هدنة على فوهة النار: مفاوضات الدوحة بين التهدئة والتهيئة لمعركة جديدة

هدنة على فوهة النار: مفاوضات الدوحة بين التهدئة والتهيئة لمعركة جديدة
هدنة على فوهة النار: مفاوضات الدوحة بين التهدئة والتهيئة لمعركة جديدة

بقلم: جواد العقَّاد - كاتب سياسي مقيم في غزة 

في أروقة مفاوضات الدوحة، تدور اللحظة السياسية بين إمكان الوصول إلى اتفاق مؤقت، وإرادةٍ إسرائيلية واضحة في تثبيت واقع أمني جديد داخل قطاع غزة. فلا يمكن وصف المفاوضات الجارية بأنها سهلة، لكنها ليست مستعصية أيضاً؛ إذ تسير ببطء ضمن نطاق المصالح المتغيرة والمتشابكة بين الأطراف، حيث تسعى إسرائيل إلى الحفاظ على تماسك استراتيجيتها العسكرية في القطاع، لا سيما حول محور موراج. 

واضح أن إسرائيل لا تتجه نحو تسوية شاملة بقدر ما تفرض واقعاً أمنياً ميدانياً على الأرض. ما جرى من تحصينات عسكرية في مناطق مثل محور موراج، وما يصاحبها من سلوكيات ميدانية تعكس نية إسرائيلية في إبقاء اليد العليا عسكرياً وأمنياً. حتى لو تم التوصل إلى اتفاق هدنة. فالتفاوض في هذا السياق يدور تحت سقف أمني إسرائيلي، وليس ضمن مقاربة سياسية لإنهاء الحرب. فما تريده تل أبيب هو هدنة تديرها كما تشاء، وتُبقي قطاع غزة تحت الضغط الأمني والمعيشي، مع قدرة على العودة إلى العمليات العسكرية متى قررت.

مع هذه المعطيات، فإن الهدنة التي يجري التفاوض بشأنها تبدو أقرب إلى هدنة إنقاذية إنسانية مؤقتة، وليست بوابة إلى مرحلة سياسية جديدة. ومع ذلك، فإن إمكانية الوصول إلى اتفاق واردة جداً، خصوصاً مع الضغوط الدولية، والحاجة الإنسانية الماسة، والاستعداد النسبي من الأطراف. غير أن مثل هذا الاتفاق – إن تم – لن يكون نهاية الحرب، بل استراحة مقيدة بشروط الاحتلال، وسيناريوهات عودة التصعيد ستكون جزءاً من خلفية المشهد، لا استثناءً عنه.

الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حماس، تجد نفسها أمام معادلة معقدة: من جهة، هناك حاجة ملحة لوقف نزيف الدم والمعاناة الإنسانية، ومن جهة أخرى، هناك إدراك بأن أي هدنة لا ترتكز على تفاهمات سياسية متكافئة قد تتحول إلى غطاء لواقع أمني إسرائيلي جديد. ولهذا فإن موقف الفصائل يبدو ميّالاً لقبول الاتفاق بشروط تحفظ الحد الأدنى من الإنجاز الإنساني والمعيشي، وتحول دون تكريس الهزيمة بعد كارثة أكتوبر التي حلّت بالشعب الفلسطيني. 

تقدير الموقف:

1. احتمال الوصول إلى اتفاق مؤقت وارد بقوة، لكن لا مؤشرات على كونه بداية لمسار سياسي مستدام.

2. إسرائيل تسعى لترسيخ معادلة أمنية ميدانية جديدة في القطاع، تتحكم عبرها بمسارات المساعدات والحركة والهدوء.

3. حماس تعتقد أنها تدير المفاوضات بدقة شديدة للحفاظ على ما تبقى من أوراق القوة، لكنها مضطرة لمرونة تصل إلى مستوى التنازل. 

4. المجتمع الدولي يلعب دوراً ضاغطاً لكنه غير فاعل سياسياً في كبح الجماح الإسرائيلي أو فرض تسوية عادلة.

في المحصلة، لا يمكن فصل أي اتفاق قادم عن الواقع الذي تفرضه إسرائيل بالنار والسيطرة، كما لا يمكن عزله عن معادلات الميدان. ومن هنا، فإن أي هدنة يجب أن تُقرأ جيداً: ليست نهاية للحرب، بل محطة مؤقتة في طريق أطول، يتوقف مساره على موازين القوة ووضوح الرؤية الوطنية الفلسطينية.

التعليقات