الفلسطينيون الأتراك ..

الفلسطينيون الأتراك ..
كتب غازي مرتجى

*
لقد بات من الواضح أنّ الشعب الفلسطيني بكُل أطيافه بات بعيداً كل البعد عن الممارسات الديمقراطية وفي أوقات كثيرة عن إعمال العقل في الحُكم على الظواهر والأحداث , فقد انقسم التواصل الاجتماعي ليلة الانقلاب الفاشل على أردوغان بين مؤيّد بشدّة مُنبهّين بضرورة إقامة الصلوات لنجاح الانقلاب وآخرون خوّنوا الطرف الأول وتحولّت منازلهم لمساجد صغيرة وأقاموا صلاة التهجّد كي يُنقذ الله أردوغان .
لم ينظر أي من الطرفين لما يحدث في تركيا من جانب المواطن التركي الذي خرج ليُدافع عن ديمقراطيته أولاً وحياته الرغيدة ثانياً .. لا مُبرر للانقلاب هكذا تُختصر الحكاية التركية .. فقد وفّر لهم "السلطان -برأي الجهة الثانية" كل مقومات الحياة وزادت قيمة الليرة ولم تتوقف السياحة بل تضاعفت وأصرّ على إجراء الانتخابات ولم يُلغها أو يخف منها .. وهكذا فإنّ أي تصرفات معارضة تكون في داخل البرلمان لا على خطوط التماس ومن خلال الجيش .
لسنا بصدد الحديث عن الحالة التركية التي تبدو جيدّة في حالات داخلية كثيرة رغم التصرفات الخارجية التي نُعارضها أو نتحفّظ عليها من منطلق وطني بحت كالعلاقات مع اسرائيل ومهاجمة الآمنين في سوريا .. وغيرها من حالات التدخل في قرارات الغير .
لم يُفاجئني مظهر التواصل الاجتماعي أمس والانقسام الشديد في الآراء لكنّي بتُ على يقين أننا بعيدون كل البعد عن أي ممارسة ديمقراطية حقيقية تعتمد على الفعل والإنجاز لا على الترهيب بالدين أو الوطنية والمصالح .

كل الاستغراب من انطلاق البعض لتأييد أردوغان وإطلاق سيل من التعبيرات غير الموفقة كـ"مستعدون لبذل الدماء على شواطيء تركيا" - فلم تتحسّن العلاقات مع مصر وباتت رهينة  تصريحات وتظاهرات أُطلقت في وقت "فرح أو حزن" فلماذا تكرار ذلك ؟

**
في الحديث عن الممارسة الديمقراطية فلم يكُن اختيار حماس الموافقة على إجراء الانتخابات البلدية "اعتباطياً" بل كان بعد تفكير مُطوّل - فحماس التي لا تزال تحفظ حق المناصرة من المواطنين في الضفة (بشكل كبير) تعرف تماماً أن رفضها إجراء الانتخابات البلدية في غزة سيُورطها إقليمياً ودولياً ومحلياً بالتأكيد  .
سيُسجّل التاريخ -وأنا على ثقة بذلك- أن أول رئيس حكومة توافقي بين شطري بقايا الوطن تمكّن من اتخاذ قرار مُوحّد ولو نجحت الانتخابات وتمكنّت من ممارسة أعمالها فإن اسم رئيس الحكومة (الحمدلله) سيُكتب ضمن مُوحدّي الشطرين .

إجراء انتخابات الهيئات المحلية لم يكن بالقرار الهيّن فاللعبة السياسية تحكُم هنا أكثر بكثير من الخدماتية المُفترضة , وتجاوز الحكومة أي عوائق قد تحدث بقرارات مصيرية (كاعتماد قضاء غزة وموظفيها للفصل في الانتخابات) سيُسجل للحكومة وله ما بعده .

منذ بدء خلافات الحركتين الأكبر قُلنا أطلقوا يد الحكومة لتحُل المشاكل جزئياً في قطاع غزة فوُضعت لها الحواجز ونُصبت لها المطبّات وتحركّت الحشود البشرية المُسيرّة لعناً وسبّاً دون معرفة السبب !

قرار إجراء الانتخابات لم يكُن فقط قرارا حكومياً بل جاء بعد التنسيق المباشر مع الرئيس محمود عباس الذي يحمل قناعة لا تتغيّر بوجوب الاحتكام للصناديق دون أي ذريعة تُعطّل ذلك .

***
أما الرئيس أبو مازن والذي وجّه له نتنياهو تسجيلاً يتضمّن خمسة مطالب , شروط أو يُمكن القول عنها "إملاءات" كان قد تحدث رئيس شاباك نتنياهو عن بدء العد التنازلي لعهد الرئيس أبو مازن .

رسالة نتنياهو الوقحة والتقارير الإخبارية والرسمية التي تتحدث عن الوضع الفلسطيني لما بعد الرئيس لم تأت من فراغ بل هي كلها مجتمعة للضغط عليه لوقف تحركاته الدولية لحشد الدعم الدولي لمؤتمر دولي للسلام وتأييد المبادرة الفرنسية .
لا أعتقد ان الرئيس سيرضخ لتلك الترهات الاسرائيلية والحل السحري الذي يملكه الرئيس يتمثّل في العمل الداخلي لإقرار المصالحة الفلسطينية الداخلية وإنجاح الانتخابات التي ستُعتبر قيمة إضافية تضاف له في المحافل الدولية والعربية وتجديد للشرعيات حتى لو كانت ضمن قوائم انتخابات هيئات محلية .