غزة تُجَوَّع.. والقطط السمان في مأمن!

غزة تُجَوَّع.. والقطط السمان في مأمن!
غزة تُجَوَّع.. والقطط السمان في مأمن!

بقلم: جواد العقاد

غزة تختنق.

ليس فقط من الحرب التي لم تبقِ ولم تذر، بل من الحصار الذي أصبح سياسة معلنة، ومن التجويع الذي يُدار من داخلها أيضاً، بأيدٍ تدّعي الانتماء إلى هذا الشعب، لكنها تغرز أنيابها في عنقه كلما اشتدت الحاجة وازدادت الصرخة.

المعابر مغلقة تماماً منذ شهرين، لم تدخل قطرة ماء واحدة، ولا شاحنة دواء، ولا سلة غذاء. الوضع قبل ذلك لم يكن بأفضل حال، أما اليوم، فنحن في قلب المجاعة، على شفير انهيار شامل، نعيش وسط حرب فتكت بكل شيء: بالمنازل، بالأجساد، بالأعصاب، وبالحد الأدنى من القدرة على الاحتمال.

أين الجبهة الداخلية؟

لا توجد جبهة داخلية تحفظ الأمن الغذائي، ولا توجد مؤسسات فاعلة، ولا نظام اقتصادي في الحد الأدنى يضمن للناس حبة رز أو كيس دقيق. غزة تُترَك لتُستَنفد، لتُستنزف حتى النفس الأخير، لا من الاحتلال وحده، بل من تواطؤ صامت وجشعٍ داخلي يُمارس بسكين حاد على عنق كل جائع.

الخبر الذي يجب أن يُقرأ ألف مرة:

تصريح لرئيس جمعية رجال الأعمال في غزة يقول إن ٥٠ تاجراً فقط هم من يتحكمون بالوضع المالي في القطاع، وهم من يقفون وراء ارتفاع الأسعار، وتفاقم أزمة السيولة، وغياب السيطرة على الأسواق. خمسون شخصاً فقط يحتكرون السوق، يكدّسون البضائع، ويتحكمون بأقوات الناس في لحظة مجاعة.

هؤلاء لا يُمكن وصفهم إلا بـ"القطط السمان".

يتحرّكون فوق الألم، ويُثرون على حساب المحاصرين، ولا أحد يجرؤ على تسميتهم.

فمن يحميهم؟ من يغطيهم؟ ومن يتواطأ معهم في صمت رهيب؟

بيان الغرف التجارية في 27 نيسان لم يترك مجالاً للغموض:

ارتفاع الأسعار بنسبة 527%.

انهيار الأمن الغذائي.

تدهور صحي كارثي.

بطالة تتجاوز 85%.

فقر يصل إلى أكثر من 90%.

شلل اقتصادي واجتماعي كامل.

ورفض آليات التوزيع التي يُراد فرضها من الاحتلال، لأنها ببساطة لا تحفظ الكرامة ولا تضمن العدالة.

هنا تبدأ الأسئلة الحارقة التي يجب أن تُطرح الآن، وليس غداً:

من هؤلاء الخمسون؟ ولماذا لا نعرف أسماءهم؟

بأي سلطة يُسعّرون المواد؟

من المسؤول عن الرقابة؟ ومن سمح بتحويل السوق إلى غابة؟

أين سلطة النقد؟ أين البنوك؟ أين المؤسسات؟

ما هو دور الإعلام؟ ولماذا لا يُسلط الضوء على من يُتاجرون بألمنا؟

لماذا لا تتحرك مؤسسات المجتمع المدني لعقد مؤتمر وطني مفتوح يقول للعالم: "نحن نتعرض لعقاب جماعي، ولسنا جزءاً من صفقة الموت!"؟

إعلان شعبي وإعلامي لمقاطعة كل من يثبت تلاعبه بقوت الناس.

كشف أسماء التجار المحتكرين.

تدخل فوري من المؤسسات الرقابية والمالية.

تشكيل لجنة مستقلة تُشرف على التوزيع وتوثّق كل تجاوز.

مؤتمر عاجل للمجتمع المدني يُخاطب الرأي العام المحلي والدولي.

إننا نؤكد من جديد: شعبنا في غزة شعبٌ أعزل، فرضت عليه هذه الحرب، ولا يمثله تاجر ولا مسلّح ولا صاحب نفوذ، بل تمثله إرادته الحرة، وتاريخه، ودموع أطفاله الجائعين.

هذا الشعب لا يريد معونات مسيّسة ولا هبات مشروطة.

يريد عدالة حقيقية، ونظاماً اقتصادياً أخلاقياً، وقيادة تقول الحقيقة.. 

غزة الآن رهينة صمتنا.

التعليقات