السيد المسيح ولد في فلسطين

السيد المسيح ولد في فلسطين
بقلم: نهاد أبو غوش
تحتفل البشرية بأسرها بعيد الميلاد المجيد، وهو عيد ميلاد السيد المسيح رسول المحبة والسلام الذي يحظى بالقداسة والتبجيل لدى مليارات البشر على الرغم من الاختلافات المعروفة بين الأديان والمذاهب حول طبيعته وصلبه وقيامته وبعثه، وعادة ما يرتبط هذا العيد بأمنيات السعادة والسلام والخير لكل البشر، وقيم المحبة والإخاء والتسامح والفداء والرجاء، نظرا لطبيعة رسالة المسيح وحياته القصيرة ونشأته الفقيرة والبسيطة حيث ولد في مذود وسط مغارة في بيت لحم الفلسطينية (تسمى في الكتاب المقدس اليهودية لأن منطقة يهودا حسب تقسيمات العهد القديم هي قطعة جغرافية من فلسطين تشمل الأراضي المحيطة بالقدس وجنوبا حتى بيت لحم والخليل)، وتعرض السيد المسيح في طفولته لخطر القتل على يد الحاكم اليهودي المعين من الرومان هيرودس، فهرب المسيح مع العائلة المقدسة إلى مصر. ثم عاد ليبشر في مختلف أرجاء فلسطين وصولا إلى الأردن ولبنان، حتى وشى به المتضررون من رسالته ودعوته الإنسانية وهم من اليهود كما يذكر الكتاب المقدس، الذي يعدد تفاصيل جولاته في الأرض المقدسة التي شهدت أعاجيبه، فيرد ذكر كثير من اسماء القرى والبلدات الفلسطينية التي ما تزال تحتفظ باسمائها حتى الآن على الرغم من كل ما مرّ بها من احتلالات وغزوات وحروب.
الفلسطينيون دأبوا على الاحتفال بعيد الميلاد المجيد، و(كذلك بعيد الفصح)، باعتباره عيدا وطنيا بامتياز، أولا لأنهم يؤمنون بأن المسيح فلسطيني ولد وعاش في ارض فلسطين، وجميع المسلمين والمسيحيين يقدسون المسيح ويكرمون أمه السيدة مريم العذراء التي وصفها القرآن بأنبل الأوصاف في مواضع عديدة، فهي القانتة، وهي آية للعالمين، و قد طهّرها الله واصطفاها على نساء العالمين. وثانيا لأن الهوية الوطنية الفلسطينية هي هوية تعددية تشكلت عبر التاريخ من تداخل وتمازج العناصر المكونة للشعب الفلسطيني عبر تاريخه الطويل على هذه الأرض ، والمسيحية جزء أصيل من هذه الهوية الوطنية، ساهمت في تشكيلها كما ساهم المسيحيون في إغنائها عبر مساهمتهم – وطليعيتهم احيانا- في كافة مناحي النشاط الوطني والأدبي والثقافي والتعليمي والفني والحضاري، وفي المقابل يبدو المشروع الصهيوني ليس بوصفه مشروعا احتلاليا كولونياليا فحسب، بل بوصفه مشروعا إقصائيا يعتبر هذه البلاد ملكا حصريا لليهود، مثلما ورد في قانون القومية، وينكر اية علاقة أو رابطة بين البلاد واهلها المسلمين والمسيحيين والسامريين.
خلال القرون العشرة الأولى بعد الميلاد كانت فلسطين ذات أغلبية سكانية مسيحية، ولم تتاثر هذه الأغلبية حتى مع الفتح العربي الإسلامي وهجرات القبائل العربية التي كان جزء منها قبائل مسيحية، بدأت المعادلة بالاختلال مع حروب الفرنجة التي يسميها البعض خطأ "الحروب الصليبية" ثم مع طرد الصليبيين نهائيا من هذه البلاد ، لكن المعادلة بدات تختل في أواخر عهد الدولة اليوبية ثم في عصر المماليك والعهد العثماني مع ملاحظة أنه كلما ضعفت الدولة العثمانية وتفاقمت أزماتها تزايدت أوجه التعسف والاضطهاد سواء للأقليات القومية أو الدينية، فكان نصيب المسيحيين العرب والفلسطينيين مضاعفا لأنهم عرب اولا ولنهم مسيحيون ولأن الدولة التي يفترض بهم ان ترعى مصالحهم مأزومة.
لهذه الأسباب، ولأن الوجود المسيحي في هذه البلاد مستهدف من دولة الاحتلال، ومن داعميه من قوى اليمين المحافظ التي تسمي نفسها مسيحية صهيونية، وكذلك بسبب ما تعرض له المسيحيون في بلدان المشرق من عمليات إبادة ومذابح جماعية وحملات تطهير عرقي، وما زالوا يتعرضون له من خلال التمييز في حقوق المواطنة والقيود على حرية العبادة والاعتقاد، والاستمرار في معاملة المسيحيين ك"أهل ذمة" وفي أحسن الأحوال ك"أقليات" في عديد البلدان العربية والمشرقية، والتمييز ضدهم بموجب الدساتير والقوانين الوطنية، لكل ذلك فإن الحفاظ على الوجود المسيحي في فلسطين وتهيئة كل الظروف لتطوره الصحي، وتوثيق علاقات المؤسسات الوطنية الفلسطينية مع الجاليات الفلسطينية في المهجر، حيث ان بعض الجاليات الفلسطينية الكبيرة وخاصة في تشيلي وبلدان أميركا الوسطى مثل هوندوراس وغواتيمالا والسلفادور التي تعد بمجموعها مئات آلاف الفلسطينيين، هي ذات أغلبية مسيحية.
في عيد ميلاد السيد المسيح كل عام وأنتم جميعا بخير .
بقلم: نهاد أبو غوش
تحتفل البشرية بأسرها بعيد الميلاد المجيد، وهو عيد ميلاد السيد المسيح رسول المحبة والسلام الذي يحظى بالقداسة والتبجيل لدى مليارات البشر على الرغم من الاختلافات المعروفة بين الأديان والمذاهب حول طبيعته وصلبه وقيامته وبعثه، وعادة ما يرتبط هذا العيد بأمنيات السعادة والسلام والخير لكل البشر، وقيم المحبة والإخاء والتسامح والفداء والرجاء، نظرا لطبيعة رسالة المسيح وحياته القصيرة ونشأته الفقيرة والبسيطة حيث ولد في مذود وسط مغارة في بيت لحم الفلسطينية (تسمى في الكتاب المقدس اليهودية لأن منطقة يهودا حسب تقسيمات العهد القديم هي قطعة جغرافية من فلسطين تشمل الأراضي المحيطة بالقدس وجنوبا حتى بيت لحم والخليل)، وتعرض السيد المسيح في طفولته لخطر القتل على يد الحاكم اليهودي المعين من الرومان هيرودس، فهرب المسيح مع العائلة المقدسة إلى مصر. ثم عاد ليبشر في مختلف أرجاء فلسطين وصولا إلى الأردن ولبنان، حتى وشى به المتضررون من رسالته ودعوته الإنسانية وهم من اليهود كما يذكر الكتاب المقدس، الذي يعدد تفاصيل جولاته في الأرض المقدسة التي شهدت أعاجيبه، فيرد ذكر كثير من اسماء القرى والبلدات الفلسطينية التي ما تزال تحتفظ باسمائها حتى الآن على الرغم من كل ما مرّ بها من احتلالات وغزوات وحروب.
الفلسطينيون دأبوا على الاحتفال بعيد الميلاد المجيد، و(كذلك بعيد الفصح)، باعتباره عيدا وطنيا بامتياز، أولا لأنهم يؤمنون بأن المسيح فلسطيني ولد وعاش في ارض فلسطين، وجميع المسلمين والمسيحيين يقدسون المسيح ويكرمون أمه السيدة مريم العذراء التي وصفها القرآن بأنبل الأوصاف في مواضع عديدة، فهي القانتة، وهي آية للعالمين، و قد طهّرها الله واصطفاها على نساء العالمين. وثانيا لأن الهوية الوطنية الفلسطينية هي هوية تعددية تشكلت عبر التاريخ من تداخل وتمازج العناصر المكونة للشعب الفلسطيني عبر تاريخه الطويل على هذه الأرض ، والمسيحية جزء أصيل من هذه الهوية الوطنية، ساهمت في تشكيلها كما ساهم المسيحيون في إغنائها عبر مساهمتهم – وطليعيتهم احيانا- في كافة مناحي النشاط الوطني والأدبي والثقافي والتعليمي والفني والحضاري، وفي المقابل يبدو المشروع الصهيوني ليس بوصفه مشروعا احتلاليا كولونياليا فحسب، بل بوصفه مشروعا إقصائيا يعتبر هذه البلاد ملكا حصريا لليهود، مثلما ورد في قانون القومية، وينكر اية علاقة أو رابطة بين البلاد واهلها المسلمين والمسيحيين والسامريين.
خلال القرون العشرة الأولى بعد الميلاد كانت فلسطين ذات أغلبية سكانية مسيحية، ولم تتاثر هذه الأغلبية حتى مع الفتح العربي الإسلامي وهجرات القبائل العربية التي كان جزء منها قبائل مسيحية، بدأت المعادلة بالاختلال مع حروب الفرنجة التي يسميها البعض خطأ "الحروب الصليبية" ثم مع طرد الصليبيين نهائيا من هذه البلاد ، لكن المعادلة بدات تختل في أواخر عهد الدولة اليوبية ثم في عصر المماليك والعهد العثماني مع ملاحظة أنه كلما ضعفت الدولة العثمانية وتفاقمت أزماتها تزايدت أوجه التعسف والاضطهاد سواء للأقليات القومية أو الدينية، فكان نصيب المسيحيين العرب والفلسطينيين مضاعفا لأنهم عرب اولا ولنهم مسيحيون ولأن الدولة التي يفترض بهم ان ترعى مصالحهم مأزومة.
لهذه الأسباب، ولأن الوجود المسيحي في هذه البلاد مستهدف من دولة الاحتلال، ومن داعميه من قوى اليمين المحافظ التي تسمي نفسها مسيحية صهيونية، وكذلك بسبب ما تعرض له المسيحيون في بلدان المشرق من عمليات إبادة ومذابح جماعية وحملات تطهير عرقي، وما زالوا يتعرضون له من خلال التمييز في حقوق المواطنة والقيود على حرية العبادة والاعتقاد، والاستمرار في معاملة المسيحيين ك"أهل ذمة" وفي أحسن الأحوال ك"أقليات" في عديد البلدان العربية والمشرقية، والتمييز ضدهم بموجب الدساتير والقوانين الوطنية، لكل ذلك فإن الحفاظ على الوجود المسيحي في فلسطين وتهيئة كل الظروف لتطوره الصحي، وتوثيق علاقات المؤسسات الوطنية الفلسطينية مع الجاليات الفلسطينية في المهجر، حيث ان بعض الجاليات الفلسطينية الكبيرة وخاصة في تشيلي وبلدان أميركا الوسطى مثل هوندوراس وغواتيمالا والسلفادور التي تعد بمجموعها مئات آلاف الفلسطينيين، هي ذات أغلبية مسيحية.
في عيد ميلاد السيد المسيح كل عام وأنتم جميعا بخير .
التعليقات