كيف تعمل الفرق العلمية لتوقع الكوارث قبل حدوثها؟


كان الانفجار هائلا إلى حد أنه دمر مبان ومعدات وآلات، وامتدت ألسنة اللهب إلى مجمع ضخم لتكرير النفط في مدينة دنفر بولاية كولورادو الأمريكية. وتوقف إنتاج البنزين في المجمع لأسابيع، وسرعان ما نفد احتياطي الوقود في الولاية.

ونقلت ولايات وايومنغ وتكساس وكانساس الوقود إلى ولاية كولورادو عبر خطوط الأنابيب لتعويض نقص الإمدادات، لكن هذا أدى إلى تقليص كميات الوقود التي كان من المفترض أن تُضخ للولايات المجاورة. وارتقعت إثر ذلك أسعار الوقود في المنطقة بأكملها.

قد يكشف هذا المثال عن مدى تأثير حادثة واحدة على الأنظمة وسلاسل التوريد والدولة.

لكن هذا الانفجار لم يحدث في الواقع، إنما كان مجرد سيناريو مُتخيل لتبعات وقوع انفجار مبني على سلسلة من المعادلات الرياضية، أو ما يسمى بنموذج محاكاة، نشرته مختبرات سانديا الوطنية في الولايات المتحدة عام 2015.

ووضع الفريق الذي أعد نموذج خطوط أنابيب نقل الوقود في هذه الكارثة، في الحسبان مخاطر أخرى، منها تسرب النفط في مرفأ بوسطن، ووقوع زلازل في كاليفورنيا، وإعصار من الفئة الخامسة في ساحل الخليج.

ويقول كيفن ستامبر، رئيس فريق تحليل البنى التحتية الحيوية بمختبرات سانديا: "نحن نحاول فهم كيفية منع الكوارث قبل حدوثها أو تخفيف وقعها في حالة حدوثها". وقد عكف ستامبر لنحو 20 عاما على إيجاد حل لمعضلة مفادها: ما الذي يمكن أن نتوقعه إذا وقعت الكارثة؟

لكن استخدام نماذج المحاكاة لتقييم مدى قدرة الأنظمة على الصمود أمام الظروف المتغيرة ليس جديدا. إذ تستعين الشركات والمؤسسات الكبرى بنماذج المحاكاة بالحاسوب لوضع خطط طوارئ واتخاذ قرارات مدروسة. وتساعدها هذه النماذج في وضع استراتيجيات مناسبة واختيار الخطة المثلى لمواجهة الكوارث والأزمات.

وتعكف الآن مجموعات كاملة من الباحثين وفرق من المهندسين وشركات على محاكاة مجموعة من الأزمات المخيفة، وأحيانا قد لا تطرأ على بال، لمساعدتنا في الاستعداد والتأهب لمواجهتها.

فمنذ نحو ست سنوات، هاتفت وزارة الطاقة الأمريكية المجموعة التي يقودها ستامبر بعد أن تعطلت مصفاة تكرير النفط في ولاية كاليفورنيا، ما أدى إلى تدني الإنتاج. وكانت الوزارة تخشى من أن تتأثر إمدادات الوقود بشدة في حال توقفت مصفاة أخرى في الولاية عن العمل تزامنا مع تعطل الأولى. وطلبت من الفريق استكشاف تبعات توقف مصاف أخرى عن العمل.

ويقول ستامبر: "في هذه الحالة، كانوا يريدون تقييم كفاءة أنظمة مراقبة وحماية المنشآت، وما إن كانوا يحتاجون لتعزيز الإجراءات الأمنية حول المصافي". فقد يقرر شخص ما فجأة أن يهاجم مصافي تكرير نفط أخرى في ولاية كاليفورنيا في هذا الوقت.

وكشف النموذج أن أي هجوم على أحد المصافي الأخرى سيتسبب في فوضى عارمة، إذ سترتفع أسعار الوقود وقد ينفد الوقود من المحطات. واستجابة لهذه التنبؤات، عززت الوزارة من الإجراءات الأمنية حول المنشآت تحسبا للهجمات.

لكن كيف نبني نموذج محاكاة من هذا النوع للتنبؤ بما قد يحدث مستقبلا؟ ببساطة، يقوم نموذج المحاكاة على مجموعة حسابات، تمثل نظاما ما في الواقع. وقد نستخدم هذه النماذج في حياتنا اليومية دون أن نعي. فقد تحاول مثلا أن تخطط للذهاب لمتجر البيع بالتجزئة قبل إحضار أطفالك من المدرسة الساعة 3:45 مساء. وحينها سترسم في مخيلتك عدة مسارات أو افتراضات وتختار الأنسب منها في هذا الوقت من اليوم. وإذا عجزت عن ذلك، قد تستعين بتطبيق الهاتف لاختيار الطريق المناسب.

وتتنبأ نماذج المحاكاة بتبعات حدث ما بناء على المعلومات المجمعة عن أحداث مماثلة وقعت في الماضي، سواء بشأن خطوط أنابيب الوقود أو شبكات الكهرباء أو حركة المرور أو حتى الطقس. وكلما زاد حجم البيانات وعدد المتغيرات تعقدت المهمة الحسابية.
منذ أن تسبب إعصار كاترينا الذي ضرب نيو أورليانز في وقوع فيضان مدمر، تضع خطط الإخلاء الآن في الحسبان قوة مضخات المياه
Getty Images
منذ أن تسبب إعصار كاترينا الذي ضرب نيو أورليانز في وقوع فيضان مدمر، تضع خطط الإخلاء الآن في الحسبان قوة مضخات المياه

وتستعين بعض نماذج المحاكاة القوية التي تهدف للتنبؤ بمآلات أحداث يستحيل التنبؤ بها، بالذكاء الاصطناعي. إذ تبحث الخوارزميات عن أنماط تسلسل البيانات وتغير النتائج كلما طرأت معلومات أو متغيرات جديدة.

وعند وضع نموذج حادث انفجار مصفاة ولاية كاليفورنيا الافتراضي، استمد فريق سانديا المعلومات من حادث انفجار مصفاة نفط في ولاية تكساس عام 2005 ووضعوا متغيرات عديدة، مثل تأثير توقف المصفاة على تدفق الوقود أو تأثير زيادة كميات الوقود في خط الأنابيب على الإنتاج في الولايات التي من المفترض ضخ الوقود إليها. ويغير النموذج النتائج تلقائيا كلما عُدلت هذه المتغيرات.

أما عن دقة النماذج، فيقول أندرو سكيتس، من مؤسسة "ساند تيبل" لنماذج المحاكاة: "لا أحد يمكنه استشراف المستقبل بدقة متناهية".

صحيح أن بعض النماذج، مثل تلك التي تتنبأ بحالة الطقس، قد تتجاوز دقتها 90 في المئة عند التنبؤ بسرعة الرياح أو درجات الحرارة في اليومين المقبلين، لكن التنبؤ يصبح عسيرا في حالة حدوث ظواهر جوية متطرفة.

ويقول سكيتس إن أحد الصعوبات التي قد تواجهك عند إعداد نموذج المحاكاة هو أن بيانات الأحداث المشابهة القديمة قد لا تصلح للاهتداء بها عند التنبؤ بما سيحدث مستقبلا.

وتعتمد وكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية على نماذج المحاكاة لاستكشاف تبعات الأحداث الاستثنائية، مثل الأعاصير عند اقترابها من الولايات المتحدة.

ويقول جوشوا دوزور، نائب مدير الاستجابة للكوارث بالوكالة: "نحن نسابق الزمن لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح".

وتتشارك وكالة إدارة الطوارئ مع الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي للتنبؤ بمسار الإعصار، وتقييم مدى قدرة البنى التحتية ومنشآت الحماية من الفيضانات على الصمود في وجه الإعصار. ففي عام 2005، انهارت سدود وحواجز أمام قوة إعصار كاترينا الذي ضرب ولايتي فلوريدا ولويزيانا.

ومنذ ذلك الحين، تضع الوكالة في الحسبان إقامة منشآت الحماية من الفيضانات في المواقع الأكثر تأثرا بالأعاصير.

وثمة نماذج أيضا للتنبؤ بردود فعل الحشود. إذ تقترح نماذج النقل مدى سرعة استجابة المجتمعات في المناطق الواقعة في مسار العاصفة لأوامر إخلاء المنطقة.

ويقول دوزور إن هذه النماذج تحلل سلوكيات الناس، واحتمالات انصياعهم لتحذيرات مسؤولي الطوارئ، إذ أن الأشخاص الذين تضرروا من الأعاصير في السنوات الخمس الأخيرة من المرجح أن يكونوا أكثر التزاما بأوامر الإخلاء.

ويستند صناع القرار إلى هذه المعلومات عند اختيار المناطق التي ينبغي إخلاءها قبل غيرها، ويضعون في الحسبان أيضا عوامل أخرى، مثل وجود منشآت كافية للحماية من الفيضانات، كمضخات المياه، عند البدء بإخلاء المناطق.

وتقول ميشيل ميير، مديرة مركز تخفيف المخاطر والتعافي من الكوارث بجامعة تكساس أيه أند إم، إن ثمة تصور شائع أن الناس عرضة للإصابة بالذعر عندما تلوح في الأفق أزمة، وقد يتخلون عن المعايير الاجتماعية أثناء الكوارث. وتضرب مثالا على ذلك بالمخاوف من وقوع أعمال شغب وسلب ونهب في حالة انهيار النظام الاجتماعي بسبب تفشي كورونا. لكن هذا التصور كثيرا ما يكون مضللا.

وتلفت ميير إلى أن بعض الدراسات أثبتت أن الناس لا يصابون بالذعر عند وقوع الكوارث، ولا تحدث عمليات السلب والنهب إلا نادرا وفي حالات معينة.

فإذا أردت أن تحافظ على سلامة الناس في حالة وقوع الأزمات، لا بد أن تتعرف على سلوكياتهم في مختلف الظروف والأوضاع. وثمة نموذج آخر يحاكي سلوكيات الأفراد أو الجماعات في بيئة معينة، لتوقع سلوكيات الأفراد في الحشود.

وتستخدم هذا النموذج مؤسسة "موفمنت ستراتيجيز" في المملكة المتحدة، التي تساعد المهندسين المعماريين في تصميم مخططات ووضع إجراءات للسماح بإخلاء آلاف السكان من المباني في أسرع وقت ممكن.

واكتشفت الشركة أن سلوكيات الحشود تختلف باختلاف أفرادها ونوعية الحفل الذي يحضرونه معا. وتحكي إيفا هانت، نائبة مدير المؤسسة، أنها كانت تعمل مع أحد أندية الدوري الانجليزي الممتاز لوضع إجراءات أمنية جديدة قبل دخول الملعب، مثل تفتيش الحقائب. لكنهم واجهوا مشكلة أن مشجعي هذا النادي اعتادوا على الوصول قبل بداية المباراة بخمس دقائق فقط.

وتشير هانت إلى أن المشجعين الذكور يتواجدون عادة في مجموعات لكنها أقل ترابطا من مجموعات المشجعات.

وتقول هانت: "استطعنا رصد الاختلافات بين الحشود في حفل المغنية تايلور سويفت وأقرانهم في حفل المغني إيد شيران". إذ ينزع عشاق سويفت على سبيل المثال إلى تشبيك أذرعهم أثناء الحفل. وقد تعرقل هذه التجمعات المترابطة عمليات الإخلاء في حالات الطوارئ.

وقد يسهم فهم هذه السلوكيات بين الأشخاص في التنبؤ بالوقت المطلوب لإخلاء ملعب أو قاعة حفلات من الناس في نهاية الحفل.

وقد تؤثر سلوكيات البشر على تصميم القاعات الجديدة، فقد يحدد المهندسون عدد المخارج أو تصميمات الدرج بحسب نوعية الحشود المتوقعة وسلوكياتهم السابقة، لضمان سهولة إخلاء القاعة في حالة الطوارئ. فإذا كانت مخارج الطوارئ أقل مما يجب فلن يتمكن الناس من الخروج من المكان بأمان، أما لو كانت أكثر مما يجب فسيتفرق الناس في المكان بشكل خارج عن السيطرة، مما يؤدي إلى مستويات خطيرة من التزاحم.

ورغم أن جميع هذه المواقف المذكورة، بدءا من إخلاء الملاعب إلى الأعاصير، قد حدثت من قبل، إلا أن العبرة بالتعلم من الكوارث السابقة والاستفادة من هذه المعلومات في تحسين نماذج المحاكاة. صحيح أنه لا توجد كارثتان متطابقتان، لكن تحليل الكوارث يساعدنا في الاستعداد للمستقبل.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Future

التعليقات