جواد العقاد يكتب: يجوع الحر ولا يأكل بقلمه

جواد العقاد يكتب: يجوع الحر ولا يأكل بقلمه
جواد العقَّاد يكتب: يجوع الحر ولا يأكل بقلمه

وسط الضجيج المتصاعد، والادعاءات التي تنهال من كل صوب، نجد أنفسنا في مواجهة مع المثقفين الذين باتوا يبيعون ضمائرهم وقضاياهم، إذ يتحوّل القلم الذي كان يوماً ما سلاحاً في وجه الظلم والاستعمار إلى أداة تبرير للانحراف والخيانة. لكن يا أيها المثقف الحر، اعلم أن الصمت عار، وأن الحياد في زمن المذابح خيانة، لأنك إن تخليت عن الحق، فقد تخليت عن إنسانيتك، وتلك أولى خطوات السقوط.

اليوم، تحاول بعض وسائل الإعلام العربية وأتباعها من كتّاب ومحللين، بطرق شيطانية، سواء بوضوح أو خفية، تشويه رموزنا الوطنية والقومية، سواء كانوا عرباً أو فلسطينيين. هذه الرموز التي قاتلت ووقفت صامدة في وجه الاستعمار والظلم، يحاولون الآن تحطيمها من خلال زرع الشك في قلوبنا، بإضعاف ثقتنا في تاريخنا المجيد، في صمود الأجيال التي سبقتنا. يريدون لنا أن نفقد البوصلة، أن نصبح تابعين بلا رؤية ولا هوية، حتى يسهل عليهم التلاعب بنا.

لكن، هل يمكن لأدوار المرتزقة أن تبهرنا؟ هل يمكن لأولئك الذين يبيعون أنفسهم للمؤسسات الإعلامية الصفراء أن يكونوا مرجعاً لنا؟ بالطبع لا! المثقف الحق هو من يقبض على جمر الحقيقة، لا من ينحني في بلاط السلاطين أو يرمي نفسه في أحضان المستعمر. هؤلاء الذين باعوا أقلامهم، هم في حقيقة الأمر خانوا الإنسان، خانوا القلم الذي هو رمز للفكر الحر، وخانوا تلك النضالات التي كُتبت بدماء الأحرار.

الكتابة، وإن كانت في زمن الدماء واجب إنساني وأخلاقي، قد تبدو عاجزة. فهي لن تعيد الأطفال الشهداء إلى أحضان أمهاتهم، ولن توقف الحرب. الكلمة لا تقتل الظالم ولا تحرر الأسير، لكنها تفضح الجريمة. وبهذا المعنى أعترف أن المثقفين والكتّاب، في عالمنا العربي، فشلوا في تحرير الإنسان. لم يعد المثقف صوتاً نقياً نابعاً من ضمير الأمة، بل تحول في كثير من الأحيان إلى جزء من المشكلة، جزء من النظام الذي يدمر كل ما هو إنساني.

الإعلام العربي، كما الثقافة العربية بعامة، فقد بوصلته، لأنه لم يعد يمتلك رؤية حرة تنبع من ضمير الشعب ووجعه، ولم يعد يستجيب لنداء الضمير الإنساني أو لتاريخنا القومي المشترك. كيف يمكن لإعلام كهذا أن يعبّر عن آلام الناس؟ كيف يمكن له أن يحافظ على رموزنا ويذود عن حقوقنا وهو نفسه مشارك في عملية التدمير هذه؟

أيها المثقف العربي: الحر يجوع ولا يأكل بقلمه ولا ينحني.

التعليقات