يا جبل ما يهزك ريح

يا جبل ما يهزك ريح
إيهاب بسيسو
يا جبل ما يهزك ريح

بقلم: إيهاب بسيسو

تابعت بحرص شديد تداعيات افتتاح معرض كاريكاتور عن القائد الرمز أبو عمار في متحف ياسر عرفات، وعلى الرغم من أن الحدث قد يثير في طياته الكثير من الفضول المعرفي نحو  طبيعة المعرض المقام على تخوم ذاكرة الحصار والصمود بل وفي قلب التاريخ الوطني المعاصر، على بعد أمتار قليلة من حيث كان أبو عمار يدير دقات الساعة الفلسطينية المناضلة، غير أن هذا الشعور سرعان ما أن يتحول إلى حالة من الغضب والاستنكار لطبيعة التناول الفني لشخصية ياسر عرفات والدلالة والهدف الثقافي والتربوي والمعرفي من وراء تجميع هذ الكم من لوحات الكاريكاتور والزج بها بشكل فظ ومسيء تحت مسمى معرض، وأي معرض؟ ... 

تعمدت طوال اليوم مراجعة ما تناولته عدسات الكاميرات الشخصية والإعلامية والمنشورات النصية عبر منصات التواصل الاجتماعي لطبيعة اللوحات المعروضة في المعرض - الصدمة، لأُصاب بالذهول والحنق من حجم الاستخفاف وعدم الجدية والاتقان الذي يتعارض مع فلسفة وروح ووظيفة المكان الثقافية والوطنية فخلط الأمور والمفاهيم ببعضها البعض وبهذا الشكل المزري لا يمكن إلا أن يسمى بكلمة واحدة: عبث ...

في افتتاح "العبث" ظننت أن في الأمر مزحة خفية، في افتتاح "العبث" أيضاً ظننت أن الفكرة ضبابية بعض الشيء وأنها بحاجة لبعض التوضيح المعرفي، وفي افتتاح "العبث" أيضاً ظننت أن المكان ليس المكان، وأن الحدث ليس الحدث فما يجري في متحف أبو عمار إنما محض مخيلة محدودة ومشوشة لا تليق بحجم ورصانة مؤسسة عريقة كمؤسسة ياسر عرفات.

كم التناقض بين الرؤية والفكرة والتنفيذ مذهل ومخيف وغير قابل للتصديق فمن هم هؤلاء العباقرة الذين ظنوا بأن مجموعة لبعض اللوحات الكاريكاتورية لياسر عرفات والتي جاءت دون سياق فني واضح قد تصنع فارقاً ملحوظاً أو استثنائياً على صعيد التعريف بحياة القائد التاريخي للشعب الفلسطيني وحجم تأثيره في الحياة السياسية والثقافية الفلسطينية على مدار أكثر من نصف قرن؟ ... 

لم يسبق أن ذهب أي متحف "وطني" للذاكرة إلى مثل هذه المغامرة المتهورة، فلم يسبق أن وثقت الصحافة العربية أو العالمية معارض مشابهة ومخصصة لفن الكاريكاتور تحمل أسماء قادة تاريخيين من باب الاحتفاء بهؤلاء القادة أو تاريخهم الوطني بهذا الشكل.

لم نشاهد معارض تحمل ذات التوجه لغاندي أو جيفارا أو نيلسون مانديلا أو حتى ديغول أو عبد الناصر وغيرهم من قادة العالم في مراحل تاريخية مختلفة. 

هذا لا يعني أن الصحافة على مدار مسيرتها المهنية والكونية لم تتناول تلك الشخصيات والرموز بالنقد والمعارضة عبر الكاريكاتور ولكن الفرق هنا يكمن في حجم تكثيف الصورة الكاريكاتورية عبر تجميع مجموعة من لوحات الكاريكاتور وضخها عبر مشروع يسمى معرض فني وعبر لوحات معلقة بشكل ساذج في فضاء بليد لا يضيف أي قيمة معرفية لأي زائر أو زائرة سوى الحنق والسخرية المريرة من مآلات الأمور. 

إن الأمر يستحق التوقف بجدية أمام هذه المهزلة المصورة والارتجال غير المدروس الذي أساء للفن عموماً ولفن الكاريكاتور خصوصاً وللراحل الكبير والقضية الفلسطينية على حد سواء.

ففن الكاريكاتور فن أصيل في العمل الصحافي ولا يجوز أيضاً الاستخفاف بهذا النوع من الفن عبر صناعة معرض لوحات بلا قيمة معرفية أو فنية واضحة. 

وانطلاقاً من كوني عضو مجلس أمناء في مؤسسة ياسر عرفات التي أعتز برسالتها وأهدافها المعرفية والوطنية منذ التأسيس، وأعتز بنشاطاتها المختلفة والتي قدمتها من أجل تعزيز الرواية الوطنية الفلسطينية على مدار السنوات الماضية فإنني أطالب السيد رئيس مجلس الأمناء وفق الحق الممنوح لي كعضو مجلس أمناء ووفق نظام المؤسسة بتشكيل لجنة مساءلة من مجلس الأمناء للوقوف على ما حدث بشكل مهني مسؤول وذلك أضعف الأيمان. 

ملاحظة: ياسر عرفات الذي نعرف ونحب ونرى يشبه كثيراً ملامحه في الصورة المرافقة، أما لوحات المعرض المزعوم فلا تمثل سوى فكرة مشوهة غير ذات صلة بالتاريخ وياسر عرفات والقضية الفلسطينية.

التعليقات