ماس يناقش التأثيرات الاقتصادية لنقص العمالة في السوق المحلي

عقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) لقاء طاولة مستديرة بعنوان "التأثيرات الاقتصادية لنقص العمالة في بعض القطاعات الحيوية في السوق المحلي" بمشاركة مجموعة من المختصين وذوي الخبرة والمهتمين، وجاهياً في مقر المعهد وعبر تقنية الزووم. أعد الورقة الخلفية للقاء الدكتور رابح مرار، مدير البحوث في المعهد بمشاركة إسلام ربيع، الباحث المساعد في المعهد. 

وقدم كل من الدكتورة سامية البطمة من جامعة بيرزيت، والسيد عزمي عبد الرحمن ممثلا عن وزارة العمل، والسيد صلاح حسين، مدير عام غرفة تجارة وصناعة رام الله والبيرة، والسيد عبد الهادي أبو طه، ممثلا عن الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، مداخلاتهم وتعقيباتهم على ورقة النقاش.

افتتح الجلسة رجا الخالدي، مدير عام ماس، مؤكدا على أهمية الموضوع والذي يعتبر فنيا بالدرجة الأولى وله تداعيات سياساتية حياتية معيشية. 

وذكر أن هذه الورقة تأتي ضمن أولويات الحكومة، حيث أشار رئيس الوزراء قبل عام من اليوم إلى هذه الظاهرة واصفا إياها بالظاهرة المقلقة لما لها من تداعيات عديدة، لكن أيضا لها أسباب ربما غير معروفة. 

وذكر الخالدي أن هذه الظاهرة تؤثر بشكل واضح على الاقتصاد الفلسطيني، وتؤدي بدورها إلى تشوهات في بنية الاقتصاد الفلسطيني. وأضاف أن الورقة التي اعدها المعهد تحاول الفصل بين تلك المؤثرات وبين مخرجات النظام التعليمي ومدى ملائمتها لاحتياجات سوق العمل. وأكمل مذكرا بأن المعهد يعقد لقاءات الطاولة المستديرة الدورية لمناقشة مختلف المواضيع، باعتبارها أحد الأدوات لاقتراح توصيات سياساتية تفيد في عملية صنع القرار بما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد والمواطن الفلسطيني. كما اختتم الخالدي مداخلته بتقديم الشكر لمؤسسة هينرش بل- مكتب فلسطين والأردن على دعمهم هذا اللقاء.

ورقة ماس الخلفية

أسباب النقص

عزت الورقة أهم مسببات نقص العمالة إلى ضعف هيكلية الاقتصاد الفلسطيني، وضعف قدرته الاستيعابية. وهذا بالأساس يعود بشكل أساسي إلى سياسات الاحتلال الإسرائيلي التي عملت على تقويض الاقتصاد الفلسطيني والحد من تطوره، من خلال فرض قيود على حركة الأفراد والبضائع، وإحكام قبضته على الضفة الغربية وقطاع غزة والفصل بينهما، والعمل على تقويض علاقتهم التجارية والاقتصادية مع العالم الخارجي وقصرها على الاقتصاد الإسرائيلي، والتي بدورها أحدثت تشوهات هيكلية في بنية الاقتصاد. كما حدت هذه القيود من القدرة التشغيلية والاستيعابية للاقتصاد الفلسطيني.

أضف إلى ذلك التوجه المتزايد للعمالة الفلسطينية للعمل في إسرائيل خاصة في ظل نقص الوظائف وانخفاض الأجور في السوق المحلي، مقارنة بتوفر فرص عمل بأجر أعلى في سوق العمل الإسرائيلي، ما أدى إلى توجه نسبة لا يستهان بها من القوى العاملة الفلسطينية إلى سوق العمل الإسرائيلي.

كما أن الفجوة في المهارات وعدم موائمة مخرجات التعليم المهني والتقني في فلسطين بمتطلبات سوق العمل أدت إلى نقص العمالة في السوق المحلي، نتيجة ضعف التنسيق بين برامج التعليم والتدريب المهني والقطاع الخاص، بالإضافة إلى عدم توفر الدعم والتمويل الكافي الذي يوسع من هذه الفجوة.

الآثار الاقتصادية

أوضحت الورقة أن نقص العمالة في القطاعات سيؤدي الى تعطيل سلاسل الإنتاج (العرض)، ورفع مستوى الأسعار، وإحداث تراجع في النشاط الاقتصادي. وبينت أيضاً أن القطاعات الزراعية والصناعية والإنشاءات والسياحة كانت الأكثر تأثراً من غيرها بتزايد توجه اليد الفلسطينية الماهرة للعمل في السوق الإسرائيلي. كما أن هناك أثر لرفع الأجور على تقليص حجم القطاعات الإنتاجية وتراجع القدرة التنافسية للمنتجات الفلسطينية في السوق المحلي أمام السلع المستوردة وفي الأسواق الخارجية.

التدخلات الممكنة

تطرقت الورقة أيضا الى أهم التدخلات الممكنة للحد من هذه الظاهرة، والتي تمثلت بضرورة تطوير نظم الحماية الاجتماعية المعمول بها داخل كل منشأة ، بما يشمل: التأمين الصحي، والإجازات المرضية، وإعانات البطالة، كذلك تكثيف السياسات الرامية لتشجيع إعادة التأهيل للباحثين عن عمل بما فيهم الخريجيين الجدد، وإعطاء برامج تدريب مكثفة لخريجي المعاهد المهنية لمواءمة مهاراتهم مع سوق العمل المحلي، والعمل على حوكمة قطاع التعليم والتدريب المهني من خلال إنشاء هيئة مختصة للتعليم والتدريب المهني والتقني، يتمحور عملها الأساسي حول معالجة الفجوات في الإدارة والتنسيق بين الشركاء الأساسيين في هذا القطاع، بالإضافة إلى تطوير الموارد البشرية بحيث يلعب أرباب العمل والصناعة دورا أكبر في تحديد أولويات القوى العاملة من خلال إجراء تقييمات دقيقة للمهارات المطلوبة في سوق العمل، وكذلك من خلال إشراكهم في تشكيل نظام التعليم والتدريب المهني والتقني. إلى جانب ذلك، ولتعظيم استفادة القطاع الخاص من تطوير كوادرهم البشرية لا بد من زيادة استثمارهم في تعزيز التعليم والتجريب المهني والتقني، وكذلك الاستثمار في تطوير برامج التعليم المهني.

بدوره، بين عبد الهادي طه أن هناك تأثيرات وتداعيات كبيرة لنقص العمالة على بعض القطاعات الحيوية على الاقتصاد المحلي، وعزا ذلك إلى توجه العمالة الفلسطينية الى العمل في سوق العمل الإسرائيلي بسبب فارق الأجور مقارنة بالسوق المحلي على الرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهونها سواء في التنقل عبر الحواجز من وإلى داخل إسرائيل أو بسبب ظاهرة "سماسرة التصاريح". طالب طه الشركاء بضرورة إصلاح قانون العمل الفلسطيني، وتطبيق الحد الأدنى للأجور، وتحسين نظم الحماية الاجتماعية، وتعزيز الاستثمار المحلي، وتطوير التدخلات الخاصة بالتدريب والتأهيل التقني والفني.

في بداية مداخلته، اقترح السيد صلاح حسين أن نطلق مسمى هروب العمالة الى إسرائيل بدلا من نقص العمالة في الاقتصاد المحلي، كما دعا إلى ضرورة وجود رؤية رسمية واضحة حول توجه العمالة الفلسطينية للعمل في إسرائيل والمستعمرات، وتساءل إن كانت هناك رؤية نحو الاستمرار بهذا التوجه أم لا بالنظر إلى إيجابيات وسلبيات هذه العلاقة على المديين القصير والبعيد. في ذات السياق، طالب بإطلاق مبادرات عملية قابلة للتطبيق خاصة فيما يتعلق بموضوع الانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي وتوفير دعم استراتيجي وخطط تنفيذ، ودعا إلى الاستثمار الجدي في المناطق الصناعية التي أصبحت منهارة فيما بعد رغم الاستثمارات الكبيرة التي وضعت بحيث تستوعب عمالة أكثر، كما طالب أيضاً بمراجعة مخرجات التعليم العالي لتتوائم مع احتياجات سوق العمل.

 

من جانبه، بين عزمي عبد الرحمن أن تأثيرات هذا الموضوع تمتد لأبعاد سياسية ووطنية كبيرة، فما يعاني منه السوق الفلسطيني من نقص عمالة في بعض القطاعات الحيوية هو نتاج ما عملت عليه إسرائيل منذ التأسيس باستخدام العمالة الفلسطينية كأداة للحفاظ على تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي، وأن الأجور المرتفعة في إسرائيل هي من دفعت العامل الفلسطيني للتوجه للعمل في إسرائيل، ودعا أصحاب العمل في السوق المحلي إلى ضرورة رفع الأجور للحد من ظاهرة توجه الأيدي العاملة الماهرة للعمل في السوق الإسرائيلي. وأوضح أن السياسات التنموية ليست فاعلة، فهي لا تستوعب الداخلين الجدد لسوق العمل الفلسطيني، وذكر بأنه يجب أن تكون هناك نظرة واقعية من المشغل للعامل من أجل خلق حالة من التنافسية.  

بدورها دعت سامية البطمة إلى تفعيل دور القطاعات الإنتاجية، والتي بدورها يمكن أن تعيد العمال إلى السوق المحلي. وتساءلت البطمة عن عوامل الجذب في السوق الفلسطيني، والتي من الممكن أن تساهم بشكل كبير في رفع الأجور محليا ما سيجعل الاقتصاد الفلسطيني عامل جذب.

وقالت "لا يجب أن يترك العبء فقط على كاهل القطاع الخاص وحده"، فيجب أن تلعب  الحكومة دورا فاعلا جداً، ويجب أن يكون هناك سياسات وتدخلات من الحكومة. أم فيما يخص عمالة المرأة، فهي لم تدخل إلى قطاع الإنشاءات بشكل كبير ولا في قطاع النقل والمواصلات، وتعمل بشكل رئيسي في الزراعة والصناعة والتكنولوجيا والخدمات، وعليه، يجب رفع كفاءة وتفعيل دور القطاعات الإنتاجية.

بعد فتح النقاش العام، أكد الحضور على أهمية الموضوع، وأجمعوا على أن الاحتلال هو المعيق الأبرز للتنمية في فلسطين، كما أجمع الحضور على أن التنمية هي المحرك الأساسي للنهوض بالاقتصاد، وخلقه لفرص عمل كافية تستوعب الداخلين الجدد إلى سوق العمل، وأن هذه التنمية مرهونة بتفعيل وتطوير القطاعات الإنتاجية في البلاد. ويتطلب تحقيق ذلك تدخلات فاعلة من الحكومة والقطاع الخاص، فالحكومة يجب أن تقدم التسهيلات اللازمة للقطاع الخاص بما يخدم استثماراته في هذه القطاعات، وشدد الحضور على نقطة في غاية الأهمية والمتمثلة بربط العمالة في إسرائيل بالظروف السياسية والأمنية؛ ففي حالة توقف إصدار تصاريح للعمال كما حصل في الانتفاضة الثانية ستتفاقم مشكلة البطالة وسيكون لها تبعات سلبية على الاقتصاد المحلي، وهنا تكمن أهمية تنمية الاقتصاد المحلي لتلافي هذه التبعات.