قيادة بلا مشروع وحرب بلا نهاية.. ماذا بعد مقترح ويتكوف؟

قيادة بلا مشروع وحرب بلا نهاية.. ماذا بعد مقترح ويتكوف؟
قيادة بلا مشروع وحرب بلا نهاية.. ماذا بعد مقترح ويتكوف؟

بقلم: جواد العقَّاد

في خضم تطورات متسارعة على خط المفاوضات "الحمساوية" "الإسرائيلية"، يقف الفلسطيني مجدداً أمام الحقيقة المُرّة: نحاصر بالبارود والتجويع، وتجري مفاوضات "شكلية" تحت سقف الموت، فيما تغيب عنا البوصلة الوطنية الجامعة.

ليست هذه الحرب إلا واحدة من الحلقات الأشد فتكاً في مسلسل طويل من محاولات اقتلاعنا من أرضنا وهويتنا. لكن الأخطر من قذائف الطائرات هو ما يحدث في داخل الجبهة الفلسطينية: انفصال متجذر، خطاب فصائلي ضيق، ومشروع سياسي بلا ملامح.

المقترح الأميركي الأخير، الذي حمل توقيع مبعوث ترامب ستيف ويتكوف، بدا وكأنه وثيقة مساومة على الدم الفلسطيني أكثر من كونه مسعى حقيقياً لوقف إطلاق النار. حماس، التي لم ترفض المقترح كما صرّحت، قبلته كمادة تفاوض، لكن دون وهم الحياد الأميركي. بينما إسرائيل، كعادتها، قرأت المبادرة كفرصة لتثبيت مكاسبها العسكرية وتغليف مشروعها بالشرعية الدولية.

إن الحديث عن "وقف مؤقت لإطلاق النار" دون ضمانات، وفي ظل استمرار الاحتلال، هو عبث سياسي ومراهنة خاسرة على نوايا العدو.

ما يُقترح اليوم ليس اتفاق سلام، بل استراحة محارب تهدف لتقويض ما تبقى من غزة، ولإعادة ترتيب المشهد بما يخدم خطة الاحتلال طويلة المدى.

وبينما تُعقد الطاولات وتُرسل الوفود، يعيش شعبنا تحت الركام، بين النزوح والقهر وفقدان الأمل. هنا تكمن المأساة الوطنية الحقيقية: أن يُختزل الفلسطيني في مفاوضات حول خرائط أمنية وجثامين، بينما تُغيب قضيته الكبرى – قضية التحرر والكرامة والعودة – خلف الستار.

ليس المطلوب فقط مراجعة الموقف من المبادرات الدولية، بل إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني. حماس، التي تتحمل عبء الحكم في غزة، مدعوة إلى موقف وطني تاريخي، يتجاوز الحسابات الفصائلية، ويضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. عليها أن تبادر، بوضوح وشجاعة، إلى تسليم إدارة القطاع إلى منظمة التحرير ومؤسساتها بما في ذلك السلطة، ضمن صيغة انتقالية تُهيئ لإعادة بناء البيت الفلسطيني على أسس ديمقراطية، تمثيلية، ونضالية.

كفانا دوراناً في الحلقة نفسها: إسرائيل تفاوض تحت النار وغير معنية بإنهاء الحرب، وحماس تتمسك بحكم أنقاض غزة، والشعب يدفع الثمن. المطلوب الآن هو وحدة موقف فلسطيني يرفض الانقسام، يقطع مع خطاب المناكفات، ويستعيد روح الثورة لا شعاراتها.

لن يُكتب للحرب نهاية حقيقية ما دامت الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حماس بلا مشروع. ولا معنى لأي اتفاق دون ضمانة بالدخول لمسار سياسي جاد، لا فقط تهدئته. فالتهدئة ليست بديلاً للحرية، كما أن الأمن ليس بديلاً للعدالة.

ما لم نُدرك – نحن قبل غيرنا – أن معركة التحرر تبدأ من الداخل، من بيتٍ فلسطيني موحّد، فلن نغادر مربع الضياع. وهذا الاحتلال، مهما طال، لا يرحل بالتمني، بل بخطاب يملك أدوات الفعل، ومشروع وطني لا يخشى المكاشفة، ويعيد الحق إلى شعبه لا إلى حساباته الضيقة.

الحرب مستمرة. لكن السؤال الأهم: هل لدينا من يقودها نحو أفق واضح؟ أم أننا لا نزال نراوح في العتمة، بينما تتبدد الأرض والهوية والكرامة في آن؟

التعليقات