باحثة: حكومة بينت تسعى لـ"أسرلة" المنهاج الفلسطيني وتحريفه وإفراغه من مضمونه الوطني بسياسة جديدة

باحثة: حكومة بينت تسعى لـ"أسرلة" المنهاج الفلسطيني وتحريفه وإفراغه من مضمونه الوطني بسياسة جديدة
طلاب في مدرسة الكلية الإبراهيمية بالقدس
رام الله - دنيا الوطن
في دراسة نشرها مركز "مدى الكرمل" للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة بعنوان "التعليم في القدس في عهد حكومة بينيت"، تناولت الباحثة، أنوار قدح، الواقع التعليمي في مدينة القدس في عهد حكومة بينيت اليمينية بصفته امتداد للسياسات الاحلالية الاستعمارية للحكومات الإسرائيلية المتتالية منذ احتلال القدس في 1967.

وأشارت الدراسة إلى أن الفترة التي تلت 2011 شهدت تغيرا في السياسة المتبعة في التعامل مع النظام التعليمي في القدس الشرقية، حيث دمجت إلى جانب سياسة التضييق والعنف، سياسة تقديم الإغراءات والتسهيلات، وبناء عليه كان هناك بعض التغيير الذي شهدته المدينة في البنى التعليمية في الفترة الأخيرة، وما بدأ كتحفيز تحول إلى شَرطِيّة وابتزاز ينذر بإحلال قريب.

وهي سياسة تعززت، كما تبيّن الورقة، مع التحولات في السياسة العامة الداخلية للحكومات الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية - والسياسة الخارجية للدول الكبرى ورؤيتها التي تمحورت حول رسم شرق أوسط جديد، حيث ساهم الاعتراف الأميركي بالقدس الموحدة كعاصمة لدولة إسرائيل وتهافت عدد من الدول العربية للتطبيع وغيرها من العوامل في تمهيد الطريق وتسارع عملية الأسرلة، لاسيما في ظل حكومة يمينيّة متطرفة بزعامة بينيت وغياب شبه كامل لحركة وطنيّة فلسطينيّة موحدة في ظل الانقسام.

وتحاول الدراسة بناء تصوّر أوضح حول اتجاهات التعليم في عهد بينيت كرئيس للحكومة، بالرجوع إلى الوراء ودراسة فترة توليه لمنصب وزير التربية والتعليم والتي امتدت لفتره غير قليلة بين 2015 - 2019، وامتازت بكونها علامة فارقة في عهد الأسرلة، بعد أن وضع العديد من الخطط لتسريع عملية أسرلة التعليم، وغدت خطة التعزيز التي بدأت برصد ميزانيات للمدارس التي تتبنى المنهاج الإسرائيلي شرطا مسبقا وتمت ترجمة ذلك بربط أي إنفاق على المدارس بالتحول لهذا المنهاج، وابتزاز المدارس في الترخيصات وعمليات الترميم والتحديث ودورات المعلمين ودفع حصة الطالب التي تدفعها البلدية للمدارس غير الحكومية المعترف فيها.

وقالت الباحثة أنوار قدح: "الحديث يدور عن سياسة تتمثل بالضغط والتهميش مارستها إسرائيل منذ ضم الجزء الشرقي من القدس، حيث بدأت بمحاولة أسرلة التعليم بشكل مباشر بقيامها بإلغاء مكتب التربية والتعليم في المدينة وتحويل المناهج لمناهج إسرائيلية وإلغاء المعلمين التابعين للأردن - في حينه - واستبدال كل المنظومة التعلمية، إلا أن محاولتها تلك جوبهت بمقاومة شديدة اضطرت معها إلى التراجع عن تنفيذ مخططها بضربة واحدة ولجأت إلى الأسرلة التدريجية".

وأضافت: "سياسة الضم التدريجي التي اعتمدت أسلوب الضغط والتهميش تصاعدت في عام 2011، بما اسمتها إسرائيل "سياسة التعزيز" والتي تمثلت بتحفيز المدارس على التحول إلى المنهاج الإسرائيلي عن طريق الدعم المادي، حيث يتم استدراج المدرسة الخاصة لفتح حتى ولو صف "بجروت" واحد والحصول بالمقابل على دعم مادي سخي، ولا ننسى أن هذا يجري في ظروف اقتصادية صعبة يعيشها أهل القدس وانقطاع شبه تام عن السلطة الفلسطينية، كما أن إسرائيل كانت تشجع فتح صف بجروت بأي عدد حتى لو كان بخمسة طلاب فقط فهي تريد موطئ قدم وتعمل بطول نفس".

وواصلت: "ومنذ عام 2011 دخلت سياسة التعزيزات إلى جميع مفاصل العملية التعليمية المنهجية وغير المنهجية وعملية تأهيل المعلمين وغيرها، وتعاظمت في عهد بينيت كوزير للتعليم الذي أعلن صراحة بأن وزارته لن تستثمر في منهاج غير إسرائيلي".

وأوضحت قدح: "أنه حتى المنهاج الفلسطيني الذي يدرس في القدس اليوم هو منهاج محرف، ليس كالمنهاج الذي يدرس في مدارس السلطة الفلسطينية، حيث شطب اسم السلطة الفلسطينية والعلم الفلسطيني من صفحة الغلاف، كما جرى شطب كل ما يشير إلى الرموز الوطنية مثل أسماء شهداء وتواريخ وأحداث وطنية وغيرها".

وأردفت: "بمعنى أن عملية الأسرلة تجري أيضا في تحريف المناهج الفلسطينية أيضا ومحاولة إفراغها من مضمونها الوطني، هذا إلى جانب عملية استبدال المنهاج الفلسطيني بمنهاج إسرائيلي والتي تسير بها بخطى حثيثة، وهي تستغل الأوضاع الفيزيائية الصعبة لمدارس القدس وتشترط بناء مدارس حديثة، أو هي تبني مدارس حديثة وتخير المقدسي بين تعليم أولاده في مدارس وبنايات متهالكة بمنهاج فلسطيني أو في مدارس وبنايات حديثة بمنهاج إسرائيلي".

وعن تعدد الجهات التي تتبعها مدارس القدس ومدى تأثيرها على أسرلة المناهج: أفادت قدح: "هناك مدارس الأوقاف والتي تضم 10,800 طالب والتي ما زالت تدرس وفق المنهاج الفلسطيني غير المحرف، في حين تشكل المدارس الخاصة 34% من مجموع المدارس ويدرس جزء كبير منها وفق المنهاج الفلسطيني والبقية هي مدارس المعارف والمدارس البلدية التي تسمى رسمية وهي تشكل 47% من مجموع الطلاب".

أما بالنسبة لعدد الطلاب الذين يدرسون وفق المنهاج الإسرائيلي فتفيد الإحصائيات الأخيرة بوجود 18 ألف طالب يدرسون وفق هذا المنهاج من مجموع 86 ألف طالب مقدسي، أي ما يراوح الـ20% من نسبة الطلاب، ولكن المقلق في الأمر أن هذه النسبة تضاعفت مرتين ونصف بين العام الدراسي 2018 - 2019 والعام الدراسي 2020 - 2021.

وعن التعليم فوق الثانوي والجامعي وكيف يجري استغلاله لتمرير سياسة الأسرلة، ذكرت قدح:" هي دائرة متكاملة عندما أعلن بينيت أنه لن يصرف على مدارس لا تتبنى المنهاج الإسرائيلي، وازدادت الأعداد التي تدرس هذا المنهاج، وواجهوا مشكلة في نقص في المعلمين المؤهلين لتدريس هذا المنهاج، ولذلك أخذوا بتشجيع الطلاب للالتحاق بالكليات والجامعات الإسرائيلية والحصول على تأهيل لتدريس منهاج "البجروت"، نقلا عن موقع عرب 48.

وواصلت: "ثم أخذوا يروجون بحق أو بغير حق أن المنهاج الفلسطيني يشكل الكثير من الضغط على الطلاب وأنه "رجعي"، لأنه يعتمد على الحفظ والتكرار ويشجعوا بالمقابل المنهاج الإسرائيلي بادعاء أنه يعطي الطالب لغة عبرية ويمكنه من الاندماج في جهاز التعليم بشكل أفضل، كما يوفر عليه نظام التفاضل في أقساط التعليم المعمول به بالجامعات الفلسطينية، حيث يضطر الطالب إلى دفع مبالغ كبيرة للالتحاق بمواضيع معينة".

واستطردت: "هذا ناهيك عن قيام الجامعة العبرية وكليات أخرى بتشجيع المقدسين للالتحاق بها بمسارات خاصة ومسهلة ودعمهم بالمنح المالية، ولا ننسى أن كل ذلك يجري ونحن خارجين من فترة كورونا وفي ظل أوضاع المقدسيين الاقتصادية الصعبة".

وأوضحت: "كما أن الجامعة الفلسطينية الأقرب على المقدسيين هي أبو ديس لا تتمتع باعتراف، حيث يضطر خريجوها إلى الالتحاق بدراسة الماجستير في بير زيت لمعادلة شهادتهم، ومن يريد الدراسة في بير زيت وبيت لحم عليه عبور الحواجز يوميا".

وتابعت: "عن التحاف العرب بالجامعة العبرية أو كلية دافيد يلين، أردفت قدح: "هذا ما هو حاصل فعلا، وجدير بالذكر أن السنوات الأخيرة حسمت مصير شرقي القدس إسرائيليا، حيث أسقطت إسرائيل أي احتمال لمفاوضات أو تسوية مع الفلسطينيين حول القدس، لذلك خرجوا بما يعرف بـ"الخطة الخمسية لتطوير القدس" التي تعني فعليا دمج شرقي القدس في إطار "العاصمة الموحدة لإسرائيل" وهم يسعون إلى غربلة المجتمع المقدسي، من يستطيع أن يندمج ليندمج ومن لا يستطيع ليخرج".

وأردفت: "وقد أُطلقت الخطة الخمسية 2018 - 2023 في عهد وزارة بينيت، وصاغت وزارته الجزء المتعلق في التعليم، إذ وضعت نصب عينيها تعميق الأسرلة وتوسيع دائرة العمل بالمنهاج الإسرائيلي، ولتحقيق ذلك الهدف وضعت الخطة التي تبرز ملامحها في تضييق الخناق على كل المؤسسات التعليمية التي تتبنى المنهاج الفلسطيني ومنع توسعها أو نموها نموا طبيعيا بما يتناسب والزيادة السكانية، ودفعها بكل السبل إلى الإغلاق أو تبني المنهاج الإسرائيلي".

وذكرت: "وقد أولى بينيت اهتماما خاصا بدفع الطلاب المقادسة للدراسة في المعاهد والكليات الإسرائيلية، فبفضل البرامج المخصصة والبرامج الحكومية من الخطة الخمسية، وصل عدد الطلاب الفلسطينيين من القدس الشرقية الذين يدرسون في الجامعة العبرية في 2018-2019 إلى أعلى مستوى حتى ذلك الحين".

وأوضحت: "كما كان إغلاق مكتب مدير التربية والتعليم الفلسطيني في تشين ثاني/ نوفمبر 2019 من أبرز ملامح تلك المرحلة، إذ أرادت السلطات الإسرائيلية بذلك نزع الشرّعية عن المظلة الرسمية التي تتبع لها مدارس الأوقاف والمدارس الأهلية في القدس، الأمر الذي يتركها فريسة سهلة لوزارة المعارف التي سعت لجعل نفسها الجهة الرسمية الوحيدة المتواجدة على الساحة".

واختتمت: "وهذا الإجراء يذكرنا بالخطوة الأولى التي قامت بها السلطات الإسرائيلية بعد احتلال القدس في 1967 عندما أغلقت مكتب التعليم في محافظة القدس، واعتقلت العديد من مسؤولي التربية والتعليم، وألحقت المدارس الحكومية بدائرة المعارف وفرضت المنهاج الإسرائيلي".


التعليقات