عرفات حياته كما أرادها للكاتب أحمد عبدالرحمن : حقائق تاريخية عن غزو لبنان

عرفات حياته كما أرادها للكاتب أحمد عبدالرحمن : حقائق تاريخية عن غزو لبنان
دنيا الوطن – ميسون كحيل

يعود الكاتب أحمد عبدالرحمن مجددا بعد أن اخذه التاريخ قليلا إلى الوراء لواقع الحال فالقوات الإسرائيلية تقترب أكثر وأكثر وبسرعة من بيروت والجميع في حالة ذهول بحيث ان جزء منهم فقد الأمل بعروبته وبقدسية العرب لقضيتهم الفلسطينية إلى الحد الذي اعترف به الكاتب أن معظم القيادات الفلسطينية قد فشلت في كل تجاربها مع هذه الأنظمة وبتقدير واقعي منطقي ودقيق للموقف الرسمي العربي من الثورة الفلسطينية . وقد ذهب الكاتب بشجاعته إلى أبعد من ذلك ليعبر عن حالة كاذبة فيها من الغش الكثير من قبل الانظمة  تجاه الجماهير من خلال الظهور في العواصم العربية في حالة من الوفاق والعناق وتمرير سياسات هذه الانظمة من خلال فصائل فلسطينية وبأجر مدفوع .

لم يستطع أحمد عبد الرحمن في هذا الفصل إخفاء نوع فريد من القهر الذاتي الوطني في نفسه وفي موقف القيادة الفلسطينية لعدم كشف الأقنعة المستعارة ولذلك ظل الغضب الفلسطيني محصورا فليس لدى الفلسطينيون أوراق كثر وعرفات كما قال للكاتب في يوما من الأيام يجب ألا أخسر الورقة العربية حتى وهي ممزقة .

نهاية هذا الفصل كانت مصحوبة بحقائق للتاريخ فتوقيت الغزو كان مخطط له ومدروس وسوريا خرجت من المعركة رسميا بعد خمسة أيام ( شاركت للتمويه على دورها ) والاتحاد السوفيتي لم يقم بما يجب القيام به وازاح باللوم عن نفسه ومصر غارقة في كامب ديفيد ودول الخليج تلوح لها الولايات المتحدة بالورقة الايرانية والعراق تم توريطه بحرب طويلة مع ايران فانكشفت المقاومة في ظل موقف لبناني يثير الريبة.


الفصل التاسع : الجزء الثاني

        توضحت الصورة تماما أمام ناظري، فما كان الكثيرون يعتبرونه تضخيما ولفتا للأنظار من قبل أبو عمار، أخذ يحدث على الأرض والقوات الإسرائيلية تقترب بسرعة مذهلة من بيروت، وقادة المقاومة الآخرين لا يصدقون ما يحدث أمام أعينهم، والحال أن الكثيرين منهم، كانوا يعيشون على وهم مضحك، وهو إن اعتدال أبو عمار وعلاقاته العربية والدولية الواسعة، كفيلة بمنع اجتياح القلعة الفلسطينية في لبنان، مع أن أبو عمار بالذات لا يكف عن كشف المخططات الإسرائيلية والأمريكية، ولكن الثقة الكبيرة بهذا الربان المجرب، كانت تتيح للقيادات والمنظمات، توجيه النقد الجارح والمهين أحيانا إلى ياسر عرفات، والاطمئنان في ذات الوقت، لقدرته على توفير الحماية للسفينة وركابها في ساعة الخطر. ولكن هذه المرة يبدو للجميع أنها تختلف عن المرات السابقة، وعلى الجميع الآن أن يبددوا من أذهانهم الوهم الذي يقول بقدسية القضية الفلسطينية عند الأنظمة، وبالتالي لا تشكل هذه القدسية محرما من المحرمات العربية، ورغم كل المعاناة الفلسطينية على يد الأنظمة العربية المختلفة، فإني أستطيع القول أن القيادات الفلسطينية قد فشلت في معظمها في الخروج من خلال تجاربها المرة مع الأنظمة بتقدير دقيق للموقف الرسمي العربي من الثورة الفلسطينية.

        والسبب في تقديري يتمثل في قدرة الأنظمة المختلفة على تزوير وتزييف الوعي الجماهيري، من خلال الدعاية الكاذبة والتي كانت تؤثر على الجماهير، بالمشاركة الفلسطينية فيها، فالثورة الفلسطينية صديقة لكل الأنظمة ومتحالفة استراتيجيا معها ضد الصهيونية والامبريالية، وهي عبر قياداتها تظهر في العواصم العربية المختلفة، في وفاق وعناق مع الجميع، ولاعتبارات معروفة استطاع العقيد القذافي مثلا، أن يلعب دورا قذرا ضد الثورة الفلسطينية مدفوعا بأوهام وأحلام كبيرة لرجل صغير، وأن يجد في الفصائل الفلسطينية من ينفذ سياسته مقابل حفنة من الدولارات، وليبيا تعوم فوق بحيرة من النفط والمال.

        ورغم الوعي الوافد مع الدبابات الإسرائيلية المندفعة نحو بيروت، لتحاصر أول عاصمة عربية، فإن القيادات الفلسطينية ظلت تلعب لعبتها القديمة، ولم يكن ممكنا كشف الأقنعة المستعارة عن وجوه الأنظمة، نظرا لغياب الموقف النقدي من الأنظمة طوال خمسة عشر عاما.

        ولذلك ظل الغضب الفلسطيني محصورا في عموميات مائعة سرعان ما يبددها من ذهن الجماهير، لقاء عربي هنا أو هناك، وتعويل فلسطيني على نتائجه. وأذكر هنا حديثا مع أبو عمار قال لي فيه: « يجب ألا أخسر الورقة العربية، ويجب أن أتغطى بها حتى وهي ممزقة، فليس لدي أوراق أخرى أضعها في مواجهة عدوي».

        ولقد عبر أبو عمار بدقة عن هذه المأساة الفلسطينية في مؤتمر القمة العربية بفاس (أيلول 83) بعد خروجنا من بيروت، عندما قال: أتينا هنا للبناء وليس للهدم».

        هذه وقائع اليوم الأول للحرب الرابعة، الحرب ضد الثورة التي صمدت 88 يوما في وجه القوة العسكرية الإسرائيلية.

        في الحقيقة فإن توقيت عملية الغزو الإسرائيلي للبنان كان بالفعل مثاليا، ولذلك فلم تقع خلال الحصار الذي استمر 88 يوما أية مفاجأة لصالح المقاومة الفلسطينية. فسوريا خرجت من المعركة رسميا بعد خمسة أيام، والاتحاد السوفياتي يضع اللوم على سوريا لغياب ثقل هذه القوة العظمى في مواجهة عملية أمريكية مئة بالمئة، والدول النفطية لم تكن في وارد استخدام سلاح النفط، بسبب غياب مصر، وحاجتها إلى الحماية الأمريكية خوفا من التهديد الإيراني، والعراق غارق في الحرب العراقية – الإيرانية، وفشلت محاولة بذلها أبو عمار لوقف هذه الحرب، وذكر مسئول إيراني كبير بعد عام على الحرب، إن استئناف القتال بين العراق وإيران جاء بقرار من مكتب الخميني، ويقول هذا المسئول: إن الرئيس الأسد كتب إلى الخميني شارحا له أسباب عدم استمرار سوريا في القتال.

        وفي ظل هذه المعطيات السلبية، كانت المقاومة مكشوفة تماما في بيروت، ولذلك سمى أبو عمار هذه الحرب، بأنها « حرب العظم الفلسطيني».

        وقد توقع الكثيرون أن يكون الانهيار والاستسلام هما قرار أبو عمار وقرار المدافعين عن بيروت أمام ضخامة الحشد العسكري الإسرائيلي، وضخامة القوى الدولية التي تقف وراء العملية الإسرائيلية- الأمريكية، ولم يخطئ أبو عمار، عندما قال وهو يرى القوات الإسرائيلية تجتاز مسافة ال 45 كم المقررة للعملية إسرائيليا، « بأن الحرب اليوم هي حرب أمريكية فالولايات المتحدة تريد تغيير الوضع لصالحها استراتيجيا مستعينة بالقوات الإسرائيلية.

        وعندما أصبحت الأمور على هذه الدرجة الفاقعة من الوضوح، بدأت مخاوف أبو عمار تتزايد على الموقف اللبناني، فالرئيس سركيس اعتصم بالصمت وقادة الجبهة اللبنانية وخاصة الرئيس كميل شمعون ينحازون علنا إلى العدو، ويقبلون طروحاته القائلة بأن هدف العملية هو فلسطيني محض، وأن ليس لإسرائيل أطماع في لبنان، وعند كميل شمعون فالفلسطينيون والسوريون هم المعتدون وقد خشي أبو عمار أن يؤثر حياد سركيس الظاهري على القيادات الإسلامية والوطنية في بيروت الغربية وخاصة صائب سلام، وشفيق الوزان والمفتي حسن خالد والشيخ محمد مهدي شمس الدين، وأذكر أنه في (15) حزيران لم يترك أبو عمار زعيما واحدا من زعماء بيروت الغربية إلا واجتمع به أو أجرى معه اتصالا تليفونيا أو أرسل  له مندوبا من القيادة للاجتماع به، وبسبب الوضع الأمني الخطير، كان أبو عمار يحدد لقاءاته مع القيادات الإسلامية والوطنية دون علم هذه القيادات، فأبو عمار يفاجئ تقي الدين الصلح وهو نائم، ويزور المفتي خالد فلا يجده، ويبحث عن الشيخ شمس الدين في أكثر من مكان ويزور صائب سلام وهو على العشاء مع بعض أفراد عائلته، وللحقيقة أقول، إن جميع هؤلاء القادة، كانوا يرحبون ترحيبا حارا بأبو عمار، وكنت أشعر أن هذه القيادات تجد في زيارة أبو عمار تكريما لها، وتأكيدا على زعامتها ودورها في لبنان.

عرفات حياته كما أرادها : متى ولماذا قال أبو عمّار "العرب نائمون" ؟
عرفات-حياته كما أرادها : وبدأ الهجوم على بيروت..هكذا سحب حافظ الأسد قواته -وهذا رد فعل قائد ثورة بساط الريح



"عرفات - حياته كما أرادها".. الفصل السابع - ح2 : قصة "بيان" وتعليق خليل الوزير .. استمرار مؤامرة "الأسد الأب"







"عرفات - حياته كما أرادها".. الفصل الخامس-ح2:مجزرة تل الزعتر ودور نظام "الأسد"-من الذي تواطأ في اجتياح لبنان 82 ؟



"عرفات - حياته كما أرادها".. الفصل الثالث-ح2: قصة سفينة السلاح من "هونيكر" لياسر عرفات وكيف رد له الجميل أبو عمار

التعليقات