منظمة التحرير الفلسطينية وتحديات المرحلة

منظمة التحرير الفلسطينية وتحديات المرحلة
منظمة التحرير الفلسطينية وتحديات المرحلة

 بقلم: حلمي أبو طه

بين التأييد والرفض، انطلقت جلسات المؤتمر الوطني الفلسطيني المحدود في دوحة قطر، التي تحولت إلى محطة يجتمع فيها الباحثون عن بصيص أمل أو منفذ سياسي في ظل التعقيدات الإقليمية والدولية. ومع ذلك، فإن التقييم العميق لهذا الاجتماع يكشف محدودية تأثيره في إحداث تغيير جوهري، خاصة في ظل التحولات الكبرى التي تعصف بالمنطقة والعالم، حيث أصبحت المعادلات السياسية تُحسم وفقاً للمصالح المادية البحتة، بينما تُهمّش القيم والمبادئ التي كانت تؤطر وتؤصل التوجهات السياسية العالمية. فأصبح المشهد السياسي العالمي محكوماً بمنطق القوة العسكرية والسياسية، فيما تتراجع إرادة الشعوب أمام مصالح القوى الكبرى. لقد بات الصوت الأقوى هو صوت القوة، بينما تُغيّب قرارات الشعوب التي تعكس طموحاتها. هذا الواقع المقلوب يجسد تحذيراً نبوياً دقيقاً، حيث قال رسول الله ﷺ: "سيأتي على الناس سنوات خداعات، يُصَدَّقُ فيها الكاذب، ويُكَذَّبُ فيها الصادق، ويُؤتَمَنُ فيها الخائن، ويُخَوَّنُ فيها الأمين، ويُطْلَبُ فيها الدَّنِيَّةُ من أهل الحق" (رواه البخاري). واليوم، نجد هذه الحقيقة تتجسد في سياسات عالمية تتحكم بها قوى الشر التي تسعى إلى فرض رؤى تتجاهل حقوق الشعوب، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

إن انعقاد المؤتمر الوطني الفلسطيني في ظل غياب حركة فتح، والتي أعلنت اللجنة المركزية لها رفضها المشاركة في المؤتمر، معتبرةً أن هذه الدعوات تهدف إلى المس بوحدانية تمثيل المنظمة. وأكدت اللجنة في بيان لها، أن الحركة ومعها الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية سيتصدون بحزم لهذه المحاولات المشبوهة. ومن المؤكد أن هذا الغياب يمثل تحدياً كبيراً لمستقبل المشروع الوطني الفلسطيني. فهذا الغياب لا يضعف فقط مخرجات المؤتمر، بل يجعله غير قادر على تحقيق وحدة فلسطينية حقيقية. وفي تقديري أنه يفتح المجال لتدخلات خارجية ومحاولات فرض بدائل لا تعكس إرادة الشعب الفلسطيني، بل قد تخدم أجندات تتناقض مع مصالحه الوطنية.

في المقابل، يرى المؤيدون لانعقاد المؤتمر أنه يمثل محاولة ضرورية لإصلاح الوضع الفلسطيني وإعادة ترتيب البيت الداخلي. فهم يعتبرون أن منظمة التحرير الفلسطينية تحتاج إلى إعادة بناء على أسس جديدة من الكفاءة والاستقلالية، بعيداً عن الجمود السياسي والمجاملات التي أضرت بالقضية الفلسطينية على مدار العقود الماضية. ويرون أن أي جهد يسعى إلى تحريك المياه الراكدة، حتى وإن لم يكن مكتملاً، قد يفتح المجال أمام إصلاحات أوسع في المستقبل.

إن إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل دورها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني لم يعد خياراً، بل ضرورة تحتمها التحديات الراهنة. لقد أضعفت العقود الماضية المنظمة بسبب اعتمادها على شخصيات تمثل مصالح ضيقة أو أجندات خارجية، ما أفقدها القدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية حقيقية. لذا إعادة بناء المؤسسات الفلسطينية يجب أن تستند إلى الشفافية، والكفاءة، مع تفعيل آليات لمواكبة المتغيرات الإقليمية والدولية، دون التفريط في الثوابت الوطنية. فالتحديات التي تواجه القضية الفلسطينية اليوم تتطلب موقفاً وطنياً موحداً يقوم على رؤية استراتيجية واضحة، بدلاً من الدخول في صراعات جانبية تُضعف الجبهة الداخلية. والقوة الحقيقية في السياسة تكمن في القدرة على قراءة المتغيرات بذكاء، وبناء تحالفات استراتيجية تخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية. فالقضية الفلسطينية ليست مجرد ملف سياسي عالق، بل هي قضية إنسانية عالمية تتطلب وحدة داخلية وإرادة حقيقية لمواجهة الضغوط الخارجية.

رغم انقسام القيادة الفلسطينية، يمكن أن يكون هذا المؤتمر اختبارًا للنوايا، ولحظة تاريخية وبداية لمرحلة جديدة من الكفاح الفلسطيني، إذا قررت قياداته المجتمعة اتخاذ موقف تاريخي في احداث تغييرًا حقيقيًا، ينسجم بالمرونة ويتجاوز الحسابات الحزبية واتخاذ قرارات شجاعة وملزمة، ترسم طريقًا نحو إنهاء الانقسام ومنح الفرصة لقيادة منظمة التحرير الحالية بقيادة المرحلة الحالية ولليوم التالي لانهاء الحرب، وقبول كافة الحركات والأحزاب بالاندماج في هياكل المنظمة وفق رؤية متفق عليها. والذهاب إلى مصالحة وطنية موحدة تحت القيادة الشرعية لفلسطين ولترسم مستقبل يحقق الفلسطينيون تطلعاتهم بها بعيداً عن الإملاءات الخارجية. ولتفويت الفرصة على المتربصين بمستقبل فلسطين وتثبيتهم على ارضها ولتظل إرادة الشعب الفلسطيني، كما كانت دوماً، عصية على الانكسار، في طريقها نحو التحرر والاستقلال.

التعليقات