نحو صفقة ممكنة: قراءة في المقترح الأمريكي ومأزق الخيارات

نحو صفقة ممكنة: قراءة في المقترح الأمريكي ومأزق الخيارات
بقلم: جواد العقَّاد - كاتب سياسي
في اللحظة التي وصلت فيها غزة إلى الهاوية – بل إلى قاعها المعتم – تتقدم الوساطة والولايات المتحدة بمقترح جديد لوقف إطلاق النار، يحمل فرصةً حقيقية، وإن تكن مؤلمة، للخروج من المسار الكارثي الذي تسلكه الحرب منذ ما يقارب عامين.
المقترح المطروح يفرض هدنة لمدة 60 يوماً بضمانات مباشرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويبدأ بسلسلة تبادلات مرحلية للأسرى والجثامين، وينتهي بمفاوضات سريعة لترتيب وقف دائم لإطلاق النار، تشمل أربعة محاور رئيسية: ملف الأسرى المتبقين، الترتيبات الأمنية، ما يُعرف باليوم التالي، والإطار النهائي لإنهاء الحرب.
القراءة الواقعية لهذا المقترح تُظهر بوضوح أن الإدارة الأمريكية، رغم دوافعها غير الإنسانية بطبيعتها، تتجه هذه المرة نحو مقاربة أكثر جدية، لا حباً بالفلسطينيين، وإنما انطلاقاً من مصالح استراتيجية بحتة تتعلق بتخفيف التوتر في المنطقة، وفتح مسارات جديدة لاتفاقيات التطبيع، في جوّ أقل احتقاناً. وهذا ما ينبغي أن نقرأه جيداً: أمريكا لا تغيّر جلودها، لكنها تغيّر تكتيكاتها متى اقتضت المصلحة.
ما يميز هذا المقترح – رغم كونه لا يلبي اشتراط حركة حماس المعلن بوقف كامل للحرب – أنه لا يغلق الباب أمام هذا المطلب، بل يفتحه تدريجياً من خلال مفاوضات مضمونة من قبل أطراف ثلاثة (قطر، مصر، والولايات المتحدة)، تُمهد الطريق لإنهاء الحرب عبر التزام واضح بمواصلة التفاوض حتى بعد انتهاء الهدنة. وكذلك، فإن المقترح لا ينزلق إلى مشاهد الاستعراض أو المراسم الشكلية في عمليات التبادل، مما يمنحه بعداً عملياً بعيداً عن التوظيف الإعلامي.
نقطة القوة الأبرز تكمن في أن المقترح يفرض الانسحاب من مناطق غزة وفق خرائط يتم التوافق عليها، الأمر الذي قد يُعيد تموضع الاحتلال، ويمنع سيناريو "الدمار الكامل" و"التهجير الفعلي"، الذي بات واضحاً أن الاحتلال يسعى إليه كخيار استراتيجي إن تم رفض هذه الصفقة.
ورغم أن بعض النقاط لا تزال غامضة نوعاً ما – خاصة ما يتعلق بخرائط الانسحاب وضمانات استمرار المفاوضات بعد الهدنة – إلا أن ذلك لا يكفي لرفض المقترح برمّته. بل هو ما يستدعي من حركة حماس – وكل القوى الفلسطينية – الدخول إلى ساحة التفاوض بقوة العقل لا بعقيدة الصدام المستمر، خصوصاً في ظل تراجع البيئة الإقليمية والدولية عن أي تصعيد في مواجهة إسرائيل، مقابل تصاعد الضغوط على القطاع.
نحن لا نتعامل مع مقترح يضمن النصر، بل مع خيار قد يُبقي على ما تبقى من غزة، وقد يمنع التهجير الجماعي الذي يُطبخ بهدوء على نار الخذلان والصمت الدولي. وفي ميزان الواقعية السياسية، لا توجد ورقة أقوى على الطاولة الآن. المقترح ليس مثالياً، لكنه أفضل الممكن. والممكن في السياسة ليس ما نتمناه، بل ما يمكننا إنقاذه من بين أنياب الإبادة.
على حماس أن تقرأ اللحظة بعين وطنية، لا بشروط الأيديولوجيا. وأن ترى غزة لا من نوافذ الشعارات، بل من شقوق الخيام في المواصي ودير البلح. المقترح الأمريكي، مهما كانت نواقصه، يشكل مخرجاً أولياً من جحيم الحرب، ونافذة محتملة نحو وقف دائم لإطلاق النار.
إن أي رفض لهذا المقترح دون بديل واقعي، هو مقامرة بمصير شعب بأكمله.
بقلم: جواد العقَّاد - كاتب سياسي
في اللحظة التي وصلت فيها غزة إلى الهاوية – بل إلى قاعها المعتم – تتقدم الوساطة والولايات المتحدة بمقترح جديد لوقف إطلاق النار، يحمل فرصةً حقيقية، وإن تكن مؤلمة، للخروج من المسار الكارثي الذي تسلكه الحرب منذ ما يقارب عامين.
المقترح المطروح يفرض هدنة لمدة 60 يوماً بضمانات مباشرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويبدأ بسلسلة تبادلات مرحلية للأسرى والجثامين، وينتهي بمفاوضات سريعة لترتيب وقف دائم لإطلاق النار، تشمل أربعة محاور رئيسية: ملف الأسرى المتبقين، الترتيبات الأمنية، ما يُعرف باليوم التالي، والإطار النهائي لإنهاء الحرب.
القراءة الواقعية لهذا المقترح تُظهر بوضوح أن الإدارة الأمريكية، رغم دوافعها غير الإنسانية بطبيعتها، تتجه هذه المرة نحو مقاربة أكثر جدية، لا حباً بالفلسطينيين، وإنما انطلاقاً من مصالح استراتيجية بحتة تتعلق بتخفيف التوتر في المنطقة، وفتح مسارات جديدة لاتفاقيات التطبيع، في جوّ أقل احتقاناً. وهذا ما ينبغي أن نقرأه جيداً: أمريكا لا تغيّر جلودها، لكنها تغيّر تكتيكاتها متى اقتضت المصلحة.
ما يميز هذا المقترح – رغم كونه لا يلبي اشتراط حركة حماس المعلن بوقف كامل للحرب – أنه لا يغلق الباب أمام هذا المطلب، بل يفتحه تدريجياً من خلال مفاوضات مضمونة من قبل أطراف ثلاثة (قطر، مصر، والولايات المتحدة)، تُمهد الطريق لإنهاء الحرب عبر التزام واضح بمواصلة التفاوض حتى بعد انتهاء الهدنة. وكذلك، فإن المقترح لا ينزلق إلى مشاهد الاستعراض أو المراسم الشكلية في عمليات التبادل، مما يمنحه بعداً عملياً بعيداً عن التوظيف الإعلامي.
نقطة القوة الأبرز تكمن في أن المقترح يفرض الانسحاب من مناطق غزة وفق خرائط يتم التوافق عليها، الأمر الذي قد يُعيد تموضع الاحتلال، ويمنع سيناريو "الدمار الكامل" و"التهجير الفعلي"، الذي بات واضحاً أن الاحتلال يسعى إليه كخيار استراتيجي إن تم رفض هذه الصفقة.
ورغم أن بعض النقاط لا تزال غامضة نوعاً ما – خاصة ما يتعلق بخرائط الانسحاب وضمانات استمرار المفاوضات بعد الهدنة – إلا أن ذلك لا يكفي لرفض المقترح برمّته. بل هو ما يستدعي من حركة حماس – وكل القوى الفلسطينية – الدخول إلى ساحة التفاوض بقوة العقل لا بعقيدة الصدام المستمر، خصوصاً في ظل تراجع البيئة الإقليمية والدولية عن أي تصعيد في مواجهة إسرائيل، مقابل تصاعد الضغوط على القطاع.
نحن لا نتعامل مع مقترح يضمن النصر، بل مع خيار قد يُبقي على ما تبقى من غزة، وقد يمنع التهجير الجماعي الذي يُطبخ بهدوء على نار الخذلان والصمت الدولي. وفي ميزان الواقعية السياسية، لا توجد ورقة أقوى على الطاولة الآن. المقترح ليس مثالياً، لكنه أفضل الممكن. والممكن في السياسة ليس ما نتمناه، بل ما يمكننا إنقاذه من بين أنياب الإبادة.
على حماس أن تقرأ اللحظة بعين وطنية، لا بشروط الأيديولوجيا. وأن ترى غزة لا من نوافذ الشعارات، بل من شقوق الخيام في المواصي ودير البلح. المقترح الأمريكي، مهما كانت نواقصه، يشكل مخرجاً أولياً من جحيم الحرب، ونافذة محتملة نحو وقف دائم لإطلاق النار.
إن أي رفض لهذا المقترح دون بديل واقعي، هو مقامرة بمصير شعب بأكمله.
التعليقات