المركزي والحوار والمطلوب

المركزي والحوار والمطلوب
بقلم: مصطفى بشارات

لقد "أوغل الموقف الاسرائيلي في كل شيء".

بهذا الوصف، والذي أطلقه الرئيس محمود عباس خلال اجتماع للقيادة الفلسطينية عقد بتاريخ 24/10/2021، يكون قد لخص جملة السياسات الاسرائيلية المسؤولة عن الأفق المغلق الذي تواجهه عملية التسوية على المسار الفلسطيني-الاسرائيلي.

مع هذا التعطيل الذي مارسته "إسرائيل" بشكل ممنهج، يواجه النظام السياسي الفلسطيني - منظمة وحكومة وفصائل ومجتمع - جملة من المشاكل المستعصية، فإضافة إلى الانقسام الذي وقع عام 2007 وآثاره المدمرة سياسيا ومجتمعيا، هناك تحديات عديدة تتعلق بـ " ترتيب الأوضاع الداخلية، وتعزيز قدرة المؤسسات الفلسطينية وتفعيلها، وتعزيز وحدة فصائل منظمة التحرير على طريق إنهاء الانقسام، ووضع حد نهائي لمحاولات تمزيق وحدة الساحة الفلسطينية والتشكيك في البرنامج الفلسطيني المقر في المجلس الوطني الفلسطيني في دوراته المتعاقبة".

التحديات الأربع الأخيرة حددها الرئيس (أبو مازن) خلال ترأسه اجتماعا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بتاريخ 18/10/2021 وقال إنها تستدعي عقد اجتماع للمجلس المركزي الفلسطيني في موعد أقصاه شهر كانون ثاني القادم، ودعا إلى " بدء حوار ثنائي وثلاثي وشامل بين فصائل منظمة التحرير لتعزيز وحدتها الوطنية في إطار المنظمة، تمهيدا لحوار وطني شامل بين الجميع بما في ذلك حركتي حماس والجهاد الإسلامي لإنهاء الانقسام البغيض، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم الفصائل المشاركة فيها بالشرعية الدولية، وتعمل على توحيد شطري الوطن، وإعادة الاعمار في قطاع غزة وإنهاء الحصار المفروض عليه".

لا يختلف فلسطينيان على توصيف المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية باعتبارها أخطر المراحل في تاريخها، فعوضا عن الوضع الفلسطيني الهش نتيجة جملة التحديات المشار إليها و "الانقسام البغيض"، هناك انكشاف لـ "الظهر الفلسطيني" نجم عن تخلي الدول العربية غير المعلن عن مسؤولياتها تجاه فلسطين والشعب الفلسطيني تجلى بشكل واضح بالتزامها بالتعليمات التي تلقتها من الادارة الأمريكية السابقة بزعامة ترامب بعدم تقديم أية مساعدات للسلطة الوطنية الفلسطينية، وتسبب ذلك بالاشتراك مع استمرار "إسرائيل" بالاقتطاع من أموال المقاصة الفلسطينية، بأزمة مالية حادة لحكومة السلطة لن تكون فيها قادرة على دفع رواتب موظفيها كاملة اعتبارا من شهر كانون أول المقبل، ولا يمكن اغفال التأثيرات السلبية لذهاب بعض العرب للتطبيع المجاني مع "إسرائيل" لمعرفة حجم خطورة الوضع الفلسطيني.

عود على بدء، لا يختلف فلسطينيان على حجم خطورة المرحلة، وإن كانا يختلفان على طرق وآليات المواجهة، وهذا اختلاف شرعي وصحي في آن، إلا أنهما يتفقان على الحاجة لـ "الحوار الوطني الفلسطيني الشامل" الذي أكد الرئيس محمود عباس على ضرورة انطلاقه، وهو حوار حبذا لو بدأ قبل اجتماع المجلس المركزي المرتقب، لكن لا غضاضة في أن يتبع اجتماع المركزي ويستدعي ذلك أن تكون مخرجات المركزي مهيئة لجسات الحوار، تؤسس لمناخات ايجابية لانطلاقه، فلا بد، تحديدا، من أن تتضمن الاتفاق على تشكيل حكومة توافق وطني تتولى إنهاء الانقسام عبر تطبيق اتفاقات المصالحة ذات العلاقة وآخرها الاتفاق المبرم برعاية مصرية في تشرين الثاني عام 2017، وتوحيد مؤسسات السلطة المدنية والأمنية في "جناحي الوطن"، وتنفيذ عملية إعادة الاعمار في قطاع غزة، واتخاذ كل الترتيبات اللازمة لعقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية بعيدا عن الاشتراطات الاسرائيلية التي تتحكم بآلية عقدها في القدس الشرقية المحتلة.

الحكومة الفلسطينية الحالية – الحكومة الثامنة عشرة – تواجه جملة من التحديات يعرفها الجميع وآخرها الأزمة المالية الخانقة، وفتحاويا ليس هناك اصرار فتحاوي على بقائها، وفي المقابل أصبح استبدالها بحكومة وحدة وطنية فلسطينية مطلب أمريكي. وإذا كانت أمريكا، وكما هو معروف، غير معنية إلا باستمرار مصالحها التي أصبحت تدرك أن "إسرائيل" ستواصل تعطيلها إذا استمر الوضع الفلسطيني على حاله الراهن، ليس هناك ضير من التعاطي مع هذا المطلب الأمركي حتى لو كان مقرونا بشرط التزام مثل هذه الحكومة بشروط الرباعية الدولية، فالسياسة فن الممكن، وحماس التي تبحث عن " شرعنة" لحركتها تدرك ذلك كما فتح.

الوقائع في لبنان تقول إن معظم الحكومات اللبنانية تشكلت بمشاركة حزب الله "الارهابي" حسب المزاعم الأمريكية، لكن أمريكا والغرب اضطرا للتعامل مع هذه الحكومات من باب " مكرها أخاك لا بطل"، ومن واجب حركة حماس الاستفادة من هذه التجربة والمشاركة بحكومة وحدة وطنية فلسطينية تتولى رئاستها حركة فتح، فهي من جهة لن تكون الطرف الأساس الملتزم بشروط الرباعية الدولية، ومن جهة ثانية لن تكون معطلا للانفراج الفلسطيني المطلوب للخروج من "عنق الزجاجة".

الأمر لا يحتمل الآيديولوجيا ولا أي نوع آخر من الترف السياسي أو الفكري، وأية خلافات داخلية يجب أن توضع جانبا لأن الوضع الفلسطيني "مأزوم"، وتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وفق المهام المشار إليها، بات مصلحة فلسطينية تستدعي العمل على تحقيقها بشكل عاجل، وهي، بالغرض منها، ستكون حكومة انقاذ وطني لمنع حصول المزيد من تردي الأوضاع التي لن تكون هناك جهة فلسطينية بمنأى عن العواقب الوخيمة التي ستقع في حال لم تتشكل.

التعليقات