هل التوقيف أصبح أداة أمنية فلسطينية للعقاب؟

هل التوقيف أصبح أداة أمنية فلسطينية للعقاب؟
داود كتاب
هل التوقيف أصبح أداة أمنية فلسطينية للعقاب؟

بقلم: داوُد كُتّاب

في الثالث من آذار الماضي تم اعتقال القس جوني شهوان مؤسس ورئيس مجلس إدارة جمعية بيت اللقاء في بيت جالا. الاعتقال وإغلاق المقر جاء بناء على ضجة إعلامية تركزت حول سبب وكيفية زيارة إنسان صهيوني متطرف للجمعية والتقاطه صورة له مع القس شهوان. القس يصر حسب بيان الجمعية أنه لا يعرف المذكور المتطرف ولم يتم دعوته ولكنه جاء بالتعاون مع أحد النزلاء الألمان وطلب التصوير.

هذا المقال لا يدعي معرفة كل ما جرى وليس مقالا حول طبيعة اللقاء والصورة وخلفياتهم. هذا المقال يحاول أن يسأل سؤال بسيط: هل التوقيف لمدة شهر عقاب من طرف واحد (المدعي العام والجهات الأمنية) أم يتم كما يحاول البعض تسريبه أن التوقيف جاء لحماية القس من المتطرفين المحليين والذين هددوا حياته؟

وزارة الداخلية عينت لجنة مؤقتة للجمعية وثم أشرفت على انتخابات للهيئة الإدارية فاز خلالها القس عطا لله العيساوي ولم يشارك القس شهوان في الانتخابات بل بالعكس أرسل تهنئة عبر مكالمة لزوجته من المعتقل.

المدعي العام طلب تمديد التوقيف ثلاث مرات كان آخرها يوم 30 آذار حيث تم تحديد موعد للمحاكمة في 23 أيار في حين تم رفض إطلاق سراح القس شهوان بكفالة وهو أمر غريب فهو شخصية معروفة ولا يوجد أي خوف أن يهرب من العدالة ومن الممكن حجز جواز سفره إن رغبت المحكمة بذلك.

الغريب في هذه القضية أيضا هو أن الاعتقال و تمديد الاعتقال تمت بناء على المادة 130 من قانون العقوبات الأردني المتعلقة "بالمساس بالشعور القومي" وذلك على خلفية وجود أحد المستوطنين ايهود غليك والذي قام بالترويج من خلال موقعه على الفيسبوك لمشاركته في زيارة جمعية بيت اللقاء في مدينة بيت جالا. الغريب من استخدام القانون الأردني في قضية يمكن حلها بسهولة وبدون تلك التعقيدات.

كما الغريب هو صمت مؤسسات المجتمع المدني المتخصصة بحقوق الإنسان. فالقانون يجب أن يحمي الضعيف ويجب أن يضمن محاكمة عادلة بعيدا عن استغلال الأجهزة الأمنية لصلاحياتها. تنص المادة 32 من القانون الأساسي الفلسطيني: “كل إعتداء على أي من الحريات الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للإنسان وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها القانون الأساسي أو القانون، جريمة.” كما تنص المادة 111 من القانون الأساسي الفلسطيني: “لا يجوز فرض قيود على الحقوق والحريات الأساسية إلا بالقدر الضروري لتحقيق الهدف المعلن في مرسوم إعلان حالة الطوارئ.” وحسب علمي فإن مرسوم الطوارئ متعلق بموضوع الكورونا ولا يجوز تطبيقه على الأمور اليومية غير المتعلقة بالصحة العامة.

إذا كان التوقيف بهدف حماية القس شهوان كما يشاع أحياناً فهناك طرق أقل حدة للحماية. فالقس وزوجته يحملان أيضا جواز ألماني ومن الممكن أن يتم اقتراح أن يأخذ إجازة لغاية أن تهدأ الأوضاع والتي أصلا هدأت الآن أبان إعادة فتح الجمعية واستمرار الخدمات الإنسانية والعائلية التي تقدمها للمجتمع المحلي بشهادة كل من له علاقة.

تصر عائلة وأصدقاء القس شهوان على عدم معرفته بالمدعو جليك ولكنها ترفض تقديم أي بيان للصحافة المحلية والأجنبية بهدف عدم إحراج الحكومة الفلسطينية وعدم السماح لاستغلال الموضوع. ولكن هذا الصمت -الذي يجب الإشادة به- يجب أن لا يتم تفسيره بالضعف أو بالقبول بتهم التطبيع وغير ذلك وهي تهم لا يوجد لها أي ذكر في القانون الأساسي الفلسطيني بل يمنع تعسف الجهات الأمنية في استخدام التوقيف كعقاب . موضوع الردع أيضا غير مقبول لأنه يثبت التهمة في الرأي العام غير المثبتة قانونا. أن حماية المتهم هي من مسؤوليات أجهزة الدولة الفلسطينية والتي تعتبر من أهم مسؤولياتها عدم السماح للبعض بالتهجم على شخص ضعيف بسبب تذمر مجتمعي.

كلنا أمل أن تقوم الأجهزة الأمنية والقانونية بدورها وتسمح بإطلاق سراح القس شهوان مع العلم أن القضاء يجب أن يكون الفيصل دون أن يكون التوقيف ورفض الكفالة جزء من العقاب غير المبرر.

التعليقات