دنيا الوطن تنشر حصريا كتاب "صوت العاصفة" للكاتب نبيل عمرو ..الحلقة الثالثة: الدرس الاول وبداية العمل

دنيا الوطن تنشر حصريا كتاب "صوت العاصفة" للكاتب نبيل عمرو ..الحلقة الثالثة: الدرس الاول وبداية العمل
رام الله - خاص دنيا الوطن

خص وزير الإعلام الأسبق وعضو المجلس الإستشاري لحركة فتح د نبيل عمرو صحيفة "دنيا الوطن" بنشر كتابه الجديد الذي صدر مؤخرا في رام الله والتي حمل عنوان "صوت العاصفة" ليحكي تجربته النضالية في الاعلام الى جانب تجاربه النضالية الأخرى على كافة المحافل الثورية .

وينقسم كتابه الى جزئين : يحمل كل جزء منهم حقبة تاريخية من زمن الثورة الفلسطينية ويتطرق الكاتب في الجزئين الى دور إذاعة الثورة الفلسطينية التي أصبحت الآن اذاعة صوت فلسطين في وتجربته الرائدة فيها على مدار سنين الثورة.

دنيا الوطن بدورها قامت بتجزئة الكتاب لنشره عبر صفحاتها على حلقات ليتمكن القاريء من الإطلاع عليه كاملا ففي الحلقة الثالثة ننشر بداية تجربته الاذاعية الاولى والدرس الأول في صوت العاصفة الذي حمل عنوان:"الدرس الأول وبداية العمل" ولرسائل القراء وتشويقهم قامت دنيا الوطن أيضا بنشر الفصل الذي يليه والذي يتحدث فيه د نبيل عمرو عن أول عمل له على الاذاعة مباشرة والذي حمل عنوان "على الهواء" بدأ الامر بخدعة بيضاء".  

الدرس الاول وبداية العمل

 =اسمع يا نبيل ان صوتك اذاعي وحيوي وشاب، وحين تتخلص من خوف اللقاء الاول مع الميكروفون سيكون افضل واجمل واكثر استقرارا، ان جميع المستمعين يعتبرون المذيع مجرد صوت جميل يتأثرون به ويحبون الاستماع له كالمغني وفي حالة مثل احمد سعيد فانهم يشعرون بالاهتياج من كلامه وادائه، الا انني اقول لك ولكي تبدأ بداية صحيحة، ان الصوت مهم بالنسبة للمذيع ولكنه ليس الاهم انه اداة نقل الافكار، والتي تتضمنها النصوص اذ عليك ان تتعب على نفسك اولا باللغة ولا تطلب من احد ان يشكل لك الموضوع حتى في فترة التدريب، لانك لو فعلت ذلك فسوف تظل ضعيفا في اللغة وستعتمد على من يضع لك الضمة والفتحة دون ان تعرف لماذا.

ساساعدك بان امنحك اسبوعين، لتعرف اين تضع الضمة واين تضع الفتحة، واين واين واين واستطرد.

كذلك هنالك تقطيع المادة، فلا تدخل الاستديو دون ان تقطع الجمل والمفردات، كما لو انك تصوغ قطعة موسيقية. التوقف الطفيف يشار اليه بخط مائل والتوقف الطويل باشارة اكس ثم حاول ان تقرأ ما تكتب انت وعليك التدرب على الكتابة مع تدربك على القراءة وبوسعك الاستعانة بي في اي وقت، وكذلك عليك الاستعانة بزملائك الاقدم منك ثم حاول الدوام في الاذاعة لاطول وقت ممكن ولا تصاب بعدوى بعض الزملاء الذين يحضرون قبل ربع ساعة من قراءة نشرة الاخبار، او بعد خمس دقائق من موعد تسجيل برنامج، وقال هذا درس اولي، وستنفق وقتا طويلا للتعلم كن صبورا ومواظبا.

سرى خوف في روحي لعل سببه اعتقادي المتسرع بان مجرد اعجاب الزملاء بصوتي وفر لي كل امكانيات النجاح في عملي الجديد، ان نصائح فؤاد وتوجيهاته بدت لي في حينها كما لو انها شروط تعجيزية او تحميل لي وانا المبتدئ اثقالا لا قِبَل لي بها، كيف سأهضم كل ما قاله فؤاد خصوصا وانه عقد الامر اكثر حين قال ان كل ما قلت هو مجرد درس اولي فكيف ستكون الدروس التالية.

لحظ فؤاد علامات احباط ظهرت على وجهي بعد سماعي درسه الاول ومن اجل تبديد مخاوفي قال: ستبدو الامور صعبة عليك في البداية الا انها ستكون عادية وطبيعية  وسيوفر لك الدوام الطويل في الاذاعة ومعايشة الانتاج والمواظبة على التدرب مقومات نجاح وحتى تفوق، وقبل مغادرتي مكتبه سألني كيف انت والقراءة، اجبت انني مدمن على القراءة وخصوصا في الادب، قال هذا مهم  بل انه الشرط الاهم للكادر الاذاعي كي يجيد القراءة والكتابة، مضت ايام وانا في حالة تفكير، هل اواصل التجربة التي بدت لي مغامرة، اي انني سانتقل من عمل الى عمل مختلف كليا وفي زمن قياسي، ثم كيف سيكون وضعي حين اقبل بدور التلميذ امام هذا الجيش من الاذاعيين والمذيعين المتفوقين والمتمكنين، ثم كيف ارتب امور حياتي في القاهرة اذ لم يكن قد مضى على زواجي اكثر من سنة وبيتي في عمان.

لم استشر احدا في امر خياري فمن استشير؟ انني لا اعرف احدا هنا، ان كل الذين رحبوا بي رأيتهم في الاستوديو لاول مرة، بعضهم ما ان ينهي عمله في الاذاعة حتى يسارع الى كليته اما لحضور المحاضرات او لتقديم امتحانات، والبعض الاخر يذهب الى شؤون حياته في المدينة العملاقة " القاهرة " اخيرا حسمت امري على النحو التالي:

كبداية ونظرا لحياتي الجديدة في القاهرة فان افضل مكان اقضي فيه معظم وقتي هو مقر الاذاعة واكثر عمل اشغل نفسي فيه هو القراءة لاتقان اللغة وقضاء وقت طويل في الاستوديو اقوم بالتدرب على النصوص الاذاعية ثم احاول الكتابة، وجدت في نفسي وعلى نحو مبكر قدرة على اعداد برنامج سهل يعتمد على حس الانتقاء هو اقوال الصحف، وسُمح لي باعداد بعض الحلقات دون معاونة احد، ووجدتني اتطور بصورة لفتت نظر فؤاد ياسين في امر تشكيل المواد التي ستقرأ سواء كات اخبارية او تحليلية وسمح لي كذلك بتسجيل الاشارات اي الشيفرة التي ترسل الى مجموعات العمل في الارض المحتلة مثل من "ا.ق" الى " س. ع" وصلت الهدية.

كنت اسجل الاشارات دون ان اعرف معناها كانت الشيفرة مجرد اتفاق مباشر بين المرسل والمرسل اليه ا.ق تعني القيادة العامة اما س. ع او ص. ل او اي حرفين اخرين فكانا الاسم الرمزي لمتلقي الاشارة اما جملة وصلت الهدية او الطائر في الفضاء الخ.. فهي الموضوع الذي يراد للمتلقي معرفته والتحرك على اساسه كانت شيفرة مستحيلة على اسرائيل فك واحدة منها لانها سر بين اثنين ولا صلة لها بقواعد الشيفرات التي تستخدمها الجيوش في الحروب.

وبعد الشيفرة طلب الي ان اشارك في قراءة اقوال الصحف لانها مسجلة، واشارك في بعض البرامج، كان المهندسون يشعرون بالضجر من كثرة ما يعيدون التسجيل اما لضعف في ادائي او لأغلاط في اللغة. كان فؤاد ياسين يراقب شخصيا نمو قدراتي الاذاعية، وفي امر اللغة فإن ذلك الامر بالنسبة لي لم يكن بداية من الصفر وانما تذكر ما كنت نسيت من قواعدها حيث كنت دائما متفوقا فيها اما الكتابة فلها حكاية تستحق ان تروى.

كلفني فؤاد ياسين بكتابة تعليق حول حدث وقع في منطقة الخليل، وقال لي ان معرفتك بالمنطقة التي انت منها ستجعل تعليقك عنها اكثر صدقية وحرارة فجرب لتكون هذه اول مادة اذاعية تكتبها.

لم يكن لاي منا مكتب خاص به، كنا نكتب على اي طاولة فارغة، واقتصادا في الورق كنا نستخدم الوجه الفارغ للورقة التي يكون وجهها الاخر ممتلئا اما بتقارير الرصد الاذاعي او اي تقارير اخرى.

بدأت الكتابة .... اسرفت في الشرح وقبل ان اغوص في صلب الموضوع او ان اصل الى خلاصاته احببت استشارة الاستاذ فؤاد في التوجه والسياق والمقدمة وسؤاله ما اذا كنت اسير في الاتجاه الصحيح

سلمته ورقتين وقلت له: هذه هي مقدمة التعليق فان رأيته يشكل بداية صحيحة فسوف استمر في نفس الاتجاه وان رأيته غير ذلك فسأحاول اعادة كتابته.

ودون ان يلقي نظرة ولو عابرة على الاوراق التي وضعتها بين يديه قام بحركة استفزازية صارخة الى ابعد حد، مزق الاوراق والقى بها في سلة القمامة .

لماذا؟ على الاقل اقرأها احتراما لجهدي قلت محتجا، قال مبدئيا سامزق لك ورقا حتى يصل من الارض الى السقف وثانيا لو كان ما كتبته قطعة ادبية تتفوق على كتابات طه حسين والعقاد فان مصيرها بالنسبة لي هو التمزيق واشار بنظره الى سلة القمامة، فاي تعليق اذاعي تكون مقدمته صفحتان ، اذا انت تحتاج الى ثلاث اذاعات مثل اذاعتنا كي تتسع لتعليقاتك.

 كانت اذاعة العاصفة تبث ساعتين يوميا يومها عرفني فؤاد ياسين الى بعض خصائص المواد الاذاعية..

التعليق يجب ان لا يتجاوز الخمس دقائق الا في حالة الضرورة وتعليقي الذي مزقه كان يمكن ان يأخذ نصف ساعة وقال لي ان سيد الاذاعة هو ذلك الانسان الذي يستطيع الغاءك من الوجود بضغطة زر او انه المستمع الذي ان لحظ في تعليقك قدرا من المطمطة والتوسع واللف والدوران فسوف ينتقل على الفور  الى اذاعة اخرى فيذهب مجهودك كله.

وقال ايضا ان المادة الاذاعية هي الاخطر والاصعب ففي الصحافة المكتوبة بوسعك الاستعانة بعلامات الاستفهام او التعجب او الفاصلة او النقطة الخ، اما في الاذاعة فالامر مختلف كليا فلا فواصل ولا علامات استفهام وتعجب، وانما نص بسيط مباشر، يجب ان يصل الى المستمع ويشده ويسيطر على اهتمامه، وافهمني ان بين البساطة الجذابة والبساطة المفتعلة شعرة يوفرها الكاتب بنسبة عالية ويعاونه عليها المذيع في طريقة ادائه الذي يجب ان يكون فاهما تماما لما يقرأ، كي لا يكون مجرد اداة صوتية نمطية،  وهنا فهمت مغزى نصيحته السابقة لي ان اقرأ ما اكتب لانني في هذه الحالة اكون اكثر من يفهم المادة الاذاعية ويُفهم الاخرين.

" على الهواء" بدأ الامر بخدعة بيضاء.

استاذ فؤاد متى ستسمح لي بقراءة مادة على الهواء؟

وجهت هذا السؤال وكنت قد امضيت اقل من شهرين في العمل بين متدرب ومعد لبرامج وكاتب لتعقيبات قصيرة وبعض التحليلات البسيطة .. اجاب فؤاد.. لا تتعجل.

وبعد مرور شهر على هذا الطلب سمح لي بتقديم قارئ موجز الانباء وكان انذاك المذيع المحترف عارف سليم، كان الموجز يسمى عندنا الاخبار في سطور كنوع من التميز عن الاذاعات التقليدية، قال لي فؤاد اكتب افتتاح الاذاعة وعبارة والان اليكم الاخبار في سطور ثم يبدأ عارف قراءة الموجز كان ما كلفت به لا يتجاوز الثلاثة اسطر.

كتبت التحية المألوفة عند افتتاح الاذاعة وكذلك الموجات التي نبث عليها برامجنا ثم اليكم الان الاخبار في سطور، كان ذلك قبل ساعات من دخول الاستوديو ومعانقة الهواء لاول مرة الا انني بيَّت امرا فقد تدربت على الموجز المعد اكثر من ساعة وشكلته وقطعته عاقدا العزم على قراءته مخالفا اوامر المدير العام، لحظ عارف ان نسخةً من موجز الانباء في يدي وانها مجهزة للاذاعة ابلغته بان هذا تطور في برنامج التدريب حيث وصلت بالتنسيق مع خالد مسمار الى مرحلة تشكيل الموجز وتقطيعه تمهيدا لقراءته على الهواء خلال الفترة القادمة او بعد ان يأذن الاخ فؤاد بذلك.

اعطانا المهندس اشارة البدء، قمت بتلاوة تحية المستمعين والموجات العاملة وقلت الان اتلو عليكم الاخبار في سطور، وواصلت القراءة ذُهل عارف ولم يملك امام هذا التصرف الا ان يلوذ بالصمت.

انهيت القراءة دون لعثمة او اخطاء، كان فؤاد وعلى نحو دائم يتابع الاذاعة منذ بدايتها حتى نهايتها كما لو انه يؤدي واجبا مقدسا، شعر بالخوف حين سمعني اقرأ موجز الانباء خشية وقوعي في اخطاء فادحة، وشعر كذلك بتمردي على اوامره حين اقرأ على الهواء دون اذنه.

اجرى اتصالا مع المهندس وعارف ابلغوه بان نبيل اختطف الموجز ولم يتواطأ احد معه وتوعدني فؤاد بعقاب في اليوم التالي الا انه وامام اشادات الزملاء بحسن الاداء سمح لي بقراءة موجز الانباء وبعد شهر سمح لي بقراءة الاخبار مع مذيع رئيسي ثم سارت الامور بعد ذلك في سياقها البديهي واصبح بوسعي قراءة نشرة من نصف ساعة باقل قدر من اللعثمة والاخطاء اللغوية.

حين التحقت باذاعة العاصفة وكان ذلك في العام 1971 كما اسلفت، وجدت امامي فريقا يجيد فنون العمل الاذاعي وفق القواعد الصارمة التي وضعها فؤاد ياسين. لا اخطاء لغوية، مع قوة في الاداء، فالمذيع هو الصوت الحي للثورة، فيجب ان يكون منسجما مع رسالته مهنيا وموضوعيا، فالجمهور لا يستمع الى مذيع وانما الى ثورة كذلك يمنع منعا باتا ذكر اسم المذيع او الكاتب او المعد وراء كل مادة  أو قبلها.

لمتابعة الحلقة الثانية اضغط هنا 

التعليقات