تحرير الوعي الفلسطيني من الأدلجة

تحرير الوعي الفلسطيني من الأدلجة
تحرير الوعي الفلسطيني من الأدلجة 

بقلم: جواد العقَّاد

لا بدّ من شجاعة أخلاقية وفكرية لمواجهة الحقيقة، مهما كانت جارحة: الأدلجة لم تكن يوماً مشروعاً لتحرير فلسطين، بل تحوّلت إلى عبءٍ ثقيل على الوعي الجمعي، وإلى سجنٍ فكريّ أعاق الفلسطيني عن رؤية جوهر معركته.. فإن اختزال القضية الفلسطينية في قوالب أيديولوجية جاهزة هو اختزال للتاريخ، وتبسيط لمعاناة معقّدة تتجاوز الشعارات وتعلو على الاصطفافات.

ألهمتنا تجارب التحرر في الجزائر وفيتنام وكوبا وغيرها، نعم، لكن فلسطين ليست تلك التجارب، ولا يجوز أن تُعامل كأنها نسخة عنها. نحن أمام احتلال من طراز مختلف، يريد نفي الإنسان قبل الأرض، وطمس الهوية قبل الحدود، وتفكيك الذاكرة قبل الحاضر.

ومع ذلك، ظلّ بعض الفاعلين في الساحة الوطنية أسرى الأدلجة، يتنقّلون بين يسار مستورد، وقومية مُنهكة، وإسلام سياسي لا يرى من فلسطين إلا بوابةً لخلافته. فسقطنا في وهم النماذج الجاهزة، وغاب عنّا أن مشروع التحرير الحقيقي لا يمكن أن يُبنى على وعيٍ مستعار، بل على وعيٍ نابع من التجربة الفلسطينية ذاتها، من خصوصيتها التاريخية والثقافية، من واقعها الممزق، ومن حاجتها العميقة لإعادة تعريف ذاتها في ظل هذا النزف المستمر.

آن الأوان لتحرير الوعي الفلسطيني من الأدلجة، لا لنُنتج أيديولوجيا جديدة، بل لنعود إلى الأصل: الإنسان الفلسطيني، بوصفه جوهر القضية، لا وسيلتها. الأرض لا تتحرّر بشعارات، بل بتحوّلات جذرية في الرؤية والبنية والمفاهيم. والمعركة اليوم ليست فقط على الجغرافيا، بل على المعنى، على اللغة، على الرواية.

فإننا نحتاج إلى مشروع تحرري فلسطيني خالص، غير مؤدلج، غير مرتهن، غير تابع. مشروع ثقافي قبل أن يكون سياسياً، وجدانيّ قبل أن يكون تنظيمياً، يرى فلسطين كما هي، ويقرأ المأساة كما كُتبت بدم الشــهداء، لا كما تُرجمَت في كُتب الخارج. فالتحرير، في جوهره، فعل وعي. ولن نبلغ حرية الأرض ما لم نُحرّر العقل أولاً من رواسب الجاهز، ومن أوهام الاصطفاف، ومن غواية التكرار. وما لم تكن البوصلة هي فلسطين الإنسان، لا فلسطين الشعار، سنبقى عالقين في سرديات الماضي، عاجزين عن ابتداع الطريق.

التعليقات