تآكل الشواطئ .. معضلة بيئية كبرى في قطاع غزة

تآكل الشواطئ .. معضلة بيئية كبرى في قطاع غزة
بقلم أ.د. عبد الفتاح نظمي عبد ربه

تُعرف ظاهرة تآكل أو انجراف أو حت أو تعرية الساحل (Coastal Erosion) بأنها اهتراء أرضه أو زوال شاطئه بسبب الأمواج والعواصف البحرية والمد والجزر والتصريف والحمل وغير ذلك. تتأثر جميع السواحل في العالم بالعواصف والأحداث الطبيعية الأخرى التي تسبب التعرية. يزداد حجم المشكلة وخطورتها سوءًا مع ارتفاع مستوى سطح البحر العالمي ، لكنها تختلف في أجزاء مختلفة في البلدان الساحلية، لذلك لا يوجد حل واحد يناسب جميع البلدان أو السواحل. تعتبر بيئة البحر الأبيض المتوسط (Mediterranean Sea) في قطاع غزة شريان حياة للغزيين لما تمثله من اقتصاد أزرق (Blue Economy) ومصدر رزق واستجمام وترفيه يقدم للفلسطينيين منافع جمة تكمن في الصيد السمكي (Fishing) وبناء قوارب الصيد وشباك الصيد السمكي (Building Fishing Boats and Fishing Nets) مختلفة الأحجام والأشكال والوظائف والإبحار (Sailing) والتدريب العسكري (Military Training) والاستجمام البحري والشاطئي (Marine and Beach Recreation) والدراسات العلمية (Marine Studies) و إمكانية استخراج الغاز الطبيعي والموارد الأخرى (Extraction of Natural Gas and other Resources) وتشييد الموانيء ومراسي الصيد السمكي (Construction of Ports and Fishing Anchors) فضلا عن إمكانية تشييد طرق المواصلات البحرية للعالم الخارجي (Construction of Marine Transportation Routes to the Outside World) مستقبلا. تعاني البيئة البحرية (Marine Environment) والنظام البيئي البحري (Marine Ecosystem) في قطاع غزة من مشكلات جمة تكمن في محدودية منطقة الصيد السمكي (Limited Fishing Zone) لتحكم الاحتلال الإسرائيلي بها وبمساحتها, والتلوث البحري والساحلي (Marine and Coastal Pollution)، والصيد السمكي المفرط (Overfishing)، والغزو البيولوجي (Bioinvasion) وصيد الأحياء البحرية المهددة (Fishing of Threatened Marine Biota)، والنحر الساحلي وتآكل الشواطيء (Coastal and Beach Erosion) وغيرها الكثير. يؤرق تآكل الشاطيء أو الساحل (Beach or Coastal Erosion) في قطاع غزة مضاجع الغزيين والمسئولين معا بسبب المخاوف المحدقة لهذه الكارثة على المجتمع الفلسطيني. جدير بالذكر أن ظاهرة تآكل ونحر الشاطئ في قطاع غزة بدأت في الظهور الملموس منذ بداية سبعينات القرن الماضي، بالتزامن مع إنشاء ميناء الصيادين في مدينة غزة. في الواقع، ساهم وجود الموانئ والألسنة البحر المتعامدة على الشاطيء في قطاع غزة بتآكل الرمال الواقعة على شمالها وترسيب الرمال في المنطقة الجنوبية منها، ولعل التغيرات المناخية العالمية تزيد من حدة الظروف الجوية الحادة وتتسبب في مفاقمة ظاهرة التآكل والنحر.

أسباب النحر في شواطيء القطاع

تتعدد أسباب التعرية والنحر في شواطيء قطاع غزة لتشمل: الأسباب المناخية والبيئية (Climatic and Environmental Causes) والتي تتضمن تغير المناخ (Climate Change) الذي ينجم عنه ذوبان الجليد (Melting of Ice) وارتفاع منسوب البحار (Rise in Sea Levels) وهذه قضية عالمية. تساهم التغيرات الحادة في الطقس مثل الأمطار الغزيرة (Heavy Rains) التي ينجم عنها فيضانات يابسية (Land Floods) وانهدام للجروف الشاطئية (Collapse of Beach Cliffs) وتصريف الرمال والأتربة (Sand and Dust Drainage), والعواصف البحرية (Sea Storms) والأمواج البحرية الشديدة والعالية (Strong and High Sea Waves) وشدة المد والجزر (Tide Intensity) عوامل مهمة في نحر الشواطيء.

الأسباب البشرية (Anthropogenic Causes) والتي تتضمن بناء وتشييد الموانيء (Ports) والألسنة البحرية (Sea Groins) ولعل بناء مرسى أو ميناء الصيادين في مدينة غزة (Gaza Fishing Port) له أثر كبير في نحر شاطيء مخيم الشاطيء (Al-Shati Camp). يمثل اقتلاع صخور الشواطيء (Uprooting of Beach Rocks) واستنزاف الرمال الشاطئية (Depletion of Beach Sand) التي تساهم في كسر حدة الأمواج وتخفيف تأثيرها وبالتالي يفاقم هذا العمل من عمليات النحر وتقدم مياه البحر على حساب اليابسة.


عواقب نحر الشاطيء في قطاع غزة ·  
انجراف العديد من الشواطيء على طول الساحل الفلسطيني في قطاع غزة وتقدم مياه البحر صوب اليابسة.       

فقدان عدة أمتار من الشاطئ سنويا وآلاف الأمتار المكعّبة من رمال الشاطئ بسبب تقلّص عرض الشاطئ من 50 – 100 متراً إلى 10- 30 متراً في بعض المناطق أو إلى "صفر" مترا كما في شاطيء مخيم الشاطيء للاجئين الفلسطينيين.  

حدوث انهيارات وتشققات وسقوط في المباني والمنتجعات والشاليهات والفنادق والبنى التحتية المُقامة على طول الشاطئ في قطاع غزة ولعل انهيار غرف الصيادين (Fishermen's Rooms) في ميناء دير البلح وسط قطاع غزة خير شاهد على ذلك.

هطول كميات كبيرة من الأمطار الغزيرة في فترات قصيرة نسبيا يتسبب في حدوث السيول والانهيارات المتعاقبة (Successive Torrents and Collapses) في الجروف الساحلية (Coastal Cliffs) التي تشيع في بعض مناطق الشاطيء الفلسطيني الممتد في قطاع غزة بطول 42 كيلومترا. 

تعرض خطوط تصريف مياه الأمطار والصرف الصحي (Rainwater and Sewage Drainage Lines) القريبة من البحر في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين للانهيار والتدمير بسبب تقدم مياه البحر جراء النحر.     

تهديد بعض المناطق الأثرية (Archaeological Areas) في مناطق بعينها على الساحل الفلسطيني ومنها موقع أو جرف البلاخية الأثري (Al-Balakhia Archaeological Site or Cliff) في شمال غزة وبالتالي فقدان لمناطق وقطع أثرية هامة. 

تهديد السياحة البيئية (Ecotourism) من خلال انحسار الشاطيء وتدمير مناطق الاستجمام والاصطياف (Recreation Areas) على الرمال الصفراء التي تزين شلطيء قطاع غزة. تجدر الإشارة في هذا المقام أن البحر وشاطئه في قطاع غزة يمثلان متنفسا وحيدا للغزيين في فصول الصيف الحار. ·

تدمير بعض مناطق الخط الساحلي في قطاع غزة ممثلا بشارع الرشيد الساحلي (Coastal Al-Rasheed Street) التي يمتد من شمال إلى جنوب قطاع غزة، ومن أوضح الأمثلة على ذلك تدمير وانهيار الشارع الساحلي المحاذي للقرية السويدية الواقعة في أقصى جنوب غرب قطاع غزة والقريبة جدا من الحدود المصرية الفلسطينية. ·       

تعرض بعض المناطق في قطاع غزة إلى الغرق ولعل أوضح الأمثلة يكمن في "القرية السويدية" في أقصى جنوب الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط والتي تعرضت للغرق ويتم حمايتها بصعوبة بالغة. ·       

تدمير الحمايات والدعامات التي شيدتها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) على شاطئ مخيم الشاطئ للاجئين قبل نحو 30 عاما، وهي في الواقع كتل صخرية مدعمة بشباك حديدية (Rock Blocks Supported by Iron Nets) لمنع تسربها وانزلاقها إلى البحر والشاطيء، ولكن مع مرور الزمن، واصلت مياه البحر في تقدمها صوب ذلك الجرف الاصطناعي (Artificial Cliff) مما تسببت في انهياره وتساقط صخوره تباعا حتى بات شاطيء البحر والمياه البحرية تعج بصخور متعددة الأشكال والألوان والحجوم. ·       

إعاقة أنشطة الصيد السمكي (Fishing) في بعض مناطق شواطيء قطاع غزة بسبب انحسار الشاطيء ولاسيما قبالة مخيم الشاطيء للاجئين الفلسطينيين. ·       

التلوث البصري (Visual Pollution) جراء محاولات بعض الغزيين ردم الشواطيء (Beach Reclamation) بالذات في مدينة غزة (العاصمة الفعلية لقطاع غزة) لمجابهة التآكل والنحر البحري للشاطيء وإقامة بعض مناطق الاصطياف (Summering Areas). يتضمن ردم الشواطي استخدام نفايات الهدم (Demolition Wastes) للمنشآت والمباني التي قصفت خلال الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة والتي قد تحوي أسياخا حديدية (Iron Rods) أو طلاءات سامة (Toxic Pains) أو عناصر ملوثة للبيئة البحرية (Elements Polluting the Marine Environment).

تتسبب نفايات الهدم في تشويه الشاطيء البحري على طول قطاع غزة مما يسبب ضيقا واكتئابا في النفس البشرية التي تبحث عادة عن مناطق جميلة وجذابة تستجم فيها. ·       

انعدام قدرة الجهات المختصة في قطاع غزة على معالجة لمشكلة تآكل الشواطيء بشكل جذري يفاقم من حجم الكارثة في ظل انعدام وجود التمويل ومنع إسرائيل لإدخال المواد والآليات اللازمة لذلك. يلجأ الغزيون في بعض الأحيان إلى حلول ترقيعية وبدائية لمعالجة المشكلة دون جدوى حقيقية.

هل من حلول؟

تساهم البلديات بشكل عام في معالجة آثار الظاهرة على الشاطيء الفلسطيني وعلى الغزيين خاصة في فصل الشتاء في ظل امتلاكها لبعض الآليات القديمة والمتهالكة بسبب ضعف الحال والحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة بعد عام 2005. إن حقيقة ما يلزم لمجابهة تآكل ونحر الشواطيء في قطاع غزة هو الحماية العاجلة والاستراتيجية من خلال دراسات علمية وفنية تستخدم فيها الحواجز العائمة (Floating Barriers) وكواسر الأمواج المستعرضة (Transverse and Intermittent Wave Breakers) على طول الشاطيء بعمق قد يصل إلى 100 مترا أو يزيد، وردم بعض المناطق البحرية بالصخور الضخمة (Huge Rocks) لكسر حدة الأمواج وتخفيف تأثيرها. يتطلب ذلك وجود تمويل مالي كبير ومساندة من خبراء دوليين وإدخال الصخور الضخمة من الضفة الغربية (الشطر الجغرافي الآخر من المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967) والتي تحول إسرائيل دون إدخالها. في الختام، توصي هذه المقالة بضرورة تضافر الجهود المحلية والإقليمية والدولية لمعالجة ظاهرة تآكل الشاطيء في قطاع غزة بشكل مستدام نظرا لأهمية البيئتين البحرية والشاطئية للغزيين ومتطلبات حياتهم في ظل الأوضاع السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية التي لا تخفى على أحد.







التعليقات