الأصول العرقية والتركيبة السُكانية لمحافظة القُدس

الأصول العرقية والتركيبة السُكانية لمحافظة القُدس
الباحث : حازم زكي البكري

مُقدمه:

لم تتمتع مدينة القدس بتركيبة سكانية مُتجانسه بعد ان اسسها الكنعانيون العرب وجعلوها احدى مراكزهم الاداريه والتي سكنها االيبوسيين داخل الاسوار التي انشأوها حتى الاراضي الممتده حول نبع جيحون او ما يُعرف اليوم بحي سلوان .

فقد تأثرت التركيبة السكانية لمدينة القدس عبر التاريخ بسبب الحروب والغزوات التي تعرضت لها , وكما تأثرت بالهجرات الداخلية من الريف والقرى والباديه والمدن المجاوره.

وقد وفد هؤلاء المهاجرين الى المدينة اما لعوامل اقتصاديه او أمنية او طبيعية او اللجوء بسبب الحروب .

وقد قطن هؤلاء المهاجرين الجدد في قلب المدينة المسوره او بجوارها , وكان التأثير الاكبر على التركيبه السكانية على مدينة القدس هي هجرة اهالي الخليل الى القدس بشكل موجات ابتدأت منذ عام 1453م على أثر الصراعات بين طوائف الخليل.

ومن المؤسف ان مؤلفي كُتب التاريخ والتراجم قد سلطت الاضواء على العائلات التي كانت تشكل طبقات العلماء والاعيان والطبقة الحاكمه وكبار التجار ومُلاك الارضي واهملت ذكر العائلات الأخرى.

وقام بعض المؤرخين بتقسيم سكان المدينة الى عائلات قديمة وعائلات حديثة وحصروها بأعداد قليلة , ولكن بحقيقة الامر عندما يطلع الباحث المُحايد على المصادر التاريخية سواء من ادب الرحلات اوالوثائق المملوكيه او السجلات العثمانية فسيجد في حجج البيع والشراء والزواج وحصر الارث وكتاب الانس الجليل وغيرها من المراجع وجود مئات من العائلات التي كانت تقطن مدينة القدس وما زالت فليس من المنطق ان تنحصر عائلات اي تجمع سكاني بطبقات العُلماء والاعيان والحُكام , فهناك عائلات الموظفين والعاملين والمهنيين والحرفيين والرعاة وعائلات الفلاحين وغيرهم والتي كانت تُشكل النسبه العُظمى من التعداد السكاني.

الشعوب والقوميات والاعراق التي وفدت الى المدينة

مُنذ ان أسس الكنعانيون العرب قبل اربعة آلاف سنة مركزهم الإداري على احد الهضاب المُتصله بنبع جيحون فيما يُعرف اليوم بحي بسلوان , وأطلقوا عليه اسم يبوس والذي اصبح اليوم اسمها القدس.

جذبت المدينة الطامعون والغزاه من فراعنه وفرس ويونان وبابليين ويهود ورومان وغيرهم وكان هؤلاء الغزاه يصنعون بل يختلقون اسباب لتبرير احتلالهم المدينة .

وتواجد بالمدينة وجوارها بعد العصر الكنعاني قبائل عربية من لخم وجذام والغساسنة وقبيلة عنزه والمسيحيون العرب الذين استوطنوا بلاد الشام وفلسطين.

حتى جاء الفتح العُمري فإنضم الى كل هؤلاء اعداد من القبائل العربية والعدنانيه فأصبحت المدينة تتشكل من مزيج من تلك الاقوام والعرقيات المُختلفة ومن بقايا المماليك.

وانضم لهذه التشكيلة السكانية خلال الحروب الصليبية العرق الاوروبي مع التنويه بإستمرار تواجد العرب والمسلمين بداخل المدينة باعداد قليله واعداد كبيرة انتقلت الى ارياف المدينة وارياف المُدن الاخرى اثناء الاحتلال الصليبي.

وبعد التحرير الصلاحي لفلسطين ولمدينة القدس من الفرنجه, شجع الناصر صلاح الدين وملوك بني ايوب المسلمين الهجره الى فلسطين وبالتحديد الى مُدن القدس والخليل وعكا وشجع العائلات المقدسية التي نزحت الى القرى الفلسطينة الى العودة اليها ووطن في القدس مُسلمين من المغرب والجزائر وليبيا وموريتانيا عُرفوا لاحقاً بالمغاربه بالاضافة الى الأكراد والايرانين والأفغان والبخاريه والتركمان والاتراك والالبان والاوزبك والبشناق والهنود ووفد الى المدينة في العهد العثماني الجالية الافريقية والدوم (النور) والشركس والارمن ,حتى ان بعض احياء المدينة سُميت بأسم بعض القبائل او القوميات.

واستقر بالمدينة اعداد كبيره من المصريين اثناء احتلال ابراهيم باشا لفلسطين ووفد اليها اعداد اخرى من مُختلف قرى فلسطين ومدنها مثل غزة ونابلس واصبحوا جزء من المجتمع المقدسي والنسيج السكاني .

وكان اكثر المُهاجرين للمدينة فروع من عائلات مدينة الخليل الذين توافدوا للمدينة على مراحل مختلفة ولاسباب عديده بدأت مع اشتعال الفتن والصراعات الدموية التي كانت تحدث ما بين الاكراد وحلفاؤهم والتميمية على الأراضي او زعامة المدينة وذلك في العهدين الايوبي والعثماني .

والموجات الاخرى من رجالات الخليل جاءت للمُشاركة بالدفاع عن المدينة تزامناً مع بدأ الانتداب البريطاني على فلسطين وتجلى ذلك اثناء ثورة النبي موسى عام 1920 م وثورة البراق عام 1929م وثورة عام 1936م .

وخلال نفس حقبة الإنتداب البريطاني استقطبت العائلات المقدسية المُتصارعة من مجلسيون ومعارضون العديد من عائلات قرى الخليل ونابلس لفرض الهيمنة والسيطره على المدينة.

فكان للهجرات المتعاقبة لاهالي الخليل الأثر في اعادة تشكيل التركيبة السكانية والديموغرافية لسكان المدينة فأصبح الخلايله يشكلون الغالبية العظمى فيها.

وبعد نكبة 1948 م ونكسه 1967م استقر العديد من اهالي المُدن والقرى المُهجره في المدينة كلاجئين وخاصة الذين هُجروا قسراً من حيفا ويافا واللد والرمله وقراهم ضمن مُخطط التطهير العرقي , فمن هؤلاء اللاجئين من استقر بالمدينة المسوره او جوارها او ضمن مخيمات في حدود محافظة القدس يعيشون قاطنيها ضمن ظروف صعبة.

وأستقرت عدد من اسر الثوار العرب في فلسطين وفي مدينة القدس ممن شاركوا الفلسطينين في معاركهم ضد الاطماع الصهيونية في فلسطين.

وعانت المدينة وقراها ايضاً من هجرات عكسيه نتيجة التطهير العرقي فلجأ اعداد كبيره من المقدسيين من مختلف تركيباتهم السكانية الى العاصمة الاردنية ومخيماتها ودول عربية أخرى مجاوره.

نستطيع القول ان التركيبة السكانية لمدينة القدس عباره عن:

( لوحه فُسيفُسائية تُعبر مُكعباتها الحجريه الكبيرة والصغيره بترتيبها وتناسقها وتناغمها وبألوانها المتعدده تُجسد التنوع السكاني للمقدسيين من شعوب وقوميات واعراق ذات اصول مُختلفة.

وما يُميز هذه اللوحه انصهار وإمتزاج القوميات والاعراق ذات الاصول المتنوعه في إطار واحد يُمثل اللغة والتقاليد والعادات المُشتركه والذي توارى خلفه الأصول العرقية).

ومع إحتدام صراع سكان المدينة مع الاحتلال الصهيوني اصبح سكان القدس يؤكدون ويفتخرون بإنتماءهم وإنتسابهم لمدينة القدس فيكفيهم شرف ما بعده شرف ان يكونوا من الصامدين والمرابطين في اولى القبلتين وثالث الحرمين.

التعليقات