بانوراما.. نووي إيراني وصواريخ غزة ولقاء أبو مازن – غانتس

بانوراما.. نووي إيراني وصواريخ غزة ولقاء أبو مازن – غانتس
د. سمير الددا
بانوراما.. نووي إيراني وصواريخ غزة ولقاء أبو مازن – غانتس

بقلم: د. سمير الددا

يبدو ان سنة 2022 ستكون حبلى بالمفاجآت والأحداث الساخنة في فلسطين (الجواب مبين من عنوانه) إذ اشرقت شمس أول أيامها على رسائل صاروخية, سارعت على أثرها حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة منذ حوالي 15 عاماً الى اصدار بيان قالت فيه ان الصاروخين اللذان انطلقا من  القطاع وانفجرا قبالة شواطئ تل أبيب لم يكونا في سياق عمل عسكري مقصود بل انطلقا نتيجة لخلل فني سببته رداءة الاحوال الجوية, الامر لم يقبله نفتالي بينيت رئيس الوزراء الاسرائيلي وهدد بالرد...!!!!.

ذهب مراقبون الى أن حماس تعمدت إطلاق الصاروخين في هذا التوقيت بالذات لتضرب عدة عصافير بحجر واحد, الاول التشويش على لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع وزير الحرب الصهيوني بني غانتس الذي جرى قبل عدة أيام فقط من الحادثة في منزل الاخير بالقرب من تل أبيب ومحاولة استكشاف ابعاد محادثات وتفاهمات الطرفين خلال هذا اللقاء وفي الوقت ذاته أرادت (حماس) ارسال رسالة للطرفين مغزاها انها موجودة وتستطيع التأثير في مجريات الاحداث على الساحة الفلسطينية بقوة سياسياً وأمنياً ولا يمكن لأي طرف تجاهلها, وكذلك أرادت الحركة جس نبض حكومة نفتالي بينيت الهشة والمكبلة باتفاقيات حزبية متباينة يساراً ويميناً واستكشاف مدى التزام هذه الحكومة بتفاهمات ابو مازن-غانتس ومدى جدية توجهها نحو تهيئة الاجواء لبدء علاقات جديدة مع الفلسطينيين تفضي الى مفاوضات جدية للتوصل الى تسوية, وكذلك مدى توافقها مع توجهات سياسة الادارة الامريكية الجديدة في المنطقة التي تميل الى التهدئة والسير في طريق المفاوضات على اساس حل الدولتين.  

اسرائيل هي الاخرى لجأت الي سياسة جس النبض, فسارعت الى اختبار مدى جدية والتزام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتفاهمات لقائه مع غانتس وخصوصاً بعد تصريحاته الاخيرة حول أهمية التنسيق الامني, بالاضافة الى اندراج ذلك تحت ما يسمى "بعوامل بناء الثقة" التي دعت اليها واشنطن في اطار سعيها لاحياء ما تسميه "مفاوضات السلام" والتي جاء في سياقها بالاضافة الى اللقاء الفلسطيني الاسرائيلي المشار اليه, ما تبعه من "تسهيلات اسرئيلية" كالموافقة على طلبات لم شمل الاف العائلات وتصاريح للعمال وتصاريح تنقل للشخصيات الهامة وتحويل بعض اموال الضرائب للسلطة, وهذا ما سوقته السلطة على انه "اختراق" رغم عدم التطرق الى الشؤون السياسية الاكثر أهمية في اللقاء.  

في هذا الصدد (سياسة جس النبض) قالت القناة الثانية عشر الاسرائيلية يوم السبت اول ايام 2022 "ان اجهزة السلطة الفلسطينية أعتقلت فلسطينيين مطلوبين للأجهزة الامنية الاسرائيلية في جنين شمال الضفة الغربية" وأضافت القناة نقلا عن رئيس أركان الجيش الاسرائيلي أفيف كوخافي "أن ذلك تم بناءاً على طلبنا, وكنا سنقوم بإعتقالهم لو لم تفعل السلطة ذلك".

رغم هذا الشد والجذب ومحاولات خلط الاوراق إلا ان علاقات السلطة الفلسطينية مع (جانب من) الحكومة الاسرائيلية مرشحة للتطور والأوضاع في الضفة الغربية مرشحة نسبياً للانفراج, لعوامل فلسطينية وعوامل اسرائيلية واخرى اقليمية ودولية.

فلسطينياً, رغم تواضع ما أسفر عنه لقاء ابو مازن-غانتس المشار اليه سياسياً, لكن توخياً للموضوعية, فقد نتج عنه ما يمكن وصفه بالانجازات, لا يخفى على احد أن السلطة الفلسطينية لا تعيش في احسن احوالها سياسياً واقتصادياً, فالكثير من الاحداث الاقليمية والدولية استأثرت بالاهتمام الدولي في السنوات القليلة الماضية مما دفع بالقضية الفلسطينية الى درجات متدنية على سلم الاوليات العالمية وانحسار الاضواء عنها نسبياً وهذا من شأنه ان يخفف زخم حماس أنصارها, وترافق ذلك بقطع كافة (تقريباً) المساعدات المالية ناهيك عن آثار جائحة كورونا الكارثية على الاقتصاد الفلسطيني المتداعي, وعليه كان من الطبيعي بل من اللازم على القيادة الفلسطينية التحرك على كافة الصعد والعمل على إيجاد وسائل لتحسين هذا الواقع الفلسطيني, وقد كان اللقاء بلا شك خطوة في هذا الاتجاه.

اسرائيلياً, نقلت القناة السابعة الاسرائيلية يوم الاثنين الثالث من يناير الجاري عن بيني غانتس رداً على منتقدي لقائه مع ابي مازن قوله "أنه سيستمر في لقاء ابي مازن لأن في ذلك مصلحة اسرائيلية", ومن جهته صرح رئيس الحكومة معلقا على اللقاء " أنه كان يعلم بهذا اللقاء وانه قانوني وتم بناء موافقة مسبقة", وهذا مؤشر واضح على ان هناك لقاءات اخرى قادمة في المستقبل.

اسرائيلياً ايضاً, حزب القائمة العربية الموحدة هو أحد المكونات الرئيسية للحكومة الاسرائيلية الحالية وبعض المراقبين في اسرائيل وخصوصا المحسوبين على المعارضة اليمينية يتهموا القائمة الموحدة بأنها هي "صمام أمان يمنع أي تصعيد عسكري شامل وكبير ضد الفلسطينيين" إذ يكفي انسحاب عضو واحد فقط من القائمة لانهيار هذه الحكومة وذلك وارد جداً في حالة أي تصعيد عسكري على قطاع غزة, وهذا على الارجح ما يدعو نفتالي بينيت وبيني غانتس للتفكير ألف مرة قبل القيام برد "كبير" على صاروخي غزة, وبالفعل هذا ما حدث, فقد قامت اسرائيل بإطلاق بعض القذائف هنا وهناك وعلى غير هدى بدون أي اصابات, وفي هذا الصدد, رأى محللون ان القائمة الموحدة تغاضت عن هذا الرد العسكري المحدود الذي كان هدفه بالدرجة الاولى حفظ ماء وجه الحكومة القائمة وتماسكها بامتصاص غضب بعض المتشددين المؤيدين للائتلاف الحاكم, والأهم من كل ذلك لتفويت الفرصة على المعارضة اليمينية المتطرفة واحتواء اتهاماتها للحكومة بأنها لم ترد لضعفها او لوجود القائمة العربية ضمن صفوفها. 

اقليمياً, الزيارة "المهمة" التي قام بها جيك سوليفان مستشار الامن القومي الامريكي لاسرائيل في الثالث والعشرين من شهر ديسمبر الماضي والتي أعقبها بعدة أيام لقاء ابي مازن-غانتس الذي سبقت الاشارة اليه والذي أصر سوليفان على حصوله, بل هو الذي رتبه بنفسه, وتخلل تلك الزيارة تصريحات حاسمة لسوليفان بأن الولايات المتحدة غير معنية بمواجهة عسكرية مع ايران ولا أي من حلفائها (لكل منهم اسبابه), مما كبح جماح التهديدات العسكرية الاسرائيلية ضد ايران من جهة, ومن جهة اخرى عزز مكانة ايران استراتيجياً في المنطقة وبالطبع على حساب اسرائيل التي ترى في ايران منافساً استراتيجياً وليس تهديدا وجوديا لها, وفي هذا الصدد كان رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق نتنياهو صريحاً (خلافاً لعادته) عندما صرح في صيف عام 2020 أمام مؤتمر إنتخابي نظمه حزب الليكود في تل أبيب "إن معارضتنا القوية لحصول ايران على قنبلة نووية ليس لأن ذلك يقلقنا, فامتلاك ايران للقنبلة النووية بحد ذاته لا يخيفنا, ولكن ذلك سيدفع دولاً اخرى في المنطقة الى امتلاك السلاح النووي تأسياً بإيران او بحجة ردعها والحفاظ على التوازن العسكري, وهذا هو أشد ما نخشاه".

كلام نتنياهو وان بدا منطقياً, إلا أنه يفتقر الى الدقة, قد لا يشكل سلاح ايران النووي تهديداً وجودياً لاسرائيل, ولكنه من المؤكد يكسر احتكارها للسلاح النووي الامر الذي (ان حصل) سيفقدها أهميتها الاستراتيجية في المنطقة وهذا هو أشد ما تخشاه اسرائيل, لان إنفرادها بامتلاك السلاح النووي في منطقة الشرق الاوسط جعلها الاقوى عسكرياً طيلة العقود السبعة الماضية وأهلها للفوز دائماً بثقة الغرب (الولايات المتحدة وحلفائها) واعتمادها الوكيل الحصري لتمثيلهم ومراعاة مصالحهم في المنطقة وابقائها دائماً متوترة وغير مستقرة وبالتالي ضعيفة لسهولة السيطرة عليها والحصول على مقدراتها وذلك مقابل دعماً لا محدوداً كما نرى ونشاهد, وحصول ايران او غيرها من دول المنطقة على السلاح النووي يهدد هذه المكانة. 

ومن جهة اخرى, كون اسرائيل القوة النووية الوحيدة في الشرق الاوسط فان ذلك ادى الى سعي بعض الأنظمة الهشة لطلب الحماية العسكرية منها مقابل أثمان سياسية واقتصادية واجتماعية باهظة, وهذا ايضاً سيكون في مهب الريح حال حصول دول غيرها في المنطقة على السلاح النووي سواءاً ايران او غيرها.   

هذا بالإضافة الى أن الصهيونية العالمية في اوائل ومنتصف القرن الماضي قامت بتسويق اسرائيل على انها أرض السمن والعسل وبلاد الفرص الواعدة ووطن اليهود الآمن والامين, وبالفعل نجحت هذه الدعاية في تضليل شريحة واسعة من مواطني بعض البلدان كدول الاتحاد السوفيتي السابق (مثلا روسيا, اوكرانيا, وجورجيا, بيلاروسيا, استونيا وغيرها) ودول شرق اوروبا (مثل بولندا ورومانيا والمجر وبلغاريا والتشيك وغيرها) ومعظمهم من اليهود. لم تكن هذه المهمة صعبة على الصهيونية كون كل هذه البلدان كانت تقبع تحت سيطرة انظمة دكتاتورية تحكم شعوبها بالحديد والنار وتنتهك كافة حريات مواطنيها بانتظام وتحرمهم من ابسط حقوقهم الانسانية وتمارس ضدهم أبشع سياسات القمع والاضطهاد, ناهيك عن حالة العوز والفقر المدقع التي كانت تعيشها تلك البلدان وافتقارها للحد الادنى المقبول من الخدمات التي يحتاجها البشر من تعليم وصحة وامن وكهرباء وماء واتصالات وغيرها. أي ان هؤلاء فروا من بلادهم الى فلسطين تحت تأثير الدعاية الصهيونية هروباً من واقع دولهم المزري كما أشرنا وبحثاً عن حياة افضل ومجتمع اكثر أمناً (ليس إلا). لكن عندما يشعر هؤلاء أنهم اصبحوا تحت رحمة أعداء يمتلكون سلاحاً نووياً ويحيطون بهم من كل جانب سينتابهم قطعاً شعوراً بالرعب والتهديد الدائم وعدم الأمان وهذا سيدفعهم بالضرورة الى البحث عن مكان اكثر امناً وخصوصاً ان بلدانهم التي جاؤوا منها وما زالوا يحتفظون بجنسيتها تغيرت كلياً سياسياً واقتصادياً وامنياً وأصبحت اليوم أفضل بكثير مما كانت عليه حين فرارهم منها في القرن الماضي, وهذا الأمر يقلق كثيراً صانع القرار الاسرائيلي لان من شأنه ان يؤثر في الخريطة الديموغرافية لصالح الفلسطينيين.     

دولياً, المزاج العالمي مل من السياسات الاسرائيلية العدوانية ضد الشعب الفلسطيني بما في ذلك الاستمرار في انتهاك القرارات الصادرة عن الهيئات والمنظمات الدولية ذات الصلة والاستمرار في سرقة ونهب اراضي الفلسطينيين وبناء المستوطنات عليها, والاستمرار في قتل ابناء الشعب الفلسطيني يومياً بدم بارد, والاستمرار في هدم بيوت الفلسطينيين يومياً, والاستمرار في تهويد القدس الشرقية التي احتلها اسرائيل بقوة السلاح عام 1967, وغير ذلك من الممارسات العدائية ضد ابناء وبنات الشعب الفلسطيني الاعزل, فكان ان اعلنت الجمعية العامة للامم المتحدة الشهر الماضي عدة قرارات تؤكد فيها على القرارات السابقة وخصوصا القرار 2334 لعام 2016 والذي ينص على ان القدس الشرقية اراضي فلسطينية محتلة وكل ما تقوم به اسرائيل لتغيير طابع المدينة الجغرافي والديموغرافي والثقافي غير قانوني وعليها التوقف عن فوراً.

اخر الكلام:

التطورات المشار اليها والتي تتسم بالبطئ الشديد هي وجه اخر لسياسة امريكية مغايرة لسياسة صهيونية قبيحة كان قد رسمها سيئون الذكر كوشنر-فريدمان-غرينبلات وتمكنوا من احداث أضرار جسيمة في السياسة الامريكية الخارجية بعد ان ضللوا رئيس امريكي غشيم كان الاضعف والاسوأ في تاريخ الولايات المتحدة, ولكن في النهاية لا يصح الا الصحيح والامر يحتاج الى وقت.....!!!!

التعليقات