إسرائيل ومعضلة الإعادتين
دولة إسرائيل ومعضلة الإعادتين: إعادة الأسرى من غزة وإعادة سكان الشمال
بقلم: (هاني رمضان طالب)
باحث دكتوراه في العلاقات الدولية بجامعة الجزائر ٣
لم تستوعب دولة اسرائيل وجيشها ما يجرى صباح يوم السابع من أكتوبر الا بعد عدة ساعات، وهو ما وفر الفرصة لمقاتلي حركة حماس لزيادة أعداد القتلى والجرحى في صفوف مستوطني منطقة ما يعرف بغلاف غزة، وأسر أكثر من ١٢٥ حسب بعض وسائل الإعلام. لكن، وبعد ذلك، أعلنت حكومة الاحتلال الحرب على قطاع غزة كرد انتقامي عما حدث، ولتحقيق عدة أهداف مركزية، كان من أبرزها إعادة الأسرى أو المخطوفين الاسرائيليين، إلى جانب هدفي القضاء على قدرات حماس العسكرية والسلطوية، وضمان الا يشكل قطاع غزة في المستقبل اي خطر على اسرائيل.
الا انه، وبعد اكثر من ١١ شهر على اندلاع حرب الابادة الجماعية ضد قطاع غزة لم يتمكن جيش الاحتلال الاسرائيلي من تحقيق هدفه المتعلق بإعادة الأسرى والرهائن الاسرائيليين الذين تم اسرهم واحتجازهم داخل غزة عقب إطلاق عملية طوفان الاقصى. وذلك بالرغم من تدمير شبه كامل للمباني والمستشفيات والجامعات وحتى الشوارع بما يقدر بنحو ٧٥% حسب بعض الجهات الاممية.
وها هي حكومة الحرب في اسرائيل تضيف هدفا جديدا مرتبطا ب( اعادة) أخرى، وهي اعادة المواطنين سكان الشمال إلى منازلهم، لذا اتخذت قرارا بتحويل ثقل العمل الحربي من جبهة الجنوب (غزة) نحو جبهة الشمال (جنوب لبنان)، وتحشد المزيد من قواتها العسكرية مع تكثيف عملياتها الهجومية داخل الأراضي والعمق اللبناني.
وفي السياق، تشهد جبهة الشمال تصاعدا ملحوظا في الهجمات والهجمات المضادة في الاونة الاخيرة، بشكل غير مسبوق منذ اندلاع الحرب، حيث نفذت اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية بعض العمليات النوعية ضد مقاتلي وقادة حزب الله، مثل عملية تفجير اجهزة الاتصال اللاسلكي الخاص بالحزب، حيث أوقع هذا الهجوم وحده حسب بعض المصادر عدة آلاف من المصابين وعشرات الشهداء. ثم اقدمت طائرات الاحتلال على قصف مبنى في الضاحية الجنوبية في بيروت لتغتال الرجل الثاني في الحزب "إبراهيم عقل" إلى جانب ١٥ من قادة الوحدة الخاصة للحزب وحدة الرضوان. بالمقابل تشهد جبهة الشمال توسيع الاستهدافات من جانب حزب الله للمواقع والمناطق الإسرائيلية، حيث وصلت تلك الاستهدافات حتى لحظة كتابة هذه السطور إلى مشارف مدينة حيفا. كما كثف سلاح الجو الاسرائيلي من ضرباته واستهدافاته لمختلف المناطق في الجنوب اللبناني مما أسفر خلال ٢٤ ساعة عن استشهاد نحو ٢٧٤ لبناني حسب بيان وزارة الصحة في بيروت.
يظهر بأن تسارع الأحداث في الأيام والساعات الأخيرة قد يدفع باتجاه المزيد من التصعيد، أو حتى المواجهة المفتوحة والشاملة التي لا ترغب فيها كافة الأطراف، لكن يبدو أن دولة الاحتلال مدفوعة برغبة كبيرة لمواجهة الوقائع التي افرزتها عملية طوفان الاقصى ومحاولة الغائها، وهي تلك المتمثلة بسعي ما يعرف بمحور المقاومة بزعامة إيران إلى ترسيخ معادلة (وحدة الساحات)، والتي تعني باختصار ان اندلاع اي مواجهة عسكرية في احد ساحات المقاومة مع اسرائيل يستدعي مساندة الساحات الأخرى بالاشتباك مع الجيش الاسرائيلي، في حالة من الترابط والوحدة بين مكونات هذا المحور، وهو ما حدث مع جبهات جنوب لبنان والعراق واليمن ضمن مساندتها لساحة غزة خلال أكثر من ١١ شهرا بمستويات مختلفة. من جانبها ترفض دولة اسرائيل التعاطي باي شكل مع هذا الواقع الجديد، لذا عمد جيش الاحتلال طوال مدة حرب الابادة الجماعية في غزة الى ممارسة نوع من الاشتباكات المنضبطة والمحسوبة ضمن قواعد اشتباك معينة مع قوات حزب الله على الجبهة الشمالية، وذلك من أجل التفرغ لجبهة غزة اولا ، ثم التأكيد من طرفها على الفصل بين الجهتين بشكل أساسي.
ختاما: يبدو أن دولة اسرائيل تحاول جاهدة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ورفض كل ما افرزته عملية طوفان الاقصى، عبر اصرارها على استكمال نهج (الاعادة) الذي بداته في حرب الابادة على قطاع غزة، ولم ينجح في تحقيق الهدف – حتى اللحظة على الأقل – في تحرير الاسرى، ثم عادت إلى ذات النهج باعلانها هدف العمليات الحربية الجارية حاليا في جنوب لبنان، وهو (اعادة) سكان الشمال إلى منازلهم، واجبار قوات حزب الله على التراجع إلى شمال نهر الليطاني. لكن وفي هذا السياق يطرح التساؤل حول إمكانية نجاح اسرائيل هذه المرة في تحقيق الهدف، ام انها ستمضي إلى مزيد من إنكار الوقائع والمكابرة -ان صح التعبير – وتعقيد مهمة جيشها أكثر، بالاصرار على اتباع ذات نهج الاعادة؟ هذا ما سيتضح في قادم الأيام.
بقلم: (هاني رمضان طالب)
باحث دكتوراه في العلاقات الدولية بجامعة الجزائر ٣
لم تستوعب دولة اسرائيل وجيشها ما يجرى صباح يوم السابع من أكتوبر الا بعد عدة ساعات، وهو ما وفر الفرصة لمقاتلي حركة حماس لزيادة أعداد القتلى والجرحى في صفوف مستوطني منطقة ما يعرف بغلاف غزة، وأسر أكثر من ١٢٥ حسب بعض وسائل الإعلام. لكن، وبعد ذلك، أعلنت حكومة الاحتلال الحرب على قطاع غزة كرد انتقامي عما حدث، ولتحقيق عدة أهداف مركزية، كان من أبرزها إعادة الأسرى أو المخطوفين الاسرائيليين، إلى جانب هدفي القضاء على قدرات حماس العسكرية والسلطوية، وضمان الا يشكل قطاع غزة في المستقبل اي خطر على اسرائيل.
الا انه، وبعد اكثر من ١١ شهر على اندلاع حرب الابادة الجماعية ضد قطاع غزة لم يتمكن جيش الاحتلال الاسرائيلي من تحقيق هدفه المتعلق بإعادة الأسرى والرهائن الاسرائيليين الذين تم اسرهم واحتجازهم داخل غزة عقب إطلاق عملية طوفان الاقصى. وذلك بالرغم من تدمير شبه كامل للمباني والمستشفيات والجامعات وحتى الشوارع بما يقدر بنحو ٧٥% حسب بعض الجهات الاممية.
وها هي حكومة الحرب في اسرائيل تضيف هدفا جديدا مرتبطا ب( اعادة) أخرى، وهي اعادة المواطنين سكان الشمال إلى منازلهم، لذا اتخذت قرارا بتحويل ثقل العمل الحربي من جبهة الجنوب (غزة) نحو جبهة الشمال (جنوب لبنان)، وتحشد المزيد من قواتها العسكرية مع تكثيف عملياتها الهجومية داخل الأراضي والعمق اللبناني.
وفي السياق، تشهد جبهة الشمال تصاعدا ملحوظا في الهجمات والهجمات المضادة في الاونة الاخيرة، بشكل غير مسبوق منذ اندلاع الحرب، حيث نفذت اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية بعض العمليات النوعية ضد مقاتلي وقادة حزب الله، مثل عملية تفجير اجهزة الاتصال اللاسلكي الخاص بالحزب، حيث أوقع هذا الهجوم وحده حسب بعض المصادر عدة آلاف من المصابين وعشرات الشهداء. ثم اقدمت طائرات الاحتلال على قصف مبنى في الضاحية الجنوبية في بيروت لتغتال الرجل الثاني في الحزب "إبراهيم عقل" إلى جانب ١٥ من قادة الوحدة الخاصة للحزب وحدة الرضوان. بالمقابل تشهد جبهة الشمال توسيع الاستهدافات من جانب حزب الله للمواقع والمناطق الإسرائيلية، حيث وصلت تلك الاستهدافات حتى لحظة كتابة هذه السطور إلى مشارف مدينة حيفا. كما كثف سلاح الجو الاسرائيلي من ضرباته واستهدافاته لمختلف المناطق في الجنوب اللبناني مما أسفر خلال ٢٤ ساعة عن استشهاد نحو ٢٧٤ لبناني حسب بيان وزارة الصحة في بيروت.
يظهر بأن تسارع الأحداث في الأيام والساعات الأخيرة قد يدفع باتجاه المزيد من التصعيد، أو حتى المواجهة المفتوحة والشاملة التي لا ترغب فيها كافة الأطراف، لكن يبدو أن دولة الاحتلال مدفوعة برغبة كبيرة لمواجهة الوقائع التي افرزتها عملية طوفان الاقصى ومحاولة الغائها، وهي تلك المتمثلة بسعي ما يعرف بمحور المقاومة بزعامة إيران إلى ترسيخ معادلة (وحدة الساحات)، والتي تعني باختصار ان اندلاع اي مواجهة عسكرية في احد ساحات المقاومة مع اسرائيل يستدعي مساندة الساحات الأخرى بالاشتباك مع الجيش الاسرائيلي، في حالة من الترابط والوحدة بين مكونات هذا المحور، وهو ما حدث مع جبهات جنوب لبنان والعراق واليمن ضمن مساندتها لساحة غزة خلال أكثر من ١١ شهرا بمستويات مختلفة. من جانبها ترفض دولة اسرائيل التعاطي باي شكل مع هذا الواقع الجديد، لذا عمد جيش الاحتلال طوال مدة حرب الابادة الجماعية في غزة الى ممارسة نوع من الاشتباكات المنضبطة والمحسوبة ضمن قواعد اشتباك معينة مع قوات حزب الله على الجبهة الشمالية، وذلك من أجل التفرغ لجبهة غزة اولا ، ثم التأكيد من طرفها على الفصل بين الجهتين بشكل أساسي.
ختاما: يبدو أن دولة اسرائيل تحاول جاهدة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ورفض كل ما افرزته عملية طوفان الاقصى، عبر اصرارها على استكمال نهج (الاعادة) الذي بداته في حرب الابادة على قطاع غزة، ولم ينجح في تحقيق الهدف – حتى اللحظة على الأقل – في تحرير الاسرى، ثم عادت إلى ذات النهج باعلانها هدف العمليات الحربية الجارية حاليا في جنوب لبنان، وهو (اعادة) سكان الشمال إلى منازلهم، واجبار قوات حزب الله على التراجع إلى شمال نهر الليطاني. لكن وفي هذا السياق يطرح التساؤل حول إمكانية نجاح اسرائيل هذه المرة في تحقيق الهدف، ام انها ستمضي إلى مزيد من إنكار الوقائع والمكابرة -ان صح التعبير – وتعقيد مهمة جيشها أكثر، بالاصرار على اتباع ذات نهج الاعادة؟ هذا ما سيتضح في قادم الأيام.
التعليقات