نسيب الحكومة الفلسطينية للرئيس إغلاق هيئة تسوية الأراضي والمياه يخدم من؟

بقلم: خلف جمال الدين
الاستيطان يتوسع والوجود الفلسطيني برمته مهدداً، والحكومة الفلسطينية تُنسب للرئيس محمود عباس بإغلاق هيئة تسوية الأراضي والمياه.
وهو قرار يتناقض مع المنطق والعقل في هذه المرحلة الحساسة.
فالأراضي الفلسطينية تشهد حملة استيطانية غير مسبوقة، والحكومة توصي بالتخلي عن إحدى أهم أدواتها القانونية في مواجهة سياسات الضم والمصادرة.
وتكشف البيانات الرسمية حجم التهديد الوجودي الذي تواجهه الجغرافيا الفلسطينية. فخلال العام والنصف الماضيين، استولت سلطات الاحتلال على أكثر من 24 ألف دونم تحت ذريعة "أراضي الدولة"، في أكبر موجة مصادرة منذ ثلاثة عقود.
وأصبحت إسرائيل تسيطر على نحو 2382 كيلومتراً مربعاً، أي ما يمثل 42% من مساحة الضفة الغربية و70% من المناطق المصنفة "ج"، مع خضوع هذه الأراضي لإجراءات إسرائيلية ممنهجة تمهد لضمها رسمياً.
ويبين تقرير صادر عن الأمم المتحدة (مارس 2025)، أن إسرائيل بنت أكثر من 20,000 وحدة سكنية في القدس الشرقية و10,300 وحدة في باقي أنحاء الضفة خلال الفترة من نوفمبر 2023 إلى أكتوبر 2024. كما أنشأت 51 بؤرة استيطانية جديدة خلال العام الماضي وحده، منها 8 بؤر في مناطق "ب" التي تنص اتفاقية أوسلو على خضوعها للسيطرة المدنية الفلسطينية، وأصدر الاحتلال كذلك 13 أمراً عسكرياً لإنشاء مناطق عازلة حول المستوطنات في الضفة.
وفي ظل هذه التطورات، فإن دور هيئة تسوية الأراضي والمياه يتجاوز كونها مجرد مؤسسة حكومية لتمثل أداة وطنية استراتيجية متعددة الأبعاد لمواجهة الهجمة السابقة على الوجود الفلسطيني برمته:
- سياسياً، تشكل الهيئة خط الدفاع القانوني الأول ضد سياسات المصادرة، مستندة إلى الوثائق والخرائط والتسجيلات الرسمية.
وقد نجحت منذ تأسيسها عام 2016 في كشف محاولات تسريب أراضٍ للاحتلال، وأحبطت مساعي شركات استيطانية لضم أراضٍ فلسطينية من خلال مسح وتطويب مئات الآلاف من الدونمات.
- قانونياً، تمثل الهيئة ركيزة أساسية في توثيق الملكية الفلسطينية، حيث يكتسب التسجيل في دائرة الأراضي أهمية حاسمة، خاصة في المناطق المصنفة "ج". فالإدارة المدنية الإسرائيلية تعترف بـ«الكوشان» كوثيقة إثبات ملكية، ومع ندرة امتلاك الفلسطينيين «لكوشانات» عثمانية، تصبح عملية التسوية والتطويب الضمانة الأساسية لحماية الأرض من المصادرة.
- اقتصادياً، أسهمت الهيئة في تعزيز البيئة الاستثمارية من خلال توفير سندات ملكية واضحة تسهل الحصول على التراخيص والقروض وإقامة المشاريع. فالمستثمرون يترددون في توظيف أموالهم في مناطق غير محددة الملكية بوضوح.
- اجتماعياً، تؤدي الهيئة دوراً محورياً في تحقيق السلم الأهلي عبر إثبات الملكيات وإنهاء التعديات وفض النزاعات العقارية. وفي مجتمع تشكل فيه الأرض عنصراً جوهرياً في الهوية الثقافية والاجتماعية، يصبح توضيح الملكيات وإزالة الشيوع ضرورة مجتمعية ملحة، فإسرائيل تتفنن في الاستيلاء على الأراضي المختلف على ملكيتها.
لذلك يثير تنسيب الحكومة للرئيس بإغلاق الهيئة تساؤلات استراتيجية عميقة:
1. لماذا تتخلى الحكومة الفلسطينية عن أداة فعالة في معركة الأرض في ذروة الحملة الاستيطانية؟
2. ما هي البدائل المطروحة لمواجهة مخططات المصادرة المتسارعة؟
3. كيف يتماشى هذا القرار مع استراتيجية بناء مؤسسات الدولة المستقلة؟
4. ما هي المصالح التي يخدمها تفكيك مؤسسة أثبتت فعاليتها في حماية الأرض الفلسطينية؟
إن غياب المبررات الرسمية المقنعة يفتح الباب أمام فرضيات متعددة، أقلها إشكالية هو افتقار صناع القرار للرؤية الاستراتيجية في مواجهة التحديات الوجودية، وأكثرها إثارة للقلق هو احتمال وجود ضغوط خارجية لإضعاف الموقف القانوني الفلسطيني في قضايا الأرض.
وفي ظل الاعتراف الدولي المتزايد بانتهاك الاستيطان للقانون الدولي، كما توثقه تقارير المنظمات الحقوقية، يشكل وجود هيئة وطنية توثق الملكيات الفلسطينية رافعة قانونية هامة في المحافل الدولية. فالنضال القانوني يعزز الموقف الفلسطيني أمام محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية ومجلس الأمن، ويدعم الجهود الدبلوماسية لمساءلة إسرائيل عن انتهاكاتها.
لذلك، الخيار الأمثل في هذه المرحلة الحساسة هو تعزيز دور هيئة تسوية الأراضي والمياه، لا تفكيكها.
فمعركة الأرض هي جوهر الصراع مع الاختلال. والتخلي عن أدوات المقاومة القانونية والسلمية في هذه المعركة يعني الانسحاب من ساحة أساسية في الدفاع عن الحقوق الوطنية.
إن المراجعة النقدية لقرار تنسيب إغلاق هيئة تسوية الأراضي والمياه تشكل ضرورة وطنية ملحة لتصحيح المسار واستعادة البوصلة الاستراتيجية في مواجهة التحديات الوجودية للمشروع الوطني الفلسطيني.
الاستيطان يتوسع والوجود الفلسطيني برمته مهدداً، والحكومة الفلسطينية تُنسب للرئيس محمود عباس بإغلاق هيئة تسوية الأراضي والمياه.
وهو قرار يتناقض مع المنطق والعقل في هذه المرحلة الحساسة.
فالأراضي الفلسطينية تشهد حملة استيطانية غير مسبوقة، والحكومة توصي بالتخلي عن إحدى أهم أدواتها القانونية في مواجهة سياسات الضم والمصادرة.
وتكشف البيانات الرسمية حجم التهديد الوجودي الذي تواجهه الجغرافيا الفلسطينية. فخلال العام والنصف الماضيين، استولت سلطات الاحتلال على أكثر من 24 ألف دونم تحت ذريعة "أراضي الدولة"، في أكبر موجة مصادرة منذ ثلاثة عقود.
وأصبحت إسرائيل تسيطر على نحو 2382 كيلومتراً مربعاً، أي ما يمثل 42% من مساحة الضفة الغربية و70% من المناطق المصنفة "ج"، مع خضوع هذه الأراضي لإجراءات إسرائيلية ممنهجة تمهد لضمها رسمياً.
ويبين تقرير صادر عن الأمم المتحدة (مارس 2025)، أن إسرائيل بنت أكثر من 20,000 وحدة سكنية في القدس الشرقية و10,300 وحدة في باقي أنحاء الضفة خلال الفترة من نوفمبر 2023 إلى أكتوبر 2024. كما أنشأت 51 بؤرة استيطانية جديدة خلال العام الماضي وحده، منها 8 بؤر في مناطق "ب" التي تنص اتفاقية أوسلو على خضوعها للسيطرة المدنية الفلسطينية، وأصدر الاحتلال كذلك 13 أمراً عسكرياً لإنشاء مناطق عازلة حول المستوطنات في الضفة.
وفي ظل هذه التطورات، فإن دور هيئة تسوية الأراضي والمياه يتجاوز كونها مجرد مؤسسة حكومية لتمثل أداة وطنية استراتيجية متعددة الأبعاد لمواجهة الهجمة السابقة على الوجود الفلسطيني برمته:
- سياسياً، تشكل الهيئة خط الدفاع القانوني الأول ضد سياسات المصادرة، مستندة إلى الوثائق والخرائط والتسجيلات الرسمية.
وقد نجحت منذ تأسيسها عام 2016 في كشف محاولات تسريب أراضٍ للاحتلال، وأحبطت مساعي شركات استيطانية لضم أراضٍ فلسطينية من خلال مسح وتطويب مئات الآلاف من الدونمات.
- قانونياً، تمثل الهيئة ركيزة أساسية في توثيق الملكية الفلسطينية، حيث يكتسب التسجيل في دائرة الأراضي أهمية حاسمة، خاصة في المناطق المصنفة "ج". فالإدارة المدنية الإسرائيلية تعترف بـ«الكوشان» كوثيقة إثبات ملكية، ومع ندرة امتلاك الفلسطينيين «لكوشانات» عثمانية، تصبح عملية التسوية والتطويب الضمانة الأساسية لحماية الأرض من المصادرة.
- اقتصادياً، أسهمت الهيئة في تعزيز البيئة الاستثمارية من خلال توفير سندات ملكية واضحة تسهل الحصول على التراخيص والقروض وإقامة المشاريع. فالمستثمرون يترددون في توظيف أموالهم في مناطق غير محددة الملكية بوضوح.
- اجتماعياً، تؤدي الهيئة دوراً محورياً في تحقيق السلم الأهلي عبر إثبات الملكيات وإنهاء التعديات وفض النزاعات العقارية. وفي مجتمع تشكل فيه الأرض عنصراً جوهرياً في الهوية الثقافية والاجتماعية، يصبح توضيح الملكيات وإزالة الشيوع ضرورة مجتمعية ملحة، فإسرائيل تتفنن في الاستيلاء على الأراضي المختلف على ملكيتها.
لذلك يثير تنسيب الحكومة للرئيس بإغلاق الهيئة تساؤلات استراتيجية عميقة:
1. لماذا تتخلى الحكومة الفلسطينية عن أداة فعالة في معركة الأرض في ذروة الحملة الاستيطانية؟
2. ما هي البدائل المطروحة لمواجهة مخططات المصادرة المتسارعة؟
3. كيف يتماشى هذا القرار مع استراتيجية بناء مؤسسات الدولة المستقلة؟
4. ما هي المصالح التي يخدمها تفكيك مؤسسة أثبتت فعاليتها في حماية الأرض الفلسطينية؟
إن غياب المبررات الرسمية المقنعة يفتح الباب أمام فرضيات متعددة، أقلها إشكالية هو افتقار صناع القرار للرؤية الاستراتيجية في مواجهة التحديات الوجودية، وأكثرها إثارة للقلق هو احتمال وجود ضغوط خارجية لإضعاف الموقف القانوني الفلسطيني في قضايا الأرض.
وفي ظل الاعتراف الدولي المتزايد بانتهاك الاستيطان للقانون الدولي، كما توثقه تقارير المنظمات الحقوقية، يشكل وجود هيئة وطنية توثق الملكيات الفلسطينية رافعة قانونية هامة في المحافل الدولية. فالنضال القانوني يعزز الموقف الفلسطيني أمام محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية ومجلس الأمن، ويدعم الجهود الدبلوماسية لمساءلة إسرائيل عن انتهاكاتها.
لذلك، الخيار الأمثل في هذه المرحلة الحساسة هو تعزيز دور هيئة تسوية الأراضي والمياه، لا تفكيكها.
فمعركة الأرض هي جوهر الصراع مع الاختلال. والتخلي عن أدوات المقاومة القانونية والسلمية في هذه المعركة يعني الانسحاب من ساحة أساسية في الدفاع عن الحقوق الوطنية.
إن المراجعة النقدية لقرار تنسيب إغلاق هيئة تسوية الأراضي والمياه تشكل ضرورة وطنية ملحة لتصحيح المسار واستعادة البوصلة الاستراتيجية في مواجهة التحديات الوجودية للمشروع الوطني الفلسطيني.
التعليقات