إنها الإرادة الشعبية الفلسطينية

إنها الإرادة الشعبية الفلسطينية
إيهاب بسيسو
إنها الإرادة الشعبية الفلسطينية 

بقلم: إيهاب بسيسو 

-١-

لم تعد أحداثاً منفردة أو فردية على هامش السياق السياسي العام ، تلك التي نتابعها كل يوم في جنين ونابلس والخليل وبيت لحم وغيرها من المناطق الفلسطينية المحتلة، ولم تعد أحداثاً شبه فوضوية أو فوضوية كما كان يتم وصفها في السابق، لتطويق تأثيرها الشعبي وقدرتها على خلق نماذج وطنية ميدانية، تحقق حالة من الديمومة والاستمرار للفعل الشعبي المناضل.

بل أصبحت، وعلى الرغم من احتفاظها بالكثير من سمات العفوية الميدانية، أحداثاً تغذي نفسها بنفسها ضمن تمدد عنقودي متسارع في المجتمع والجغرافيا، منسجمة مع التطلعلت الشعبية بالخروج من نفق التكلس السياسي، مستفيدة في الوقت نفسه من حالة الاحتقان المتراكمة عبر سنوات من التجربة السياسية والإدارية المتعثرة في محاولة المواءمة بين تحقيق السيادة النسبية والتنمية الاقتصادية والاستدامة في ظل وجود الاحتلال بسياسياته الاستبدادية والقمعية ومحاولة الحفاظ على استقرار هشاشة الوضع القائم في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة دون التقدم جدياً في مسار مصالحة وطنية شاملة، ترمم جميع التصدعات التي أصابت بنية العمل السياسي الفلسطيني المناضل.

دفع هذا الكم التراكمي من التناقضات والعثرات إلى بروز ثغرات واهتراءات وفجوات ملحوظة في النسيج الوطني العام نتيجة التآكل التدريجي للأفق السياسي من جهة وذلك ببعده المحلي المتمثل بعدم إجراء الانتخابات العامة وتعقيدات البعد الاقليميي والدولي من جهة أخرى وانعكاس ذلك بشكل أكثر وضوحاً على السياسة الداخلية الفلسطينية لا سيما في حالات محدوة من التقارب السياسي من أجل توفير أرضية ملائمة لإعادة الاعتبار للعمل الوطني الموحد في ظل استراتيجية شاملة تأخذ بعين الاعتبار مختلف أشكال التحديات القائمة وتعمل على إزالة آثار الانقسام كما حدث بُعيد اتفاق القوى الوطنية والاسلامية في الشاطئ عام ٢٠١٤ والذي عُرف باتفاق الشاطئ الذي مهد لإنشاء حكومة الوفاق الوطني التي انتهت بدورها كتجربة ومحاولة غير مكتلمة على أكثر من صعيد في ظل استمرار تنامي الأزمة السياسية الداخلية والتداخل المربك بين أدوار المؤسسات الرسمية وغياب الرؤية السياسية الواضحة والفعلية لطبيعة ودور العمل الحكومي، ما دفع إلى انهيار التجربة، بشكل يشبه إلى حد ما انهيار تجارب حكومات سابقة منذ آخر انتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني عام ٢٠٠٦.

-٢-

بدا من الملاحظ مؤخراً أن مواجهات أيناء شعبنا اليومية مع جنود الاحتلال والمستوطنين في كافة مناطق الضفة الغربية والقدس تتصاعد بشكل عفوي، متخذة أكثر من شكل وأسلوب في التعبير عن الغضب الفلسطيني، خصوصاً في ظل التمدد الاستيطاني الاستعماري ومصادرة الأراضي وتحكم الاحتلال في مختلف مصادر الحياة اليومية الفلسطينية.

لعل المبادرة الشبابية والوطنية التي تمثلت في إقامة أطول سلسلة بشرية للقراءة حول أسوار القدس عام ٢٠١٤، عبرت بشكل مركز عن الرؤية والقدرة الشعبية الفلسطينية، ومهدت في سياق التراكم الوطني لانتفاضة البوابات في عام ٢٠١٧، وهبة الأقصى في عام ٢٠٢١ والتي حققت وحدة ميدانية بين أبناء الشعب الفلسطيني على كامل الخارطة، حيث أصبحت تلك الأحداث وما سبقها بينها وما تلاها مفاصل ارتكازية هامة وملحوظة لطبيعة وشكل وقدرات الفعل الشعبي الفلسطيني.

إنه ذكاء شعبنا الفطري وقوته الكامنة وقدرته الدائمة على استعادة الخيارات الوطنية وتوظيفها في سياق الإرادة الشعبية المُلهمة على مر الأجيال.

والتي لا يمكن التغافل عنها أو تجاهل تأثيرها ضمن قراءة وتأمل حركة التاريخ الفلسطيني المعاصر.

لقد أمعن الاحتلال على مدار السنوات الماضية في خلق بنية عمل متكاملة الأدوار، تحقق له حالة من الاستقرار الاستعماري عبر عدة خطوات تمثلت في تقليص حجم الدور السياسي الفلسطيني من جهة والتقسيم الجغرافي ببعده الاقتصادي والاجتماعي والثقافي من جهة أخرى وذلك إمعاناً في إحكام السيطرة على الأرض الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧ كسجن متعدد الأغراض والوظائف، يمكن رؤيته كأكبر سجن على الأرض بحسب المؤرخ إيلان بابيه في كتابه الأحدث عن القضية الفلسطينية والذي صدر مترجماً للعربية عن دار نوفل في بيروت عام ٢٠٢٠.

-٣-

لم تعد المسألة فلسطينياً محصورة في سؤال الدور والكيفية والإمكانية للحفاظ على "الاستقرار" في ظل استمرار السياسات الاستعمارية متعددة الأوجه، كالاعتداءات اليومية المتكررة على شعبنا واستمرار عمليات الإعدامات الميدانية واستمرار سياسة الاعتقالات شبه اليومية والاجتياحات، والإصرار على تنفيذ الأحكام الإدارية الاستعمارية رغم تناقض ذلك مع مبادئ حقوق الانسانية في ظل عدم التزام منظومة الاحتلال بتطبيق اتفاقيات جنيف الأربعة وإلزام منظومة الاحتلال دولياً بتنفيذ الاتفاقيات الخاصة بمعاملة الأسرى والمدنيين حسب اتفاقيات جنيف الأربعة على الأقل.

بل أصبح من الضروري البحث عن معنى مفهوم الاستقرار وطنياً وسياسياً على الصعيد الداخلي، خصوصاً في ظل قراءة أبعاد المشهد الشعبي بدقة وعناية وفهم مصادر الاحتقان والغضب الوطني والعمل على الانسجام السياساتي مع الإرادة الشعبية ضمن رؤية شاملة قابلة للتنفيذ تشمل القدس بكل ما تتعرض له العاصمة من سياسات وإجراءات تهدف إلى إرهاق ومحاصرة وتطويق المد الوطني الشعبي في العاصمة.

لعله يمكن الاستفادة - على الأقل - من طبيعة الحراك السياسي الدولي المتحفز بسبب الأزمات العالمية المتواصلة للوصول إلى صيغة معقولة نحو استعادة مكانة القضية الفلسطينية عبر العمل السياسي بشكل أكثر فعالية من أجل تمكين الفعل السياسي الشعبي ضمن رؤية وطنية شاملة تدرك أن مفهوم الاستقرار الوطني فلسطينياً يختلف جذرياً عن مفهوم الاحتلال الساعي إلى الإمعان في إنهاك وتفتيت الوجود الفلسطيني ضمن معازل بشرية، يتحكم في إدارة متطلباتها الحياتية كجزء من سياسات ممنهجة لتوفير تسهيلات وحوافز اقتصادية محدودة تحقق مفهوم العصا والجزرة التقليدي ولكن بشكل معاصر.

يُتبع إن أمكن ...

التعليقات