتاريخ)، وسعيد السوقي (شاعر)، وعبد الهادي جرار (تربوي)، والشيخ أحمد السعدي ( اهتم بالتراث)، وبرهان الدين العبشوي (شاعر)، وعلام العبوشي (باحث في التاريخ)، وخالد النصرة (شاعر)، وعصام النمر (عالم فضائي أطلق أول مركبة للقمر).

وأنهى رحمه الله: من الأسماء التي لمعت في تاريخ المدينة وأقامت وعملت فيها، خلال النصف الأول من القرن العشرين، أحمد حلمي عبد الباقي (رئيس حكومة عموم فلسطين)، والمؤرخ عارف العارف (أول قائمقمام للمدينة عام 1936)، وعز الدين الشوا ( قائمقام جنين عام 1936)، والشيخ عز الدين القسام، والشيخ فرحان السعدي، وعلي السرطاوي (تربوي)، وفوزي الدين القاوقجي (قائد جيش الإنقاذ)، ومحمود شيت خطاب (حاكم حنين العسكري العراقي)، ود. نقولا زياد، والمفتيان الشيخ أديب الخالدي وتوفيق جرار.

توثيق وقصص

بدوره، أوضح مدير مكتب وزارة الإعلام في جنين عبد الباسط خلف، أن (جنينيات) نافذة تعنى بنقل حكايات المحافظة قصصها وأعلامها ومعالمها، وتعيد التذكير بالجوانب الإنسانية والإبداعية التي تركت بصمات واضحة في تاريخ المدينة وبلداتها وقراها ومخيمها.

وأضاف: ترصد الوزارة أيضًا عبر سلسلتي (كواكب لا تغيب) و(ذاكرة لا تصدأ) قصص شهداء الحرية، وفصول التاريخ الشفوي للناجين والشهود على نكبة شعبنا عام 1948.