"جنيف الدولي للعدالة" لجنة الإختفاء القسري تطالب العراق بإجراءاتٍ عاجلة

رام الله - دنيا الوطن
طالبت لجنة الأمم المتحدة المعنيّة بحالات الاختفاء القسري (CED ) العراق إتخاذ إجراءاتٍ عاجلة لإدراج الاختفاء القسري كجريمةٍ مستقلة في التشريع الوطني، مشدّدة على أنه لا يمكن تأجيل العملية أكثر من ذلك. وأكدّت ضرورة أن تقوم لجنةٍ محايدة ومستقلّة بالتحقّق من وجود أماكن احتجازٍ سرّية في العراق.

جاء ذلك في بيانٍ صدر عنها عقب إنتهاء زيارتها للعراق في 24/11/2022، وأضاف البيان، أنّ الإختفاء القسري يتمثل بالحالات التي يرتكبها وكلاء الدولة أو مجموعات الأشخاص الذين يتصرّفون بتفويضٍ من الدولة أو بدعمها أو قبولها، موضحاً أن المعلومات والبيانات المتوفّرة في العراق لا تسمح بقياس حجم هذه الجريمة لكنّ الوفد تلقى خلال الزيارة، التي استغرقت 12 يوماً، المئات من إدعاءات الاختفاء القسري من مختلف المحافظات.

وحثّت اللجنة العراق على إنشاء سجلٍّ مركزي ومترابط لتمكين التعرّف على حالات الاختفاء القسري بشكل موثوق والوصول الفعّال إلى المعلومات من قبل جميع المؤسسات المسؤولة عن البحث عن المفقودين والتحقيق في حالات الاختفاء المدّعاة.

وقد عقد الوفد خلال زيارته إجتماعاتٍ في في بغداد والأنبار وأربيل والموصل مع مسؤولين حكوميين، وممثلين عن منظمّات المجتمع المدني والضحايا. كما جرى في الزيارة عملية لاستخراج الجثث وزيارة لأربعة أماكن إحتجاز.

وأكدّت اللجنة في بيانها على ضرورة معالجة معاناة الضحايا اليومية (وحسب الإتفاقية فأن ضحيّة الإختفاء القسري هو ليس الشخص المختفي فحسب بل كلّ الذين يتأثرون بهذا الإختفاء وفي مقدّمتهم عائلته). وقالت لقد حُكمَ على أسر وأقارب المختفين أن يعيشوا في حزنٍ دائم لعدم معرفة أيّ شيء عن مصيرهم ومكان وجودهم، بالإضافة إلى ذلك، يتعيّن عليهم مواجهة إطار مؤسسي معقّد للغاية اذ بجب تقديم أي شكوى أو مطالبة بحقوقهم لما لا يقلّ عن سبع مؤسسات ودفع مبالغ باهضة.

كما أعربت اللجنة عن قلقها البالغ إزاء الادعاءات العديدة بارتكاب أعمالٍ انتقامية ضدّ أسر وأقارب وممثلي المختفين، وكذلك ضدّ الجهات الفاعلة التي تشارك في عمليات البحث والتحقيق. وفي هذا الصدد، أشارت اللجنة إلى أنّه لا ينبغي أن يتعرّض أيّ شخص من الذين شاركوا في المحادثات أو أسهموا بمعلوماتٍ إلى اللجنة لأعمالٍ انتقامية.

وقالت رئيسة اللجنة فيلا كوينتانا "... أن هدفنا ليس فقط توثيق الوضع، ولكن أيضًا تحديد طرق العمل مع السلطات والضحايا والجهات الفاعلة الأخرى للقضاء على حالات الاختفاء القسري في العراق ومنع تكرارها".

بالإضافة إلى ذلك، كرّرت اللجنة الحاجة إلى "إجراء تحقيق عاجل ومستقل ونزيه في جميع مزاعم الاحتجاز السري ... ". مع الأخذ في الاعتبار التحدّيات التي تواجه تحديد مكان مثل هذه الأماكن والوصول إليها، دعت اللجنة إلى إجراء تحقيق تجريه لجنة محايدة ومستقلة يمكن أن تجمع خبراء وطنيين ودوليين. يمكن لهذه اللجنة أن تُنشئ بعثة لتقصي الحقائق للتحقّق من وجود أماكن احتجاز سرّية في المناطق التي يُزعم وجودها فيها، باستخدام جميع الوسائل التقنية ذات الصلة، مثل صور الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار.

من جانبه أكدّ مركز جنيف الدولي للعدالة ( وهو منظّمة دولية غير حكومية مستقلّة مقرّها جنيف) أن زيارة اللجنة هي نقلة نوعية في مستويات التصدّي لملّف الإخفاء القسري في العراق الذي أصبح الآن قضيّة دولية ستناقش على أعلى مستويات صنع القرار في الأمم المتحدّة.

واوضح المركز أنّه عمل بدأبٍ خلال السنوات الماضية على تحقيق هذه الزيارة، وشارك بفاعلية في توفير مستلزمات نجاحها، وسيواصل متابعة نتائجها ومخرجاتها مع اللجنة والأجهزة المعنيّة في الأمم المتحدّة من أجل الوصول الى نتائج ملموسة لمعرفة مصير المختفين قسرياً في العراق وإنهاء معاناة ذويهم.

وخلال زيارة وفد اللجنة للعراق، قدّم مركز جنيف الدولي للعدالة تدريباً معمّقاً لأكثر من 60 ناشطاً واستاذا جامعياً وعدد من المحامين  والصحفيين من عدّة محافظاتٍ عراقية، تركّز على كيفية توثيق حالات الإخفاء القسري وفق المعايير الدولية، وعرضها على اللجنة، وشمل التدريب مشاركة بعض ضحايا الإختفاء القسري الذين روّوا للجنة شهاداتهم الشخصية الموّثقة وتفاصيل ما حدث لهم ولعوائلهم واسماء الجهات التي تسبّبت بذلك. وقد شارك في إجتماعات اللجنة التي عقدتها في بغداد والأنبار وأربيل أكثر من 45 من الأشخاص الذين تلقوا تدريباً من المركز ضمن التهيئة لزيارة اللجنة وأثناءها.

وفي إجتماعات الطاولة المستديرة التي عُقدت في مدينة الموصل جرت حوارات مستفيضة بين المشاركين بشأن أوضاع حقوق الإنسان في المناطق التي ينتمون إليها، وعرضوا قصصاً مؤلمة يتّضح فيها مدى الظلم الذي تعرّضت له هذه المناطق والمعاناة التي عاشها أبناءها على مدى العقدين الماضيين منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003. 

كما جرى بحث ومناقشة معاناة ضحايا الإختفاء القسري وغيرها من الإنتهاكات والأوضاع المأساوية التي نجمت عن سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على عددٍ من المحافظات العراقية جرّاء فشل السلطات في حمايتها. وإتفق معظم المشاركين على وجود تقصير ـ غالباً ما يكون متعمّداً ـ من أجهزة الدولة وهو ما تسبّب في إستمرار الإنتهاكات وعدم مسائلة المتسبّبين بها في ظلّ إخفاقٍ واضح للنظام القضائي العراقي الذي يفتقر الى القدرة والإستقلالية للتصدّي للكثير من الإنتهاكات والجرائم الخطيرة التي تُرتكب في العراق ومنها الجرائم ضدّ الإنسانية.

وقد حرص مركز جنيف الدولي للعدالة وشركاؤه في تنفيذ هذه النشاطات   Mercy Hands Europe و Mercy Hands for Humanitarian Aids على إشراك الشباب والنساء بنسبةٍ كبيرة  إشراك ممثلين عن الأقلّيات العراقية.

ومن الجدير بالذكر أنّ زيارة اللجنة للعراق قدّ جاءت طبقاً للمادة 33 من إتفاقية الأمم المتحدّة لحماية جميع الأشخاص من الإختفاء القسري التي تنصّ على: "إذا تلقت اللجنة معلومات موثوقة تشير إلى أن دولة طرف ما تنتهك بشكل خطير أحكام هذه الاتفاقية، يجوز لها، بعد التشاور مع الدولة الطرف المعنية، أن تطلب من واحدٍ أو أكثر من أعضائها القيام بزيارة وتقديم تقرير دون تأخير".

وستعتمد اللجنة تقريرها النهائي للزيارة وسوفَ يتم نشره في آذار/ مارس 2023. من جانبه يؤكدّ مركز جنيف الدولي للعدالة أنّه يعدّ تقريراً شاملاً سيقدّمه الى اللجنة، وسيواصل في نفس الوقت متابعته اليومية لنتائج زيارة اللجنة ولكلّ ما يرتبط بقضايا الإختفاء القسري في العراق من أجل معرفة مصير المختفين قسرياً ومحاسبة المتسبّبين في ذلك.

التعليقات