أعيدوا لهم بطاقاتهم!

أعيدوا لهم بطاقاتهم!
نهاد أبو غوش
أعيدوا لهم بطاقاتهم!

بقلم: نهاد أبو غوش

كما هو متوقع، ردت حكومة التطرف اليميني الفاشي في إسرائيل بجملة من العقوبات على الفلسطينيين بسبب توجههم مؤخرا للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي تكلل بقرار في غاية الأهمية يقضي باستفتاء محكمة العدل الدولية في لاهاي بشأن الآثار القانونية للاحتلال وانتهاكاته المستمرة على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وممارسة حقوقه المشروعة. العقوبات الإسرائيلية شملت مزيدا من اقتطاع وقرصنة أموال المقاصة الفلسطينية التي تجبيها إسرائيل بحكم سيطرتها على الموانئ والحدود، كما شملت سحب بطاقات الشخصيات المهمة جدا (VIP) ممن تعتقد إسرائيل أنهم يقفون خلف هذا التوجّه وعملوا عليه، ومن المؤكد أن إسرائيل لن تشمل الشخصيات التي يهمها مواصلة التنسيق معها سواء في المجال الأمني أو الاقتصادي.

منطق العقوبات الشاملة على الشعب الفلسطيني ليس جديدا، بل بات يشكل إحدى أبرز أدوات الابتزاز للشعب الفلسطيني وقيادته منذ سنوات طويلة، وقد لجأت دولة الاحتلال لهذا الأسلوب مرارا وتكرارا وخصوصا بعد إجراء الانتخابات التشريعية، وتشكيل الحكومة العاشرة برئاسة اسماعيل هنية في العام 2006، ثم حكومة الوحدة الوطنية في العام 2007، ولاحقا مع إصرار السلطة على مواصلة القيام بالتزاماتها تجاه الأسرى والشهداء، ثم انضمامها للمحكمة الجنائية الدولية.

أحيانا كانت إسرائيل تلجأ لفرض عقوبات فردية على بعض الشخصيات الفلسطينية بسبب تصريحات أو مواقف تراها نافرة أو تحريضية، أما الآن فنحن إزاء عقوبات بالجملة تسعى دولة الاحتلال لفرضها على مجموعة من القيادات.

القيادة الفلسطينية ردت بموقف هو عبارة عن تصريح صحفي عام بأن هذه القرارات (العقوبات) مرفوضة، وأن الشعب الفلسطيني سيواصل نضاله السياسي والقانوني وأنه قادر على حماية حقوقه. هذا جيد، حدّ أدنى مطلوب دائما، لكنه يبقى في إطار المواقف والتصريحات الكلامية التي مهما بلغت شدتها فلن تبلغ مستوى الخطوات العملية، لا سيما وأن السياسات الإسرائيلية عموما ومنها العقوبات وعمليات القتل اليومي والاستيطان هي إجراءات عملية، ينعكس أثرها بشكل مباشر على حياة الفلسطينيين.

مثلنا العربي يقول "رب ضارة نافعة" ولعله ينطبق على قضية سحب بطاقات الشخصيات المهمة جدا. فأن يتساوى المسؤولون مع أبناء وبنات شعبهم في معاناتهم من إجراءات الاحتلال، هي مسألة في صالح المسؤولين حتما وليست ضدهم، مع أنهم لن يتساووا في الواقع لأنهم يملكون من متاع الحياة وإمكانياتها ما يعفيهم من مشقة التوجه قبل انبلاج الفجر إلى الحواجز ، والمرور عبر طوابير القهر لتأمين لقمة عيش مغمسة بالقهر والإذلال ليعودوا عقب مغيب الشمس. ماذا إذن لو قلب المسؤولون المُوقّرون الآية، فجمعوا هذه البطاقات وأعادوها لمن أصدرها مع برقية موجزة بأنهم لن يقبلوا مثل هذه الامتيازات على حساب الشعب وحقوقه؟ حبذا لو تبادر قيادة السلطة والمهمة إلى إفهام الإسرائيليين أن من يقفون وراء التوجه الأخير للجمعية العامة ومجلس الأمن هم آلاف الأشخاص وليسوا مجرد نفر محدود ممن يعملون في الدبلوماسية ومجال القانون الدولي.

جاء صرف "بطاقات الشخصيات المهمة جدا"، بحسب الترجمة الحرفية، لكبار مسؤولي السلطة لتسهيل عملهم الذي يشمل الانتقال بين جناحي الوطن في الضفة وقطاع غزة ودخول القدس والمناطق المحتلة عام 1948، وأحيانا تمكين البعض من السفر عبر مطار اللد، وتسهيل انتقالهم عبر الجسر، وهذه الصلاحيات والإمكانيات مستوعبة ومفهومة، فلا أحد منا يسرّه أن يرى وزيرا أو مسؤولا يتعرض للامتهان عند الحواجز الإسرائيلية، ولا أن تعوقه هذه الحواجز عن أداء مهامه. لكن المؤكد أن إسرائيل لم تصرف هذه البطاقات من أجل تسهيل عمل المسؤولين الفلسطينيين في خدمة شعبهم، بل من أجل إيجاد مصالح ومنافع لشريحة ضيقة جدا من الفلسطينيين، وتحديدا من متخذي القرارات بحيث يصبح من مصلحتهم الحفاظ على هذه الامتيازات، إنها إذن إحدى أدوات الوقيعة وإيجاد الشروخ بين المسؤولين وبين الشعب. وقد ساهمت هذه البطاقات في طمس وتعمية أنظار المسؤولين عن حقيقة السجن الكبير الذي وضع فيه الشعب بعد اتفاق أوسلو، وإلا ما معنى قيام بعض هؤلاء المسؤولين باستغلال هذه البطاقات في القيام برحلات وجولات شخصية واجتماعية بينما يعيش مليونا فلسطيني في قطاع غزة في سجن كبير وفي ظروف تفتقر لأبسط مقومات الحياة الإنسانية؟ ما معنى أن يتمتع المسؤولون بزيارة أقاربهم ومعارفهم بينما يحرم ملايين الفلسطينيين من وصول القدس والمسجد الأقصى.

ما يبرر هذه الفكرة الآن أن البطاقات فقدت السبب الجوهري الذي وجدت من أجله، فلا يوجد في الضفة مسؤولون يتابعون شؤون وزاراتهم في غزة أو العكس، وتشبه فكرة إعادة البطاقات بشكل جماعي ما يقوم به أسرانا مرارا وتكرارا من خطوات نضالية من بينها الإضراب عن الطعام وإعادة الوجبات احتجاجا على انتهاك أو إجراء ما، وعلى سيرة الأسرى لنتذكر أنه ما زال لدينا في السجون أمناء عامون لفصائل وأعضاء لجنة مركزية ومكاتب سياسية، ونواب منتخبون، أي أن مناصب بعضهم أرفع من مناصب بعض من يحصلون على بطاقات الشخصيات المهمة، ولعل ما يطمح له أسرانا حاليا بعد مطلب الحرية هو إلغاء إجراءات العزل واستعادة بعض المكتسبات والحق في زيارة ذويهم لهم، وبالتالي فليس كثيرا ولا خارقا للمألوف أن نعيد البطاقات لمن أصدروها.

إعادة البطاقات هي فكرة رمزية، أما الرد الجوهري على إجراءات الاحتلال فهو في اعتماد سياسات تمكن من تحسين موازين القوى لصالحنا في مواجهة الاحتلال ومشاريعه، بما يجعل هذا الاحتلال أكثر كلفة على المحتلين، ويدفعه إلى إعادة النظر في كل خطوة يخطوها وكل إجراء يتخذه. لن نكلّ ولن نملّ من ترديد أن مدخل هذا التغيير يتمثل في إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة واعتماد برنامج وطني موحد، يمكن من خلاله القيام بهجوم مضاد، حيث يمثل وجود  حكومة التطرف والفاشية العنصرية، أو ائتلاف المتطرفين والفاسدين والمجانين كما أسماهم السيد حسن نصر الله، فرصة استثنائية لنجاحنا في التصدي للفاشية وبرنامجها.

 

 

 

التعليقات