إسرائيل ولجنة مكافحة الإرهاب: حاميها حراميها

إسرائيل ولجنة مكافحة الإرهاب: حاميها حراميها
نهاد أبو غوش
إسرائيل ولجنة مكافحة الإرهاب: حاميها حراميها

بقلم: نهاد أبو غوش

يمثل انتخاب الليكودي داني دانون لعضوية لجنة مكافحة الإرهاب في الاتحاد البرلماني الدولي نكتة سمجة. يبدو الأمر أقرب إلى انتخاب لص ذي سوابق مشهود له بالسرقة حارسا لودائع الناس وأماناتهم، أو انتخاب قواد مسؤولا عن هيئة الحفاظ على الشرف، وينطبق على ذلك المثل الشعبي الذي يقول "حاميها حراميها". وما يزيد الأمر استفزازا أن ذلك جرى على أرض عربية هي البحرين، وأن دانون انتخب في اقتراع سري شاركت فيه 47 دولة، وبعد تنافس مع مندوبي دول السويد وهولندا واسبانيا!

سبق لهذا الشخص الذي شغل منصب مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة بين العامين 2015 و2020، أن أصدر كتابا عن علاقات اسرائيل بالعالم، وصف فيه الأمم المتحدة بأنها "وكر وحوش" معاد لإسرائيل، وقد دعا الفلسطينيين إلى أن يقروا بالهزيمة وأن يتصرفوا كمهزومين.

يصفه الكاتب الإسرائيلي المعروف جدعون ليفي بأنه "شخص كهاني" نسبة إلى مائير كهانا، وقد كرس حياته السياسية حين كان نائبا لملاحقة منظمات اليسار الإسرائيلي ومؤسسات حقوق الإنسان باعتبارها خارج الإجماع الوطني الصهيوني، كما ادعى حين كان رئيسا للجنة حقوق الطفل في الكنيست بأن الأطفال الفلسطينيين يلقون الحجارة على جنود الاحتلال لقاء المال.

لم يُفوّت الإرهابي دانون الفرصة للترويج لسياسة إسرائيل التي تمارس أبشع أشكال الإرهاب وهو "إرهاب الدولة" ، فقد سارع إلى القول بعد انتخابه أنه فخور بالدفاع عن السياسة الأمنية لإسرائيل، معتبرا أن انتخابه جاء ليمثل اعترافا بقدرات إسرائيل في محاربة الإرهاب.

صحيح أن الهيئة التي جرى انتخاب دانون لها لا تملك أدوات عملية لتنفيذ مواقفها وسياساتها (حتى مؤسسات الأمم المتحدة لا تملك مثل هذه الأدوات إلا إذا اتخذت القرارات بموجب البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة)، ولكن ينبغي عدم التقليل من أهمية هذا الاختراق في الوصول إلى منصة دولية مهمة تعبر عن المؤسسات التمثيلية للشعوب في 179 بلدا.

تزامن انتخاب الممثل الإسرائيلي لهذه اللجنة المعنية بمكافحة الإرهاب، مع الميل المتزايد لوصف إسرائيل بما هي عليه فعلا، أي بكونها دولة احتلال وتمييز عنصري، ومع اشتداد الهجوم "الإرهابي" الشامل الذي تشنه دولة إسرائيل على الشعب الفلسطيني مستخدمة كل أدوات القتل والتدمير، وارتكاب المذابح التي يكون معظم ضحاياها من المدنيين الفلسطينيين، ومن دون اي تمييز بين فلسطيني طفل او شاب أو مقاتل أو صحفي أو مزارع. بل إن الحكومة الإسرائيلية تمنح كل إسرائيلي جنديا كان أو مستوطنا، رخصة مفتوحة لقتل الفلسطينيين من دون أي تبعات، وفي ظل دعم حكومي مطلق لهذه الجرائم التي تُقترف وسط قناعة كاملة بإمكانية الإفلات من العقاب كل مرة.

جاء الانتخاب المشين بعد أيام قليلة من "محرقة حوارة" التي وصفها بعض المحللين الإسرائيليين ب"ليلة البلور" تشبيها لها بالليلة التي شهدت انفلات النازيين ضد اليهود في العام 1938. بل إن بعض المحللين الإسرائيليين المنصفين يميز بين ما تقوم به دولة بحكومتها وجيشها وهيئة أركانها وأجهزتها الأمنية من مجازر مدبرة، وبين ما يقوم به فرد فلسطيني واحد يتصرف وفق تقديراته الشخصية وانفعالاته بعد مجزرة ما، ليخلصوا إلى أن ما تقوم به حكومة الاحتلال هو الإرهاب بعينه.

من المؤكد أن انتخاب مندوب إسرائيلي لمنصب أممي رفيع كهذا يكشف عوارا صارخا في منظومة العلاقات الدولية التي تقوم بشكل أساس على المصالح وليس على المبادئ، كما تشمل ألوانا من النفاق والإجحاف الذي يحابي الطغاة والمستبدين الأقوياء على حساب المقهورين والمضطهدين. ولكن لا بد من الإشارة إلى أن هذا الانتخاب يأتي ثمرة لجهود واتصالات واختراقات جدية أنجزتها إسرائيل وتمكنت خلالها ولأسباب شتى من استمالة دول كانت من ضمن أصدقاء فلسطين ورافضة للاحتلال، كما هو حال عدد من الدول الأفريقية خلافا للدول العربية والإسلامية التي دخلت في دوائر التطبيع. تجري هذه الاختراقات لأكثر من تكتل إقليمي في شرق أفريقيا وغربها وسط انحسار عربي وتراجع دور الدول العربية التي كانت ناشطة تاريخيا في التصدي لإسرائيل وبخاصة مصر وليبيا ومنظمة التحرير الفلسطينية. تبدو الساحة الأفريقية خالية ومستباحة أمام النفوذ الإسرائيلي لولا الدور المهم الذي تلعبه الجزائر ودولة جنوب أفريقيا في التصدي للتغلغل الإسرائيلي كما وقع مؤخرا عند طرد الوفد الإسرائيلي من اجتماعات منظمة الوحدة الأفريقية.

تابعنا جميعا البيانات وردود الفعل الفلسطينية الصادرة عن القيادة والفصائل والمجلس الوطني ومنظمات المجتمع المدني وكلها غاضبة على انتخاب المندوب الإسرائيلي للجنة مكافحة الإرهاب، معظم هذه البيانات كانت أقرب إلى تسجيل المواقف ورفع العتب منها إلى محاولة صنع فعل يؤثر في سير الأحداث. وكان الأجدر بهذه الأطراف جميعا وخاصة وفد المجلس الوطني والدبلوماسية الفلسطينية أن تتنبه للخطر قبل وقوعه، وأن تحتاط لهذا الأمر بكشف الخلفية الإرهابية لهذا المرشح، وإطلاق حملة لمنع انتخابه، وتنسيق المواقف لضمان انتخاب طرف مؤيد لقضيتنا وقادر على التمييز المنصف بين الإرهابي وغير الإرهابي. لم يحصل ذلك، وليس هذا مجال العتب وتوزيع المسؤوليات فالمعركة مع إرهاب الدولة الإسرائيلية طويلة جدا، وهي ستشهد كثيرا من حالات المد والجزر، ومن المهم جدا في هذا الصدد استنفار كل أشكال الدعم والتضامن الدولي مع شعبنا وقضيتنا من خلال تنشيط لجان التضامن، وإحياء وتفعيل لجان فلسطين في مختلف البرلمانات العربية والدولية،  وتنشيط حملات المقاطعة والدعوات لمعاقبة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها ومقاومة التطبيع، وانخراط الجاليات الفلسطينية حيثما أمكن فيها.

أنظار العالم تتفتح الآن على فاشية إسرائيل وإجرامها وزيف ديمقراطيتها، لكن الانحياز للعدالة ولنا لن يتحقق إلا بتصويب أوضاعنا الداخلية وأدوات عملنا، واعتماد برنامج وطني موحد قادر على استقطاب التأييد والمناصرة.

 

التعليقات