تقرير العفو الدولية هام جداً فلسطينياً.. المجلس المركزي له أولويات أخرى

تقرير العفو الدولية هام جداً فلسطينياً.. المجلس المركزي له أولويات أخرى
د. سمير الددا
تقرير العفو الدولية هام جداً فلسطينياً.. المجلس المركزي له أولويات أخرى

بقلم: د. سمير الددا 

في نوفمبر عام 1975 صدر قرار عن الجمعية العامة للامم المتحدة برقم 3379 يعتبر الصهيونية هي شكل من أشكال  العنصرية والتمييز العنصري, وطالب هذا القرار جميع دول العالم بمقاومة الايدولوجيا الصهيونية التي تشكل خطرًا على الأمن والسلم الدوليين وفقاً لنص القرار, وفي عام 1991 مقابل مشاركتها الى جانب أطراف عربية في مؤتمر مدريد للسلام الذي دعت الى انعقاده في العاصمة الاسبانية ادارة الرئيس الامريكي حينها جورج بوش الاب اشترطت اسرائيل الغاء قرار الجمعية العامة المشار اليه, وهكذا كان....!!!

أول شهر فبراير الجاري صدر تقرير مشابه عن احد أهم المنظمات الدولية, وينص هو الاخر صراحة على أن ممارسات اسرائيل ضد اللفلسطينيين هي ممارسات "فصل عنصري", اسرائبل اقامت الدنيا ولم تقعدها, وزير الخارجية الاسرائيلي يائير لابيد سارع الى اشهار أخطر اسلحة اسرائيل موجهاً الاتهام الى منظمة العفو الدولية (أمنستي) التي أصدرت التقرير الاخير "بمعاداة السامية" وذلك في محاولة يائسة لإرهاب هذه المنظمة بهدف عرقلة صدور التقرير, فتصدت له الخبيرة الفرنسية المشهورة في مجال حقوق الانسان ومقررة الامم المتحدة الخاصة بقضايا الاعدام خارج القانون سابقاً, والتي تقود منظمة العفو الدولية منذ حوالي العام الدكتورة انييس كالامار قائلة: "منظمة العفو الدولية تقف بقوة ضد معاداة السامية وضد أي شكل من أشكال العنصرية في الوقت نفسه، وقد نددنا باستمرار بالأفعال المعادية للسامية وأيضا تصدينا لمعاداة السامية من قبل العديد من القادة في جميع أنحاء العالم". وشددت كالامار في ختام ردها على الوزير الاسرائيلي "بأن انتقاد ممارسات دولة إسرائيل لفرضها نظام مبني على قمع عرقي مؤسساتي طويل الأمد غير مبرر ضد الملايين من الفلسطينيين, لا يعد على الإطلاق شكلاً من أشكال معاداة السامية".

تقرير منظمة العفو الدولية التي تتخذ من لندن مقراً لها لم يكن الاول من نوعه, فقد سبقه تقرير مشابه صدر في شهر ابريل الماضي لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية يصف إسرائيل "بممارسة الابارتهايد أو نظام الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية وضد مواطنيها العرب" علاوة على عدة تقارير مشابهة لمنظمة "بيتسيلم" الحقوقية الاسرائيلية.

أكثر ما يقلق اسرائيل هو وزن منظمة العفو الدولية دولياً كونها الهيئة الدولية الابرز المختصة بمتابعة قضايا حقوق الانسان والاكثر مصداقية وكذلك سمعتها العالمية بتحريها الدقة في تحديد مصادر بياناتها ومهنيتها العالية في جمع وتحليل المعلومات من ثم صياغة تقاريرها بحيادية, اضف الى ذلك أن المنظمة بناءاً على تقريرها المشار اليه طالبت المجموعة الدولية بتحرك عاجل لمواجهة واقع التمييز العنصري الإسرائيلي، واتباع مختلف السبل لتحقيق العدالة المفقودة, وفي هذا السياق رفعت منظمة العفو الدولية طلباً رسمياً الى مجلس الأمن الدولي "بفرض حظر" على مبيعات الأسلحة لإسرائيل، وعلى فرض "عقوبات" على المسؤولين الإسرائيليين "الأكثر تورطًا في جريمة الفصل العنصري"  كما طالبت المنظمة المحكمة الجنائية الدولية استناداً الى هذا التقرير النظر في "جريمة الفصل العنصري" في سياق تحقيقاتها الحالية في الأراضي الفلسطينية والتي بدأتها المحكمة قبل حوالي عام للتحقيق في جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب ارتكبتها اسرائيل في قطاع غزة خلال حرب 2014 مما يعزز قوة وثائق الاثبات في هذا التحقيق, كما طالبت العفو الدولية جميع الدول بممارسة الولاية القضائية الشاملة وتقديم "مرتكبي جرائم الفصل العنصري الاسرائيليين إلى العدالة" اينما كانوا وحيثما وجدوا.

هذا التطور الدولي الهام جاء نتيجة تراكمات ادت الى تغير (ايجابي) في الرأي العام العالمي تجاه التضامن مع مطالب وحقوق الشعب الفلسطيني, وفي هذا السياق جاء اعلان الممثلة الانجليزية الشهيرة ايما واتسون تضامنها مع الشعب الفلسطيني عبر حسابها على انستغرام الذي يتابعه اكثر من 64 مليون شخص حول العالم, مما استدعى ان يسارع المتطرف جداً داني دانون الى اتهامها هي الاخرى "بمعاداة السامية", وهذه المرة جاءه الرد بقلم هارييت ويليامسون عبر مقال لها في

صحيفة الإندبندنت بعنوان "شكرا إيما واتسون - الحقوق الفلسطينية تستحق المناصرة والاهتمام", قالت فيه أن "الخلط بين اليهودية وكل الشعب اليهودي المؤيد لدولة إسرائيل وسياسات الحكومة الإسرائيلية مضر وخاطئ للغاية".

جاءت هذه التطورات الهامة عشية اجتماعات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في رام الله في الثالث من الشهر الجاري, وكان من المتوقع ان تحظى هذه التغيرات الدولية وخصوصاً تقرير منظمة العفو الدولية بما تستحقه من اهتمام خلال تلك الاجتماعات بما في تعيين خبراء قانونيين وحقوقيين لديهم المؤهلات والخبرة الكافية في القانون الدولي العام والقانون الدولي الانساني للتعاطي مع هذه المستجدات الدولية المهمة.....!!!!, ولكن لم يحصل ذلك, وما حصل كان تعيين او تكريس تعيين نفس تلك الوجوه القديمة المكشوفة تمامأً (نفسياً) لاسرئيل والتي اخضعتهم لتحليل نفسي ودراسة شخصية (من يحث يعلمون او من حيث لا يعلمون) وتعرفهم من الداخل والخارج وتستطيع التنبؤ بسهولة بسلوكياتهم وبطريقة تفكيرهم.

 

هؤلاء هم نفس الاشخاص اللذين كانوا في سدة الحكم طيلة السنوات العشرين الماضية ونتيجة لذلك أوصلوا بالوضع فلسطين الى ما هي عليه اليوم واهم ملامحه أولاً, أصبحت اسرائيل اليوم تقتل كل يوم وبدم بارد ما يطيب لها من ابناء الشعب الفلسطيني بدون أي رد فعل رادع يمنع هؤلاء القتلة الارهابيين من اراقة الدماء الفلسطينية, ولم نر او نسمع من هؤلاء سوى اننا ما زلنا نتمسك بخيار السلام ونرفض المقاومة المسلحة, ولسان حالهم يقول نحن مع التنسيق الامني المقدس حتى اخر فلسطيني.....

يا جماعة من أمن العقاب ساء الادب.

وثانياً, بفضل فطنة وذكاء ودهاء وعبقرية ودبلوماسية هؤلاء الذين أستأثروا بالعمل الوطني الفلسطيني في العقدين الاخيرين فقد تغيرت مدلولات لمصطلحات كانت ذات طبيعة "وطنية تعبوية وحدوية", على سبيل المثال, مقولة من "المحيط الى الخليج" اصبح لها سياقات جديدة تغمز بها اسرائيل في قناتنا بعدما اصبح الساسة والجنرالات الصهاينة يصولون ويجولون في عدد من العواصم العربية على المحيط وعلى الخليج وبالطبع على حساب الوجود الفلسطيني في تلك العواصم.

ثالثاً, الكثير من الزعماء العرب (الحاضنة الاهم لقضية فلسطين وشعبها) باتوا يشعرون ان القضية الفلسطينية اصبحت تشكل عبئأً ثقيلاً, وهذا يعود الى فشل الدبلوماسية الفلسطينية في العمل المتواصل والمستمر على شحذ همم هؤلاء وتعبئتهم وطنياً لتجديد دعمهم ووقوفهم خلف القضية الفلسطينية.....فمثلاً الساحة الخليجية الان خالية تماماً من أي نشاط سياسي فلسطيني وفي المقابل نرى الصهاينة في اوج نشاطهم هناك, وكذلك الحال في المغرب.

رابعاً, انحسار الاهتمام الدولي والاعلامي عن قضية الفلسطينية نتيجة فشل المسؤولين الفلسطينيين في لفت الانظار الى قضية شعبهم, لانشغالهم بقضايا حزبية وشخصية, وتواضع اداء الجهازين الدبلوماسي والاعلامي.

خامساً, تردي الاوضاع الاقتصادية في الاراضي الفلسطينية نتيجة لعوامل عدة ابرزها الفساد المستشري في اجهزة السلطة وكذلك فشل القائمين على الشؤون الاقتصادية بايجاد حلول فعالة.

سادساً,  اعادة ترتيب الاولويات عند بعض القيادات وخصوصاً بعض اللذين انتقلوا من خانة رجال الثورة الى مربع رجال المال والاعمال, فمنهم من اصبح يوازن بين عمله الرسمي ومصالحه الخاصة وبالقطع سترجح كفة المصالح الخاصة اذا ما تعارضت مع العمل الوطني.

سابعا, الانقسام بين جانبي الوطن, بفضل حكمة وتفاني وتضحية الجانبين اصبح اكثر عمقاً واشد وبالاً على الشعب الفلسطيني........  وغير ذلك الكثير....

اخر الكلام:

تقرير منظمة العفو الدولية في منتهى الاهمية وله آثار قانونية وحقوقية,وسياسية كبيرة للغاية, ولكنه جاء في زمن فلسطيني رديْ, واغلب الظن انه سيلاقي مصير تقرير غولدستون لسنة 2009 والذي ادان اسرئيل صراحة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في حربها على قطاع غزة عام 2008, وكذلك الرأي الاستشاري الهام جداً الذي أصدرته محكمة العدل الدولية عام 2004 بناءاً على طلب الجمعية العامة الامم المتحدة بعدما استعملت الولايات المتحدة حق الفيتو في مجلس الامن ضد قرار يدين بناء جدار الفصل العنصري الذي اقامته اسرائيل في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية والذي نص على ان الجدار يعتبر خرقاً للقانون الدولي ويجب ان تتوقف اسرائيل عن بناءه فوراً وازالة الاجزاء التي قامت ببنائها لان اقيم في اراضي محتلة وذكر نصاً الى الضفة الغربية والقدس الشرقية....!!!!!

كيف تم توظيف تقرير غولدستون ورأي محكمة العدل الدولية لصالح القضية الفسطينية..؟؟, على الارجح انه لم يتم الاستفادة من أي منهما, والسؤال الذي يطرح نفسه هل سيكون تقرير منظمة العفو الدولية الاخير أكثر حظاً ممن سبقه من تقارير دولية...؟؟, بصراحة لا اعتقد, ولكن ما أعتقده وآمن به تماماً ان هؤلاء الاشخاص الذين امتهنوا العمل "الوطني" في فلسطين طيلة السنوات العشرين الماضية ولن يكن لديهم أي جديد يستطيعون تقديمه لقضية الشعب الفلسطيني, فقد بذلوا كل ما لديهم وكانت النتيجة مزيداً من الاستيطان وابتلاع الاراضي, وتهويد القدس والأقصى وهدم البيوت والاستيلاء على منازل المقدسيين وتشريدهم وقتل المزيد من الفلسطينيين بدم بارد يومياً, وتردي الاوضاع الاقتصادية, ومزيداً من التطبيع العربي مع اسرائيل, والمرعب انهم ينوون اعادة هذه اللعبة القاتلة من جديد وبنفس الوجوه....... 

الغباء بعينه ان تكرر نفس التجربة وبالأدوات نفسها وتتوقع نتائج مختلفة.....!!!.

أفضل ما يمكن أن يقدمه هؤلاء للوطن الان هو ان يتيحوا المجال لدماء وأفكار جديدة, لعل وعسى.

لكن......لأسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي....!!

التعليقات