الحرب المفتوحة أحدث إستراتيجياً إسرائيلية

الحرب المفتوحة أحدث إستراتيجياً إسرائيلية
الحرب المفتوحة أحدث إستراتيجياً إسرائيلية

بقلم: أنطوان شلحت

بغضّ النظر عن أي نتيجة سوف يسفر عنها لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب، فإن متابعة آخر ما يهجس به المحللون الإسرائيليون القريبون من الائتلاف اليميني الحاكم، والواقف على رأسه، وبالذات حيال مستقبل الحرب في غزّة، تشي بأنهم يواصلون ترسيخ مفهومهم للأمن القومي الإسرائيلي، والذي ينوّهون بأنه مُستخلص من جديد الوقائع والمستجدات الميدانية، في محاولة لاعتماد مفهوم آخر ضمن سياق جغرافي أوسع، ومن منظور انتقادي ذي طابع هجومي يطاول عدة جهات، وفي مقدمها المؤسّسة الأمنية.

بصورة عامة، يمكن القول إن أبرز استنتاجيْن جرى التوصل إليهما، ومن المتوقع أن يؤثّرا، إلى حد بعيد، في المفهوم الجديد للأمن القومي الإسرائيلي: أولاً، ضرورة الانتقال إلى ما توصف بأنها "استراتيجيا حسم". وبموجب ما يؤكّد أحد الخبراء في الشؤون الأمنيّة، تبنّت إسرائيل، منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، إستراتيجيا ردع، وامتنعت عن مطالبة الجيش بحسم المواجهات ضد تنظيمات غير دولتية، على غرار حزب الله بلبنان وحركة حماس في غزّة. وخلال هذه الفترة، كان هناك استثناء وحيد بشأن اعتماد استراتيجيا حسم في مواجهة الفلسطينيين، تمثّل في عملية السور الواقي عام 2002، وفي عدة عمليات إضافية أعقبتها، "رامية إلى تدعيم إنجازات تلك العملية"، ولكنها ظلت محصورة ضمن نطاق أراضي الضفة الغربية. وتأتي استعادة "السور الواقي" هنا لأنها، في عرف هذا الخبير، كما في قراءة غيره أيضاً، عبّدت الطريق أمام عودة التحكّم العملاني والاستخباراتي للجيش الإسرائيلي بمناطق الضفة، ومكّنت من إقامة "الجدار العازل"، وفرضت على السلطة الفلسطينية العودة إلى طاولة المفاوضات والتعاون الأمني مع إسرائيل. وفي ضوئها تحقّق أمنٌ نسبيُّ في هذه الساحة.

من جهة أخرى، تهدف استعادتها إلى التذكير بالآلية المطلوبة من أجل التوصل إلى حسم تعقبه تهدئة طويلة الأمد نسبياً، وهي آلية استخدام قوة برّية كبيرة إلى جانب استخدام ضئيل لنيران سلاح الجو والمدفعية الثقيلة، بجانب الاستعداد للسيطرة على الأرض فترة طويلة.

الاستنتاج الثاني، أن استخدام إستراتيجيا الردع ضد تنظيماتٍ شبه دولتية، مثل "حماس" وحزب الله، يُعدّ أكثر تعقيدا وصعوبة على مستوى التنفيذ من الردع في مواجهة دول. وحتى لو ساد، في ظل هذه الإستراتيجيا، هدوءٌ على فترات، لا تحلّ مشكلات التنظيمات الأساسية، وإنما فقط تتيح، على ما يبدو، إمكان استئناف أعمال المقاومة مستقبلاً.

ويمكن القول إن من شأن الاستنتاجين أن يفسّرا وضعية تحوّل الحرب المفتوحة، خصوصاً في غزّة، إلى استراتيجيا إسرائيلية، بموازاة تجنّب تقديم أي استراتيجيا أخرى واضحة تتعلّق برؤية المستقبل، وهو ما يعني الحفاظ على الصراع، من دون تحديد هدفٍ واضحٍ أو إطار زمني.

يبدو أن الرسالة الأهم من وراء هذه المقاربة، مثلما صاغها مؤرّخ إسرائيلي يميني في صحيفة "يسرائيل هيوم" قبل أيام، أن إسرائيل ستظل في حالة حرب مفتوحة في مناطقها الحدودية، ولن تسمح بأي نشاط عسكري في هذه المناطق، وهذا يشمل الحدود مع لبنان وسورية والضفة الغربية، مثلما يشمل قطاع غزّة الذي سيظل في مرمى إستراتيجيا الحسم الإسرائيلية حتى إشعار آخر. كذلك يدعو هذا المؤرّخ، في ما يمكن اعتباره لهجة وعيد، إلى استخدام استراتيجيا الحرب في كل ما يتعلق بالمنطقتين الحدوديتين مع مصر والأردن، وهو ما قُصد بالإشارة السالفة إلى السياق الجغرافي الأوسع.

ومما كتبه بهذا الصدد أنه بعد هجوم 7 أكتوبر (2023) لا يمكن لإسرائيل أن تسمح بوجود أي تنظيمات "إرهابية" في مناطقها الحدودية. وعليها أن تواصل تفعيل عقيدتها الجديدة التي تنصّ على مهاجمة أي تنظيم زاحف لجماعات "إرهابية"، مثلما هو دأبها في الضفة الغربية وجنوب لبنان وسورية، كما يتعيّن عليها أن تعلن أن هذه العقيدة تسري على كل من الأردن ومصر إذا ما شعرت بأن هناك تنظيمات كهذه، آخذة بالنشوء في المنطقتين الحدوديتين معهما.

التعليقات