ما حكم الأكل من شجر الغير؟

ما حكم الأكل من شجر الغير؟
توضيحية
رام الله - دنيا الوطن
الأصل أن المسلم يتعفف عما في أيدي الناس، ولا يأخذ مال غيره إلا بحق، أوعن طيب نفس من صاحبه، لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾، ويقول صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ الْمُسْلِمِ على الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ.

وهذا الاصل إلا إذا وجدت ضرورة تستدعي تجاوز هذا الأصل، فيجوز بسببها عمل المحظور، لقوله تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، وعملاً بالقاعدة الفقهية التي تنص على أن "الضرورات تبيح المحظورات".

وبحسب دار الإفتاء الفلسطينية فإن من بين تفصيلات العلماء في هذه المسألة، بيانهم أن من مر ببستان أو ثمر فيُنظر في حكم الأكل منه، وفق الآتي:
 إن كان شجر الطريق ليس ملكاً لأحد، فلا حرمة في أكله والانتفاع به؛ لأن الإنسان يجوز له الانتفاع بما في الأرض من ثمار وزروع ونحو ذلك، والله تعالى يقول: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً﴾.

إذا كانت الزروع أو الثمار مملوكة لأناس معينيين، فقد اختلف أهل العلم في حكم أكلها؛ والذي عليه الجمهور أنه جائز للمضطر، ففي كتاب المجموع: "أن من مر ببستان غيره، وفيه ثمار، أو مر بزرع غيره، فإن للعلماء مذاهب، ومذهبنا أنه لا يجوز أن يأكل منه شيئاً إلا أن يكون في حال الضرورة التي تباح فيها الميتة، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وداود والجمهور، وقال أحمد: إذا اجتاز به وفيه فاكهة رطبة وليس عليه حائط، جاز له الأكل منه من غير ضرورة، ولا ضمان عليه، هذا ما عنده في أصح الروايتين، وفي الرواية الأخرى يباح له ذلك عند الضرورة ولا ضمان".

وقال صاحب الفواكه الدواني وهو أحد فقهاء المالكية: "وقع الخلاف بين العلماء في الأكل مما يمر عليه الإنسان في الطريق من نحو الفول والفواكه، ومحصله: الجواز للمحتاج من غير خلاف، وأما غير المحتاج فقيل: بالجواز، وقيل: بعدمه، وقال: الظاهر من تلك الأقوال المنع، لعموم قول النبي، صلى الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه".

إن كان الشجر المثمر مملوكاً، وكان محرزاً بأن كان حول البستان حائط أو سياج- فلا يجوز الدخول إلى البستان والأكل من ثمره دون إذن صاحبه.

إن كان الثمر مملوكاً، وكان غير محرز فإنه يبحث عن صاحب البستان، بأن يناديه ليطلب منه الإذن، كما جاء في الحديث، عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إذا أتى أحدكم حائطاً فأراد أن يأكل فليناد: يا صاحب الحائط، ثلاثاً، فإن أجابه، وإلا فليأكل".

وذهب بعض العلماء إلى جواز الأكل من حائط الآخرين، ولو من غير اضطرار، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وإليه ذهب الشوكاني، حيث قال: "ظاهر أحاديث الباب جواز الأكل من حائط الغير، والشرب من ماشيته بعد النداء المذكور من غير فرق بين أن يكون مضطراً إلى الأكل أو لا... والممنوع إنما هو الخروج بشيء من ذلك من غير فرق بين القليل والكثير".

وما نميل إليه أن الأمر فيه شبهة، والأصل في المسلم أن يتجنب الشبهات؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ"، فالأولى اتقاء الشبهات، والكف عن الأكل من زرع الآخرين وثمارهم إلا بإذن منهم، أو لضرورة قصوى، أو بحق يبيح ذلك.

التعليقات