عاجل

  • جيش الاحتلال يزعم اغتيال نائب قائد الوحدة الصاروخية في حزب الله

  • القناة 12: نتنياهو يصادق على إجراء رئيس الشاباك مباحثات في القاهرة ورئيس الموساد في الدوحة

كيف تساعدك عقاقير الهلوسة في اختيار مسارك المهني؟


في إحدى غابات مدينة أوكلاند بولاية كاليفورنيا الأمريكية، كان بول أوستين ومات غيلسبي يتلمسان طريق العودة وسط أشجار الصندل الأحمر، وكان الجو رائعا، على غير عادته، ولم يتبق سوى ساعة على حلول الظلام.

وبدا واضحا أن كليهما كانت روحه المعنوية مرتفعة. إذ كان أوستن، مدرب تعاطي المهلوسات، يشعر أن توجيهاته ساعدت عميله، غيليسبي، في تحقيق تقدم ملموس ذاك اليوم. أما غيلسبي، فلم تبد عليه أي علامات للقلق من أن يسلك طريقا خاطئا.

ولم يكن من الواضح ما إذا كان غيلبسي مفتونا بالفعل بجمال الأشجار أم أنه لا يزال تحت تأثير جرعة عقاقير الهلوسة التي تعاطاها منذ سويعات قليلة.

وشهد العقد الماضي ارتفاعا كبيرا في شعبية عقاقير الهلوسة، التي تؤثر على الحالة النفسية والمزاجية، مثل مُركب السيلوسيبين المعروف بالفطر السحري، وثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك المعروف اختصارا باسم "إل إس دي". وارتبطت هذه العقاقير في الأذهان بموجة التمرد على قيم وأعراف المجتمع التي ظهرت في الستينيات من القرن الماضي.

وقد لاقت عقاقير الهلوسة رواجا واسعا مؤخرا بين الموظفين في وادي السيليكون الشغوفين بالنجاح. غير أن الدافع وراء هذا التهافت على عقاقير الهلوسة لم يعد الترويح عن النفس وتحسين المزاج، بقدر ما أصبح التماس فوائدها في تحفيز الأداء، ولا سيما بعد أن أشيع أنها تساعد المتعاطين في تحقيق الترقي المهني.

وينسب غيلسبي الفضل في نجاحه المهني إلى أول جرعة تناولها من عقار "إل إس دي" في مرحلة المراهقة مع صديقه في ولاية أوهايو.

ويقول غيلسبي: "شعرت أن الهلوسات أقرب ما تكون إلى الحقيقة لدرجة أنني فقدت صلتي بالعالم. وأدركنا حينها مدى جهلنا بالعالم وحجم الفرص والسنوات التي لم نبلغها بعد في حياتنا. وشعرت بالتواضع والتحرر في آن واحد. وهذا ساعدني في فهم قدراتي المهنية".

وقبل تعاطي هذه الجرعة، كان غيلسبي ينوي الالتحاق بجامعة في مسقط رأسه مدينة سينسناتي والبحث عن وظيفة تقليدية فيها، لكن بعد تناول "إل إس دي"، قرر أن يدرس التصميم الصناعي، وحصل في نهاية المطاف على وظيفة في ألمانيا وسويسرا وعاد إلى الولايات المتحدة حيث عمل في شركة ناشئة في مجال الطاقة الشمسية.

وبعد أن توقف عن تناول عقاقير الهلوسة لسنوات في بداية حياته المهنية، ألحت عليه الرغبة بعد أن ناهز الثلاثين في تجربة تعاطي كميات قليلة من هذه المواد بعد أن سمع بفوائدها في تحفيز الإبداع والأداء والصحة العامة، ولا سيما عندما واجه صعوبات في تأسيس مشروعه الخاص الجديد.

ورغم أن هذه الفوائد لم تؤيدها إلا القليل من البيانات، فإن السنوات القليلة الماضية شهدت إقبالا كبيرا على استخدام عقاقير الهلوسة لتحفيز الأداء الشخصي والمهني.
نصحت هيئة الغذاء والدواء بإجراء أبحاث سريريه عاجلة عن عقار سيلوسيبين أو الفطر السحري للاستفادة من فوائدة العلاجية
Getty Images
نصحت هيئة الغذاء والدواء بإجراء أبحاث سريريه عاجلة عن عقار سيلوسيبين أو الفطر السحري للاستفادة من فوائدة العلاجية

ويقول مايكل بولان، مؤلف كتاب "كيف تغير رؤيتك للعالم"، إن تعاطي عقاقير الهلوسة بدأ في وادي السيليكون منذ الخمسينيات من القرن الماضي، حين استعان المهندسون بعقار "إل إس دي" لتصور مفاهيم جديدة، مثل رقاقات الحاسوب.

ومن المعروف أن أقطاب التكنولوجيا، مثل ستيف جوبز، تعاطوا عقاقير الهلوسة في فترات من حياتهم، وقيل أن جوبز وصف بيل غيتس بأنه يفتقر للخيال ونصحه بتناول عقار "إل إس دي" لإثراء مخيلته، مع أن بيل غيتس نوه ضمنيا إلى أنه تناوله.

ويقول غيلبسي إنه واجه صعوبة في البداية في تحديد الكميات المناسبة من عقاقير الهلوسة وكيفية تحقيق الاستفادة القصوى من تأثيرها على حالته النفسية والمزاجية.

وبالمثل، تناول أوستن أول جرعة من عقار الهلوسة في أواخر سنوات المراهقة، في إحدى الرحلات لجمع الفطر السحري. ثم شرع في تعاطي عقار "إل إس دي"، وبعدها أصبح يعتمد على عقاقير الهلوسة في حياته الشخصية، ويرى أن مهمته إرشاد الآخرين حول طرق تناولها.

وأسس أوستن موقع "ثيرد ويف" على الإنترنت للتوعية بشأن عقاقير الهلوسة، ويقدم جلسات تدريبية لمساعدة الناس على تعاطي هذه العقاقير بطرق آمنة ومفيدة. ومنذ انتقاله إلى أوكلاند، أصبح لديه قاعدة من العملاء المنتظمين، وكلهم تقريبا رواد أعمال ومؤسسو شركات، ويساعدهم أوستن في تحديد أهدافهم وتطلعاتهم في الحياة مع التركيز على مسارهم المهني.

وفي هذا اليوم، تناول غيلسبي جرعة قليلة من سيلوسيبين قبل المجئ إلى الجلسة. إذ لا يستطيع أوستن تقديم عقاقير الهلوسة للمتدربين كونها غير قانونية في الولايات المتحدة. لكنه يقول إنه لم يعد من الصعب الحصول عليها منذ أن أجيز تعاطيها وحيازتها في مدينة أوكلاند في وقت سابق من العام الحالي.

وفي بداية جلسة التدريب، سار كلاهما في أحد الطرق، وسأل أوستن غيلسبي عن أهدافه الآنية. ولم يبد الحوار بين الاثنين مختلفا عن أي حوار بين مدرب ومتدرب في جلسات المشورة المهنية المعتادة، لكن أوستن يقول إن عقاقير الهلوسة تساعد العملاء على التحدث بنوع من الموضوعية عن ذواتهم، لأنها تساعد المرء في أن يكون أكثر صراحة وصدقا مع ذاته.

وأيدت ذلك دراسة أخيرة من جامعة إمبريال كوليدج في لندن، فحص خلالها الباحثون أدمغة المشاركين بعد تعاطي عقار "إل إس دي"، باستخدام أجهزة مسح الدماغ، ولاحظوا أن العقار يحدث تغييرا في الكيفية التي يرى بها المستخدمون العالم. ووصف قائد الفريق أدمغتهم بأنها "متحدة"، بمعنى أن شبكات الخلايا العصبية التي تؤدي وظيفتها عادة بمعزل عن الأخرى، أصبحت تتفاعل مع بعضها البعض.

ويقول إن هذا التفاعل بين الخلايا العصبية قد يكون السبب في تلك الحالة من فقدان الذاتية التي يشعر بها المتعاطي، أي الشعور بتجديد الصلة بالذات وبالبيئة المحيطة به.

وتسلط هذه الدراسات الضوء على الفوائد الطبية المحتملة لعقاقير الهلوسة التي كانت غير قانونية في الولايات المتحدة. واليوم أوصت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية بإجراء أبحاث سريرية عاجلة عن المركبين، سيلوسيبين و"إم دي إم إيه"، المسببين للهلوسة، بعد أن أثبتت النتائج الأولية فعاليتهما في علاج بعض الأمراض النفسية.

وأثبتت دراسات أخرى الأثار الإيجابية لعقاقير الهلوسة في علاج الإدمان وتخفيف آلام الصداع.

وأجرت كارولين دورسين، باحثة في مجال تعاطي المواد المخدرة وأستاذة مساعدة بكلية روري مايرز للتمريض بجامعة نيويورك، أبحاثا عن استخدام عقاقير الهلوسة لعلاج الصدمات النفسية في سنوات الطفولة وتحسين الصحة النفسية والبدنية. لكنها نوهت إلى أهمية وجود مرشدين في هذه الجلسات، كالطبيب أو المدرب أو المعالج الروحاني، لمساعدة المستخدم في عملية التعاطي.

وتقول دورسن إن وجود المرشد المتدرب سيضمن الأمان النفسي والبدني للمريض أثناء جلسة تعاطي عقاقير الهلوسة العلاجية، حتى لا يشعر بالذعر أو تنتابه الكآبة أو التوتر. وبعد الجلسة يساعد المرشد المشاركين على فهم هذه التجربة وكيفية الاستفادة منها في حياتهم اليومية.

وتقول دورسن إن بعض الناس ذكروا أنهم مروا بلحظات إدراك الذات أثناء تعاطي عقاقير الهلوسة والتي قادتهم إلى تغيير مسارهم المهني، لكنها تحذر من أن المستخدمين لا يمكنهم التحكم في آثار هذه العقاقير لتحقيق هذه اللحظات من تجلي الحقائق.

ويقول غيلبسي إنه منذ أن بدأ التدرب مع أوستن، أصبح يضع أسعارا معقولة نظير أعماله الاستشارية، وحقق تقدما ملموسا في مشروعه. ويرى أن أوستن ساعده في التغلب على المعتقدات المقيّدة للذات حول قيمته وكفاءته.

وقد حاول غيلبسي من قبل الانضمام إلى "مجموعات مساءلة"، التي يتحدث فيها الأعضاء عن أهدافهم ويناقشون مع الآخرين الخطوات التي قطعوها في سبيل تحقيقها. لكنه يقول إن التدرب مع أوستن كان أكثر عمقا، لأن المدرب يساعده في فهم ذاته ومشاعره ويدفعه ليصبح أكثر صدقا مع ذاته حول الدوافع الحقيقة في حياته العملية والشخصية.

ويتقاضى أوستن عن دوراته التدريبية ما يتراوح بين 1,000 و2,000 دولار شهريا بحد أدنى ثلاثة أشهر. لكن غيلبسي واثق من أن هذه التدريبات ستكشف له عن أفضل المسارات للترقي.

ويعتزم غيلبسي المشاركة في طقوس احتساء شاي أياهواسكا، الذي يحتوى على نباتات مخدرة فعالة اشتهرت بأنها مثيرة للهلوسات البصرية الشديدة وكثيرا ما تثير الغثيان أيضا. ويترقب غيلبسي هذه التجربة بلهفة إلى درجة أنه أمضى نصف الجلسة في الحديث عنها مع أوستن.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Worklife

التعليقات