نحلم بالميداليات

نحلم بالميداليات
نحلم بالميداليات

بقلم: نهاد أبو غوش

تنشدّ أنظار مئات الملايين في أنحاء العالم صوب دورة الألعاب الأولمبية التي تستضيفها العاصمة اليابانية طوكيو بتأخير سنة عن موعدها المقرر بسبب جائحة كورونا، ومن بين المتابعين لا شك أن ثمة ملايين العرب الذين سيشعرون إلى جانب المتعة والإثارة والدهشة من الفرجة على إبداعات أبطال الرياضة وتنافسهم المثير وإنجازاتهم الإعجازية، فإنهم سوف يصابون بالحسرة وخيبات الأمل المتكررة بسبب النتائج المتواضعة والهزيلة للدول العربية المشاركة باستثناءات فردية قليلة لبعض أبطال الدول المغاربية والخليجية، علما بان بعض هذه الدول الأخيرة تقوم بتجنيس رياضيين من مختلف أنحاء العالم، وبخاصة من افريقيا ودول البلقان، طمعا بتتويجهم بميداليات مهما كان لونها.

لا تخلو الرياضة من السياسة، إلى درجة يعتبرها بعض المتشائمين محاولة من السياسيين والحكام لتخدير الجماهير وإلهائها عن قضاياها ومشكلاتها، لكن الرياضة هي بلا شك ميدان فسيح من ميادين الإبداع الإنساني والأداء الجمالي المبهر، وهي فعاليات إنسانية راقية ومتطورة تساهم في تكريس القيم الإيجابية لدى الإنسان مثل التنافس الشريف، والصبر والتحمل، والتعاون والتصميم على بلوغ الأهداف بالإضافة إلى ما وفرته العلوم والتقنيات الحديثة من أساليب تدريب وتنمية مهارات وخطط وتكتيكات تساهم كلها في تحسين الإنجازات وتحطيم الارقام الأولمبية والقياسية دورة بعد أخرى. كما ان هذه الألعاب تمثل فرصة مهمة لتمثيل اللاعبين لأوطانهم، ورفع أعلامهم الوطنية وتنمية مشاعر الزهو والفخار الوطني بالإنجازات والانتصارات وليس بالادعاءات.

من المواقف السياسية المشرفة قيام لاعبي الجودو الجزائري فتحي نورين والسوداني محمد عبد الرسول بالانسحاب من المنافسة حين اوقعتهما القرعة في مواجهة لاعبين إسرائيليين، التزاما بالموقف الوطني والشعبي بمقاطعة إسرائيل، في حين باءت اللاعبة السعودية تهاني القحطاني التي يبدو انها ليست لاعبة جودو في الأصل، بالخيبة والفشل في مواجهتها للاعبة إسرائيلية على الرغم من النداءات المتكررة التي وجهت لها من قبل ناشطين ومواطنين سعوديين وعرب كثيرين للانسحاب، ما يشير إلى أن ثمة تعليمات رسمية دعتها للمشاركة.

وفي النتائج فرحنا كما فرح كل العرب بنتائج الأبطال التوانسة في السباحة والتايكواندو، والبطل الأردني صالح الشرباتي الذي واصل مسيرة البطل الذهبي أحمد ابو غوش، إلى جانب نجاح بطلين مصريين في التايكواندو وكويتي في الرماية، ونتوقع نتائج إيجابية لأبطال المغرب في سباقات الركض وقطر في ألعاب القوى، لكن شعورنا العام هو الخيبة والتشاؤم وبخاصة إذا قارنّا نتائجنا وأداءنا بنتائج غيرنا من الشعوب والدول.

معظم الدول كبيرها وصغيرها، غنيها وفقيرها، شمالها وجنوبها تحقق إنجازات ونتائج باهرة تسعد شعوبها، وأمامنا دول صغيرة جدا مثل كرواتيا ونيوزيلندا (كلاهما بعدد سكان أقل من عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة) تحقق نتائج لافتة إذ أن كلا منهما حققت أكثر مما حقق جميع العرب مجتمعين، كوسوفو الصغيرة أيضا، وهي الدولة اليوغسلافية السابقة ولم يستكمل الاعتراف الدولي باستقلالها، والتي لم تكد تخرج من حرب أهلية مدمرة حققت ذهبيتين، بل ان دولة لا يعرفها ولم يسمع بها معظم الناس هي دولة سان مارينو (مكتنف جبلي داخل الأراضي الإيطالية بمساحة 60 كيلومترا مربعا وعدد سكان اقل من 35 ألف اي انها اصغر بكثير من مدينة دورا أو بلدة بيتونيا) حققت ميداليتين، ودولة فيجي المنعزلة في المحيط الهادئ وتعدادها السكاني أقل من مليون حققت ميداليتين في رياضة الرجبي إحداهما ذهبية، وثمة ايضا دول فقيرة جدا مثل اثيوبيا وكينيا والفيليبين، أو محاصرة مثل كوبا تحقق دائما نتائج ملموسة وتنافس كبريات الدول.

لا يرتبط الأمر إذن بالغنى والفقر، ولا بالإمكانيات المادية، وبالطبع ليس بالتكوين الجسماني والخصائص البدنية لهذا الشعب او ذاك، لكنها الإرادة والتخطيط والشغف والدعم المادي والمعنوي والإدارة السليمة للمقدرات، ومكانة الرياضة في حياة الشعوب (من مؤشرات ذلك الاهتمام بالرياضة المدرسية وتوافر المرافق الرياضية في الأحياء الشعبية والقرى والبلدات وحتى في أماكن العمل مثلما يفعل اليابانييون والصينيون) والتركيز على رياضات بعينها تتناسب مع إمكانيات البلد كما فعل الأردن الشقيق باهتمامه برياضة التايكواندو منذ سنوات طويلة وقد بدا بحصد النتائج.

من حقنا كفلسطينيين أن نحلم بالإنجازات والميداليات، شبعنا من شرف المشاركة، فالنتائج والانجازات تؤكد ما هو أكيد وهو جدارتنا بالحياة وبالحرية، ولأنها تفرض حضورنا دائما على أجندة العالم.

التعليقات