"غربة الفلسطيني".. معاناة متزايدة في ظل الأزمات والصعوبات الحياتية

"غربة الفلسطيني".. معاناة متزايدة في ظل الأزمات والصعوبات الحياتية
تعبيرية
خاص دنيا الوطن - رزان أبو زيد
بعيدًا عن ويلات الحروب، ومعاناة الشعب الفلسطيني داخل أرضه، يهرب الشباب من مختلف الأعمار إلى خارج البلاد، بحثًا عن الأمن والأمان والاستقرار، بهدف تكوين عائلة "باعتقاد منهم" أنها ستحظى بظروف أفضل، وتربية أبنائهم بعيدًا عن انتهاكات الاحتلال التي تطال الحجر والبشر، مُجبَرِين غير راغبين يضطر البعض لتغريب نفسه، والعيش في بلد أجنبي بالكاد يستطيع التأقلم مع ظروفها. 

الغربة كربة وصعوبات حياتية

"بدايةً عندما تذهب إلى أي دولة يكون هناك نوعٌ من البريق، والحماس لـ شيءٍ جديد في حياتك لا تعلم ما القادم، وتلتهي في الحياة الجديدة، بعيدًا عن أي إحساس كنت تعيشه سابقًا، ولكن بعد شهر يبدأ هذا البريق يذهب رويدًا، وتبدأ الالتزامات، والمسؤوليات، والصعوبات، وتبدأ بالاشتياق والحنين إلى الأهل، والعائلة، والأرض"، هكذا بدأت المغتربة الفلسطينية، رانيا خليل، التي تقيم في إيطاليا منذ نحو (14 عاماً) حديثها عن تجربتها في الغربة.

وواصلت المغتربة خليل حديثها "على الحياة أن تستمر بكل الأحوال، وعلينا أن نواصل التعاملات الحياتية"، مشيرةً إلى أن "التواصل مع الأهل كان في البداية صعبًا؛ لعدم توافر وسائل التواصل الموجودة حاليًا، وكنتُ حتى أستطيع التحدث مع عائلتي، أذهب في طريق مدتهُ تقريبا نصف ساعة عن بيتي، وأتكلم عن طريق (كابينة تليفون)، وذلك فقط في الإجازات (يومي السبت، والأحد)".

وحول كيفية تأقلمها وانسجامها مع العادات والتقاليد في إيطاليا، أوضحت أن "الشعب الإيطالي هو من يبادر ليتحدث إليك، ويساعدك، ويرشدك إلى الطريق، وهكذا بدأت تعلم اللغة، والتعرف إليها، إضافةً إلى دورات اللغة التي يقدمونها بالمجان للمغتربين، والتعامل مع الناس، والتحدث إليهم ذلك هو الذي ساعدني على تعلم اللغة"، مبينةً أن "الشعب الإيطالي لا يتعامل على أساس الدين، وذلك على نطاق التعاملات الدراسية، والصداقات".

"الغربة كربة".. بهذه المقولة لخّصت المغتربة رانيا، الحياة في الغربة، مضيفةً أن "هذه الصعوبات التي نمر بها في الغربة، هي خير معلم للحياة، وتقوينا عليها، ونستطيع من خلالها أن نستمر في حياتنا، وتكون هذه الصعوبات مضروبة بعشرة، من حيث المشاكل، والصعوبات المادية، والصحية، والعمل، ومع ذلك كله كان معي طفلين، أعمارهم ما بين الـ (6-3 سنوات)، ثم اكتشفت إنني استطعت أن أُربي أولاد أقوياء، دون أن أشعر".

ووصفت المغتربة خليل المشاكل الصحية التي كانت تمر بها خلال فترة تواجدها بعيدًا عن وطنها "بالمتعبة، والمرهقة إلى حدٍ كبير"، لافتةً إلى أن "ذلك يؤثر في العامل النفسي، والتفكير الزائد، ومن الصعوبات التي كنت أواجهها، هي عدم معرفة اللغة بشكل كافٍ، فعندما أذهب إلى تلقي علاجٍ ما في المستشفى، لم يكن هنالك أحد يترجم لي الكلام الصحيح الذي يقوله الطبيب، وإن وجد فيكون غير مسؤول، وغير أمين، فهنا تزيد المشاكل الصحية".

وبينت أنه "حتى في مجال العمل، أجد أشخاصًا تحاول الإيقاع بي، وإمساك خطأ واحدٍ علينا ويحاول الشخص المسؤول على الموظفين، ألّا يعطي المعلومات الكافية حتى لا أصبح أقوى منه، ويحاول أن يضعني تحت الضغط، ليؤثر على قدرتي، ويضعف عملي".

ولفتت إلى أن "تربية الأطفال في دولة أوروبية غربية تكون صعبة نوعًا ما، نظرًا إلى اختلاف المعتقدات، والأديان، ولكنني كنتُ حريصة منذ صغرهم أن أزرع في ذهنهم معتقداتنا الدينية، وأننا كمسلمين لدينا المناسبات الدينية الخاصة بنا، والصلوات الخمسة، وشهر رمضان الكريم، والأعياد الإسلامية، وحتى المولد النبوي، والحمدلله كان هناك استجابة إلى حدٍ كبير، وكأي طفل يمكن أن يتعدى على أهله في فترة المراهقة".

وبما يخص الطعام الحرام والحلال قالت المغتربة رانيا إنني "كنت حريصة على تعليمهم، وتربيتهم على وجود لحوم لا يجوز أكلها لأننا مسلمين، كلحم الخنزير، وأي نوع من اللحوم التي نأكلها يجب أن تذبح بطريقة حلال، وعلينا شرائها من المحلات الإسلامية، وكانوا يسألون ويستفسرون عن كل شيء، لمعرفة دينهم بشكل صحيح".

وأما بالنسبة لتعامل الجاليات الفلسطينية معنا كمغتربين "لم أقابل الكثير من الناس الفلسطينيين، ولكن هنالك شخصين قد تعاملت معهم من أصل فلسطيني، وكانوا من أفضل الناس التي تعاملت معهم، ويساعدونني دون معرفة من أنا، فقط لمجرد أنني امرأة مغتربة، أعيش لوحدي، وأحتاج إلى مساعدة".

وأما بقية الشعوب العربية في تعاملهم كان "كلٌ يتعامل بطبعه، وهذا لا علاقة له بالدولة التي هو منها، على قدر ما هو له علاقة بالإنسان نفسه، وطريقة تعامله مع الناس، وبدايةً تعرفي عليهم (كعلاقات الصداقة مثلاً) تكون جميلة، ولكن بعد مدة تبدأ شخصيتهم الحقيقية بالظهور، ويبدأون معاملتك بشكل سيء، وينظرون لي أنني امرأة مطلقة، ولديّ مشكلة صحية، ويتعاملون معي على هذا الأساس بعيدًا عن كيف أعاملهم، وماذا أفعل لهم".

 الخوف من الخروج إلى الشارع

ومن جانبها، علّقت المغتربة (ف.ك) من ناحية الصعوبات التي واجهتها في بداية غربتها منذ عامين إلى كندا تحديدًا قائلةً :"كان هنالك صعوبة في العادات والتقاليد والبلد كبيرة جدًا ولا أعرف بها شيء، وكنت في البداية أخاف أن أخرج إلى الشارع لوحدي، وأن أتعامل مع أحد لا أستطيع الفهم فكانت هنا اللغة تشكل عائق كبير".

وتابعت المغتربة (ف.ك) حديثها على كندا أنه "عندما دخلت البلد أول مرة الحكومة احتضنتني وتم تسجيل أولادي في مدارس ليكملو تعليمهم وأنا دخلت في مدرسة متخصصة للغة لكي أستطيع التعامل مع الناس، فكان تعامل الناس جيد جدًا وكانوا لطفاء معنا، ولكن كان هنالك صعوبة وهي أنه يجب عليّ أن أبدأ حياة جديدة من الصفر بعدما كان لي حياتي الخاصة في بلدي".

وأما بالنسبة لتربية الأولاد في البلاد الأجنبية "الحمد لله عندما جئت إلى كندا كان أولادي بعمر واعي يعرفون عاداتنا وتقاليدنا وتعاليم ديننا الإسلامي، وكنت دائمًا ما أحدثهم على الرسول والقرآن والسنن النبوية، ولكن ما يخص الأكل الحرام والحلال فكنت دائمًا أقرأ المكتوب على المنتجات حتى أعرف ما إذا كان الأكل صالح لنا ويجوز بأن نأكله وبالتالي الأولاد تعلموا من ذلك فأصبحوا يفعلون مثلي".

وأشارت المغتربة (ف.ك) إلى تعامل الجاليات العربية فقالت "إن الجاليات العربية كانوا جيدون معنا كثيرًا ويحاولون بأن يساعدونني في كافة الأحوال فكانوا سبب في عمل مشروع صغير خاص بي، وأن أدخل جامعة حكومية لدراسة اللغة، ومعرفة البلد بشكل أفضل، ولم ألاحظ بأن هناك عنصرية في التعامل بل على العكس من ذلك".

اختلاف الثقافات والعادات والتقاليد

ومن جانبٍ آخر قال المغترب أسامة عمر قال إن "بدايةً تكون صدمة الفراق هي الأصعب من ناحية الأهل والغربة وأنا كنت بعمر صغير عندما اغتربت عن أهلي وأتيت إلى ألمانيا تحديدًا منذ 36 عامًا"، مشيرًا إلى أن "وسائل الاتصال والتواصل قليلة وصعبة، لكن فكرت فيها أنه كلما استطاع الشخص أن يتجاوز هذه المرحلة أسرع يختصر على نفسه الكثير".

وأضاف أنه "من جميع النواحي كانت الصعوبات تحوم حولي كمغترب مثل: اللغة، العادات والتقاليد، النظام والقانون، وفهم نفسيات الناس وتقبلهم للآخر، لأنها تختلف وتتنوع فمنها الجيد والسيء أيضًا، وهذا الشيء موجود في كل البلاد وكل زمان ومكان، والشعب الألماني بشكل عام شعب معتز بنفسه لذلك كنت أجد قلة قليلة التي تتحدث اللغة الإنجليزية أو أي لغة تانية غير الألمانية، لذلك الإنسان يرى نفسه ملزم بأن يتعلم اللغة الألمانية حتى يبدأ حياته في هذه البلد".

ومن ناحية تربية الأطفال قال المغترب أسامة عمر إنني "منذ صغر سنهم كنت أزرع بداخلهم فكرة الاختلاف، وأن الناس متنوعة ومختلفة، ومن المؤكد أن جميعنا بشر ولكلٍّ منا دينه، عاداته وتقاليده وأسلوب حياته المتفرد، وهذا الشيء يجعلنا أفضل أو أسوأ، على العكس من ذلك هذا التنوع هو الذي يُعطي للحياة جماليتها والتفرد هو الذي يُوهب الشخص تميزه وشخصيته الخاصة".

وتابع حديثه أنني "كنت حريصًا على بناء علاقة ود ولطف وانفتاح وثقة كبيرة مع الأولاد حتى أكون أنا الملجأ الأول والوحيد إلى أسألتهم، وتعاليم الدين ومبادئ الحلال والحرام كنت أحرص على الالتزام بها أمام أبنائي حتى يروها مطبقة في البيت بشكل طبيعي وبالتالي يقوموا بتطبيقها بشكل تلقائي وعفوي".

وأما بالنسبة إلى تعامل الجاليات العربية والفلسطينية مع المغتربين أشار المغترب أسامة عمر إلى أن "في أي مكان هناك الصالح والطالح فمنهم من يركض للمساعدة ولديه لهفة لابن البلد ومنهم من يخاف من مساعدة الغريب".

وأكمل حديثه فيما يخص العمل "بشكل عام أي شخص يجب عليه أن يثبت نفسه وقدراته في العمل وأن يقوم في مهامه على أكمل وجه دون زيادة أو نقصان وهكذا لا يترك مجال لأحد بأن يتعامل معه بطريقة غير لائقة بل بالمصداقية المهنية، ومن المؤكد وجود بعض الأشخاص التي تحاول التخريب عليك فالحل الوحيد معها هو التجاهل والانشغال بالنفس".

صعوبة التأقلم مع البيئة الجغرافية

ومن طرفٍ آخر قالت المغتربة في كندا، (س.ع)، إنه "كان من الصعب التأقلم على البيئة الجديدة خصوصًا في كندا بسبب شدة البرودة، واختلاف العادات والتقاليد والثقافات المتعددة في البلد، ولكن أنا كان لدي فكرة بسيطة عن ثقافة المكان لأنني خريجة جامعة كندية".

ووصفت (س. ع) التي غادرت فلسطين منذ (12 عاماً)، إن الشعب الكندي "شعب مضياف جدًا، ويحبون المساعدة فعندما ذهبت إلى هناك أعطوني التأمين الصحي ودائمًا يتصلون ليطمئنوا إذا كنا بخير، وكان النظام التعليمي والقطاع الصحي بجميع أفرعه من (تحاليل وعلاج) مجاني من الحكومة الكندية".

وأضافت حول كيفية تعامل الجاليات العربية والفلسطينية وأنهم "كانوا يساعدون المغتربين الجدد في كل شيء ويعرفونهم على الأماكن المخصصة للتسوق، وكيفية تسجيل الأولاد في المدارس"

واعتبرت المغتربة (س .ع) أن تربية الأولاد تتم من خلال "التفاهم، وأيضًا إلى جانب عمل موازنة بين الحياة التي كنا نعيشها والحياة الجديدة، وبالتالي كان من الضروري أن نحترم ثقافات ومعتقدات المجتمع هناك، والشعب الكندي كان يحترم معتقدات الآخرين بسبب أن الناس هناك متعددة الثقافات، ويعطونا الحرية بممارسة عاداتنا وتقاليدنا الخاصة بنا".

وأما بالنسبة للعمل فقالت المغتربة (س .ع)، إن "هنالك لا يقبلون إلا بالشهادات الخاصة بهم والتجارب والخبرات الخاصة بهم فكان من الضروري بأن يعمل المغترب كمتطوع ليأخذ الخبرات اللازمة لعمله، وعندما يتوظف المغترب بعد مشوار طويل يصعب على من هناك بأن يتعامل بعنصرية معه لأن هناك اتحاد يحمي حقوق الموظف، وكان أيضًا موضوع معادلة الشهادات صعب جدًا لأن الشعب الكندي لا يثق غير في تعليمه الخاص".

الأزمات الفلسطينية والعالمية

وبما يخص الأزمات التي تمر بها فلسطين مثل الحروب وغيرها، اتفق المغتربون الأربعة أنها من أصعب الأوقات التي تمر على أي مغترب بعيداً عن أهله ووطنه، فيشعرون بالعجز الشديد وعدم معرفة ماذا يجب أن يفعل، وطوال الوقت يترقبون الأخبار وهم قلقون وهذا كله يشكل لهم ضغطاً نفسياً كبيراً، ويبدأ عقلهم الباطني بتخيل الأحداث.

وأجمع المغتربون الأربعة بما يخص أزمة جائحة (كورونا)، أنهم في تلك الفترة كانوا يعتمدون على الإنترنت في شراء احتياجاتهم المنزلية وتصل المشتريات إلى باب المنزل، ويتم الدفع الكترونيًا لمنع الاحتكاك والحفاظ على الصحة، فكانت هذه الأزمة منتشرة عالميًا وبالتالي كان الحجر الصحي مفروض علينا جميعًا.

التعليقات