74 عامًا على إعلان الجامعة العربية قيام دولة "عموم فلسطين"

74 عامًا على إعلان الجامعة العربية قيام دولة "عموم فلسطين"
أرشيفية
رام الله - دنيا الوطن
يوافق اليوم، الثلاثاء، الذكرى الـ74 لقرار الهيئة العربية العليا لفلسطين، إنشاء "حكومة فلسطينية" لتملأ الفراغ الذي سيحدث عند انتهاء الانتداب وانسحاب بريطانيا من فلسطين (أيار1948)، ولتتولى أمور البلاد السياسية والدفاعية والاقتصادية وغيرها.

وطلبت الهيئة من جامعة الدول العربية ودولها دعم قرارها بتشكيل حكومة فلسطينية ومساعدتها على تنفيذه. ولكن الدول العربية لم توافق يومئذ على إنشاء حكومة فلسطينية.

وواصلت الهيئة خلال آذار ونيسان والنصف الأول من أيار 1948 جهودها لاقناع الدول العربية بضرورة إنشاء حكومة فلسطينية، ولكن دون جدوى، في حين كان اليهود قد شكلوا هيكل حكومة يهودية لفلسطين، تعلن رسمياً عند انتهاء الانتداب.

وفي 15/5/1948 أعلنت الدولة اليهودية (إسرائيل) رسمياً، ودخلت الجيوش العربية النظامية أراضي فلسطين، فتشبت الحرب العربية – الإسرائيلية الأولى (رَ: حرب 1958)، ثم عقدت الهدنة الأولى فالهدنة الثانية، على أن اليهود استمروا يخرقون أحكام الهدنة الثانية، ويستولون على المزيد من الأراضي الفلسطينية (رَ: الهدنة الأولى والهدنة الثانية بين الدول العربية وإسرائيل، اتفاقيتا).

في 10/7/1948 أعلنت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية موافقة اللجنة السياسية للجامعة على تشكيل إدارة مدنية مؤقتة، حددت واجباتها في تسير الشؤون المدنية العامة والخدمات الضرورية. وقد نيطت هذه المهام بمجلس إدارة مؤلف من رئيس وتسعة أعضاء يشرفون على الشؤون الإدارية العامة، وشؤون القضاء، والخدمات الصحية،والشؤون الاجتماعية، والمواصلات، والمالية والاقتصاد الوطني، والشؤون الزراعية، والأمن العام الداخلي، وشؤون الدعاية.

وقد أكد قرار الجامعة العربية نفاذ صلاحية مجلس الإدارة المدنية في جميع المناطق التي ترابط فيها الجيوش العربية، أو التي يحتلها الإسرائيليون حتى تمتد إلى فلسطين بكامل حدودها. وتقرر أيضاً اعتماد القوانين السائدة في عهد الانتداب والتي لا تتعارض مع المصلحة العربية العليا. كما تعين على مجلس الإدارة الاسترشاد بقرارات مجلس الجامعة العربية وتوجيهاته، وتم تخصيص موازنة للمجلس تقوم الجامعة العربية بدعمها بالسبل المختلفة كالقروض والهبات.

ويعتبر مشروع الإدارة المدنية الفلسطينية، في الواقع، صيغة معدلة للطلب الذي تقدمت به الهيئة العربية العليا لفلسطين لإنشاء دولة عربية فلسطينية بعد انتهاء الانتداب البريطاني. فقد أدى اعتراض الملك عبد الله ملك الأردن إلى تعديل التسمية رغبة من اللجنة السياسية للجامعة العربية في الحفاظ على وحدة الموقف العربي.

لم يجر تنفيذ مشروع الإدارة المدنية الفلسطينية في حينه، وذكر أن السبب يعود إلى التطورات السريعة في الموقف العام في فلسطين وظروف الحرب العربية – الإسرائيلية. وقبل أيضاً إن السبب يعود إلى عدم موافقة الهيئة العربية العليا على التعديل الذي أقرته اللجنة السياسية.

غير أن مسألة الحكومة العربية الفلسطينية، أصبحت ضرورة ملحة عشية الدورة الجديدة للجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة في خريف عام 1948، من اجل تمثيل فلسطين في اجتماعاتها. وقد تبنت الهيئة العربية العليا الموضوع، وطاف جمال الحسيني* في العواصم العربية من أجل كسب تأييدها. وفي 23/9/1948 أعلن في غزة* عن تشكيل حكومة عموم فلسطين. وقام رئيسها احمد حلمي عبد الباقي* بابلاغ ذلك إلى الحكومات العربية وإلى الأمين العام للجامعة العربية، كما أذيع بيان إلى الشعب العربي الفلسطيني باسم الحكومة الجديدة، وطلب منه التعاون مع حكومته الوطنية.

ضمت حكومة عموم فلسطين كلا من أحمد حلمي عبد الباقي رئيساً، وجمال الحسيني، ورجائي الحسيني، وعوني عبد الهادي*، وأكرم زعيتر*، والدكتور حسين فخري الخالدي*، وعلي حسنة، وميشال أبكاريوس، ويوسف صهيون، وأمين عقل أعضاء. وكان معظم هؤلاء قد سبق تسميتهم لمجلس الإدارة المدنية الفلسطينية السابق.

وبالرغم من تفهم الحكومات العربية ضرورة قيام الحكومة الجديدة وموافقتها على ذلك (وفي ذلك موافقة ممثل الأردن في الجامعة العربية)، إلا أن الملك عبد الله قاوم إنشاء الحكومة الجديدة، وتطورت مقاومته لها إلى حملة علنية ضدها، كما دفع عدداً من الشخصيات الأردنية والفلسطينية إلى شن حملة عنيفة ضد الحكومة الجديدة. وقد حاولت الجامعة العربية الوساطة، وقام رئيس الوزراء لبنان رياض الصلح بالسعي لرآب الصدع، غير أن الملك عبد الله لم يغير مواقفه.

إزاء موقف الملك عبد الله هذا قررت الهيئة العربية العليا والحكومة الجديدة، الدعوة إلى مجلس وطني فلسطيني لتأكيد شرعية الحكومة وإظهار تأييد الشعب العربي الفلسطيني لها. وقد أنعقد المؤتمر في 1/10/1948 في غزة (رَ: غزة، مؤتمر) برئاسة الحاج محمد أمين الحسيني*، وحضرته جمهرة كبيرة من الشخصيات الفلسطينية. وقد تم فيه الإعلان عن شرعية الحكومة الجديدة، كما تقرر إعلان استقلال فلسطين وإقامة دولة حرة ديمقراطية ذات سيادة. ورسم الإعلان حدود فلسطين، وهي الحدود الدولية مع سورية ولبنان شمالاً، ومع شرق الأردن شرقاً، والبحر المتوسط غرباً، ومع مصر جنوباً. وشجب المؤتمر محاولة اليهود إنشاء دولة في الأراضي المغتصبة، وأقر أيضاً دستوراً مؤقتاً لفلسطين، وعقد قرض لا يزيد عن خمسة ملايين جنيه.

وسعى الملك عبد الله من جانبه إلى عقد مؤتمر فلسطيني آخر في عمان (رَ: المؤتمر الفلسطيني، عمان 1948) برئاسة الشيخ سليمان التاجي الفاروقي* في اليوم ذاته الذي انعقد فيه مؤتمر غزة*، حيث أنكر المجتمعون في عمان، على المؤتمرين في غزة، تمثيل الشعب الفلسطيني. وعقد الملك مؤتمر ثانياً في أريحا (رَ: المؤتمر الفلسطيني، أريحا 1948) بتاريخ 1/12/1948 برئاسة الشيخ محمد علي الجعبري* رئيس بلدية الخليل تم الإعلان فيه عن وحدة الأراضي الفلسطينية والأردنية، ومبايعة عبد الله ملكاً على فلسطين. وفي أواخر كانون الأول من العام نفسه، جمع الملك شمل مؤتمر ثالث في رام الله أيد فيه المؤتمرون قرارات مؤتمر أريحا كما دعوا إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتنفيذ تلك القرارات. وقد صاحب المؤتمرات التي جمعها الملك عبد الله، جولات قام بها الملك في أنحاء من فلسطين أخذ خلالها البيعة لنفسه، وبلغت الحكومات العربية والأمانة العامة للجامعة العربية، نتائج تلك المؤتمرات.


أثار موقف الملك عبد الله المشار إليه معارضة شديدة في الأوساط العربية والفلسطينية الرسمية والشعبية، مما أدى إلى تطبيق القضية حتى نيسان 1950.

إلا أن حماس الدول العربية الحكومة عموم فلسطين سرعان ما فتر بسبب ضغوط أجنبية قبل أنها مورست عليها. وربما كان مما يدعو إلى الاستهجان أن مصر التي تحمست لقيام هذه الحكومة واعترفت بها في 12/10/1948 لم تلتزم بما تعهدت به نحوها، فلم تسمح لها بممارسة سياسها في غزة التي كان الجيش المصري مرابطاً فيها وتخضع لادارتها، ووجد وزراء حكومة عموم فلسطين أنفسهم غير قادرين على أداء وظائفهم لأن اختصاصاتهم كانت تقع تحت سيطرة الإدارة العسكرية المصرية. واستدعى رئيس وزراء مصر آنذاك “محمود فهمي النقراشي باشا” رئيس المجلس الأعلى لحكومة عموم فلسطين محمد أمين الحسيني إلى القاهرة، وحينما امتنع أجبره على ذلك بالقوة وبما يشبه الابعاد. وبعد ذلك لم تسمح النشاطات المصرية لحكومة عموم فلسطين بالبقاء في غزة وطلبت منها الرحيل إلى القاهرة، ولم تمكنها من مزاولة مهامها الحقيقية وحجبت عنها الأموال والصناعات التي كانت قد وعدتها بها من قبل، ولم تكن حريصة على دعوتها لحضور دورة مجلس الجامعة في خريف عام 1949 – أي بعد عام واحد من تشكيلها – وهي فترة كانت كفيلة بفقدان الثقة في المساندة المصرية الحقيقية للحكومة مما أدى إلى تفرق أعضائها بعد تأكدهم من عدم جدية الدعم المصري لها، باستثناء التأييد الموقف الذي لم يتجاوز بضعة أشهر والذي حظيت به ابان الحكومة الوفدية برئاسة مصطفى النحاس باشا في شهر آذار/مارس 1950.

ومن ناحية أخرى قامت جامعة الدول العربية بالتضييق على حكومة فلسطين مالياً مما اجبرها على تسريح القوات المتبقية من الجهاد المقدس التي كانت تعمل في المنطقة المصرية من فلسطين، وتحت إشراف الجيش المصري. أما القوات التي كانت تعمل في المناطق الذي يسيطر عليها الجيش الأردني قبل ذلك واستلم الجيش الأردني مواقعها.

ولا شك في أن عدم توفير الجامعة العربية الموارد المالية لحكومة عموم فلسطين كان بمثابة الضرية التي قضت عليها في النهاية مما أدى إلى صدور قرار بإلغاء وزارات الحكومة وتقليص أعمالها في أيلول/سبتمبر 1952. وقبل ذلك كانت حكومة عموم فلسطين تعتمد في مواردها على كل من الهيئة العربية العليا لفلسطين التي كان يرأسها الحاج محمد أمين الحسيني وأموال صندوق الأمة العربية، ومبلغ 25 ألف جنية مصري يقال أن جامعة الدول العربية رصدتها أثناء الاعداد للمؤتمر الوطني في غزة وتذكر مصادر الهيئة العربية العليا أنها تكفلت بنفقات الحكومة في الفترة ما بين تشكيلها وحتى نهاية عام 1949 ومقدارها 54.21 جنيها. وتبين رسائل حكومة عموم فلسطين للجامعة العربية على أن الجامعة لم تفي بتعهداتها المالية للحكومة بعد إنشائها حسب ما أعلنت عنها من قبل، وتعترف الحكومة باستلامها مبلغ عشرة آلالف جنيه مصري، وأرسلت كيفية انفاق هذا المبلغ بناء على طلب الجامعة. 

وفي دورة الاجتماع العادي السادس عشر لمجلس الجامعة (1952) اتخذ قراراً بتقليص حكومة عموم فلسطين إلى مجرد شخص رتبها أحمد حلمي وسكرتيرها العام جميل السراج وبضعة موظفين وتخفيض مخصصاتها إلى 1500 جنيه مصري، وعلى الرغم من تواضع هذا المبلغ إلا أن الحكومة كانت تجد مشقة في الحصول عليه من الجامعة وقد بلغت أعلى موازنة للحكومة في العام المالي 1962/1963 ما قيمته 5700 جنيه مصري أي ما يعادل 475 جنيها شهرياً وكانت الحكومة تعتمد في تغطية نفقاتها على رسوم جوازات السفر التي كانت تصدرها بمعدل جنيه واحد على كل جواز تصدره. 

وما زاد عن ذلك كانت تقدمه إعانات رمزية للأسر الفلسطينية المحتاجة. وعلى الرغم من كل هذه العقبات والعراقيل ظلت هذه الحكومة قائمة إلى أن غادر رئيسها أحمد حلمي القاهرة في أواخر عام 1962 إلى لبنان حيث اشتد به المرض وتوفي في 29/6/1963 فانتهت بانتهائه.

التعليقات