لماذا على حماس أن توافق لا أن تناور؟

لماذا على حماس أن توافق لا أن تناور؟
لماذا على حماس أن توافق لا أن تناور؟

جواد العقاد - كاتب سياسي 

في هذا المفصل التاريخي، تقف حركة حماس، ومعها مجمل الحالة الفلسطينية، أمام اختبار حاسم لا يحتمل التلكؤ ولا اتساع المناورة. فالمقترح المعدل قطرياً ومصرياً، بغطاء دولي وأمريكي، لا يُمثل نهاية الحرب، لكنه ــ كما يبدو في السياق السياسي والميداني ــ الإطار الوحيد الممكن حالياً لوضع حدٍ مؤقت للآلة الحربية الإسرائيلية، تمهيداً لفتح أفق سياسي جديد.

من خلال القراءة المتأنية لتسريبات ومواقف الحركة الأخيرة، نستشف أن حماس تتجه نحو القبول بالصيغة العامة، مع تقديم استيضاحات لا تمس جوهر المبادرة.. وهذا، في جوهره، مؤشر إيجابي على إدراك الحركة لتعقيدات المرحلة، ولكنّه لا يكفي. المطلوب ليس فقط "إبداء النية"، بل الحسم الواضح.

صحيح أن المقترح لا يقدّم ضمانات حقيقية لإنهاء الحرب، لكنه يمنح الشعب في غزة، ستين يوماً من التوقف عن الموت. هذه ليست هدنة عادية؛ إنها فرصة استثنائية لإعادة الحياة إلى المستشفيات، وتشغيل المخابز، والسماح بمرور المساعدات الإنسانية الكافية عبر قنوات أممية. ولو كانت هذه الهدنة هي كل ما يمكن انتزاعه الآن، فإن المسؤولية الوطنية تفرض القبول بها، دون تردد.

القرار الوطني يجب أن يكون فوق الاعتبار الفصائلي، وليس من المنطقي أن تستمر غزة رهينة لخطابات تحررية لا تجد طريقها إلى الواقع. وإذا كانت حماس تدّعي أنها تمثل جزءاً من المشروع الوطني الفلسطيني، فعليها أن تدرك أن كل تأخير في التفاوض هو تأخير في إنقاذ الأرواح، وكل مناورة سياسية هي مقامرة بالدم.

هناك رأي عام فلسطيني، في غزة تحديداً، مهيأ لتلقف أي بادرة أمل، حتى وإن جاءت على هيئة "هدنة مؤقتة"، فالغريق يتمسك بالقشة. ولا يخفى على أحد أن حماس، وإن تشاورت مع بعض الفصائل - وهذا أمر شكلي لا ثقل وطني له-، إلا أنها لم تُشرك منظمة التحرير أو حركة فتح في أي قرار. هذا بحد ذاته يُكرّس الانفصال ويُبقي القرار في دائرة احتكار ضيقة، تتناقض مع جوهر الوحدة الوطنية التي نحتاج إليها اليوم أكثر من أي وقت مضى.

المجتمع الدولي، والإدارة الأمريكية تحديداً، لن تذهب إلى فرض وقف نهائي للحرب دون قنوات تفاوضية هادئة تمهّد لذلك. والهدنة، برأيي، هي هذه القناة. أما من ينتظر نصراً كاملاً أو اتفاقاً نهائياً في جولة واحدة، فهو لا يقرأ الواقع، ولا يحترم دم الناس.

إن التقدير الوطني، لا التكتيك الفصائلي، يفرض على حركة حماس أن توافق. لا أن تناور. فالمناورة الآن، هي مقامرة في زمن لم يعد فيه شيء صالح للمقامرة، سوى الدم.

ولذلك، فإنني أرى، من المنظور الوطني، أن القبول بالإطار العام، مع ترك التفاصيل لمفاوضات لاحقة، هو الخيار الأسلم والأذكى. فالصمود ليس فقط على الجبهة، بل أيضاً في غرفة القرار، حين يتحوّل الثبات إلى حكمة، والموقف إلى مسؤولية.

ولعلّ القادم يُبنى على هذه الفرصة. ولعلّ الدم، إن توقف اليوم، يمنحنا وقتاً لرؤية أبعد. أما التأخر، فسيكون ثمنه باهظاً على الجميع.

الخلاصة:

تدلّ المعطيات السياسية والميدانية، على أن إمكانية الوصول إلى صفقة تبادل ووقف مؤقت لإطلاق النار باتت أكثر واقعية من أي وقت مضى، بشرط توفّر الإرادة الحاسمة من الطرف الفلسطيني، وتحديداً حركة حماس، في اغتنام الفرصة بدل استهلاك الوقت في مناورات لغوية أو تفاوضية شكلية.

يتضح أن المقترح المعدل قطرياً ومصرياً، والمدعوم أمريكياً ودولياً، يشكّل الإطار العملي الوحيد المتاح حالياً لكبح الآلة العسكرية الإسرائيلية، ولو بشكل مؤقت. هذا لا يعني بالضرورة أن الصفقة قريبة أو مضمونة، لكنها باتت ممكنة ومفتوحة على النجاح، إن تم:

- التعاطي معها بجدّية سياسية لا فصائلية. 

- الابتعاد عن الخطاب التعبوي الذي يعلّق آمالاً على نصر كامل غير قابل للتحقق في هذه المرحلة.

- القبول بالصيغة العامة للمقترح، مع ترك التفاصيل لتفاوض لاحق، بما يضمن الحد الأدنى من التفاهم.

كما أن البيئة الإقليمية والدولية تضغط باتجاه التهدئة، لأسباب تتعلّق بالأمن والاستقرار في المنطقة، ولحسابات أمريكية على الأرجح. وهذا يخلق نافذة محدودة الزمن، قد لا تتكرر، ويجعل الرفض أو المماطلة مخاطرة حقيقية قد تُفقد الفلسطينيين المكاسب الإنسانية الممكنة، مثل فتح المعابر، وصول المساعدات، وإنقاذ الجرحى.

بالتالي، فإن الوصول إلى صفقة هدنة وتبادل، وإن لم يكن حلاً نهائياً، إلا أنه ممكن وقابل للتحقق في المدى القريب، شرط وضوح القرار الوطني وتغليب المصلحة العامة على الاعتبارات الفئوية.

التعليقات