مركزية القدس تعيدها غزة

مركزية القدس تعيدها غزة
أحمد المدلل
مركزية القدس تعيدها غزة

بقلم: احمد المدلل

لم يكن  الثامن والعشرون من رمضان عام ١٤٤٢ هجرى يوماً عادياً فى تاريخ القدس ، عشرات الالاف من المتطرفين اليهود قد تداعوا لإحياء يوم القدس العبرى الذي يحتفلون فيه بذكرى توحيد القدس والتى أرادوها عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل، فيما المقدسيون ينتفضون منذ عدة أسابيع فى مواجهات مستمرة مع قوات الاحتلال الصهيونى رفضاً لوضع الحواجز العسكرية على مدارج باب العمود والذى سيُمنع من خلالها جموع المصلين من خارج السور من الدخول الى الحرم وقد انتصروا على الجيش بارادتهم الصلبة واقتلعوا هذه الحواجز المصطنعة ليؤكدوا عروبة وإسلامية القدس المفتوحة للمسلمين والمسيحيين ، وكذلك فى حى الشيخ جراح هناك معركة اخرى يخوضها أهلنا  دفاعاً عن وجودهم حيث يعمل العدو الصهيونى  ومستوطنوه على طردهم من ديارهم زاعمين بأن هذه المبانى لهم وقد اعطتهم محكمة الاحتلال الحق فيها.

انها هجمة شرسة وممنهجة من الاحتلال الصهيونى ليست وليدة اللحظة ولكنها منذ لحظات الاحتلال الاولى لمدينة القدس عام ١٩٦٧م  وهو يرتكب جرائمه من خلال تدمير احياء كاملة حول المسجد الأقصى والقيام بالحفريات تحت المسجد الاقصى وحوارى القدس القديمة والاقتحامات المستمرة للمسجد الاقصى وسحب هويات المقدسيين وطردهم من القدس ومحاصرة القدس بسياج من المستوطنات المرتبطة ببعضها البعض وفرض الضرائب الباهظة باسماء مختلفة على المقدسيين وعدم اعطاءهم تراخيص  بالبناء وتدمير المبانى والمنشآت هذا التضييق الممنهج على المقدسيين من أجل تفريغها من سكانها فى أبشع جريمة تطهير عرقى بحق الشعب الفلسطينى فى مدينة القدس لتحويلها الى عاصمته الموحدة والابدية " أورشليم" وازدادت الهجمة الصهيونية شراسة بعد اعلان صفقة القرن الذى أعلن فيها ترامب ان القدس عاصمة موحدة لإسرائيل وقام بنقل السفارة الأمريكية اليها تنفيذاً لصفقته ، وكأن معركة القدس قد حطّت رحالها وبدأت حالة الصراع مع المحتل الصهيونى تعود إلى أصولها الحضارية والتاريخية.

إنها معركة على العقيدة والهوية والتاريخ والوجود ، أدرك الكل الفلسطينى أنها لحظات فارقة فى تاريخ  الصراع مع الاحتلال والمطلوب من الكل القلسطينى ان يتحمل مسؤولياته بعيداً عن اى حسابات سياسية او حزبية لأن القدس تفوق كل  الحسابات ، وبالرغم من التحذيرات التى اطلقها قادة المقاومة وعلى رأسهم الامين العام لحركة الجهاد الاسلامى زياد نخالة إلا أن المتطرفين اليهود أصروا وحشّدوا أنفسهم وبمجرد الانطلاق باتجاه ابواب المسجد الاقصى لاقتحامها كانت القدس الساعة السادسة من مساء الاثنين الثامن والعشرين من رمضان عام ١٤٤٢ هجرى على ميعاد مع صواريخ مقاومة غزة كما حذّر القائد محمد الضيف ، لحظات لن ينساها تاريخ القدس وتاريخ النضال الفلسطينى الحديث حيث تحوّل تهديد غزة المقاومة المحاصرة والجائعة إلى فعل لم يتوقعه أحد.

والمثل العربى يقول إن الله يضع سره فى أضعف خلقه ، رشقات من الصواريخ تنطلق من غزة جعلت قطعان المستوطنين الذين تحشدوا بعشرات الالآف لاقتحام الاقصى يهربون الى الخلف - بعد ان نظّموا صفوفهم للقيام بعملية الاقتحام يتقدمهم قادة سياسيون وعسكريون ونواب كنيست وحاخامات -  وما هى إلا لحظة حتى تبعثروا فى كلٌّ الاتجاهات يبحث كلٌّ منهم عن مكان ينجيه او ملجأ يختبئ به حتى جنود الاحتلال المدججين الذى جاءوا لحمايتهم  هربوا على صوت الصواريخ يبحثون عن مكان للنجاة . 

غزة المقاومة وعدت بحماية القدس بكل ما تملك وصدّقت وعدها وهددت الاحتلال ونفذت تهديدها ، نعم غزة البعيدة المحاصرة ، لو بحثْت عنها فى أطلس العالم لن تراها لانها اصغر من نقطة عليه لا تُرى بالعين المجردة ، فيما حين يجول النظر على سطح الأطلس سيجد عالماً إسلامياً ممتداً من طنجة إلى جاكرتا تصل مساحته وتعداده ما يقارب ثلث الكرة الارضية التى يمثلها أطلس ، ولا مقارنة  بين غزة وهذا العالم الذى يمتلك من الأعداد والامكانيات والقدرات والطاقات والثروات  ما لا يمتلكه مجتمعٌ على سطح الكرة الارضية ولكن كما يقول الشاعر: 

ملايين وياليت الملايين لم تكن       
      ويا ليت أرضَ الجاهلية بورُ

فإنك لا ترى لهم أثراً وما عدت تسمع حتى جعجعة ، كأنهم يعيشون خارج التاريخ والجغرافيا ، أسماؤهم عربية إسلامية، ولكن لا علاقة لهم بالقدس والاقصى ، بل علاقتهم أقوى بكثير مع امريكا واسرائيل وبعضهم جعل من اسرائيل حليفه الاستراتيجى وأضفى على الاحتلال شرعية احتلاله لفلسطين وأعطاه الضوء الأخضر لممارسة جرائمه ضد الشعب الفلسطينى والمقدسات وفرض وقائع توراتية جديدة على ارض القدس والاقصى.

 وتخرج غزة العنقاء والمذبوحة من الوريد إلى الوريد من تحت الركام وتعلن النفير العام   وتطلق صواريخ العزة والبطولة والكرامة نيابة عن مجموع الأمة العمياء والخرساء والصمّاء فى سماء فلسطين حمما لتزيل هذا التهديد التوراتى المزعوم عن الاقصى ولتحرق المحتل الغاصب فى كل بقعة يحتلها من ارض فلسطين ليهدأ الاقصى وينتشى وتنطلق الهتافات 
 والتكبيرات والزغاريد من أفواه حرائر فلسطين واطفالها وشبابها وكهولها بهجةً برفعةِ المقاومة وتحيةً الى غزة ، وفى  نفس الليلة فى تمام الساعة التاسعة مساءً تُرفرف روح القائد بهاء ابو العطا لتنقل الحدث إلى عسقلان وتل أبيب التى احترقت لتخرج الصحف الاسرائيلية وعلى الصفحة الأولى منها صورٌ لم تعشْها دولة الكيان منذ احتلالها عام ١٩٤٨ لفلسطين وبالمانشيت العريض ( الدولة تحترق ) .  

غزة تخلط الأوراق وتدمر أحلام الصهاينة ، وبكل ثقة واعتزاز يخرج علينا القائد النخالة " لا معنى للهدوء طالما تُنتهك حرمة القدس " ويؤكدها القائد الضيف " الهدوء يبدأ من القدس لا من غزة " إنه الربط المعجز والفذ ما بين القدس وغزة واعلانٌ عن وحدة التراب الفلسطينى ووحدة الشعب التى تجسدت فى انتفاضات عارمة وعمليات بطولية فى كل أنحاء فلسطين  زرعت هاجساً وجودياً حقيقياً فى العقل والوجدان الصهيونى الذى اعتقد أن جيل أوسلو فى القدس والضفة وغزة وشباب اللد والرملة ويافا وحيفا والناصرة وسخنين وام الفحم وأهلنا فى اراضى ال٤٨ تم تدجينهم وقد نسوا شيئاً إسمه فلسطين ، تنهض غزة لتعيد مركزية القدس من جديد وتُسقط الرواية الصهيونية المكذوبة ، فيما عواصمنا العربية والاسلامية غائبة عن الحدث وقد تمرغت كرامتها فى التراب ، عسى ان تُصلح غزة ما أفسدته الأنظمة الحاكمة المهزومة ، لننتظر ...

التعليقات