جنين: بين المقاومة والشرعية الوطنية – ضرورة الوحدة والتوافق الوطني

جنين: بين المقاومة والشرعية الوطنية – ضرورة الوحدة والتوافق الوطني
جنين: بين المقاومة والشرعية الوطنية – ضرورة الوحدة والتوافق الوطني

بقلم: جواد العقَّاد 

كاتب ورئيس تحرير صحيفة اليمامة الجديدة 

ما شهدته جنين في الأيام الأخيرة هو محكّ حقيقي لمسارنا الوطني، إذ يتجدد الحديث عن مشروع المقاومة ومشروع السلطة، وكأن الفجوة بينهما تتسع بشكل غير مبرر، رغم أن كلا المشروعين ينبعان من الجذور الوطنية ذاتها.

في مرحلة كهذه، إذ يواجه شعبنا احتلالاً شرساً يحاول في كل لحظة طمس هويتنا وتشتيت قوتنا، علينا أن ندرك أن الوحدة تبدأ من الاتفاق على برنامج سياسي جامع، يتجاوز الاختلافات ويضع أمامنا هدفًا واحدًا: مقاومة الاحتلال، بناء الدولة الفلسطينية، وضمان حقوق شعبنا في كل أماكن وجوده؛ لذلك يجب أن نتوقف عن محاولات تقسيم الجهد الوطني إلى مشاريع متنافرة، ونفهم أن رجال السلطة والأجهزة الأمنية ليسوا خصومًا للمقاومة، بل هم جزء من نفس المعركة. كثير منهم، كما تعلمون، هم أسرى سابقون، وفدائيون قدامى قدموا أغلى ما يملكون في سبيل القضية الفلسطينية. فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتجاهل هذا التاريخ النضالي، ويجب ألا نسمح لأي طرف بأن يمارس سياسة التهميش أو المزايدة على الآخر، إذ إن التفريق بين مشروع المقاومة ومشروع الدولة هو في النهاية تفريق يعزز الانقسام ويزيد من ضعفنا أمام توحش الاحتلال.

إن ما نحتاج إليه اليوم، وبعد الأحداث الأخيرة في جنين، هو إعادة النظر في أولوياتنا الوطنية. قبل أن نعيد تقييم مواقفنا السياسية، وقبل أن نبحث في سبل تعزيز وسائل المواجهة مع المحتل، يجب أن نتفق على برنامج سياسي كفاحي، يضع الوحدة في قلبه، ويؤكد أن الجميع في نفس القارب: فالمقاومة ليست سلاحًا في يد فصيل دون آخر، ولا هي سياسة تستفيد منها فئة دون سواها، بل هي مشروع وطني جامع، يجب أن يكون كل فلسطيني جزءًا منه، بغض النظر عن انتمائه السياسي أو التنظيمي، بشرط عدم الارتهان لأي أطراف خارجية كما كانت ثورتنا الفلسطينية دائماً. 

إن جنين، بما تمثل من صمود ومعاناة، هي رسالة واضحة لنا جميعاً، وهي دعوة للاتفاق على وحدة المشروع الوطني، ووحدة الدم والمصير. فلا نريد أن نرى مزيداً من التشرذم بين أبناء شعبنا. إن قوة فلسطين تكمن في تنوعها ووحدتها، وفي قدرتنا على تجاوز الخلافات لمصلحة قضيتنا الكبرى. فالمسألة اليوم ليست مسألة سلطة أو فصائلية ضيقة، بل مسألة بقاء ووجود. ومن هنا، لا بد من خطوة عملية نحو توحيد الصفوف، نحو إصلاح سياسي شامل، نحو انتخابات تفرز قيادة قادرة على حمل هموم الشعب الفلسطيني، وتحقيق آماله.

نحن في مرحلة صعبة للغاية، لكن هذه الصعوبة يجب أن تكون حافزًا لنا للوحدة لا للانقسام، فالوحدة الوطنية هي السلاح الذي لا غنى لنا عنه في مواجهة الاحتلال، وفي مواجهة المزايدات السياسية التي تهدف إلى تفريقنا وتحقيق هدف الاحتلال في إلغاء وجودنا، وللأسف الشديد نرى بعض وسائل الإعلام والناشطين عبر التواصل يحرضون ضد السلطة وأجهزتها الأمنية بحقدٍ شديد، والأغلب منهم يمارس ذلك عن عمد وخبث وهو يعرف إلى أين يمكن أن تذهب الأمور في حال الفوضى، والقليل يفعل ذلك مدفوعاً بعاطفة المقاومة. بالعموم يجب أن نتعامل بمسؤولية مع الخطاب الإعلامي والثقافي الذي من شأنه ترسيخ مفاهيم الانقسام وإضاعة البوصلة لتصبح الاتجاهات أكثر التباساً. 

جواد العقَّاد - غزة فلسطين



التعليقات