إعمار غزة وأوكرانيا.. مسؤولية المجتمع الدولي

إعمار غزة وأوكرانيا.. مسؤولية المجتمع الدولي
مفيد الحساينة
إعمار غزة وأوكرانيا.. مسؤولية المجتمع الدولي

د. م. مفيد محمد الحساينة

وزير الأشغال العامة والإسكان السابق

طال أمد إعمار قطاع غزة، وإعادة بناء الوحدات والأبراج السكنية التي هدمت كليا خلال الحروب الإسرائيلية على غزة؛ وربما العدوان الأخير على القطاع، سبقه الكثير من الحروب الأليمة على غزة وأهلها الصابرون الذين يعيشون أيامهم بين
الحصار، والجوع والبطالة والفقر المدقع الذي يضرب أطناب هذا البلد الصغير.

لقد طال اعمار غزة وتوالت عليها النكبات والأزمات، وطال انتظار المتضررين وأصحاب المنازل المهدمة كليا وأصحاب الأبراج السكنية الذين يتلهفون لإعلان هنا أو هناك أو منحة إعمار أممية أو عربية تسد رمق الجائعين والمحاصرين والمشردين في وطنهم.

وأشدد في مقالي على أن عملية إعادة إعمار قطاع غزة قضية تحمل أهمية كبيرة، وربما هي أهم بكثير من اعمار (أوكرانيا)؛ فحسب تقديرات البنك الدولي فإن تكلفة إعمار (أوكرانيا) تبلغ (350) مليار دولار والمجتمع الدولي يناشد الجميع للتبرع لأوكرانيا، بينما تشير التقديرات المالية حول إعمار غزة إلى أن كل ما صرف على عملية إعادة إعمار غزة لا تتجاوز ثلاثة مليارات دولار ؛ فلماذا يتأخر لإعمار غزة حتى يومنا هذا؟ ولماذا يتواصل الحصار على غزة، ولا يسمح بإدخال مواد البناء بشكل واسع وعلى مدار الساعة؟ وأين مؤسسات المجتمع الدولي من توجيه دعوات لدول العالم من أجل رفع الحصار عن غزة، وإعادة إعمارها؟ وهناك الكثير الكثير من التساؤلات تنتظر إجابة.

لابد على المجتمع الدولي ومؤسساته الأممية النظر بعين العادلة وتحقيق المساواة في التعامل مع دول العالم، وعدم التعامل بسياسة الكيل بمكيالين؛ لأن قطاع غزة بقعة جغرافية صغيرة محاصرة يعيش فيه أكثر من (2.2 مليون ) إنسان، ولا تتجاوز مساحة غزة عدد أيام السنة( 365) كيلومتر مربع، وتفتقر غزة للبنية التحية،
والجسور، والكباري، وحتى الكهرباء والماء النظيف؛ هذه المساحة يعيش الناس فيها حصار يوميا وجوع وبطالة ودمار في كافة القطاعات المعيشية؛ فمثلا قطاع التعليم تحتاج غزة سنويا لبناء ( 120) مدرسة وغيرها من مباني ثقافية وتربوية، أما
القطاع الصحي فهو فقير، ومعدم، وهنا في غزة آلاف حالات مرضى السرطان ومرضى القلب والفشل الكلوي والأعصاب، أما قوائم الحالات المرضية العاجلة للسفر الخارجي فهي بالمئات؛ وهناك من يموت في غزة وهو ينتظر العلاج؛ أما مراكز غسيل
الكلي الصناعية قليلة جدا ويضطر المرضى للانتظار أو الذهاب بأوقات متأخرة بالليل من أجل تلقي العلاج على ماكينة غسل الكلية الذي يستمر أربع ساعات متواصلة، وسط انعدام علاج السرطان والأمراض المزمنة، وهناك المئات من المرضى ينتظرون العلاج و يعانون ويلات عذابات السفر للعلاج بالخارج.

إن ما وصفته في مقالي هو حالة مختصرة عن الواقع الأليم والصعب الذي يحياه الناس في قطاع غزة المحاصر؛ لكن رغم الظروف الصعبة والحصار في غزة تجد حالة رائعة وكبيرة من التحدي والصمود والبركات في حفظة كتاب الله، وفي الصمود خلال الحروب والتصعيدات الإسرائيلية الماضية، وتزداد صمود أعداد المتعلمين وخريجي الجامعات والمعاهد العليا، فضلا عن زيادة أعداد حملة الشهادات العليا من الماجستير والدكتوراه؛ ولا تكاد تسمع نشرة إخبارية عالمية أو إقليمية دون ذكر قطاع غزة وما يحدث به؛ لذا فإن غزة تمثل مخزون ووقود الثورة، والصمود، والتحدي، والابداع، والتميز بأبنائها وأطفالها ونسائها وشبابها ورجالها الأوفياء الأحرار .

أخيرا إن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في قطاع غزة تدق ناقوس الخطر للمسؤولين والمجتمع الدولي وتصرخ عاليا كفى حصار .. وكفى عقاب .. وتعالوا بنا جميعا نعيد وحدة الوطن ونسيجه الاجتماعي، ونعيد سويا بنائه، و إعمار بيتنا الفلسطيني
الداخلي المهشم، والعمل على تقويته، والانطلاق في إعمار غزة، وإعادة ما دُمِر ونشر الفرح والسرور على قلوب ووجه أهل غزة الصابرون.

التعليقات