أثر تمكين النزلاء من الحق في الانتخاب على فكرة الإصلاح والتأهيل

أثر تمكين النزلاء من الحق في الانتخاب على فكرة الإصلاح والتأهيل
بقلم: المحامي سمير المناعمة

تضع الأنظمة العقابية القائمة على نهج حقوق الإنسان في الدول الديمقراطية، نُصب أعينها على الوصول إلى المحطة التي تؤمن استعادة الإنسان الذي انحرف في سلوكه، وفي الآن نفسه تلتزم إدارة المؤسسات العقابية بتنفيذ نوع ومقدار العقوبة التي قررها قضاء الحكم، وفقاً لمبدأ الشرعية الجنائية، فإذا كان محل العقوبة تقييد الحق في الحرية الشخصية، فإن تلك الإدارة تكتفي بحجزها للنزيل وفق المدة المُقررة، وإذا كان محلها الإنقاص من الذمة المالية للشخص فإن تلك الإدارة تكتفي باستيفاء الغرامة المالية منه وبالقدر الذي قرره قضاء الحكم.

أما الحقوق الأخرى فإن النزيل يظل يتمتع بها، طالما لم ينصب عليها الحكم القضائي، ولم يتقرر حرمانه منها، ومن بين تلك الحقوق مثلاً تلقي زيارة الأهل والتواصل مع العالم الخارجي والتعليم والصحة والحق في الانتخاب ما لم تحول أمامه أحكام المادة (29) من القانون الانتخابي الفلسطيني المتعلقة بالموانع الانتخابية. لذا نجد مرافق الدولة الأخرى تُقدم خدماتها إلى النزيل  كمرفق الصحة الذي يقدم له خدمة الحق في العلاج، ومرفق التعليم الذي يُقدم له خدمة الحق في التعليم في حال قرر مواصلة تعليمه، ومرفق الأمن الذي يضع الترتيبات اللازمة لتمكينه من حقه في تلقي زيارة الأهل والتواصل مع العالم الخارجي. أما لجنة الانتخابات المركزية بوصفها مرفق مصلحي مُستقل أناط بها القانون إدارة العملية الانتخابية، فإن عليها واجب كالمرافق الأخرى تجاه النزلاء، وقوامه اتخاذ الإجراءات والترتيبات اللازمة لتمكينهم من حقهم في الانتخاب، ما لم تحول أمامهم الموانع القانونية من ذلك.

ودون إغفال تعقيدات المسألة من الناحية اللوجستية نظراً لتواجد النزلاء في مراكز احتجاز متباعدة في كافة محافظات الوطن، ومن الناحية القانونية الموضوعية والإجرائية المتصلة بوجوب ضمان سرية التصويت وفقاً للمادة (28/2) من القانون الانتخابي، وتصويت الناخب في منطقته الانتخابية المسجل فيها (مادة (28/3)، فإنه يُمكن التغلب على الناحية الأولى من خلال تشكيل لجنة مشتركة بين وزارة الداخلية ولجنة الانتخابات المركزية، لوضع الترتيبات اللوجستية ومنها تخصيص أمكنة معزولة بالستائر في كل مركز على غرار مراكز الاقتراع وفق مواصفات المادة (74) من القانون ذاته، مع رسم الترتيبات الأخرى الرامية لإعمال مبدأ سرية التصويت، إضافة لدعوة وكلاء القوائم والمراقبين للحضور، أما الناحية الثانية فإنه يمكن التغلب عليها من خلال نقل كل نزيل إلى مركز الاحتجاز الواقع في منطقته الانتخابية وفيه يُدلي بصوته إعمالاً لأحكام المادة (28/3) من القانون المذكور. هذا مع الإشارة إلى إمكانية خروج اللجنة المشتركة بأفكار أخرى على غرار ما سبق. 

إن من شأن إشراك النزلاء التي تنطبق عليهم شروط الحق في الانتخاب، في العملية الديمقراطية، يتمثل في الوصول إلى الآتي: 1- تسهيل إعادة دمجه في المجتمع تحقيقاً لأغراض البرامج الإصلاحية والتأهيلية التي تضعها إدارة المؤسسات العقابية، ليلحق بركبه ويغدو شخصاً نافعاً منتجاً. 2-تحقيق فكرة التمثيل الحقيقي والكامل للهيئات النيابية باعتبار النزلاء جزء من الأمة. 3- احترام ومراعاة إرادة الهيئات التشريعية والقضائية التي حددت نطاق العقوبة المفروضة على الشخص النزيل. 4-  تضامن مرافق الدولة وتكامل أدوارها في تأدية الوظائف الدستورية والقانونية في إتاحة الحق في المشاركة السياسية . 5-المساهمة في تخلص النزيل من المشاعر الناقمة على المجتمع بعد أن حُجزت حريته الشخصية لفترة من الزمن.

إن الديمقراطية بمدلولها الموضوعي -حكم الشعب للشعب- تقتضي ضمان تمكين جميع المواطنين من حقهم في اختيار ممثلين منهم في الهيئات النيابية، ما لم تحرمهم الموانع الانتخابية من ذلك، حتى يُصار إلى عملية انتخابية حقيقية وليست شكلية، الأمر الذي يستوجب تعاون كافة الجهات وفي مقدمتها لجنة الانتخابات المركزية والجهات الحكومية المختصة، للتغلب على العقبات كافة، وتجسيد المشهد الديمقراطي الفلسطيني الكامل لشعبٍ يستحق الحرية والاستقلال كغيره من الأمم المتمدينة. 

التعليقات