الانتخابات الفلسطينية.. تعطش للتغيير وإنهاء الإنقسام

الانتخابات الفلسطينية.. تعطش للتغيير وإنهاء الإنقسام
مصطفى البرغوثي
الانتخابات الفلسطينية: تعطش للتغيير وإنهاء الإنقسام

 بقلم د. مصطفى البرغوثي

الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية  

نسبة التسجيل العالية للمشاركة في الانتخابات الفلسطينية والتي وصلت إلى 92%، والارتفاع غير المسبوق في عدد القوائم التي ترشحت للانتخابات وبلغت 36 قائمة، تمثل أدلة واضحة على تعطش الشعب الفلسطيني للتغيير، بعد أن حُرم على مدار خمسة عشر عاما من حقه الديمقراطي في انتخاب قياداته، ولم تتح له فرصة المشاركة في الانتخابات الرئاسية والتشريعية منذ عام 1993 إلا مرتين في أعوام 1996 و 2006.

أما المجلس الوطني الفلسطيني فلم تجر لأعضائه أي انتخابات مباشرة من قبل، لأن نظامه اعتمد على تمثيل الفصائل بنظام الكوتا، ومندوبي المنظمات الشعبية، والمستقلين بالتعيين.

لقاء الأمناء العامين للقوى الفلسطينية الذي عُقد في أيلول من العام الماضي فتح الباب لإجراء انتخابات مترابطة للمجلس التشريعي الذي سيصبح أعضاؤه جزءً من المجلس الوطني، وللرئاسة، ولباقي أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني في الخارج.

وبذلك فإن الإنتخابات الفلسطينية لم تعد محصورة بمؤسسات السلطة، بل بكل مكونات النظام السياسي الفلسطيني بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية.

التعطش العارم للتغيير موجة نحو ثلاثة أمور تُغضب الشارع والمواطن الفلسطيني:

أولا- الاتفاقيات الجائرة التي عقدت مع إسرائيل كاتفاق أوسلو واتفاق باريس الاقتصادي وما أنتجته من تنسيق أمني، فرض منظومة ظالمة تجبر من هم تحت الإحتلال على توفير الحماية لمن يحتلونهم، دون أن يكونوا قادرين على حماية أبناء وبنات شعبهم من الاحتلال نفسه.

وهو غضب يتجه ضد المس بالحقوق الفلسطينية بما في ذلك الاستعمار الاستيطاني وصفقة القرن ومشاريع التطبيع التي مثلت طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني، وضد نهج المفاوضات الفاشلة والتي أُستخدمت من إسرائيل كغطاء للتوسع الاستيطاني.

وسيكون من الصعب على بعض القوائم التي ترشحت كقوائم معارضة للسلطة القائمة، أن تفسر قناعاتها بضرورة  المراهنة على دور الولايات المتحدة، أو الصمت و التساوق مع مشاريع التطبيع العربية.

ثانيا- منظومات الحكم السائدة التي تتحكم بالحياة اليومية للفلسطينيين في الضفة والقطاع، رغم أنها بمجملها واقعة تحت الاحتلال المباشر أو غير المباشر بالحصار المفروض على قطاع غزة.

ويتمركز الغضب في هذا المجال ضد التمييز بين المواطنين على أسس حزبية وفئوية وأحيانا عائلية، أي ضد منظومة المحسوبية والواسطة، وانعدام تكافؤ الفرص خاصة لجيل الشباب، وغياب منهج  اقتصادي لدعم صمود الناس في وجه الاحتلال و الاستيطان، وضد تخصيص أكبر جزء من الموازنات للمنظومة الأمنية على حساب دعم احتياجات الناس الصحية، والزراعية، والتعليمية، والإجتماعية.

بالإضافة إلى غياب الفصل بين السلطات، وهيمنة السلطة التنفيذية على السلطات التشريعية والقضائية، وزوال إستقلال القضاء، وتضاؤل دور المؤسسات وتهميشها.

ثالثا- الانقسام بين حركتي فتح وحماس الذي ما زال مستمرا منذ عام 2007 بعد إنهيار حكومة الوحدة الوطنية الوحيدة منذ نشوء السلطة  والتي لم تعش سوى ستة وثمانين يوما، وهو إنقسام تكرس، بدل أن يتلاشي، ليترافق مع خلافات مؤسفة جديدة داخل حركة فتح، مع إدراك عميق لدى جماهير الشعب الفلسطيني بأن الانقسام هو سبب الضعف الرئيسي، ومصدر النزيف المتواصل في طاقات وقدرات الشعب الفلسطيني.

التغيير الذي يطمح له الشعب الفلسطيني جوهره التعطش لإنهاء الإنقسام، واستبداله بنظام الشراكة الديمقراطية، والتطلع إلى تغيير النظام السياسي بإزالة كل أشكال التمييز والمحسوبية ، وتبني سياسات تلبي طموحات واحتياجات الشعب الفلسطيني. تغيير يفتح الطريق لاستبدال نهج المفاوضات  باستراتيجية وطنية جديدة تركز على مقاومة الاحتلال و نظام التمييز العنصري والتمسك بالحقوق الوطنية الفلسطينية و تغيير ميزان القوى لصالح الشعب الفلسطيني.  

ومن ناحية أخرى تواجه الانتخابات الفلسطينية تحديات كبيرة، منها سعي الاحتلال المعلن، بالإضافة لموقف بعض الأطراف الدولية والإقليمية، لإلغاء الإنتخابات.

ولم يتورع الإحتلال عن شن حملات إعتقالات ضد نواب سابقين ومرشحين محتملين، مع إطلاق التهديدات بإعتقال بعض الذين ينوون الترشح. ويواصل الحكام العسكريون الإسرائيليون إطلاق التصريحات بأنهم ضد إجراء الانتخابات وأنهم يعملون على منع إجرائها في القدس.

أما التحدي الثاني  والذي مظهره العدد الكبير من القوائم المرشحة، فيكمن في أن غياب الانتخابات والعملية الديمقراطية لسنوات طويلة خلق حالة من التصحر السياسي، والتحجر في النظم السياسية، مما أدى إلى الانكفاء عن التنظيمات السياسية وعن آليات العمل السياسي المنظم، بالإضافة إلى ما سببته وسائل الإتصال الحديثة من تعزيز للفردية.

أما التحدي الثالث، فيكمن في إجراءات الاحتلال المنهجية منذ وقع أوسلو، بتجزئة وتقطيع أوصال الأراضي المحتلة، فالقدس معزولة وممنوعة على غالبية سكان الضفة الغربية وجميع سكان قطاع غزة.

وقطاع غزة مفصول بالكامل عن الضفة الغربية ولا يستطيع أحد الوصول إليه أو الخروج منه إلى الضفة إلا بتصريح عسكري إسرائيلي.

أما الضفة الغربية فتم تجزئتها إلى 224 جزيرة منفصلة عن بعضها، بالحواجز وجدار الفصل العنصري،  و المستعمرات الاستيطانية.

هذه العوامل بالإضافة إلى عوامل مبرَرة أخرى مثل الإحساس بالظلم والتمييز أدت، دون شك، إلى ما رأيناه من تعزيز الاتجاهات العشائرية و المناطقية في بعض القوائم، وفي الاحتجاجات العديدة حول موقع بعض المرشحين في القوائم.

إجراء الانتخابات بنظام التمثيل النسبي، خطوة هامة نحو تطوير النظام السياسي الفلسطيني، ولكن بعض الإتجاهات تجد صعوبة  في التأقلم معه، وتجد الحل في زيادة عدد القوائم المترشحة، وهو أمر شائع في بلدان أخرى، ومقبول ديمقراطيا.

تواجه الانتخابات الفلسطينية التي طال انتظارها تحديات كبيرة، وتهديدات بإلغائها أو تأجيلها، وهو أمر يمكن أن يشكل صدمة للشعب والمجتمع الفلسطيني ، الطامح بكل جوانحه للتغيير الشامل ولإنهاء الإنقسام.

التعليقات