الذكرى الـ"56" لـ"نكسة حزيران " والمعروفة بحرب الـ1967
رام الله - دنيا الوطن
يصادف اليوم، الذكرى ال56 لذكرى حرب 1967م، المعروفة بـ(نكسة حزيران)، أو (حرب الأيام الستة)، هي صدامات عسكرية وقعت بين إسرائيل وكل من: مصر، وسوريا، والأردن. وبمساعدة لوجستية من: لبنان، والعراق، والجزائر، والسعودية، والكويت؛ في الفترة الواقعة بين الخامس من حزيران والعاشر منه عام 1967م؛ ونتج عنها احتلال إسرائيل شبه جزيرة سيناء، وقطاع غزة، والضفة الغربية، وهضبة الجولان.
وهذه الحرب ثالث حرب ضمن الصراع العربي الإسرائيلي. وقد أسفرت عن مقتل 15,000 - 25,000 عربي مقابل 800 إسرائيلي؛ وتدمير 70 - 80% من العتاد الحربي في الدول العربية.كما نتج عن هذه الحرب صدور قرار مجلس الأمن رقم 242، وانعقاد قمة اللاءات الثلاثة العربيّة في الخرطوم، وتهجير معظم سكان مدن قناة السويس، وكذلك تهجير معظم مدنيي محافظة القنيطرة في سوريا، وتهجير عشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني من الضفة الغربية، ومحو قرى بأكملها، وفتح باب الاستيطان في القدس والضفة الغربية.
ولم تزل تبعات حرب 1967م حتى يومنا؛ إذ تواصل إسرائيل احتلال الضفة الغربية، كما أنها قامت بضم القدس والجولان لحدودها؛ وكان من تبعاتها أيضًا نشوب حرب أكتوبر عام 1973م، وفصل الضفة الغربيّة عن السيادة الأردنيّة، وقبول العرب منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م بمبدأ "الأرض مقابل السلام"، الذي ينص على العودة لما قبل حدود الحرب، لقاء اعتراف العرب بإسرائيل، ومسالمتهم إياها؛ رغم أن دولًا عربيّة عديدة باتت تقيم علاقات منفردة مع إسرائيل سياسيّة أو اقتصادية.
وحسب مؤرخين عرب وفلسطينيين: فقد شنت القوات العسكرية الإسرائيلية هجومًا مباغتًا على الدول الثلاث (مصر، وسوريا، والأردن)؛ عندما لاحظت (إسرائيل) أن القوة العسكرية العربية بدأت تتعاظم؛ فمن ثورة 14 تموز عام 1958م في العراق؛ إلى انتصار ثورة الجزائر 1962م؛ إلى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في أيار 1964م الذي كان أبرز العوامل التي دفعت إسرائيل إلى المسارعة بشن هذه الحرب؛ حيث انطلق العمل الفدائي الفلسطيني بـ 35 عملية عام 1965م؛ ثم ما لبثت هذه العمليات أن تزايدت، حتى وصلت إلى 41 عملية في الشهور الخمسة الأولى من عام 1966م. حيث قامت إسرائيل بحرب خاطفة؛ من أجل وضع حد لأي أمل لتضامن عربي.
جاء في وثيقة كشف عنها (وهي من ضمن الوثائق الأمريكية التي أفرج عنها عام 2001م)، أن الولايات المتحدة الأمريكية دفعت إسرائيل إلى الحرب المبكرة، وبدعم مباشر وفوري: "لقد التقى مدير الموساد الإسرائيلي حينها "أميت" مع الرئيس الأمريكي جونسون، وبعد التداول سأل جونسون رئيس الموساد: لو هاجمتم العرب الآن فكم ستتحمل هزيمتهم معكم؟ فكان جواب أميت: عشرة أيام تقريبا. فقال جونسون:" إذا ماذا تنتظرون؟" ، ولكن الوثيقة الأمريكية الخطيرة والتي وصلت معلوماتها إلى إسرائيل فكانت خطة تدمير الطيران العربي أولا.
وتشير الوثيقة إلى ما يلي: "رأت روسيا أن حصول إسرائيل على السلاح النووي سيقوي ويدعم النفوذ الأمريكي في المنطقة، وتصبح إسرائيل قوة كبرى نووية ستؤثر حتما وبشكل كبير على مصالح روسيا في المنطقة، وإضعاف حلفائها في المنطقة العاجزين أصلا عن الحصول على أية تكنولوجيا نووية.
منذ نهاية عام 1964م، ومع تصاعد لغة التهديد العربية بعد أول قمة عربية في مصر؛ كانت إسرائيل تراقب ما يجري من استعدادات عربية؛ ولكن وحسب نص الوثيقة: إن روسيا هي التي كانت تخطط لمثل هذه الحرب؛ فقد أرسلت طيارين روس بطائراتهم الحديثة إلى مصر ومارسوا تدريبًا مكثفا على كيفيّة تدمير مفاعل ديمونا".
صعدت إسرائيل عملياتها الاستفزازية ضد سورية بضرب الوسائط والمعدات التي كانت تعمل في المشروع العربي لتحويل روافد نهر الأردن والاعتداء على المزارعين السوريين وزيادة حجم التحديات ضد القوات السورية؛ ما أدى إلى زيادة حدة الاشتباكات التي بلغت ذروتها في الاشتباك الجوي (يوم 7/4/1967)، إذ توالت الأخبار عن التدابير العسكرية التي اتخذتها إسرائيل، وخاصة ما يتعلق بحشد قواتها على الحدود السورية؛ ما دفع مصر إلى الوفاء بالتزامها وفقاً لمعاهدة الدفاع المشترك (المصرية السورية) التي تم التوقيع عليها في (4/11/1966)؛ فأوفدت رئيس أركان قواتها المسلحة (اللواء محمد فوزي) إلى دمشق لتقدير الموقف على الطبيعة وتنسيق التعاون.
وعندما عاد إلى القاهرة؛ أعلنت مصر حالة من التعبئة القصوى، وأخذت القوات المصرية تتحرك على شكل تظاهرة عسكرية اخترقت شوارع القاهرة يوم (15/5/1967) متوجهة نحو سيناء؛ ثم طلبت القيادة المصرية يوم 16 أيار 1967 من قائد قوات الطوارئ الدولية في سيناء، سحب قوات الأمم المتحدة؛ وقدم الأمين العام للأمم المتحدة "يوثانت" مجموعة من الاستشارات السريعة قرر على إثرها تلبية طلب مصر سحب تلك القوات يوم 19 أيار1967؛ ثم أعلن الرئيس جمال عبد الناصر يوم 23 أيار1967 إغلاق مضايق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية؛ وهكذا أزالت مصر آخر أثرين تبقيا من العدوان الثلاثي عام 1956م.
وقد اعتبرت إسرائيل إغلاق مضائق تيران إعلان حرب؛ فأخذت تسرع بخطواتها وتجهز نفسها عسكريًا وسياسيًا للبدء بالعدوان بتأييد من الولايات المتحدة الأمريكية ومباركتها؛ وذهبت جهود الأمين العام للأمم المتحدة في مهب الريح، رغم ما بذله من لقاءات وجولات بين القاهرة وتل أبيب بغية الحد من تدهور الموقف.
وبدأت طبول الحرب تدق في المنطقة، وبدأت مشاعر الحرب تسيطر على الموقف من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وتوجهت القوات السورية والمصرية نحو جبهات القتال؛ أما إسرائيل فقامت بمجموعة من الإجراءات أظهرت نية قادتها في العدوان، مثل التعديل الوزاري الذي جاء بالجنرال موشيه دايان إلى وزارة الحرب، ولم تمض سوى ساعات قليلة على ذلك، حتى بدأت القوات الإسرائيلية بشن الحرب.
واعتبارا من منتصف أيار 1967م، بدأت استعدادات الجيش الإسرائيلي لشن العدوان، وذلك بتنفيذ الدعوات الاحتياطية السرية، وحشد القوات على الاتجاهات العملياتية؛ ما زاد في توتر الموقف العسكري في المنطقة.
ونتيجة النشاط السياسي الدولي، وبصورة خاصة رغبة الحكومة الفرنسية آنذاك بعدم اللجوء إلى القوة؛ تعهدت الدول العربية المجاورة مصر سورية الأردن بعدم شن الحرب وإيقاف الاستعدادات العسكرية؛ إلا أن القيادة العسكرية الإسرائيلية، وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، استغلت هذا الظرف، وقامت بعدوانها المباغت صبيحة 5 حزيران 1967م.
نفذت إسرائيل خطتها العدوانية بتوجيه ضربة جوية كثيفة ومباغتة للمطارات العسكرية وللطيران الحربي المصري، والسوري، والأردني؛ فمكنت الطيران العسكري الإسرائيلي من توفير السيطرة الجوية على أرض المعركة طيلة مدة الحرب
وفي الفترة بين 5-8/6 انتقلت القوات الإسرائيلية للهجوم، موجهة الضربة الرئيسية على الجبهة المصرية؛ والضربة الثانوية على الجبهة الأردنية؛ في الوقت الذي انتقلت فيه للدفاع النشط على الجبهة السورية مع توجيه الضربات النارية بالمدفعية والطيران لمواقع الجيش السوري في الجولان طيلة تلك الفترة.
الجبهة السورية: في صباح يوم 8/6 أجرت القيادة العسكرية الإسرائيلية إعادة تجميع لقواتها لتركيز جهودها على الجبهة السورية بحشد مجموعتين قتاليتين قوام كل منها ثلاثة ألوية مختلطة مع وسائط الدعم والتعزيز. غير أن التفوق الجوي والسيطرة الجوية المطلقة قدمت الدعم الحقيقي للقوات، حيث قام الطيران الإسرائيلي بدور المدفعية.
وفي الساعة 12.00/ يوم 9/6؛ انتقلت القوات الإسرائيلية للهجوم على الاتجاه السوري، بعد تمهيد ناري كثيف بوساطة الطيران على كامل ميدان المواجهة، مع التركيز على اتجاه الضربة الرئيسية التي حددت في القطاع الشمالي من الجبهة السورية، وبالاتجاه العام: كفر سلط ، تل القلع، والقيام بهجمات مساعدة في القطاعين الأوسط والجنوبي من الجبهة.
كان تقدم القوات الإسرائيلية بطيئاً حتى يوم 9/6، ولم تحقق سوى نجاحاً محدوداً على اتجاه الضربة الرئيسية وبعمق 4 إلى 5 كم، ونحو 2كم على بعض الاتجاهات المساعدة (اتجاه الدرباشية وحضر)؛ وذلك بفضل المقاومة التي أبداها مقاتلو الجيش السوري، وخوضهم معارك ضارية في ظروف قتالية صعبة، وسيطرة جوية كاملة للعدو. وكثيراً ما كانت القوات الإسرائيلة تتراجع أمام مقاومة المدافعين السوريين؛ إلا أن الطيران الحربي الإسرائيلي الذي أوكل بمهمة تحطيم وتدمير المواقع الدفاعية السورية وقصفها، كان سبب تقدم القوات البرية الإسرائيلية.
كانت معركة تل الفخار في ذلك اليوم من أشهر المعارك وأكثرها ضراوة؛ حيث استطاعت سرية مشاة سورية أن تصد هجوم القطاعات الرئيسية للواء مشاة جولاني المعادي، الذي تعده إسرائيل نخبة قواتها الخاصة. ونتيجة لتكبد إسرائيل خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد؛ أصدرت إسرائيل أوامر أكثر من مرة للتوقف عن متابعة الهجوم لتوجيه ضربات جوية للمواقع السورية، وبعد أن تمكنت إسرائيل من احتلال ذلك الموقع، تمكنت من توسيع قطاع خرقة واحتلال قطاع بعمق 5كم.
لقد تابعت إسرائيل هجومها يوم 10/6، على الرغم من صدور قرار الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار، وغذت المعركة بقوات جديدة من الاحتياط، وخاصة من القوات التي كانت تعمل على الاتجاه الأردني. وتتلخص مهمة القوات الإسرائيلية يوم 10/6 بمتابعة التقدم على اتجاهين:
الاتجاه الأول : القلع، القنيطرة، الرفيد.
الاتجاه الثاني : سمخ، التوافيق، العال، الرفيد.
واستخدمت إسرائيل مجموعة قتالية على كل اتجاه؛ واستطاعت حتى نهاية يوم 10/6 من الوصول إلى خط التلال شمال مدينة القنيطرة وجنوبها ومفرق الرفيد.
الجبهة المصرية: قامت الطائرات العسكرية الإسرائيلية في الساعة 8 و45 دقيقة صباح الاثنين، 5 حزيران، لمدة ثلاث ساعات بغارات جوية على مصر في سيناء والدلتا والقاهرة ووادي النيل في ثلاث موجات: الأولى 174 طائرة، والثانية 161، والثالثة 157؛ بإجمالي 492 غارة، دمرت فيها 25 مطاراً حربياً، وما لا يقل عن 85% من طائرات مصر وهي جاثمة على الأرض. وطبقا للبيانات الإسرائيلية: تم تدمير 209 طائرات من أصل 340 طائرة مصرية منها:
30 طائرة تي يو-16، 27 طائرة اليوشن قاذفة، 12 طائرة سوخوي- في، 90 طائرة مقاتلة ونقل وهليكوبتر.
وحول خسائر مصر العسكرية؛ نقل أمين هويدي عن كتاب الفريق أول محمد فوزي: أن الخسائر بين صفوف قوة الطيارين كانت 4%؛ و17% من القوات البرية؛ وكانت الخسائر في المعدات 85% في القوات البرية؛ وكانت خسائر القوات الجوية من القاذفات الثقيلة أو الخفيفة 100%؛ و87% من المقاتلات القاذفة والمقاتلات؛ وأن عدد الشهداء والمفقودين والأسرى هو 13600، عاد منهم 3799 أسيرًا، من بينهم: 481 ضابطًا؛ و38 مدنيًا؛ والباقي جنود وصف ضابط. واتضح بعد المعركة أن عدد الدبابات مائتا دبابة تقريبا دمر منها 12 دبابة، واستشهد فيها 60 فردًا، وتركت 188 دبابة للعدو.
الجبهة الأردنية/ الفلسطينية(الضفة الغربية):
بعد توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين الأردن ومصر في 30 أيار 1967م؛ وضعت القوات الأردنية في حالة تأهب قصوى، وعين اللواء المصري "عبد المنعم رياض" قائدًا عامًا يساعده اللواء الركن عامر خماش (رئيس هيئة الأركان الأردني)، وجاء سير العمليات العسكرية بين الجيش الأردني والقوات الإسرائيلية على النحو الآتي:
كانت القوات الأردنية موزعة على النحو الآتي: لواء خالد بن الوليد في منطقة جنين، لواء عالية في منطقة نابلس، اللواء المدرع 40 احتياط وكتيبة دبابات مستقلة لتعزيز الألوية الأمامية وتدعيمها.
أما القوات الإسرائيلية، فقد كانت مؤلفة من خمسة ألوية مشاة ومدرعة، تسندها المدفعية وسلاح الجو.
وكانت القوات الأردنية المناط بها الدفاع عن القدس تتمثل بلواء الملك طلال بوحداته الثلاثة؛ أما القوات الإسرائيلية المعادية فقد تألفت من لواء مظليين يحتل جبل الطور(المطلع)، ويحيط بالمدينة من الشرق؛ ولواءين: أحدهما آلي، والآخر مشاة، يحيطان بالقدس من الشمال. (لواء المشاة معزز بالمدفعية والدبابات، ومهمته احتلال جبل المكبر، ويحيط بالقدس من الجنوب).
اشتبكت القوات الأردنية مع القوات الإسرائيلية في مختلف المناطق التي كانت تسيطر عليها؛ إلا أن العديد من العوامل أدت إلى إضعاف قدرة الجيش الأردني وأثرت على معنوياته وشتتت جهده.
بدأت القوات الإسرائيلية هجومها صباح يوم 6 حزيران 1967م على المواقع الأردنية في مدينة القدس (الشيخ جراح والمطلع) وجنين وقلقيلية ونابلس وطولكرم ورام الله والخليل وبيت لحم، بواسطة الطيران الحربي والدبابات؛ فتعرضت لها القوات الأردنية المرابطة في تلك المواقع، وأوقعت بها الخسائر، كما كانت المدفعية في منطقة القدس تقصف المواقع الإسرائيلية؛ حيث ووصفت (بالمدفعية المسعورة).
وتكبدت القوات الإسرائيلية خسائر بين أفرادها وآلياتها، وحاولت استعادة جبل المكبّر الذي وقع بيد القوات الأردنية؛ وقامت بتوسيع هجومها على عدة محاور شملت بقية المواقع الأردنية على طول خط المواجهة؛ وتعرضت القوات الإسرائيلية المؤلفة من (لواء مظليين، لواء عصيوني، لواء هاري إيل الآلي، لواء مشاة محمول ولواء مشاة) للمواقع الأردنية، وباشر اللواء "هاري إيل" بالتعرض للمواقع العسكرية الأردنية المحيطة بمدينة القدس مساء يوم 5 حزيران، وباشر الهجوم من ثلاث جهات بقصد احتلال المناطق الحيوية المسيطرة على طريق القدس وباب الواد، وهي: تل الرادار، وتل الشيخ عبد العزيز، وتل النبي صموئيل؛ وتصدت لها القوات الأردنية وأوقعت بين صفوفها خسائر كبيرة.
وعن مذكرات الرائد في الجيش الأردني نبيه فلاح السحيمات: بدأت المعركة في القدس يوم الاثنين 5/6/1967، الساعة الحادية عشرة والنصف وخمس دقائق قبل الظهر، بالأسلحة الخفيفة، ثم المتوسطة، ثم الأسلحة الثقيلة كمدفعية 25 رطل، والتي كانت ملحقة بالمنطقة الشرقية من القدس وهي كتيبة المدفعية التاسعة 25 رطل بقيادة "المقدم محمد الحصان"، بالإضافة إلى استعمال الطائرات، وقنابل الإنارة ليلاً والأسلحة الأخرى.
حاولت القوات الإسرائيلية الدخول من بوابة "مند البوم"؛ إلا أن القوات الأردنية استطاعت وقف تقدمها من هذه البوابة، وحاول الجيش الإسرائيلي عدة مرات؛ ولكنه فشل فشلاً ذريعاً.
وبالرغم من وجود عمارة للمتقاعدين العسكريين على البوابة من منطقة إسرائيل، تطلق النار من جميع نوافذ العمارة باتجاه القوات الأردنية، واستعماله لكشافات قوية، واستعماله أيضاً لقنابل غاز تسبب النعاس ورائحتها كرائحة الليمون - إلا انه وفي النهاية استطاعت القوات الإسرائيلية وآلياتها العسكرية اقتحام مدينة القدس من عدة جهات، واحتلت أحياءها وشوارعها الرئيسية، رغم ضراوة القتال واستخدام الأسلحة البيضاء والقنابل اليدوية في العديد من المواقع. وبرزت بطولات فردية منها فلسطينية دفاعا عن المدينة المقدسة؛ إلا أن المدينة سقطت، ودخل قادة قوات الاحتلال الإسرائيلي باحات المسجد الأقصى وحائط البراق.
نتائج الحرب في الجانب الإسرائيلي
1 ـ كان للحرب الخاطفة التي شنتها إسرائيل غدراً ضد الدول العربية المجاورة لفلسطين تأثير مفاجئ على الجيوش العربية التي أخذت على حين غرة؛ فتمكنت إسرائيل من الإدعاء أنها تمتلك القوة العظمى في الشرق الأوسط التي تستطيع وقف تأثير الاتحاد السوفييتي، وذلك عن طريق التحالف مع الغرب في الحرب الباردة، واستطاعت إسرائيل احتلال مساحات واسعة من الأراضي العربية وصلت إلى 69.347 كم2.
2 ـ انتهكت إسرائيل اتفاقية وقف إطلاق النار المنصوص عليها في قرارات مجلس الأمن، والتي كانت تهدف إلى وضع حد فوري للعدوان.
3 ـ استغلت إسرائيل خلافاً للقانون الدولي واتفاقيات جنيف، مصادر النفط في سيناء ومصادر المياه في سورية.
نتائج الحرب في الجانب العربي:
سياسياً: أيقظت النكسة الأليمة الوجدان العربي وهزته، ونبهت الشعور القومي إلى الخطر الذي بات يهدد كل العرب؛ وانعكس ذلك على التحرك العربي الذي أخذ اتجاهات عملية لإزالة آثار النكسة ودعم مواقع الصمود، والاعتماد على الأصالة الذاتية للأمة العربية، وتمت ترجمة ذلك في انطباعات القمم العربية المتتالية التي أتاحت الإعداد للجولة التالية للحرب العربية الإسرائيلية 1973م.
من ناحية أخرى، كشف شكل العدوان وطريقته وهدفه أمام العالم كله المزاعم الإسرائيلية والغربية التي كانت تستجدي العطف الدولي، وتحصل على دعمه بزعم أن إسرائيل ضعيفة أمام العرب الذين يتهددونها؛ ما أكسب العرب عطفاً دولياً ساعدهم فيما بعد على عزل إسرائيل عالمياً، وكان دوره كبيراً في تغيير الأسس الإستراتيجية لطرفي الصراع العربي الإسرائيلي.
عسكرياً: تعرضت القوات العربية لخسائر كبيرة في عدوان حزيران بالقوى والوسائط، غير أن هذه القوات تحركت بسرعة لإعادة تنظيم قدراتها وإمكاناتها واستطاعت خلال فترة وجيزة أن تعود أقوى مما كانت عليه؛ وعلاوة على ذلك، دفعت مرارة النكسة أبناء الأمة العربية وحكوماتها وقواتها المسلحة للعمل الدؤوب من أجل إعادة بناء القدرة القتالية والاستعداد.
أظهر عدوان حزيران عجز الإدارة العسكرية الإسرائيلية عن إخضاع العرب؛ فعلى الرغم من حجم الانتصار العسكري، إلا أن العرب أصبحوا أكثر تصميماً على متابعة النضال، ولم تتمكن إسرائيل من فرض هدفها السياسي، وهو حمل العرب على الاعتراف بها والإقرار بوجودها؛ وكانت هذه النتائج بمجموعها بعض العوامل التي أدت إلى الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة حرب تشرين الأول 1973م.
كانت نتائج حرب عام 1967م على الأمة العربية مؤلمة، وما زالت آثارها وانعكاساتها ماثلة أمام الأجيال العربية الحالية؛ فقد خسرت الدول العربية مساحات شاسعة من الأراضي (69347 كلم2) استولت عليها (إسرائيل) في تلك الحرب؛ وإذا قارناها بما استولت عليه عام 1948م وأقامت عليه كيانها "20700 كلم2 "يتضح أن هزيمة حزيران أضافت لإسرائيل تقريباً 89.395 كيلو متر مربع؛ أي ما يزيد على أربعة أضعاف مساحتها.
لقد حسنت المساحات الجغرافية الشاسعة من وضع إسرائيل الإستراتيجي والأمني وقدرتها على المناورة العسكرية، ومكنتها لأول مرة منذ تأسيسها من الاستفادة من تطوير وتحسين خططها الدفاعية من خلال استيلائها على موانع جغرافية طبيعية، مثل: مرتفعات الجولان، ونهر الأردن، وقناة السويس.
شبه جزيرة سيناء: فور احتلال إسرائيل لسيناء عام 1967م؛ شرعت السلطات الإسرائيلية بوضع يدها على ما يلي:
• نهب آبار النفط لسد احتياجاتها المحلية.
• الاستفادة من المطارات والقواعد الجوية التي كانت موجودة آنذاك.
• وضع أجهزة إنذار على الجبال والمرتفعات.
• إقامة خط دفاعي على الضفة الشرقية لقناة السويس عرف باسم "خط بارليف".
وكان لهذه الإمكانيات المادية مجتمعة فوائد كبيرة لإسرائيل من الناحيتين العسكرية والإستراتيجية والإقتصادية؛ فقد حسنت من قدرتها على المناورة بقواتها، وأصبح بمقدورها مهاجمة مصر في العمق؛ فطالت طائراتها الكثير من المنشآت العسكرية والمدنية والاقتصادية (مطارات، مصانع، مدارس،.. إلخ)، إلى أن تمكن الجيش المصري من الحد من هذه الهجمات، وذلك بعد تمكنه من بناء حائط صواريخ على القناة بمساعدة الاتحاد السوفيتي.
وعلى الرغم من استعادة مصر جزءا من سيناء في حرب عام 1973م، والأجزاء الأخرى بالمفاوضات التي أعقبت ذلك سواء في كامب ديفد عام 1978م وما تلاها من توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979م، أو بالتحكيم الدولي عام 1988 م واستعادة آخر ما تبقى (طابا) عام 1989م؛ إلا أن السيادة المصرية على سيناء ظلت غير مكتملة؛ إذ إن هزيمة 1967م لا تزال تلقي بتداعياتها على الشأن المصري حتى الآن. فطبقًا لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وملاحقها (1، 2، 3) فإنه:
• محرم على الجيش المصري تسليح سيناء بالعتاد الحربي الذي يريده، والذي يضمن لها السيادة والحماية الكاملة، وكل ما يوجد هناك بدءا من أعداد الجنود ونوعيات أسلحتهم، مقرر سلفا في المعاهدة، وخاضع لمراقبين دوليين تابعين للأمم المتحدة؛ ومن غير الجائز تغييره إلا بموافقة الطرفين وبتصديق من برلمانيهما.
• وفي عموم سيناء، ممنوع على المصريين إقامة مطارات أو موانئ حربية؛ وإن سيناء كلها مقسمة إلى خطوط ومناطق أمنية. ويتم وفقا للمعاهدة وضع أعداد معينة بأسلحة محددة من القوات المصرية في كل منطقة أو خط أمني.
وقد التزمت الحكومات المصرية المتعاقبة بتنفيذ ما ورد في هذه المعاهدة، حتى إنه حينما قالت (إسرائيل): إن عمليات تهريب الأسلحة من سيناء إلى الأراضي الفلسطينية عبر غزة قد ازدادت طالبة من الحكومة المصرية زيادة أعداد قواتها لمراقبة الحدود بواقع 750 جنديًا فقط؛ اشترطت مصر أن يتم ذلك بتوقيع بروتوكول إضافي يلحق بمعاهدة السلام وأن يصادق عليه الكنيست؛ وهو ما تم بالفعل في سبتمبر/ أيلول 2005 بأغلبية 53 صوتا مقابل 28؛ أما طابا) كلم2 واحد) الواقعة شمال خليج العقبة، والتي استعادتها مصر بالتحكيم الدولي عام 1988م واستلمتها عام 1989م، فإنه، ووفقا لقرار القضاة الدوليين: مسموح للإسرائيليين بدخولها دون تأشيرة دخول مدة 48 ساعة. ولا تزال تلك الأوضاع على حالها حتى الآن: أرض غير مكتملة السيادة، ووجود إسرائيلي في منتجع طابا تحت لافتة السياحة بتحكيم دولي.
الضفة الغربية والقدس الشريف:
احتلت قوات الاحتلال الإسرائيلية الضفة الغربية، بما فيها القدس الشريف (5878 كلم2) عام 1967م؛ إثر انسحاب القوات الأردنية وعودتها إلى الشرق من نهر الأردن، وقلصت حدودها مع الأردن من 650 كلم إلى 480 كلم (من بينها 83.5 كلم طول البحر الميت).
ونهبت إسرائيل الكثير من ثروات الضفة الغربية لا سيما المائية منها، وباشرت بعمليات تهويد للقدس بطريقة مخططة ممنهجة؛ واستطاعت، باستيلائها على مساحات شاسعة من أراضي الضفة، تحسين وضعها الإستراتيجي والأمني والعسكري، وإزالة أي خطر عسكري كان من الممكن أن يتهددها، أو وجود أي جيش عربي منظم ومسلح في الضفة الغربية، التي تعتبر القلب الجغرافي لفلسطين التاريخية. ومن تداعيات احتلال الضفة الغربية:
- السيطرة على الضفة الغربية بما فيها القدس الشريف (حوالي 70 كلم2) والتحكم في مقدساتها الإسلامية كالمسجد الأقصى وقبة الصخرة.
- إخضاع 2.5 مليون فلسطيني لسيطرتها. (تقديرات جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني عام 2006 م).
- مضاعفة أعداد المستوطنين وبناء المستوطنات، بالاستيلاء على مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية في الضفة والقدس، حتى وصل عدد المستوطنين فى بداية شهر يناير 2013 حسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية 360 ألف مستوطن. (وهذا الرقم لا يشمل المستوطنين في القدس والذين يزيد عددهم عن 200 ألف).
- ضم القدس الشرقية إلى القدس الغربية في تموز 1967م، ثم إعلانهما عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل في تموز 1980م، بقرار من الكنيست.
- العمل وبالتدريج على تنفيذ سياسة تهويد للقدس بمختلف السبل، كطرد السكان العرب، وهدم المنازل والأحياء العربية، ومصادرة الأراضي، حتى بلغ مجموع ما صادرته من تلك الأرض ما يقارب نصف المساحة التي كانت عليها القدس الشريف في الرابع من حزيران 1967م.
هضبة الجولان: وعلى الجبهة السورية وبعد هزيمة القوات السورية؛ استولت إسرائيل على 1158 كلم2 من إجمالي مساحة هضبة الجولان البالغة 1860 كلم2.
وحقق استيلاء إسرائيل على هضبة الجولان مزيداً من المكاسب الإستراتيجية؛ وذلك لما تتميز به الجولان من تضاريس تجعلها مرتفعة عن سطح البحر؛ حيث تستند إلى جبل الشيخ من جهة الشمال، ووادي اليرموك من الجنوب، وتشرف إشرافاً مباشراً على الجليل الأعلى وسهلي الحولة وطبريا. وكانت إسرائيل قبل الخامس من حزيران تعتبر الوجود العسكري السوري في هذه المنطقة مدعاة لتهديد مناطقها الشمالية.
وشرعت السلطات العسكرية الإسرائيلية في تجهيز نقاط عسكرية في تلك الأماكن، ومن أهمها الحصن العسكري الذي أعدته في جبل الشيخ على ارتفاع 2224 متراً عن مستوى سطح البحر؛ كما أقامت كذلك قاعدة عسكرية جنوب الجولان.
وقد أضافت هضبة الجولان لإسرائيل عمقاً دفاعياً أبعد الخطر المباشر عن مدنها ومستوطناتها الحيوية الآهلة بالسكان، وجعل القوات الإسرائيلية نفسها مصدر تهديد للعاصمة السورية دمشق عبر محور "القنيطرة دمشق"، بالإضافة إلى محاور حوران.
ولا تزال إسرائيل حتى تاريخه، تحتل هضبة الجولان، رغم مرور ستة وأربعون عامًا؛ ولم تتمكن سوريا في حرب عام 1973م من تحريرها والسيطرة عليها.
وما تزال تداعيات هذا الاحتلال تتوالى؛ إذ إن نحو 100 ألف نسمة من أهالي الجولان تم تهجيرهم، وما زالوا يعانون المشكلات الناجمة عن النزوح عن ديارهم، وقد تجاوز عددهم 175 ألف نسمة؛ يسكن معظمهم في العاصمة دمشق. وبقي في هضبة الجولان نحو 25 ألف نسمة يعيشون في أربع قرى رئيسية، ويعمل أغلبهم بالرعي والزراعة، ويخضعون للقانون الإسرائيلي الذي صدر من الكنيست عام 1981م، تحت عنوان "قانون مرتفعات الجولان". كما فعلت من قبل بالضفة الغربية والقدس، فقد شجعت المستوطنين على الاستقرار في الجولان حيث بلغ عددهم وفقا لمصادر إسرائيلية- حوالي 20 ألف مستوطن يقيمون في 34 مستوطنة حسب مكتب الإحصاء الإسرائيلي 2013.
ولم تتوقف السلطات الإسرائيلية عن نهب وسرقة موارد الجولان الطبيعية وخيراتها الزراعية؛ فالمستوطنون يزرعون حوالي 80 كلم2، ويستفيدون من معظم المراعي البالغة مساحتها 500 كلم2؛ كما نشطت شركات السياحة الإسرائيلية في استغلال ذلك، لدرجة أن نسبة إشغال الغرف السياحية المستثمرة لحسابها وصلت حوالي 100 ألف غرفة، وبلغت أعداد السائحين للجولان سنة 2006 قرابة مليوني سائح.
كما تستغل إسرائيل أراضي هضبة الجولان صناعياً؛ حيث أقامت عليها منطقة صناعية يعمل فيها أكثر من ألف عامل إسرائيلي؛ أما عن الثروات المائية، فهي من أهم ما تستغله إسرائيل من موارد الجولان الطبيعية؛ حيث تستولي على مياه نهري اليرموك وبانياس وتستفيد منهما في الشرب والزراعة؛ فالجولان يزود إسرائيل بنحو 25%- 30% من استهلاكها السنوي للمياه.
دور منظمة الأمم المتحدة تجاه حرب حزيران
يعد العدوان الإسرائيلي على مصر وسورية والأردن في (5/6/1967) بمنزلة تحول خطير في مجرى الصراع العربي الإسرائيلي، وكانت تلك الفترة هامة ومؤثرة في تاريخ القضية الفلسطينية على المستوى الدولي، انتهت بإصدار مجلس الأمن قراره 242 في 22 تشرين الثاني عام 1967، الذي تضمن مبادئ الحل السلمي وفق وجهة نظر مجلس الأمن.
وفيما يلي نص القرار:
قرار مجلس الأمن الدولي رقم (242) صدر في 22/11/1967
تبنى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة هذا القرار، في جلسته رقم1382، بإجماع الأصوات.
إقرار مبادئ سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط:
إن مجلس الأمن: إذ يعرب عن قلقه المتواصل بشأن الوضع الخطر في الشرق الأوسط، وإذ يؤكد عدم القبول بالاستيلاء على أراض بواسطة الحرب، والحاجة إلى العمل من أجل سلام دائم وعادل تستطيع كل دولة في المنطقة أن تعيش فيه بأمن، وإذ يؤكد أيضاً أن جميع الدول الأعضاء بقبولها ميثاق الأمم المتحدة قد التزمت بالعمل وفقاً للمادة (2) من الميثاق؛
1- يؤكد أن تحقيق مبادئ الميثاق يتطلب إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، ويستوجب تطبيق كلاً من المبدأين التاليين:
أ - سحب القوات المسلحة من أراض (الأراضي) التي احتلتها في النزاع.
ب- إنهاء جميع ادعاءات أو حالات الحرب، واحترام واعتراف بسيادة وحدة أراضي كل دولة في المنطقة، واستقلالها السياسي، وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة، ومعترف بها، وحرة من التهديد وأعمال القوة.
2- يؤكد أيضاً الحاجة إلى:
أ- ضمان حرية الملاحة في الممرات المائية الدولية في المنطقة.
ب- تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.
ج- ضمان المناعة الإقليمية، والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة، عن طريق إجراءات بينها إقامة مناطق مجردة من السلاح.
يطلب من السكرتير العام أن يعين ممثلاً خاصاً إلى الشرق الأوسط؛ لإقامة اتصالات مع الدول المعنية؛ بهدف المساعدة في الجهود؛ للوصول إلى تسوية سلمية ومقبولة، على أساس النصوص والمبادئ الواردة في هذا القرار.
يطلب من السكرتير العام أن يبلغ المجلس بمدى تقدم جهود المبعوث الخاص، في أقرب وقت ممكن.
ولم تقبل إسرائيل بمنطق السلام، بل استمرت في ضم الأراضي المحتلة خطوة بعد خطوة، وفي رفض قرارات منظمة الأمم المتحدة وتحدي ميثاقها وانتهاك مبادئها؛ واستمرت الحال على ذلك حتى نشبت حرب ( أكتوبر تشرين) في 6-10-1973م.
يصادف اليوم، الذكرى ال56 لذكرى حرب 1967م، المعروفة بـ(نكسة حزيران)، أو (حرب الأيام الستة)، هي صدامات عسكرية وقعت بين إسرائيل وكل من: مصر، وسوريا، والأردن. وبمساعدة لوجستية من: لبنان، والعراق، والجزائر، والسعودية، والكويت؛ في الفترة الواقعة بين الخامس من حزيران والعاشر منه عام 1967م؛ ونتج عنها احتلال إسرائيل شبه جزيرة سيناء، وقطاع غزة، والضفة الغربية، وهضبة الجولان.
وهذه الحرب ثالث حرب ضمن الصراع العربي الإسرائيلي. وقد أسفرت عن مقتل 15,000 - 25,000 عربي مقابل 800 إسرائيلي؛ وتدمير 70 - 80% من العتاد الحربي في الدول العربية.كما نتج عن هذه الحرب صدور قرار مجلس الأمن رقم 242، وانعقاد قمة اللاءات الثلاثة العربيّة في الخرطوم، وتهجير معظم سكان مدن قناة السويس، وكذلك تهجير معظم مدنيي محافظة القنيطرة في سوريا، وتهجير عشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني من الضفة الغربية، ومحو قرى بأكملها، وفتح باب الاستيطان في القدس والضفة الغربية.
ولم تزل تبعات حرب 1967م حتى يومنا؛ إذ تواصل إسرائيل احتلال الضفة الغربية، كما أنها قامت بضم القدس والجولان لحدودها؛ وكان من تبعاتها أيضًا نشوب حرب أكتوبر عام 1973م، وفصل الضفة الغربيّة عن السيادة الأردنيّة، وقبول العرب منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م بمبدأ "الأرض مقابل السلام"، الذي ينص على العودة لما قبل حدود الحرب، لقاء اعتراف العرب بإسرائيل، ومسالمتهم إياها؛ رغم أن دولًا عربيّة عديدة باتت تقيم علاقات منفردة مع إسرائيل سياسيّة أو اقتصادية.
وحسب مؤرخين عرب وفلسطينيين: فقد شنت القوات العسكرية الإسرائيلية هجومًا مباغتًا على الدول الثلاث (مصر، وسوريا، والأردن)؛ عندما لاحظت (إسرائيل) أن القوة العسكرية العربية بدأت تتعاظم؛ فمن ثورة 14 تموز عام 1958م في العراق؛ إلى انتصار ثورة الجزائر 1962م؛ إلى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في أيار 1964م الذي كان أبرز العوامل التي دفعت إسرائيل إلى المسارعة بشن هذه الحرب؛ حيث انطلق العمل الفدائي الفلسطيني بـ 35 عملية عام 1965م؛ ثم ما لبثت هذه العمليات أن تزايدت، حتى وصلت إلى 41 عملية في الشهور الخمسة الأولى من عام 1966م. حيث قامت إسرائيل بحرب خاطفة؛ من أجل وضع حد لأي أمل لتضامن عربي.
جاء في وثيقة كشف عنها (وهي من ضمن الوثائق الأمريكية التي أفرج عنها عام 2001م)، أن الولايات المتحدة الأمريكية دفعت إسرائيل إلى الحرب المبكرة، وبدعم مباشر وفوري: "لقد التقى مدير الموساد الإسرائيلي حينها "أميت" مع الرئيس الأمريكي جونسون، وبعد التداول سأل جونسون رئيس الموساد: لو هاجمتم العرب الآن فكم ستتحمل هزيمتهم معكم؟ فكان جواب أميت: عشرة أيام تقريبا. فقال جونسون:" إذا ماذا تنتظرون؟" ، ولكن الوثيقة الأمريكية الخطيرة والتي وصلت معلوماتها إلى إسرائيل فكانت خطة تدمير الطيران العربي أولا.
وتشير الوثيقة إلى ما يلي: "رأت روسيا أن حصول إسرائيل على السلاح النووي سيقوي ويدعم النفوذ الأمريكي في المنطقة، وتصبح إسرائيل قوة كبرى نووية ستؤثر حتما وبشكل كبير على مصالح روسيا في المنطقة، وإضعاف حلفائها في المنطقة العاجزين أصلا عن الحصول على أية تكنولوجيا نووية.
منذ نهاية عام 1964م، ومع تصاعد لغة التهديد العربية بعد أول قمة عربية في مصر؛ كانت إسرائيل تراقب ما يجري من استعدادات عربية؛ ولكن وحسب نص الوثيقة: إن روسيا هي التي كانت تخطط لمثل هذه الحرب؛ فقد أرسلت طيارين روس بطائراتهم الحديثة إلى مصر ومارسوا تدريبًا مكثفا على كيفيّة تدمير مفاعل ديمونا".
صعدت إسرائيل عملياتها الاستفزازية ضد سورية بضرب الوسائط والمعدات التي كانت تعمل في المشروع العربي لتحويل روافد نهر الأردن والاعتداء على المزارعين السوريين وزيادة حجم التحديات ضد القوات السورية؛ ما أدى إلى زيادة حدة الاشتباكات التي بلغت ذروتها في الاشتباك الجوي (يوم 7/4/1967)، إذ توالت الأخبار عن التدابير العسكرية التي اتخذتها إسرائيل، وخاصة ما يتعلق بحشد قواتها على الحدود السورية؛ ما دفع مصر إلى الوفاء بالتزامها وفقاً لمعاهدة الدفاع المشترك (المصرية السورية) التي تم التوقيع عليها في (4/11/1966)؛ فأوفدت رئيس أركان قواتها المسلحة (اللواء محمد فوزي) إلى دمشق لتقدير الموقف على الطبيعة وتنسيق التعاون.
وعندما عاد إلى القاهرة؛ أعلنت مصر حالة من التعبئة القصوى، وأخذت القوات المصرية تتحرك على شكل تظاهرة عسكرية اخترقت شوارع القاهرة يوم (15/5/1967) متوجهة نحو سيناء؛ ثم طلبت القيادة المصرية يوم 16 أيار 1967 من قائد قوات الطوارئ الدولية في سيناء، سحب قوات الأمم المتحدة؛ وقدم الأمين العام للأمم المتحدة "يوثانت" مجموعة من الاستشارات السريعة قرر على إثرها تلبية طلب مصر سحب تلك القوات يوم 19 أيار1967؛ ثم أعلن الرئيس جمال عبد الناصر يوم 23 أيار1967 إغلاق مضايق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية؛ وهكذا أزالت مصر آخر أثرين تبقيا من العدوان الثلاثي عام 1956م.
وقد اعتبرت إسرائيل إغلاق مضائق تيران إعلان حرب؛ فأخذت تسرع بخطواتها وتجهز نفسها عسكريًا وسياسيًا للبدء بالعدوان بتأييد من الولايات المتحدة الأمريكية ومباركتها؛ وذهبت جهود الأمين العام للأمم المتحدة في مهب الريح، رغم ما بذله من لقاءات وجولات بين القاهرة وتل أبيب بغية الحد من تدهور الموقف.
وبدأت طبول الحرب تدق في المنطقة، وبدأت مشاعر الحرب تسيطر على الموقف من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وتوجهت القوات السورية والمصرية نحو جبهات القتال؛ أما إسرائيل فقامت بمجموعة من الإجراءات أظهرت نية قادتها في العدوان، مثل التعديل الوزاري الذي جاء بالجنرال موشيه دايان إلى وزارة الحرب، ولم تمض سوى ساعات قليلة على ذلك، حتى بدأت القوات الإسرائيلية بشن الحرب.
واعتبارا من منتصف أيار 1967م، بدأت استعدادات الجيش الإسرائيلي لشن العدوان، وذلك بتنفيذ الدعوات الاحتياطية السرية، وحشد القوات على الاتجاهات العملياتية؛ ما زاد في توتر الموقف العسكري في المنطقة.
ونتيجة النشاط السياسي الدولي، وبصورة خاصة رغبة الحكومة الفرنسية آنذاك بعدم اللجوء إلى القوة؛ تعهدت الدول العربية المجاورة مصر سورية الأردن بعدم شن الحرب وإيقاف الاستعدادات العسكرية؛ إلا أن القيادة العسكرية الإسرائيلية، وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، استغلت هذا الظرف، وقامت بعدوانها المباغت صبيحة 5 حزيران 1967م.
نفذت إسرائيل خطتها العدوانية بتوجيه ضربة جوية كثيفة ومباغتة للمطارات العسكرية وللطيران الحربي المصري، والسوري، والأردني؛ فمكنت الطيران العسكري الإسرائيلي من توفير السيطرة الجوية على أرض المعركة طيلة مدة الحرب
وفي الفترة بين 5-8/6 انتقلت القوات الإسرائيلية للهجوم، موجهة الضربة الرئيسية على الجبهة المصرية؛ والضربة الثانوية على الجبهة الأردنية؛ في الوقت الذي انتقلت فيه للدفاع النشط على الجبهة السورية مع توجيه الضربات النارية بالمدفعية والطيران لمواقع الجيش السوري في الجولان طيلة تلك الفترة.
الجبهة السورية: في صباح يوم 8/6 أجرت القيادة العسكرية الإسرائيلية إعادة تجميع لقواتها لتركيز جهودها على الجبهة السورية بحشد مجموعتين قتاليتين قوام كل منها ثلاثة ألوية مختلطة مع وسائط الدعم والتعزيز. غير أن التفوق الجوي والسيطرة الجوية المطلقة قدمت الدعم الحقيقي للقوات، حيث قام الطيران الإسرائيلي بدور المدفعية.
وفي الساعة 12.00/ يوم 9/6؛ انتقلت القوات الإسرائيلية للهجوم على الاتجاه السوري، بعد تمهيد ناري كثيف بوساطة الطيران على كامل ميدان المواجهة، مع التركيز على اتجاه الضربة الرئيسية التي حددت في القطاع الشمالي من الجبهة السورية، وبالاتجاه العام: كفر سلط ، تل القلع، والقيام بهجمات مساعدة في القطاعين الأوسط والجنوبي من الجبهة.
كان تقدم القوات الإسرائيلية بطيئاً حتى يوم 9/6، ولم تحقق سوى نجاحاً محدوداً على اتجاه الضربة الرئيسية وبعمق 4 إلى 5 كم، ونحو 2كم على بعض الاتجاهات المساعدة (اتجاه الدرباشية وحضر)؛ وذلك بفضل المقاومة التي أبداها مقاتلو الجيش السوري، وخوضهم معارك ضارية في ظروف قتالية صعبة، وسيطرة جوية كاملة للعدو. وكثيراً ما كانت القوات الإسرائيلة تتراجع أمام مقاومة المدافعين السوريين؛ إلا أن الطيران الحربي الإسرائيلي الذي أوكل بمهمة تحطيم وتدمير المواقع الدفاعية السورية وقصفها، كان سبب تقدم القوات البرية الإسرائيلية.
كانت معركة تل الفخار في ذلك اليوم من أشهر المعارك وأكثرها ضراوة؛ حيث استطاعت سرية مشاة سورية أن تصد هجوم القطاعات الرئيسية للواء مشاة جولاني المعادي، الذي تعده إسرائيل نخبة قواتها الخاصة. ونتيجة لتكبد إسرائيل خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد؛ أصدرت إسرائيل أوامر أكثر من مرة للتوقف عن متابعة الهجوم لتوجيه ضربات جوية للمواقع السورية، وبعد أن تمكنت إسرائيل من احتلال ذلك الموقع، تمكنت من توسيع قطاع خرقة واحتلال قطاع بعمق 5كم.
لقد تابعت إسرائيل هجومها يوم 10/6، على الرغم من صدور قرار الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار، وغذت المعركة بقوات جديدة من الاحتياط، وخاصة من القوات التي كانت تعمل على الاتجاه الأردني. وتتلخص مهمة القوات الإسرائيلية يوم 10/6 بمتابعة التقدم على اتجاهين:
الاتجاه الأول : القلع، القنيطرة، الرفيد.
الاتجاه الثاني : سمخ، التوافيق، العال، الرفيد.
واستخدمت إسرائيل مجموعة قتالية على كل اتجاه؛ واستطاعت حتى نهاية يوم 10/6 من الوصول إلى خط التلال شمال مدينة القنيطرة وجنوبها ومفرق الرفيد.
الجبهة المصرية: قامت الطائرات العسكرية الإسرائيلية في الساعة 8 و45 دقيقة صباح الاثنين، 5 حزيران، لمدة ثلاث ساعات بغارات جوية على مصر في سيناء والدلتا والقاهرة ووادي النيل في ثلاث موجات: الأولى 174 طائرة، والثانية 161، والثالثة 157؛ بإجمالي 492 غارة، دمرت فيها 25 مطاراً حربياً، وما لا يقل عن 85% من طائرات مصر وهي جاثمة على الأرض. وطبقا للبيانات الإسرائيلية: تم تدمير 209 طائرات من أصل 340 طائرة مصرية منها:
30 طائرة تي يو-16، 27 طائرة اليوشن قاذفة، 12 طائرة سوخوي- في، 90 طائرة مقاتلة ونقل وهليكوبتر.
وحول خسائر مصر العسكرية؛ نقل أمين هويدي عن كتاب الفريق أول محمد فوزي: أن الخسائر بين صفوف قوة الطيارين كانت 4%؛ و17% من القوات البرية؛ وكانت الخسائر في المعدات 85% في القوات البرية؛ وكانت خسائر القوات الجوية من القاذفات الثقيلة أو الخفيفة 100%؛ و87% من المقاتلات القاذفة والمقاتلات؛ وأن عدد الشهداء والمفقودين والأسرى هو 13600، عاد منهم 3799 أسيرًا، من بينهم: 481 ضابطًا؛ و38 مدنيًا؛ والباقي جنود وصف ضابط. واتضح بعد المعركة أن عدد الدبابات مائتا دبابة تقريبا دمر منها 12 دبابة، واستشهد فيها 60 فردًا، وتركت 188 دبابة للعدو.
الجبهة الأردنية/ الفلسطينية(الضفة الغربية):
بعد توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين الأردن ومصر في 30 أيار 1967م؛ وضعت القوات الأردنية في حالة تأهب قصوى، وعين اللواء المصري "عبد المنعم رياض" قائدًا عامًا يساعده اللواء الركن عامر خماش (رئيس هيئة الأركان الأردني)، وجاء سير العمليات العسكرية بين الجيش الأردني والقوات الإسرائيلية على النحو الآتي:
كانت القوات الأردنية موزعة على النحو الآتي: لواء خالد بن الوليد في منطقة جنين، لواء عالية في منطقة نابلس، اللواء المدرع 40 احتياط وكتيبة دبابات مستقلة لتعزيز الألوية الأمامية وتدعيمها.
أما القوات الإسرائيلية، فقد كانت مؤلفة من خمسة ألوية مشاة ومدرعة، تسندها المدفعية وسلاح الجو.
وكانت القوات الأردنية المناط بها الدفاع عن القدس تتمثل بلواء الملك طلال بوحداته الثلاثة؛ أما القوات الإسرائيلية المعادية فقد تألفت من لواء مظليين يحتل جبل الطور(المطلع)، ويحيط بالمدينة من الشرق؛ ولواءين: أحدهما آلي، والآخر مشاة، يحيطان بالقدس من الشمال. (لواء المشاة معزز بالمدفعية والدبابات، ومهمته احتلال جبل المكبر، ويحيط بالقدس من الجنوب).
اشتبكت القوات الأردنية مع القوات الإسرائيلية في مختلف المناطق التي كانت تسيطر عليها؛ إلا أن العديد من العوامل أدت إلى إضعاف قدرة الجيش الأردني وأثرت على معنوياته وشتتت جهده.
بدأت القوات الإسرائيلية هجومها صباح يوم 6 حزيران 1967م على المواقع الأردنية في مدينة القدس (الشيخ جراح والمطلع) وجنين وقلقيلية ونابلس وطولكرم ورام الله والخليل وبيت لحم، بواسطة الطيران الحربي والدبابات؛ فتعرضت لها القوات الأردنية المرابطة في تلك المواقع، وأوقعت بها الخسائر، كما كانت المدفعية في منطقة القدس تقصف المواقع الإسرائيلية؛ حيث ووصفت (بالمدفعية المسعورة).
وتكبدت القوات الإسرائيلية خسائر بين أفرادها وآلياتها، وحاولت استعادة جبل المكبّر الذي وقع بيد القوات الأردنية؛ وقامت بتوسيع هجومها على عدة محاور شملت بقية المواقع الأردنية على طول خط المواجهة؛ وتعرضت القوات الإسرائيلية المؤلفة من (لواء مظليين، لواء عصيوني، لواء هاري إيل الآلي، لواء مشاة محمول ولواء مشاة) للمواقع الأردنية، وباشر اللواء "هاري إيل" بالتعرض للمواقع العسكرية الأردنية المحيطة بمدينة القدس مساء يوم 5 حزيران، وباشر الهجوم من ثلاث جهات بقصد احتلال المناطق الحيوية المسيطرة على طريق القدس وباب الواد، وهي: تل الرادار، وتل الشيخ عبد العزيز، وتل النبي صموئيل؛ وتصدت لها القوات الأردنية وأوقعت بين صفوفها خسائر كبيرة.
وعن مذكرات الرائد في الجيش الأردني نبيه فلاح السحيمات: بدأت المعركة في القدس يوم الاثنين 5/6/1967، الساعة الحادية عشرة والنصف وخمس دقائق قبل الظهر، بالأسلحة الخفيفة، ثم المتوسطة، ثم الأسلحة الثقيلة كمدفعية 25 رطل، والتي كانت ملحقة بالمنطقة الشرقية من القدس وهي كتيبة المدفعية التاسعة 25 رطل بقيادة "المقدم محمد الحصان"، بالإضافة إلى استعمال الطائرات، وقنابل الإنارة ليلاً والأسلحة الأخرى.
حاولت القوات الإسرائيلية الدخول من بوابة "مند البوم"؛ إلا أن القوات الأردنية استطاعت وقف تقدمها من هذه البوابة، وحاول الجيش الإسرائيلي عدة مرات؛ ولكنه فشل فشلاً ذريعاً.
وبالرغم من وجود عمارة للمتقاعدين العسكريين على البوابة من منطقة إسرائيل، تطلق النار من جميع نوافذ العمارة باتجاه القوات الأردنية، واستعماله لكشافات قوية، واستعماله أيضاً لقنابل غاز تسبب النعاس ورائحتها كرائحة الليمون - إلا انه وفي النهاية استطاعت القوات الإسرائيلية وآلياتها العسكرية اقتحام مدينة القدس من عدة جهات، واحتلت أحياءها وشوارعها الرئيسية، رغم ضراوة القتال واستخدام الأسلحة البيضاء والقنابل اليدوية في العديد من المواقع. وبرزت بطولات فردية منها فلسطينية دفاعا عن المدينة المقدسة؛ إلا أن المدينة سقطت، ودخل قادة قوات الاحتلال الإسرائيلي باحات المسجد الأقصى وحائط البراق.
نتائج الحرب في الجانب الإسرائيلي
1 ـ كان للحرب الخاطفة التي شنتها إسرائيل غدراً ضد الدول العربية المجاورة لفلسطين تأثير مفاجئ على الجيوش العربية التي أخذت على حين غرة؛ فتمكنت إسرائيل من الإدعاء أنها تمتلك القوة العظمى في الشرق الأوسط التي تستطيع وقف تأثير الاتحاد السوفييتي، وذلك عن طريق التحالف مع الغرب في الحرب الباردة، واستطاعت إسرائيل احتلال مساحات واسعة من الأراضي العربية وصلت إلى 69.347 كم2.
2 ـ انتهكت إسرائيل اتفاقية وقف إطلاق النار المنصوص عليها في قرارات مجلس الأمن، والتي كانت تهدف إلى وضع حد فوري للعدوان.
3 ـ استغلت إسرائيل خلافاً للقانون الدولي واتفاقيات جنيف، مصادر النفط في سيناء ومصادر المياه في سورية.
نتائج الحرب في الجانب العربي:
سياسياً: أيقظت النكسة الأليمة الوجدان العربي وهزته، ونبهت الشعور القومي إلى الخطر الذي بات يهدد كل العرب؛ وانعكس ذلك على التحرك العربي الذي أخذ اتجاهات عملية لإزالة آثار النكسة ودعم مواقع الصمود، والاعتماد على الأصالة الذاتية للأمة العربية، وتمت ترجمة ذلك في انطباعات القمم العربية المتتالية التي أتاحت الإعداد للجولة التالية للحرب العربية الإسرائيلية 1973م.
من ناحية أخرى، كشف شكل العدوان وطريقته وهدفه أمام العالم كله المزاعم الإسرائيلية والغربية التي كانت تستجدي العطف الدولي، وتحصل على دعمه بزعم أن إسرائيل ضعيفة أمام العرب الذين يتهددونها؛ ما أكسب العرب عطفاً دولياً ساعدهم فيما بعد على عزل إسرائيل عالمياً، وكان دوره كبيراً في تغيير الأسس الإستراتيجية لطرفي الصراع العربي الإسرائيلي.
عسكرياً: تعرضت القوات العربية لخسائر كبيرة في عدوان حزيران بالقوى والوسائط، غير أن هذه القوات تحركت بسرعة لإعادة تنظيم قدراتها وإمكاناتها واستطاعت خلال فترة وجيزة أن تعود أقوى مما كانت عليه؛ وعلاوة على ذلك، دفعت مرارة النكسة أبناء الأمة العربية وحكوماتها وقواتها المسلحة للعمل الدؤوب من أجل إعادة بناء القدرة القتالية والاستعداد.
أظهر عدوان حزيران عجز الإدارة العسكرية الإسرائيلية عن إخضاع العرب؛ فعلى الرغم من حجم الانتصار العسكري، إلا أن العرب أصبحوا أكثر تصميماً على متابعة النضال، ولم تتمكن إسرائيل من فرض هدفها السياسي، وهو حمل العرب على الاعتراف بها والإقرار بوجودها؛ وكانت هذه النتائج بمجموعها بعض العوامل التي أدت إلى الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة حرب تشرين الأول 1973م.
كانت نتائج حرب عام 1967م على الأمة العربية مؤلمة، وما زالت آثارها وانعكاساتها ماثلة أمام الأجيال العربية الحالية؛ فقد خسرت الدول العربية مساحات شاسعة من الأراضي (69347 كلم2) استولت عليها (إسرائيل) في تلك الحرب؛ وإذا قارناها بما استولت عليه عام 1948م وأقامت عليه كيانها "20700 كلم2 "يتضح أن هزيمة حزيران أضافت لإسرائيل تقريباً 89.395 كيلو متر مربع؛ أي ما يزيد على أربعة أضعاف مساحتها.
لقد حسنت المساحات الجغرافية الشاسعة من وضع إسرائيل الإستراتيجي والأمني وقدرتها على المناورة العسكرية، ومكنتها لأول مرة منذ تأسيسها من الاستفادة من تطوير وتحسين خططها الدفاعية من خلال استيلائها على موانع جغرافية طبيعية، مثل: مرتفعات الجولان، ونهر الأردن، وقناة السويس.
شبه جزيرة سيناء: فور احتلال إسرائيل لسيناء عام 1967م؛ شرعت السلطات الإسرائيلية بوضع يدها على ما يلي:
• نهب آبار النفط لسد احتياجاتها المحلية.
• الاستفادة من المطارات والقواعد الجوية التي كانت موجودة آنذاك.
• وضع أجهزة إنذار على الجبال والمرتفعات.
• إقامة خط دفاعي على الضفة الشرقية لقناة السويس عرف باسم "خط بارليف".
وكان لهذه الإمكانيات المادية مجتمعة فوائد كبيرة لإسرائيل من الناحيتين العسكرية والإستراتيجية والإقتصادية؛ فقد حسنت من قدرتها على المناورة بقواتها، وأصبح بمقدورها مهاجمة مصر في العمق؛ فطالت طائراتها الكثير من المنشآت العسكرية والمدنية والاقتصادية (مطارات، مصانع، مدارس،.. إلخ)، إلى أن تمكن الجيش المصري من الحد من هذه الهجمات، وذلك بعد تمكنه من بناء حائط صواريخ على القناة بمساعدة الاتحاد السوفيتي.
وعلى الرغم من استعادة مصر جزءا من سيناء في حرب عام 1973م، والأجزاء الأخرى بالمفاوضات التي أعقبت ذلك سواء في كامب ديفد عام 1978م وما تلاها من توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979م، أو بالتحكيم الدولي عام 1988 م واستعادة آخر ما تبقى (طابا) عام 1989م؛ إلا أن السيادة المصرية على سيناء ظلت غير مكتملة؛ إذ إن هزيمة 1967م لا تزال تلقي بتداعياتها على الشأن المصري حتى الآن. فطبقًا لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وملاحقها (1، 2، 3) فإنه:
• محرم على الجيش المصري تسليح سيناء بالعتاد الحربي الذي يريده، والذي يضمن لها السيادة والحماية الكاملة، وكل ما يوجد هناك بدءا من أعداد الجنود ونوعيات أسلحتهم، مقرر سلفا في المعاهدة، وخاضع لمراقبين دوليين تابعين للأمم المتحدة؛ ومن غير الجائز تغييره إلا بموافقة الطرفين وبتصديق من برلمانيهما.
• وفي عموم سيناء، ممنوع على المصريين إقامة مطارات أو موانئ حربية؛ وإن سيناء كلها مقسمة إلى خطوط ومناطق أمنية. ويتم وفقا للمعاهدة وضع أعداد معينة بأسلحة محددة من القوات المصرية في كل منطقة أو خط أمني.
وقد التزمت الحكومات المصرية المتعاقبة بتنفيذ ما ورد في هذه المعاهدة، حتى إنه حينما قالت (إسرائيل): إن عمليات تهريب الأسلحة من سيناء إلى الأراضي الفلسطينية عبر غزة قد ازدادت طالبة من الحكومة المصرية زيادة أعداد قواتها لمراقبة الحدود بواقع 750 جنديًا فقط؛ اشترطت مصر أن يتم ذلك بتوقيع بروتوكول إضافي يلحق بمعاهدة السلام وأن يصادق عليه الكنيست؛ وهو ما تم بالفعل في سبتمبر/ أيلول 2005 بأغلبية 53 صوتا مقابل 28؛ أما طابا) كلم2 واحد) الواقعة شمال خليج العقبة، والتي استعادتها مصر بالتحكيم الدولي عام 1988م واستلمتها عام 1989م، فإنه، ووفقا لقرار القضاة الدوليين: مسموح للإسرائيليين بدخولها دون تأشيرة دخول مدة 48 ساعة. ولا تزال تلك الأوضاع على حالها حتى الآن: أرض غير مكتملة السيادة، ووجود إسرائيلي في منتجع طابا تحت لافتة السياحة بتحكيم دولي.
الضفة الغربية والقدس الشريف:
احتلت قوات الاحتلال الإسرائيلية الضفة الغربية، بما فيها القدس الشريف (5878 كلم2) عام 1967م؛ إثر انسحاب القوات الأردنية وعودتها إلى الشرق من نهر الأردن، وقلصت حدودها مع الأردن من 650 كلم إلى 480 كلم (من بينها 83.5 كلم طول البحر الميت).
ونهبت إسرائيل الكثير من ثروات الضفة الغربية لا سيما المائية منها، وباشرت بعمليات تهويد للقدس بطريقة مخططة ممنهجة؛ واستطاعت، باستيلائها على مساحات شاسعة من أراضي الضفة، تحسين وضعها الإستراتيجي والأمني والعسكري، وإزالة أي خطر عسكري كان من الممكن أن يتهددها، أو وجود أي جيش عربي منظم ومسلح في الضفة الغربية، التي تعتبر القلب الجغرافي لفلسطين التاريخية. ومن تداعيات احتلال الضفة الغربية:
- السيطرة على الضفة الغربية بما فيها القدس الشريف (حوالي 70 كلم2) والتحكم في مقدساتها الإسلامية كالمسجد الأقصى وقبة الصخرة.
- إخضاع 2.5 مليون فلسطيني لسيطرتها. (تقديرات جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني عام 2006 م).
- مضاعفة أعداد المستوطنين وبناء المستوطنات، بالاستيلاء على مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية في الضفة والقدس، حتى وصل عدد المستوطنين فى بداية شهر يناير 2013 حسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية 360 ألف مستوطن. (وهذا الرقم لا يشمل المستوطنين في القدس والذين يزيد عددهم عن 200 ألف).
- ضم القدس الشرقية إلى القدس الغربية في تموز 1967م، ثم إعلانهما عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل في تموز 1980م، بقرار من الكنيست.
- العمل وبالتدريج على تنفيذ سياسة تهويد للقدس بمختلف السبل، كطرد السكان العرب، وهدم المنازل والأحياء العربية، ومصادرة الأراضي، حتى بلغ مجموع ما صادرته من تلك الأرض ما يقارب نصف المساحة التي كانت عليها القدس الشريف في الرابع من حزيران 1967م.
هضبة الجولان: وعلى الجبهة السورية وبعد هزيمة القوات السورية؛ استولت إسرائيل على 1158 كلم2 من إجمالي مساحة هضبة الجولان البالغة 1860 كلم2.
وحقق استيلاء إسرائيل على هضبة الجولان مزيداً من المكاسب الإستراتيجية؛ وذلك لما تتميز به الجولان من تضاريس تجعلها مرتفعة عن سطح البحر؛ حيث تستند إلى جبل الشيخ من جهة الشمال، ووادي اليرموك من الجنوب، وتشرف إشرافاً مباشراً على الجليل الأعلى وسهلي الحولة وطبريا. وكانت إسرائيل قبل الخامس من حزيران تعتبر الوجود العسكري السوري في هذه المنطقة مدعاة لتهديد مناطقها الشمالية.
وشرعت السلطات العسكرية الإسرائيلية في تجهيز نقاط عسكرية في تلك الأماكن، ومن أهمها الحصن العسكري الذي أعدته في جبل الشيخ على ارتفاع 2224 متراً عن مستوى سطح البحر؛ كما أقامت كذلك قاعدة عسكرية جنوب الجولان.
وقد أضافت هضبة الجولان لإسرائيل عمقاً دفاعياً أبعد الخطر المباشر عن مدنها ومستوطناتها الحيوية الآهلة بالسكان، وجعل القوات الإسرائيلية نفسها مصدر تهديد للعاصمة السورية دمشق عبر محور "القنيطرة دمشق"، بالإضافة إلى محاور حوران.
ولا تزال إسرائيل حتى تاريخه، تحتل هضبة الجولان، رغم مرور ستة وأربعون عامًا؛ ولم تتمكن سوريا في حرب عام 1973م من تحريرها والسيطرة عليها.
وما تزال تداعيات هذا الاحتلال تتوالى؛ إذ إن نحو 100 ألف نسمة من أهالي الجولان تم تهجيرهم، وما زالوا يعانون المشكلات الناجمة عن النزوح عن ديارهم، وقد تجاوز عددهم 175 ألف نسمة؛ يسكن معظمهم في العاصمة دمشق. وبقي في هضبة الجولان نحو 25 ألف نسمة يعيشون في أربع قرى رئيسية، ويعمل أغلبهم بالرعي والزراعة، ويخضعون للقانون الإسرائيلي الذي صدر من الكنيست عام 1981م، تحت عنوان "قانون مرتفعات الجولان". كما فعلت من قبل بالضفة الغربية والقدس، فقد شجعت المستوطنين على الاستقرار في الجولان حيث بلغ عددهم وفقا لمصادر إسرائيلية- حوالي 20 ألف مستوطن يقيمون في 34 مستوطنة حسب مكتب الإحصاء الإسرائيلي 2013.
ولم تتوقف السلطات الإسرائيلية عن نهب وسرقة موارد الجولان الطبيعية وخيراتها الزراعية؛ فالمستوطنون يزرعون حوالي 80 كلم2، ويستفيدون من معظم المراعي البالغة مساحتها 500 كلم2؛ كما نشطت شركات السياحة الإسرائيلية في استغلال ذلك، لدرجة أن نسبة إشغال الغرف السياحية المستثمرة لحسابها وصلت حوالي 100 ألف غرفة، وبلغت أعداد السائحين للجولان سنة 2006 قرابة مليوني سائح.
كما تستغل إسرائيل أراضي هضبة الجولان صناعياً؛ حيث أقامت عليها منطقة صناعية يعمل فيها أكثر من ألف عامل إسرائيلي؛ أما عن الثروات المائية، فهي من أهم ما تستغله إسرائيل من موارد الجولان الطبيعية؛ حيث تستولي على مياه نهري اليرموك وبانياس وتستفيد منهما في الشرب والزراعة؛ فالجولان يزود إسرائيل بنحو 25%- 30% من استهلاكها السنوي للمياه.
دور منظمة الأمم المتحدة تجاه حرب حزيران
يعد العدوان الإسرائيلي على مصر وسورية والأردن في (5/6/1967) بمنزلة تحول خطير في مجرى الصراع العربي الإسرائيلي، وكانت تلك الفترة هامة ومؤثرة في تاريخ القضية الفلسطينية على المستوى الدولي، انتهت بإصدار مجلس الأمن قراره 242 في 22 تشرين الثاني عام 1967، الذي تضمن مبادئ الحل السلمي وفق وجهة نظر مجلس الأمن.
وفيما يلي نص القرار:
قرار مجلس الأمن الدولي رقم (242) صدر في 22/11/1967
تبنى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة هذا القرار، في جلسته رقم1382، بإجماع الأصوات.
إقرار مبادئ سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط:
إن مجلس الأمن: إذ يعرب عن قلقه المتواصل بشأن الوضع الخطر في الشرق الأوسط، وإذ يؤكد عدم القبول بالاستيلاء على أراض بواسطة الحرب، والحاجة إلى العمل من أجل سلام دائم وعادل تستطيع كل دولة في المنطقة أن تعيش فيه بأمن، وإذ يؤكد أيضاً أن جميع الدول الأعضاء بقبولها ميثاق الأمم المتحدة قد التزمت بالعمل وفقاً للمادة (2) من الميثاق؛
1- يؤكد أن تحقيق مبادئ الميثاق يتطلب إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، ويستوجب تطبيق كلاً من المبدأين التاليين:
أ - سحب القوات المسلحة من أراض (الأراضي) التي احتلتها في النزاع.
ب- إنهاء جميع ادعاءات أو حالات الحرب، واحترام واعتراف بسيادة وحدة أراضي كل دولة في المنطقة، واستقلالها السياسي، وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة، ومعترف بها، وحرة من التهديد وأعمال القوة.
2- يؤكد أيضاً الحاجة إلى:
أ- ضمان حرية الملاحة في الممرات المائية الدولية في المنطقة.
ب- تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.
ج- ضمان المناعة الإقليمية، والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة، عن طريق إجراءات بينها إقامة مناطق مجردة من السلاح.
يطلب من السكرتير العام أن يعين ممثلاً خاصاً إلى الشرق الأوسط؛ لإقامة اتصالات مع الدول المعنية؛ بهدف المساعدة في الجهود؛ للوصول إلى تسوية سلمية ومقبولة، على أساس النصوص والمبادئ الواردة في هذا القرار.
يطلب من السكرتير العام أن يبلغ المجلس بمدى تقدم جهود المبعوث الخاص، في أقرب وقت ممكن.
ولم تقبل إسرائيل بمنطق السلام، بل استمرت في ضم الأراضي المحتلة خطوة بعد خطوة، وفي رفض قرارات منظمة الأمم المتحدة وتحدي ميثاقها وانتهاك مبادئها؛ واستمرت الحال على ذلك حتى نشبت حرب ( أكتوبر تشرين) في 6-10-1973م.
التعليقات