في حسابات السياسة المتغطي بأمريكا عريان

في حسابات السياسة المتغطي بأمريكا عريان
بقلم/ حلمي أبو طه
في عالم السياسة، تتغير الحسابات بقدر تغير المصالح، لكن هناك قاعدة ثابتة: من يعتمد على الآخرين بلا ضمانات، يجد نفسه مكشوفًا عند أول اختبار حقيقي. هذا تمامًا ما يتجلى في المشهد الراهن بين حركة حماس والولايات المتحدة. حيث تتقاطع الأجندات السياسية مع المعادلات الإنسانية، بينما تبقى غزة ساحة للصراع بين الوعود والتهديدات. ففي خطوة تحمل أبعادًا سياسية واستراتيجية، كشفت مصادر في حركة حماس لقناة "الشرق" السعودية عن موافقتها على إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين الحاملين للجنسية الأميركية، ولكن بشرط واضح: الحصول على التزام بتنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. وهنا نتوقف قليلاً: حيث يتجلى أحد أكثر الدروس السياسية أهمية، وهو أن لا شيء بلا مقابل، حتى عندما يكون الملف إنسانيًا بامتياز. فهذه الموافقة تطرح تساؤلات محورية: هل يمكن لحماس أن تراهن على واشنطن كوسيط نزيه، ونحن من خبرنها عبر عقود ووجدنا أن ميزانها يميل دائمًا لصالح إسرائيل، حتى وهي في أقصى درجات التعنت؟ وهب أن أمريكا، وعلى غير عادتها، سارت في اتجاه إقناع إسرائيل بقبول شرط حماس، وهو بالمناسبة حق مشروع نصت عليه الاتفاقية التي وُقِّعت بالفعل وتم تنفيذ مرحلتها الأولى، فهل هناك ضمانات حقيقية بأن إسرائيل ستلتزم بشروط المرحلة الثانية؟ أم أن المشهد سيتكرر وفق السيناريو المعتاد، حيث تُلقى الوعود على الطاولة بينما تُحاك في الخفاء خيوط المماطلة والتهرب، لتجد حماس نفسها أمام واقع جديد تُفرض فيه اشتراطات إضافية تُفرغ الاتفاق من مضمونه، أو يتم الالتفاف عليه بذريعة "الظروف الأمنية المستجدة" التي تجيد إسرائيل توظيفها كلما اقتربت من تنفيذ التزاماتها؟ وهنا يدفع المواطن الغزي الثمن كالمعتاد ويجد نفسه في النهاية واقع بين فكي الشيطان، بين مناورة أمريكية قد تذوب مع تبدل المصالح، وتعنت إسرائيلي لا يعرف إلا منطق المماطلة ونكث العهود؟ الأجوبة على هذه الأسئلة ليست في العلن، بل في كواليس السياسة حيث يتم نسج الاتفاقات أو إفشالها، وبين وعود يتم تسويقها وتكتيكات تُبنى على حساب الدم الفلسطيني.
وفي ظل تصاعد الحديث عن المفاوضات، جاء تصريح دونالد ترامب ليعكس بوضوح منهجيته في التعامل مع الملفات الشائكة، حيث خاطب حماس وأهل غزة بلهجة لا تخلو من التهديد والوعيد، قائلاً: "يمكنكم الاختيار. أطلقوا سراح جميع الرهائن الآن، وليس لاحقًا، وأعيدوا فورًا جميع جثث الأشخاص الذين قتلتموهم، وإلا فسينتهي أمركم". ولم يكتفِ ترامب بالضغط الدبلوماسي، بل صعّد لهجته مستخدمًا عبارات قاسية، واصفًا حماس بأنها تنظيم "مريض ومنحرف" بسبب احتجاز الجثث، قبل أن يعلن موقفًا استراتيجيًا أكثر وضوحًا بقوله: "سأرسل لإسرائيل كل ما تحتاجه لإنهاء المهمة، ولن يكون هناك أي عنصر من حماس في أمان إذا لم تفعلوا ما أقول". هذا التصريح ليس مجرد رسالة لحماس، بل هو إعلان سياسي مدروس يحمل إشارات متعددة: فهو أولًا محاولة لتقديم أوراق اعتماد للناخب الأميركي المحافظ والداعم المطلق لإسرائيل، وثانيًا رسالة ردع لحماس بأن الولايات المتحدة لن تتسامح مع أي مماطلة في ملف الرهائن، وأخيرًا تأكيد على أن الدعم الأميركي لإسرائيل غير مشروط، بغض النظر عن أي اتفاقات دبلوماسية قد تُطرح. وبينما تتحرك الأطراف المختلفة وفق مصالحها وتوازناتها، يبقى السؤال الأهم: هل تدرك حماس والكل الفلسطيني أن رهانهم على الوسطاء قد يكون مجرد وهم آخر في لعبة السياسة الدولية، حيث الأقوى هو من يفرض قواعد اللعبة، بينما تظل غزة تدفع الثمن الأكبر؟
وفي هذا السياق لا يمكن إنكار حق حماس في استكشاف قنوات التفاوض مع الولايات المتحدة، خاصة في إطار تأمين مصالحها، لكن الاعتماد على الآخرين دون ضمانات يبقى رهانا محفوفًا بالمخاطر. والأكيد هنا أن حماس تدرك أن كل خطوة في هذا الملف لها ثمن سياسي واستراتيجي، سواء عبر الالتزام بشروط التفاوض أو المخاطرة بالمواجهة، لكنها أيضًا تعلم أن الوعود الدولية كثيرًا ما تكون مجرد حبر على ورق، سرعان ما تُمحى تحت وطأة المصالح المتغيرة. وبينما تمارس واشنطن ضغوطها وفق أجندتها، وتتحرك إسرائيل وفق حساباتها، يظل الفلسطينيون وحدهم في قلب العاصفة، يدفعون الثمن. فكما يقال "المتغطي بأمريكا عريان"، والتاريخ لم يكن يومًا إلا شاهدًا على أن من يعتمد كليًا على واشنطن دون حسابات دقيقة، غالبًا ما يجد نفسه في العراء، بلا غطاء، عندما تتغير الرياح وتنقلب الموازين.
بقلم/ حلمي أبو طه
في عالم السياسة، تتغير الحسابات بقدر تغير المصالح، لكن هناك قاعدة ثابتة: من يعتمد على الآخرين بلا ضمانات، يجد نفسه مكشوفًا عند أول اختبار حقيقي. هذا تمامًا ما يتجلى في المشهد الراهن بين حركة حماس والولايات المتحدة. حيث تتقاطع الأجندات السياسية مع المعادلات الإنسانية، بينما تبقى غزة ساحة للصراع بين الوعود والتهديدات. ففي خطوة تحمل أبعادًا سياسية واستراتيجية، كشفت مصادر في حركة حماس لقناة "الشرق" السعودية عن موافقتها على إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين الحاملين للجنسية الأميركية، ولكن بشرط واضح: الحصول على التزام بتنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. وهنا نتوقف قليلاً: حيث يتجلى أحد أكثر الدروس السياسية أهمية، وهو أن لا شيء بلا مقابل، حتى عندما يكون الملف إنسانيًا بامتياز. فهذه الموافقة تطرح تساؤلات محورية: هل يمكن لحماس أن تراهن على واشنطن كوسيط نزيه، ونحن من خبرنها عبر عقود ووجدنا أن ميزانها يميل دائمًا لصالح إسرائيل، حتى وهي في أقصى درجات التعنت؟ وهب أن أمريكا، وعلى غير عادتها، سارت في اتجاه إقناع إسرائيل بقبول شرط حماس، وهو بالمناسبة حق مشروع نصت عليه الاتفاقية التي وُقِّعت بالفعل وتم تنفيذ مرحلتها الأولى، فهل هناك ضمانات حقيقية بأن إسرائيل ستلتزم بشروط المرحلة الثانية؟ أم أن المشهد سيتكرر وفق السيناريو المعتاد، حيث تُلقى الوعود على الطاولة بينما تُحاك في الخفاء خيوط المماطلة والتهرب، لتجد حماس نفسها أمام واقع جديد تُفرض فيه اشتراطات إضافية تُفرغ الاتفاق من مضمونه، أو يتم الالتفاف عليه بذريعة "الظروف الأمنية المستجدة" التي تجيد إسرائيل توظيفها كلما اقتربت من تنفيذ التزاماتها؟ وهنا يدفع المواطن الغزي الثمن كالمعتاد ويجد نفسه في النهاية واقع بين فكي الشيطان، بين مناورة أمريكية قد تذوب مع تبدل المصالح، وتعنت إسرائيلي لا يعرف إلا منطق المماطلة ونكث العهود؟ الأجوبة على هذه الأسئلة ليست في العلن، بل في كواليس السياسة حيث يتم نسج الاتفاقات أو إفشالها، وبين وعود يتم تسويقها وتكتيكات تُبنى على حساب الدم الفلسطيني.
وفي ظل تصاعد الحديث عن المفاوضات، جاء تصريح دونالد ترامب ليعكس بوضوح منهجيته في التعامل مع الملفات الشائكة، حيث خاطب حماس وأهل غزة بلهجة لا تخلو من التهديد والوعيد، قائلاً: "يمكنكم الاختيار. أطلقوا سراح جميع الرهائن الآن، وليس لاحقًا، وأعيدوا فورًا جميع جثث الأشخاص الذين قتلتموهم، وإلا فسينتهي أمركم". ولم يكتفِ ترامب بالضغط الدبلوماسي، بل صعّد لهجته مستخدمًا عبارات قاسية، واصفًا حماس بأنها تنظيم "مريض ومنحرف" بسبب احتجاز الجثث، قبل أن يعلن موقفًا استراتيجيًا أكثر وضوحًا بقوله: "سأرسل لإسرائيل كل ما تحتاجه لإنهاء المهمة، ولن يكون هناك أي عنصر من حماس في أمان إذا لم تفعلوا ما أقول". هذا التصريح ليس مجرد رسالة لحماس، بل هو إعلان سياسي مدروس يحمل إشارات متعددة: فهو أولًا محاولة لتقديم أوراق اعتماد للناخب الأميركي المحافظ والداعم المطلق لإسرائيل، وثانيًا رسالة ردع لحماس بأن الولايات المتحدة لن تتسامح مع أي مماطلة في ملف الرهائن، وأخيرًا تأكيد على أن الدعم الأميركي لإسرائيل غير مشروط، بغض النظر عن أي اتفاقات دبلوماسية قد تُطرح. وبينما تتحرك الأطراف المختلفة وفق مصالحها وتوازناتها، يبقى السؤال الأهم: هل تدرك حماس والكل الفلسطيني أن رهانهم على الوسطاء قد يكون مجرد وهم آخر في لعبة السياسة الدولية، حيث الأقوى هو من يفرض قواعد اللعبة، بينما تظل غزة تدفع الثمن الأكبر؟
وفي هذا السياق لا يمكن إنكار حق حماس في استكشاف قنوات التفاوض مع الولايات المتحدة، خاصة في إطار تأمين مصالحها، لكن الاعتماد على الآخرين دون ضمانات يبقى رهانا محفوفًا بالمخاطر. والأكيد هنا أن حماس تدرك أن كل خطوة في هذا الملف لها ثمن سياسي واستراتيجي، سواء عبر الالتزام بشروط التفاوض أو المخاطرة بالمواجهة، لكنها أيضًا تعلم أن الوعود الدولية كثيرًا ما تكون مجرد حبر على ورق، سرعان ما تُمحى تحت وطأة المصالح المتغيرة. وبينما تمارس واشنطن ضغوطها وفق أجندتها، وتتحرك إسرائيل وفق حساباتها، يظل الفلسطينيون وحدهم في قلب العاصفة، يدفعون الثمن. فكما يقال "المتغطي بأمريكا عريان"، والتاريخ لم يكن يومًا إلا شاهدًا على أن من يعتمد كليًا على واشنطن دون حسابات دقيقة، غالبًا ما يجد نفسه في العراء، بلا غطاء، عندما تتغير الرياح وتنقلب الموازين.
التعليقات